القبـــــــــــة
تلك هي كالشمس الساطعة، محتضنة البقعة الرضويّة المطهّرة، ساجدةً أنوارها القدسيّة على ديوان الحرم الشامخ لثامن أئمّة الحقّ عليّ بن موسى الرضا صلوات الله عليه.
ولا ريب أنّ أبرز مظهر يدلّنا من بعيد على المرقد الشريف للمولى الرؤوف الرضا عليه السّلام هو تلكم القبّة الذهبيّة الصفراء المتلألئة من جميع جهاتها، تجذب عيون الزائرين القاصدين من جميع أطرافها، لتنحنيَ القلوب مسلّمةً عن بُعد قبل الألسنة والشفاه، حتّى لَيمكن القول بأنّ أوّل صورة تخطر على الأذهان حينما تُطلق كلمة «مشهد» هي صورة تلك القبّة الذهبيّة للحرم الرضويّ المنوّر.
تاريخ القبّة الرضويّة المباركة
إن أوّل قبّة بُنيت فوق المزار القدسيّ، كانت على يد شرف الدين القمّيّ بإعانة مجموعةٍ من الخبراء، وذلك في مقتَبَل القرن الهجريّ السادس، وكان بناؤها ـ كما يذكر المؤرّخون ـ من القاشاني، ثمّ بُدّل بعد سنوات بصفائح ذهبيّة برّاقة.
وعلى أثر غارة الأزبكيّين، تعرّضت القبّة الذهبيّة إلى السلب، فجُدّد بناؤها ورُصفت من جديد بصفائح الذهب الخالص في العهد الصفويّ حتّى أخذت صورتها على ما نراها اليوم.
كان بناء القبّة الثانية هذه فوق القبة الأُولى، مع ترك فاصلة تتخلّلها نوافذ عديدة. فصارت القبّة الشريفة كأنّها تتكوّن من سقفَين، أو غطاءين: التحتيّ منهما ذو منافذ تؤدّي إلى الفوقيّ، وهو مطلٌّ على الضريح الطاهر، وقد بنيت تلك المنافذ على أشكال مُقَعَّرة ومُقَرْنَصة. أمّا الغطاء الخارجيّ للقبّة، فهو مغطّى بالذهب، مشعّ بأنواره الشمسيّة البهيّة من الخارج.
يبلغ ارتفاع القبّة من أرضيّة الحرم إلى أعلى نقطةٍ في قمّة المُحدَّب 31 متراً و 20 سنتيمتراً. ويُرى على حافّاتها من جهة إطارها الدائريّ الداخليّ على مدى ارتفاع 6 أمتار و 74 سنتيمتراً طوقٌ بعرض 1 متر و 90 سنتيمتراً، كُتبت عليه كلمات بارزة بالخطّ الثلثيّ، يرجع تاريخها إلى عام 1016هـ، وهي سنة تزيين القبّة الشريفة من غطائها الداخليّ المطعَّم بالمرايا الملوّنة والألوان والنقوش الجذّابة. وهذه المرايا والألوان والنقوش هي آية من آيات الفنّ، ومَعلم من معالم الجمال الأخّاد. وربما انفردت قبّة الإمام الرضا سلام الله عليه بهذه المزايا الجماليّة البديعة من بين كافّة القباب في العالم الإسلاميّ.
المنائــــــــــــر
ضمن مجموعة العتبة الرضويّة المقدّسة..هنالك 8 منائر مبنيّة بطراز يتّسم بالروعة والجلال، واحدة منها قرب القبّة المطهّرة، تعلو الإيوان الذهبيّ إلى جهة صحن الثورة (الصحن القديم). وأخرى تقع إلى جهة شمال القبّة لتعلو الإيوان العبّاسيّ.
وهناك منارتان أُخريان تستقرّان على أعلى البابين: الشماليّ والجنوبيّ لصحن الإمام الخمينيّ (رض)، وهما صغيرتان، كأنّهما باقة زهور، ومنارتان أعلى الباب الشماليّ والجنوبيّ من صحن الجمهورية مطليّتان بالذهب ومزيّنتان بالقاشاني التوأم.
فتكون المنائر المحيطة بالقبة الشريفة 6 منائر، فإذا أضفنا إليها منارة القبة التي بُنيت قربها ـ ويحتمل أنّها بُنيت معها ـ فتكون من آثار القرن الهجريّ السادس، إذ كان من طرز البناء أن تُبنى منارة إلى جنب كلّ قبة.. ثمّ إذا أضفنا إلى تلك المنائر منارة مسجد گوهرشاد، فإنّ مجموع منائر الحرم الرضويّ المبارك سيكون ثمانية، مُجانَسةً للعدد المعروف للإمام الرضا عليه السّلام بوصفه ثامن أئمّة أهل البيت الاثني عشر عليهم السّلام.
وتلك المنائر السامقة لَتدلّ من بعيد على ضريح المولى الرضا عليه السّلام واللافت جاذبة عيون المقبلين وقلوبهم، بطرازها البهيّ، وارتفاعها الشامخ العظيم، واللافت للنظر هو أنّ القادم يرى القبّة الشريفة تقع بين منارتين، من أيّة جهةٍ جاء.