ذهب الرجل بزوجته التي كانت على وشك الولادة إلى المستشفى لتلد..
وصلوا إلى المستشفى وأدخلوها قسم الطوارئ .. ثم إلى غرفة العمليات..
كانت هذه أول ولادة لها ..
لكنها أيضاً لم تكن طبيعية .. لقد كانت عملية قيصرية ..
كانت الزوجة صغيرة .. وذلك الزوج .. فأعمارهما ما بين الثامنة عشرة ..إلى العشرين..
وكان رحم البنت ضيقا .. فلم تتحمل ..
....
وكان الزوج في قاعة الانتظار ..
لم يجلس .. وإنما يمر بها ذهاباً وإيابا ..
كيف لا ..؟؟
وهو ينتظر البشارة ..
البشارة بأول مولود له ..
يشعر بأن الدنيا لا تسع فرحته ..
إنه شعور غريب .. أن يشعر الرجل بأنه سيصبح أباً .. والزوجة بأنها أم ..
يفكر كيف أن هذا الطفل سيملأ عليهم الدار..
كيف أنهم سيربونه أحسن تربية .. سيجعلونه يصبح رجلاً.. (( كان قد علم من خلال الفحوصات أنه ولد))
لكنه في نفس الوقت كان خائفا على زوجته ..
فقد كانت الطبيبة أخبرته بأن العملية لن تكون سهلة على الأم ولا على الطبيبة ..
كان لا يدري فيم يفكر ..
أفي أبنه القادم..؟؟
أو في زوجته التي قد تذهب؟؟
لم يستطع الرجل أن يتحمل فكرة أن زوجته ستذهب .. فركز تفكيره على أبنه الذي سيخرج إلى الدنيا بعد دقائق..
لكن قطع حبل تفكيره أن خرجت الطبيبة من غرفة العمليات ..
فأسرع إليها و:
بشري يا دكتورة ..
الطبيبة : مبروك .. جا لك ولد مثل البدر..
الأب الجديد: يبارك في أيام دكتورة .. متى أقدر أشوفه؟؟
-_ من فرحته نسي موضوع حالة زوجته .. لأنه من أساس الفكرة لم تعجبه .. وهو يعتقد بأنها تشاؤم._-
(( وهذا خطأ كبير يقع فيه كثير من الناس .. لا يفكرون في العواقب .. إلى أن تأتيهم الصدمة..))
الطبيبة: بإمكانك الحين تشوفه في الحضانة.. .. لكن ..
الرجل : لا لكن ولا شي .. وش فيه بعد .. بتقولون أشوفه من ورا القزاز؟؟
الطبيبة .. : لالا أخوي .. بإمكانك أنك تدخل له وتشوفه .. وتشيله بعد ..
الرجل: طيب ؟؟
الطبيبة : ........ لكن الله يعينك تربيه لحالك..
**********
أفاق الرجل وهو ممدد على سرير أبيض .. من أسرة المستشفى .. وكانت أم زوجته فوق رأسه تبكي وهي حاملة أبنه ..
لم تشعر به قد أفاق .. وكانت تنشد..:
راحت ياوليدي بنتي وراحت أمك..
والله يعينك يا وليدي تعشي بلا أم..
ما لك يا وليدي غير حضن والدك يضمك..
هذا أن عاش والدك ولا بتعيش بلا والدين ولا ضم..
والله ياوليدي لحطك عندي فوق راسي ..
وعوضك عن حنان والديك وأضمك
لم تنته الجدة من حديثها لحفيدها ..
لكنها أحست بزوج ابنتها قد أفاق ..
ألتفتت إليه .. ونظرت إلى ذلك الجسد الممدد كأنه بلا روح ..
لم تكن أنفاسه تتسارع .. ولا دقات قلبه تتضارب ..
لكن كانت دموعه الهادئة .. هي الدليل الوحيد على حياته ..
كان يصرخ في نفسه ينادي زوجته ..
لكنه لم يكن كمن يتحول حزنهم إلى غضب .. فرفع يده اليسرى يتحسس جبينه ..
فأحس بدمه يغلي في مخه ..
وأحس بنفس الشعور الذي قد كان أحس به لما فقد أمه وهو في الثالثة عشر ..
وفجأة ..
تذكر أنه لم ير أبنه حتى الآن ..
ابنه ..
الشيء الوحيد الذي تركته له زوجته كذكرى لها ..
فاعدل في جلسته .. ونصب ظهره بطريقة أحست منها حماته بأن البركان سينفجر ..
لكنه خيب ظنها .. وألتفت إليها ومد يده كأنما يشير إليها بابنه ..
فمدت حماته له ابنه وهي خائفة من أن يمس الطفل بأذى .. لأنه كان السبب في وفاة زوجته..
لكن الرجل لم يكن بلا عقل ليفكر في ذلك الموضوع .. فأخذ أبنه ونظر إليه ..
وتذكر أول أيام زواجه .. لما كان يجلس مع عروسه تحت السماء في الليل .. ويراقبون البدر..
ثم تذكر كلام الطبيبة : : مبروك .. جا لك ولد مثل البدر..
لم تكن الطبيبة تبالغ في وصفها له .. لقد كان مثل البدر .. ويأخذ من ملامح حماته الكثير ..
إلا أن العينين كانت كعيني أمه تماماً..
فلما رأى عيني ابنه قال:
راحت أمك مني وخلت لي العينين ..
يا جعل العينين اللي خلتهم يعيشون..
عينين تلخص فيهم الحلا والزين ..
يا حظك يا ولدي احسدك على هالعيون..
