الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه عَبرة هو أم عِبرة؟
بتاريخ : 30-11-2011 الساعة : 02:03 PM
سؤال كثر حوله الكلام في السنوات الأخيرة، وهو عن الموقف الذي يجب أن يتخذه الإنسان الموالي لمذهب أهل البيت عليهم السلام تجاه الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه وقضيته العادلة وما مر عليه من المصائب والمحن وما مورس ضده وضد أهل بيته وأصحابه من ظلم وتعسف؟
فذهب البعض إلى ان الموقف من حيث المبدأ لابد أن يتصف بالتأثر والمأساوية تجاه كل ما وقع على الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه من مصائب ومحن، وان تفجر في ذكرى استشهاده انهار الدموع، وان يتم التأكيد وبالدرجة الأولى على كل ما من شانه أن يثير الحزن ويهيج اللوعة، متمسكين في كل ذلك بالروايات الصحيحة التي نقلت لنا أحوال الأئمة المعصومين عليهم السلام إذا ما مرت بهم ذكرى يوم العاشر من المحرم، فعن أبي بصير، عن الصادق صلوات الله وسلامه عليه، عن آبائه عليهم السلام قال: (قال أبو عبد الله الحسين صلوات الله وسلامه عليه: أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا استعبر)(1).
وعن ابن خارجة، عن أبي عبد الله صلوات الله وسلامه عليه قال: (قال الحسين بن علي عليهما السلام: أنا قتيل العبرة، قتلت مكروبا وحقيق على الله أن لا يأتيني مكروب إلا أرده واقلبه إلى أهله مسرورا)(2).
وعن أبي عمارة المنشد قال: (ما ذكر الحسين بن علي عند أبي عبد الله صلوات الله وسلامه عليه في يوم قط فرئي أبو عبد الله صلوات الله وسلامه عليه متبسما في ذلك اليوم إلى الليل، وكان أبو عبد الله صلوات الله وسلامه عليه يقول: الحسين عبرة كل مؤمن)(3).
وعن إبراهيم بن أبي محمود قال: قال الرضا صلوات الله وسلامه عليه: (إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال، فاستحلت فيه دماؤنا، وهتكت فيه حرمتنا، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقلنا، ولم ترع لرسول الله صلى الله عليه وآله حرمة في أمرنا، إن يوم الحسين صلوات الله وسلامه عليه أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام. ثم قال صلوات الله وسلامه عليه: كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين صلوات الله وسلامه عليه)(4).
وعن علي بن الحسن بن فضال، عن أبيه، عن الرضا صلوات الله وسلامه عليه قال: (من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة، ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه، جعل الله عز وجل يوم القيامة يوم فرحه وسروره، وقرت بنا في الجنان عينه، ومن سمى يوم عاشوراء يوم بركة وادخر فيه لمنزله شيئا لم يبارك له فيما ادخر، وحشر يوم القيامة مع يزيد وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد ــ لعنهم الله ــ إلى أسفل درك من النار)(5).
فالروايات كما ترى واردة بلفظ العَبرة والتي هي بمعنى استجلاب الدمع أو تردد البكاء في الصدر، كذلك الروايات جعلت من الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه وما جرى عليه مصدرا من مصادر اللوعة والألم وانهمار الدمع، وان سيرة الأئمة عليهم السلام قائمة على استذكار كل ما من شأنه أن يستدر اللوعة ويزيد البكاء. فضلا عن إعتماد أنصار هذا الرأي على الروايات المستفيضة التي وردت في حق الباكين والمتوجعين على مصيبة أبي عبد الله الحسين صلوات الله وسلامه عليه، والتي يطول بنا المقام لو أردنا استقصاءها.
لكن هذا الكلام لم يعجب طائفة أخرى من الناس الذين رأوا أن الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه لم يقتل ليبكى عليه فقط، أو لينصب له مجالس اللطم والعزاء، وإنما ضحى بنفسه من أجل أهداف أسمى وغايات أعظم، فهو قد خرج لطلب الإصلاح في امة النبي ، لذلك رأى هذا البعض ان تحجيم هذا العطاء وهذه الغايات في عقد مجالس الرثاء والنوح والبكاء ظلم لسيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه ولثورته العظيمة، لذلك شجع أنصار هذا التيار الفكري على إقامة المؤتمرات ومعارض الصور والرسم وكل ما لا يدخل البكاء والنوح في ضمنه، والاستغناء عن مسيرات اللطم وغيرها بالمظاهرات السلمية، ورفع اللافتات بدل رفع الأيدي ولطم الصدور.
وكم من مرة ومرة سمعنا وسمع الناس كلمات التشنيع والقدح والذم من أنصار الطائفة الثانية على أنصار ومؤيدي إقامة مجالس العزاء والبكاء في أيام عاشوراء، بذريعة ان هذه المجالس تجعل من الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه عبرة ــ بالفتح ــ بينما المفروض ان يكون الإمام الحسين بزعمهم عبرة ــ بالكسر ــ بينما الواقع العملي يكذب هذه الذريعة فكل مجالس الرثاء والعزاء اليوم بحمد الله تجمع ما بين العبرة ــ بالكسر ــ وما بين العبرة ــ بالفتح ــ فالخطيب يبدأ بالوعظ والإرشاد واستلهام الدروس والعبر من حياة سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه وباقي أهل البيت عليهم السلام ومن ثم يجعل مسك الختام مكرّساً لذكر مصائب العترة الطاهرة ورزاياهم يوم العاشر من المحرم، بل وحتى قصائد اللطم اليوم أصبحت بحمد الله عبارة عن مزيج ما بين الصور المأساوية التي حملتها ثورة عاشوراء وما بين عدة من المعالجات العقائدية والاجتماعية التي يعيشها الإنسان الموالي والمؤمن بقضية الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه، فما يتمسك به المتحاملون على مجالس الرثاء والبكاء واللطم والعزاء عارٍ عن الحقيقة ومن ورائه أسباب ودواعٍ تهدف في الغالب إلى القضاء على الشعائر الحسينية وهدمها شعيرة بعد شعيرة.
ثم إننا لم نعرف سبب إصرار بعض الأشخاص والجهات والأحزاب على جعل يوم عاشوراء يوم مسيرات ومؤتمرات سياسية مع ان التوجيه الوارد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام هو جعل يوم عاشوراء يوم حزن وبكاء ومصيبة ولا أرى وجها معقولا ومقبولا لمثل هذه الأفعال غير الابتعاد الكبير ما بين هذه الأحزاب والجهات السياسية وما بين خط أهل البيت عليهم السلام، هذا فيما لو أحسنا الظن بهم ولم نقل ان العملية مدروسة بدقة للتغطية والتمويه على مصيبة الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه أو الاستفادة منها لإغراض شخصية فئوية.