صُنع في هوليود ( أمريكا )... ج1
صوت الرصاص المنهمر بغزارة والسيارات المتزاحمة المنقلبة على بعضها بعــــضا ً
والمهشمة أحيانا ً مع صرخات نسائية رجالية إختلط بصراخ الزوج وهو يوبخ زوجته
لمشاهدتها مثل هذه الموردات التي ماعادت في نظره تنسجم مع مورثنا الشعبي
بل والديني فقال لها صارخا ً:-" إنها صناعة هوليود - صناعة أمريكية "... وماهي إلا
ثوان ٍ حتى سمع الزوجان صوت مفاجيء لطلقات نارية عديدة...
على الفور هُرع الزوجان إلى مكان الإطلاقات ؛ وإذابهم يذهلون لما يشاهدون !!...
إنها جارتهم العجوز إردت إبنها الوحيد بثلاث عيارات نارية فسقط في الحال قتيلا ً...
كان الجو جميلا ًوالأجواء لابأس بها الإنارة تنتشر في كل مكان وبحلل جميلة وأشكال
خالبة لا يلوثها شيء سوى أزيز سيارات الإسعاف أو سيارات المطافيء أو سيارات
النجدة التي تنشط في المدينة في مثل هكذا أعياد ؛؛ وكذا تُحلق المروحيات وهي
تفتح الأضوية بين ثنايا ناطحات السحاب...
صُنع في هوليود ( أمريكا )... ج 2
والتي بدت إحدها شبه خالية إلا من بعض الأنوار التي تلمظ بين الفينة والأخـــرى
ما ميزها عن بقية ناطحات السحاب ؛ يبدو أن سكانها قرروا قضاء عطلة الأعياد
في مكان آخر أكثر انفتاحا ً وحركة وانتشاء .
لكن هذه البناية كانت تنعم بصوت ما ؛ شاب في مقتبل العمر كان ينصت باستسلام
لرجل كبير في العمر مسترسل اللحية يضع فوق رأسه قلنسوة أو كوفية أو عمامة
أو غطاء ديني يُقدسه هو أو يتقدس به ويتسع له به قول مايريد ، وهاهو يفعل ويؤرجح
الشاب بين ذبذبات ألفاظه التي كما يبدو يختارها بحذق وحرفية ، وكأنهما لم يقتنعا
بفكرة الخروج في هذا الليل للاحتفال بعيد لايخصهم بل هو على النقيض من معتقدهم.
كانا مندمجين في التأصيل لفكرة تستضيء بتراث طويل من علم ودين ومنطق حياة؛
تحدثا عن موروث أصيل ورسالة سماوية ماكانت لتترك لتضيع منهما، كان هم الرجل
الكبير أن يخضع العالم كله لشرع وعقيدة هذه الرسالة السماوية المنصفة ، وأثناء
الحديث أخذت الحمية والحماسة مأخذها من الرجل الكبير فبدأيصرخ : " كلا ...كلا
للغرب ... كلا ... كلا للخضوع والاستذلال ... كلا ... كلا للتسليم والتسالم ...
وعندها سمعا لصراخ حاد دوى في جنبات البناية ...
صُنع في هوليود ( أمريكا ) ...ج3
هُرعا إلى مكان الصراخ وعند أحد الأبواب وقفا معا ً وســـــرعان ما
دفعاه معا ً بكل ما أوتيا من قوة ؛ شاهدا من بعيد شخـــصا ً لاهثاً
لم يتبق َمنه إلا رأس متخف ٍ بغطاء ما ولما تبعاه إختفى وغاربين
الأسلاك والحديد .
عادا ليبحثا عن مصدر الصراخ ؛ فوجدا عجوزا ً منطرحة قرب سرير
تناثرت عليه وعلى الأرضية أوراق نقدية مذهلة العدد وعلى بعد
منها مسدس أسود اللون لا يبدو أنه من مقتنيات العجوز.
لمعت فكرة في ذهن الرجل الكبير فترجمها بقدرته وواقعيته وحسن
تدبره للخطاب ؛ أقنع الشاب بضراوة وحدة الصراع ، بهره بالفرص
واستغلالها ، سحره بالغاية والوسيلة ، أبدل له الدرع بمقلوب المنطق
والنتيجة كانت بأن يحتفظا بكل هذه النقود لجارة الشاب لغرض
أسمى وأجل !!... لولا أنها استيقظت من توها ونطقت باسم الشاب
المجاور.
