|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 77639
|
الإنتساب : Mar 2013
|
المشاركات : 741
|
بمعدل : 0.17 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
alyatem
المنتدى :
المنتدى الثقافي
بتاريخ : 11-03-2013 الساعة : 10:01 AM
ومهما يكن من أمر، فها هو (محمد باقر الصدر) يعود إلى الصدارة، ويستقطب أنظار الباحثين من خصومه ومن خارج دائرة الفكر الذي ينتمي إليه. يقول المؤرخ المعروف (ألبرت حوراني)، كما ينقل عنه الملاط: ""لقد أثبت هذا البحث بشكل وافٍ صدارة محمد باقر الصدر كعالم مهم ليس فقط في العراق ولكن أيضاً في العالم الشيعي، بل في العالم الإسلامي بأسره""، وإن كانت هذه الشهادة من (حوراني) لصالح بحث الملاط نفسه، فإنها شهادة للإمام الشهيد الصدر في الوقت نفسه.
في هذا الاتجاه نفسه يكتب شبلي الملاّط: ""باستثناء بعض الأوساط المغلقة على عوالم بقيت غريبة عنها، لم يعد اسم محمد باقر الصدر مجهولاً من أي باحث في الفكر الإسلامي المعاصر، بل من أي شخصٍ يولي اهتماماً لتأريخ المنطقة الحديثة"" (ص11 من مقدمة الطبعة العربية). ثم يستشهد بفقرة لأحد أشهر الصحافيين البريطانيين (إدوارد مورتمر) عن الشهيد الصدر قوله: ""الرجل الذي كان من الممكن أن يكون مانديلا العراق"".
لم يكن كتاب الباحث (شبلي الملاّط) الوحيد عن الإمام الشهيد الصدر كما هو معلوم للقرّاء، فقد سُبق بعشرات من الكتب والأبحاث، وليس الفريد من بينها أيضاً، ففيها ما هو أفضل وأدقَ وأشمل من كتاب شبلي الملاّط، وهذا ما لا يقلّل من أهمية كتابه أيضاً، وهو ما ينبغي أن يُقال ويُسجّل.
ولكن ما دعاني للاهتمام به علاوة على ما تميّز به من منهج أكاديمي، ربما تفرّده بأمور ثلاثة: كونه يبحث عن الشهيد الصدر وهو ما اهتم به منذ إسهامي الأول في كتاب (الإمام الشهيد الصدر ـ دراسة في سيرته ونهجه) وكونه يبحث في حقل خاص وهو الحقل القانوني، وكنت من طلاب الحقوق، وكونه يبحث في الحقل الفقهي الذي أرجو أن أكون شديد الصلة به.
هذه الحقول الثلاثة تكوّن المادة الأساسية لكتاب شبلي الملاّط، إن من حيث اللغة أو من حيث المضمون، فقد كتب شبلي الملاّط بوحي من هذه الحقول الثلاثة، عن الشهيد الصدر سيرة، وعنه فقيهاً، في الاقتصاد خاصة، وعنه فقيهاً في الدستور أيضاً.
ولابد أن يكون تقييم الكتاب وفقاً لهذه الحقول الثلاثة، وهو ما نرجو أن نطلّ عليه إطلالة سريعة، وإن كنا نرى أنّ أضعفها ـ على الإطلاق ـ فصل السيرة، هذا الفصل الذي خصّصه الملاّط للحديث عن حياة السيد الصدر في جانبها السياسي، الذي كتبه ـ كما يقول ـ بعد إلحاح ألبرت حوراني الذي نصحه بالتحدث عن سيرة الصدر السياسية بتفصيل أكبر (ص 20 من المقدمة للطبعة العربية)، وهو ما لم يذعن إليه شبلي الملاّط، وقد برّر ذلك لجهة رغبته في تحاشي البعد السياسي والتركيز على الجانب الفكري وحسب، لمعرفته بضيق البعد السياسي في عالمنا العربي ومزالقه الكثيرة.