كانت تقول بعطيك عيوني لو تبيهم ..
يا جعل العينين اللي بقت منها ما يصيحون..
كان الولد ساكناً مستغرقاُ في نومه..
ووالده يبكي بهدوء .. وجدّته تإن على ابنتها ..
وطرق الباب..
فدخلت الطبيبة التي ولدت الأم التي لم تر ولدها ..
دخلت ويا ليتها لم تدخل ..
فأول ما رآها الزوج بدأ يبكي بصوت .. لكن صوته كان منخفضا..
ثم علا صوته حتى أيقض الطفل .. وحظرت الممرضة لتأخذه .. فذهب معها ..
(( كان سبب حضور طبيبة النساء والولادة .. هو أن الزوجة أعطت للطبيبة رسالة طلبت منها أن توصلها إليه إذا هي توفت .. لأنها كانت تعرف عن وفاتها ))
وانتظرت الطبيبة حتى هدأ .. ثم بدأت تعزيه ..
فقاطعها الرجل :
دكتورة أنا مو قادر أصدق .. كيف تروح عني من غير ما أسمح لها ؟؟ كيف ؟؟
الدكتورة: هي ما راحت بإرادتها .. هي راحت غصب عنها .. وأنت لازم تعيش من غيرها ..
(( كان الرجل صاحب خيال واسع .. وسرعة بديهة .. فأراد أن يشعر الطبيبة بما يشعر هو ))
فقال: دكتورة أبيك تفصخي الخاتم اللي في يدك إلين بكرة بس..
استغربت الطبيبة .. : ليش ؟؟
فقال: كانت هي بالنسبة لي مثل الخاتم .. وإذا انفك الخاتم .. شبي صير في الأصباع؟؟
الطبيبة وزاد استغرابها: شبيصير يعني ؟؟
الرجل : جربيها وشوفي.
ففصخت الطبيبة الخاتم من يدها .. ووضعته في جيبها ..
فقال الرجل : تعالي بكرة وقوليلي شلون تحسين في أصبعك..
(( وكان هذا إيذان لها بأنها تخرج من الغرفة .))
فخرجت الطبيبة ..
وفي اليوم التالي:
طرقت الطبيبة الباب ودخلت ..وألقت التحية .. وسألته عن أحواله ثم..
قال لها : هاه؟؟ كيف تحسين بأصباعك؟؟
الطبيبة بنبرة حزن وقد فهمت ما يرمي له : احس انه فاضي .. ما أحس فيه أصلا .. والله متعبني.. نسيت جكيت الأطباء أمس في المستشفى .. وكان فيه الخاتم.. لكن ما لبسته إلى الحين عشان أكلمك أول
قال: هذا اللي أنتي تحسيه في أصبعك ..وهذا اللي أنا أحسه فيني .. أحسه في جسمي كله ..
والفرق بيني وبين أصبعك .. أنك تدرين أن الخاتم موجود .. وأنك تقدرين تلبسينه .. فتصبرين نفسك ..
أما أنا .. فأدري أنه مستحيل ترجع لي ..
ونفس الحال مع الأصباع .. كل ما ابتعد يوم عن وفاتها .. يزيد شوقي لها .. وجربي أنتي .. لا تلبسي الخاتم إلى بكرة ..
قالت : بالعكس .. بيتعود الأصباع على الجلوس بدون خاتم ..
قال: هذا اللي أنتي تعتقدينه .. جربي إلى بكرة .. وبتشوفين..
فقالت: طيب .. أبجرب إلين بكرة .. والحين بخلي الخاتم عندك بعد عشان تصدق أني ما ألبسه
وفي اليوم التالي:
طرقت الطبيبة الباب ودخلت ..وألقت التحية .. وسألته عن أحواله فرأها قد لبست خاتم آخر ..
فقال لها : شفتي أنك ما قدرتي تتحملي بدون خاتم ..
فقالت له : شفت .. لكنني تصرفت صح .. ولبست خاتم غيره عشان أرتاح بعد ما فقدت الخاتم الأول..
فأحس الرجل بجسمه قد تقشعر كلياً.. فقد أخرسته الطبيبة ..
نعم .. إن كلامها صحيح مئة في المئة.. ليس من المهم أن يكون الخاتم نفسه ليريح الأصبع ..
المهم أن يكون نفس المقاس..
وليس من المهم أن يكون شريك الحياة نفسه ..
والمهم أن يكون نفس طريقة الحب .. والمعاملة .. والأخلاق..
فابتسمت له الطبيبة وأخرجت من جيبها الرسالة التي تركتها له زوجته .. وسلمته لها :
كان محتوى الرسالة:
حبيبي..
.................................................. .............................
.أنا أسفه على روحتي عنك .. لكن أنت تعرف أنها مو بيدي .. .
.ما كان ودي أروح عنك لكن ــــ .
. .
.حبيبي طلبي الوحيد منك أنك تجيب لمعاذ أم غيري .. .
. .
.(( سمي الولد معاذ لو سمحت)) .
. .
.حبيبتك .... .
. .................................................. ...........................
فالتفت الرجال على حماته التي كانت مبتسمة لأنها تعلم محتوى الرسالة .. وهي اللي قالت للطبيبة أن تقول له عن الخاتم ..
فطلب الرجل من حماته يد أبنتها .. للزواج..
فسألوا البنت ووافقت وتزوجا ..
صار للابن أم وخالة في شخص واحد ..
وعاش الرجل بعد ما فارق زوجته التي ماتت..وتركت له أبنه ليربيه وحده..