وهنا كان الحل حاضرا ً وإن تدخل المسدس الأسود بذلك ؛ فأطلق
الشاب منه رصاصة جديدة استقرت في فؤاد العجوز المستغيثة...
صُنع في هوليود ( أمريكا ) ... ج4
وبدأ الصراع بعدها بحدة وحرفية الحواس والجـــــــــــوارح وحُـــــسن الخلاص والتخلص
والحرب خدعة ؛ وكل شيء مباح وفق فقه وشـــــــــــــرع الأنا ؛ في مدينــــة ٍ باردة لا
بد أن يدفيء أحدهم نفسه ويفرك يديه ويضعهما في جيب معطــــــــــفه في المطعم
أو البارأو النادي أو أي مكان يجتمع فيه أهل الحوار المتبادل والمستهلك للصرفيات وبتقية
وإذا ماكانت المدينة تتصف بالدفء فيلوذ الشاب والرجل الكبير في المتنزهات والحدائق
والركض أحيانا ليروضا العظام والعضلات على هضم مقتنيات الليل والنهار ومتاعب السهر.
وفي جزر تطل على البحار ترسخ فكرة التمتع بصيف حار ٍ ولطيف .
افترق الشاب والرجل الكبير بعد أن تمكنا من الإنزواء في أحياء المدن بعيدا ًعـــــــن حمة
التصارع والجدل ؛ وبلحظة ٍ ما قبل ماكان يستحوذان عليه في عاصمة الشيطان الأكبركما
كان يحلو للرجل الكبير أن يتفوه دائما القسمة على اثنين ؛ أما كيف تمكنا من الحفاظ
على سرهما بموقع المسدس الأسود والأوراق النقدية ؛ فهو من البساطة بمكان أن
يحرر الرجل الكبير كلمات ممزوجة بسحر تراث متأصل .
وصلا في حبكة معينة وزمان ضاغط آخر إلى عاصمة دولة المقدسات وأخذ كل منهما
قبضة من تراب بكيفه وألزقها ناحية الأنف كي يشمها؛ رغم أنهما لم يتصاحبا في سفرة
الإياب
صُنع في هوليود ( أمريكا ) ... ج5
في المسجد الكبير في العاصمة أم المصلين وقرأ لهم بعد الصلاة دعاء ًمشهورا ً
من ثم بقي في المسجد يقرأ القرآن الكريم حتى طلوع الشمس وكان حواليه
رفقة من ملائكة الأرض الحارسين ببذلة وربطة عنق تحضروا للمسير لأن الرجل
الكبير قام من مجلسه متوجها لمركبته والتي يتبعها صف طويل مشابه .
بدأت حملة السير تذرع الشوارع بسرعة لاهبة ولاهثة لكنها توقفت عند تقاطع
للطرق ... كانت تتصارع فيه حملات السير للمركبات بما يطلق عليه مواكب .
ما أحدث ضوضاءا ً ومترافقا ًمع أصوات صفير المركبات إختلط بتحليق الطائرات
مع ضجة تراطن أصوات ملائكة الحراسة بهكذا إزدحام معطل وتنسيق ضائع .
أخبروه بعدم تمكنهم من الحركه ورجوه أن لايعكر صفوه بهذه الأمور وللخروج من
تلك المسألة فتحوا له جهاز التلفاز اللاقط المطور بالمركبة ؛ وبعد تقلب وتقليب
للأحداث المرئية كان الخبر ...القبض على عجوز تقتل ابنها الشاب بوحشية في ليلة
فائتة شاهدها الرجل الكبير وسمعها تقول وهي تنفش شعرها محمرة العينين
تائهة ترمق السماء بناظرها..(( أخبرني بسره العظيم لقد كان يصرف علي من الحرام
لقد عاد لي كي يكسي لحمي ويملأ بطني من مال عجوز مثلي جارة له مؤمنة
بشبابه طالبة لغوثه ...لقد عاد كي يفسد دينه وديني ويتلف عقله بأكوام المال بعد
أن كان موعودا ًبتوسيعه وتنقيته للمستقبل ...)) .
كل هذا لم يثره أو يشغل باله أو حتى يسجل تحركا ًما في جوارحه ، لكن صورة هذا الشاب
جعلته ينتفض ويحدق بذهول مع بدأ سير الموكب نحو وجهته الجديدة...