ولكن اعتذار الملاّط لا يعفيه من المسؤولية بعد أن اختار الكتابة عن الجانب السياسي في حياة الشهيد الصدر، وكان عليه أن يشمل بعنايته أهم المحطات والمعالم التي تكوّن الجانب السياسي من حياة الشهيد الصدر، وخاصة دوره في أهمّ تجمع علمائي تأسّس في العراق ـ أعني جماعة العلماء ـ وتجربته الرائدة في تأسيس حزب الدعوة الإسلامية ودوره في قيادته ورعايته والتعاطي معه.
الباحث شبلي الملاّط ـ بشكل عام ـ معجب بالشهيد الصدر إن على المستوى العلمي ـ الفكري، أو على مستوى اللغة والأسلوب، وثمة عدد من مظاهر الإعجاب سجّلها في ثنايا كتابه، يجدها القارئ منتشرة هنا وهناك، أشير إلى واحدة منها، وهو يتحدث عن لغة الشهيد الصدر وأسلوبه الذي يصفه بــا""السلاسة الجاحظية والمنطق الصارم، وهو السهل الممتنع الذي خلب به محمد باقر الصدر عقول قرائه ـ كما يقول الملاّط ـ من (فدك في التأريخ) إلى محاضراته القرآنية في آخر حياته.."" (ص16 المقدمة العربية).
إن هذا الإعجاب جاء من قراءة مسهبة لتراث الشهيد الصدر وإن لم تكن ـ كما يبدو ـ قراءة ودقيقة وواعية للمنهج واللغة السائدة في تراث الشهيد الصدر نفسه، لأن الرجل غريب عن هذه اللغة وبعيد عنها أيضاً، كما أنه يعترف بحداثة معرفته بالشهيد الصدر وتراثه، الذي يرجعه إلى شتاء سنة 1981ـ 1982 بعد استشهاده، وهو يرى صوره على جدران الأحياء الشعبية ذات الأغلبية الشيعية في بيروت، (ص7 المقدمة العربية)، وهو هنا لا يخفي استغرابه من انتشار صوره في بيروت بهذه الكثافة، يقول: ""فكانت الزواريب البيروتية مدخلي الأول إلى محمد باقر الصدر، وأذكر دهشتي لرؤية صور عالم عراقي على جدران الأزقة، فإذا كانت صور الإمام موسى الصدر والإمام الخميني قد ملأت المدينة لمكانة الأول اللبنانية ولريادة الثاني الإيرانية علق في ذهني السؤال عن محمد باقر الصدر العراقي وسبب صدارته في بيروت""، (ص18 المقدمة العربية).
ولم تكن هذه الإطلالة كافية لشبلي الملاّط، وهي بالفعل إطلالة عفوية وشكلية على عالم الشهيد الصدر، لذلك كانت الإطلالة الثانية له أعمق يوم طلب منه الوزير اللبناني (وليد جنبلاط) ترتيب مكتبة أبيه الزعيم اللبناني المعروف (كمال جنبلاط)، يقول شبلي الملاّط: ""ومن بين كتب كمال جنبلاط، وجدت مؤلفاً لمحمد باقر الصدر، الذي كانت تبادرني صوره كل يوم أتردد فيه بين شطري بيروت، والكتاب كان بعنوان (اقتصادنا) يقع في أكثر من سبعمائة صفحة من القطع الكبير، لم يتسنَّ لي أن أقرأه آنذاك إلاّ أنني تصفحته مليّاً، وأُعجبت بهندسته الفكرية وجديّة مصادره الغربية والعربية توثيقاً للمراجع. وكم كنت بعيداً من تصوري حينذاك أنه سيأتي يوم أكرِّس فيه دراسة جامعية مطنبة للصدر، وأصبح قريباً لآله وأصحابه في العراق وإيران ولبنان"" (ص18 المقدمة العربية).
وأخذت مظاهر الاهتمام بعالم الشهيد الصدر تتزايد وتتجذر في حياة الباحث شبلي الملاّط، ولعل واحدة منها تعرفه على المؤرخ الفلسطيني (حنا بطاطو) الذي أرّخ للعراق، والذي اكتشف من خلاله أهمية الشهيد محمد باقر الصدر وموقعه السياسي في تأريخ العراق وموقعه الفكري والاجتماعي أيضاً. (ص 19 المقدمة العربية).
اهتمامه بالإمام الصدر المتأخر وغرابة البحث الإسلامي عنده وأدوات هذا البحث ولغته يمكن أن تغفر ـ كلها ـ للباحث الملاّط ما خفي عليه، إن على مستوى الإطلاع والتعرف أو على مستوى التفسير والشرح. ولا أجدني مضطراً لتقديم عدد كبير من النماذج في هذا المجال. فثمة عدد من (المقولات) مرّت على الباحث الملاّط ولم يستوعب معانيها، وربما فسّرها بنحو مغلوط، وربما كرّسها لتقديم صورة وتحليل ـ على أساسها ـ للقارئ ليست دقيقة.
ومن تلك النماذج تقييمه للبحث الفقهي عند الشهيد الصدر، وقد شاده على ما أسماه بالعمل الفقهي الشمولي الذي دأب الفقهاء (المراجع) على تقديمه كما هو (منهاج الصالحين) للسيد الحكيم، وللسيد الخوئي، و(تحرير الوسيلة) للسيد الخميني، ووجد أن ما يثير الاهتمام عند الصدر أنه لم يعن بما فعله هؤلاء في أعمالهم الفقهية الشمولية هذه بما يعبّر عن سعة إطلاعهم على الفقه الشيعي ومعرفتهم، وردّ ذلك إلى حداثة سنّ الشهيد الصدر، وإن كان ألمح إلى تعليقته على (منهاج الصالحين) للسيد الحكيم. (ص 18 القانون في النهضة الإسلامية).
وهنا يبدو الباحث الملاّط ـ وربما يكون معذوراً ـ غير مطلع على أنماط الكتابة الفقهية، حيث لم يميّز بين هذا النمط المسمى بـا(الرسالة العملية) باعتباره فتاوى مجردة عن الدليل، وهو عمل لا يكشف عن قدرات الفقيه ولا مدى سعة إطلاعه الفقهي، على عكس ما قدّمه الملاّط من تصور للقارئ، لأن الأعمال الفقهية التي تكشف عن هذه القدرات هي ما يكتبه الفقيه أو يقرره تلامذته (كما هو المألوف في كتابة دروسه العالية ومحاضراته)، وهو ما أنجزه الشهيد الصدر في (شرح العروة الوثقى) وغيره، كما أن تعليقته على (منهاج الصالحين) للسيد الحكيم جاءت مبكرة، ولم تكن متأخرة، خاصة في ظل الأعراف السائدة يومذاك في حاضرة النجف العلمية.
وكنموذج آخر، يخوض الباحث الملاّط تحت عنوان (تقليص نطاق الشريعة) في الحوار الفقهي العلني الذي جرى بين الإمام الخميني والسيد الخامنئي، وقد استوحى منه عدة نصائح ليست مرادة قطعاً ابتداءً من العنوان نفسه، (ص 123 وما بعد).
وتقوم هذه النتائج أساساً على عدم إطلاعه على لغة الفقه السائدة في الحواضر العلمية كالنجف وقم، وذلك على أساس التفريق بين العنوان الأولي والعنوان الثانوي للأحكام، ولكن تعاطي الملاّط تجاه هذه (المقولات) كان مشوباً بالإطلاق ودونما دقة علمية.
وربما انساق الباحث الملاّط وراء تفسيرات خاطئة لمقولات أخرى لم يكن فهمها بالعسير، كما في تفسره لما يعرف بـا(سهم الإمام) الذي فسّره بأنه ضريبة تجبى للعالم باعتباره ممثلاً للإمام المحتجب، في حين فسّر (الخمس) باعتباره حقاً لمعظم المجتهدين بوصفهم سادة ممن يتحدر من العترة النبوية نسباً (ص 62 مثل عليا في الفقه الشيعي)، مع أن (سهم الإمام) هو أحد قسمي (الخمس) نفسه، ويعطي للفقيه سواء كان متحدراً من العترة النبوية أم لم يكن متحدراً كما هو المعلوم.
|
|
|
|
|