|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 82198
|
الإنتساب : Aug 2015
|
المشاركات : 887
|
بمعدل : 0.26 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
اسلام ابي ذر رضى الله عنه
بتاريخ : 05-01-2017 الساعة : 08:51 AM
اسلام ابي ذر رضى الله عنه
كان إسلام أبي ذر (رحمه الله) الذي كان رابع، أو خامس من أسلم 2، حيث إنه سمع بمبعث النبي (صلى الله عليه وآله) فأرسل أخاه ليستقصي له الخبر، فرجع إليه، ولم يشف له غليلاً.
فذهب هو بنفسه إلى مكة؛ فكره أن يسأل عن النبي (صلى الله عليه وآله) علانية ورآه علي (عليه السلام) مضطجعاً في ناحية المسجد الحرام، فعرف أنه غريب، فاستضافه ثلاثة أيام لا يسأله عن شيء، ثم سأله أبو ذر عن النبي (صلى الله عليه وآله)، فأخذه إليه بصورة سرية؛ حيث أمره أن يتبعه، فإن رأى ما يخاف منه عطف كأنه يريد أن يقضي حاجة، أو يصلح نعله.
وبعد أن أسلم أبو ذر خرج إلى المسجد الحرام؛ فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فقام إليه المشركون فضربوه حتى أضجعوه، فأتى العباس؛ فأكب عليه، وقال: ويحكم، ألستم تعلمون: أنه من غفار، وإنها طريق تجارتكم إلى الشام؟ فتركوه، ولكنه عاد في اليوم الثاني إلى مثل ذلك، فخلصه العباس 3.
وثمة نصوص أخرى لا مجال لذكرها هنا.
ولما ضُرب أبو ذر جاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله، أما قريش فلا أدعهم حتى أثأر منهم، ضربوني.
فخرج حتى أقام بعسفان، وكلما أقبلت عير لقريش، يحملون الطعام، ينفر بهم على ثنية غزال؛ فتلقي أحمالها؛ فجمعوا الحنط، ويقول أبو ذر لقومه: لا يمس أحد حبة حتى تقولوا: (لا إله إلا الله).
فيقولون: (لا إله إلا الله)، ويأخذون الغرائر 4.
وحسب نص آخر: كان أبو ذر رجلاً شجاعاً يتفرد وحده بقطع الطريق، ويغير على الصرم 5 في عماية الصبح على ظهر فرسه، أو على قدميه كأنه السبع ..
إلى أن قال:
(فكان يعترض لعيرات قريش، فيقطعها، فيقول: لا أرد إليكم منها شيئاً، حتى تشهدوا: أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله: فكان على ذلك حتى هاجر رسول الله، ومضى بدر، وأحد، ثم قدم فأقام بالمدينة) 6.
وأسلم على يده نصف قبيلته غفار، ووعده الباقون بأن يسلموا إذا قدم النبي (صلى الله عليه وآله) المدينة 6.
وكان أبو ذر يتأله في الجاهلية، ويقول: (لا إله إلا الله)، ولا يعبد الأصنام، ويقال: إنه صلى قبل مبعث النبي (صلى الله عليه وآله) عدة سنوات 7.
ما يستفاد من حديث إسلام أبي ذر
أولاً: إن عدم عبادة أبي ذر للأصنام، ليس إلا من أجل منافرتها لحكم العقل، وللفطرة السليمة، حين لا تطغى على الإنسان أي من العوامل الخارجية التي تجعل على قلبه وبصره غشاوة.
ويلاحظ: أن القرآن ما زاد في مقاومته لعبادة الأصنام، والتوجيه إلى الله تعالى على أن نبه العقل، وأثاره، وأرشد إلى ما تقتضيه الفطرة السليمة في هذا المجال، وكل من يستعرض الآيات القرآنية يرى كيف أن القرآن يهتم في الإرجاع إلى الفطرة، وحكم العقل، ويعتبر أن لهما وحدهما الحق في الحكم في هذا المجال.
ثانياً: إن أسلوب علي (عليه السلام) في المحافظة على عنصر السرية، حتى لا يلتفت المشركون إلى طبيعة تحركاته وأهدافه، وأسلوبه في إيصاله أبا ذر إلى الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ـ رغم أنه لا يزال فتى يافعاً ـ إن دلَّ على شيء ؛ فإنما يدلُّ على دراية وروية، وتبصر وتدبر بالأمور، مما يؤكد امتيازه (عليه السلام) على غيره، ممن عاش ومارس الأمور.
كما أن اتكال أبي ذر رجل الحكمة والتبصر على دعوة علي (عليه السلام) له، واستجابته لدعوته ونزوله ضيفاً عليه، يدلّ على أنه كان يرى في علي من الحكمة والروية ما لا يراه في غيره، مهما كان فارق السن بينه وبين أولئك كبيراً.
ولقد كان (عليه السلام) يهدف إلى الحفاظ على أبي ذر من جهة، وعلى أن لا يُلفت نظر المشركين إلى أنه يقوم بنشاط من أجل إدخال الناس في هذا الدين الجديد من جهة أخرى، وهذا الثاني هو الأهم بالنسبة إليه، فإنه لا يمكن أن يتخلى عن الدعوة في سبيل الشخص، ولكن الشخص هو الذي يضحي بنفسه وبكل ما لديه في سبيل الحفاظ على الدعوة وبقائها، ولكن هذه التضحية لا بد أن تكون في وقت الحاجة إليها، وحين يكون لا بد منها ولا غنى عنها، وإلا فلربما يكون ضررها أكثر من نفعها، أو على الأقل يكون هدراً لطاقات، وإتلافاً لقدرات ربما تكون الدعوة في يوم ما بأمسّ الحاجة إليها.
ثالثاً: ما فعلته قريش بأبي ذر لم يكن بسبب أن المواجهة كانت قد وقعت بينها وبين النبي (صلى الله عليه وآله) ؛ فإن هذه المواجهة لم تكن حصلت حينئذٍ، وإنما رأت في تصرف أبي ذر هذا تحدياً لهـا، واعتداءً على شرفها، وكبريائها، ولا يقصد منه إلا تحقيرها وإذلالها، من دون مبرر ظاهر تراه وتتعقله لتصرف كهذا سواه، ولعلها أرادت من بطشها بهذا الرجل الغريب والوحيد ردع الآخرين، وإرهابهم، ومنعهم من الإقبال على الدخول في الإسلام، أو من التظاهر به.
رابعاً: إنتقام أبي ذر من قريش على ذلك النحو قد أثر فيها نفسياً، وروحياً إلى حد بعيد، وعرفها:
أنها لا يمكن أن تتعامل مع الآخرين، كما يحلو لها، وعلى حسب ما تشتهي، لأن الآخرين يملكون من الوسائل الفعالة للضغط عليها ما لا تجد معه حيلة، ولا تستطيع سبيلاً.
خامساً: إن نجاح أبي ذر في دعوته قومه من قبيلتي غفار وأسلم، حتى إنه يستغل تشوقهم للحصول على غرائر الحنطة لطرح الخيار النهائي عليهم ـ إن نجاحه هذا ـ ليدل على أنه كان بعيد الهمة والنظر عاقلاً لبيباً أريباً، يدرك أهداف الرسالة السماوية الحقة التي اعتنقها خير إدراك، ويدرك واجباته تجاهها، ثم هو ينفذ مهمته، ويقوم بواجباته على النحو الأكمل والأمثل.
سادساً: إن محاولات أبي ذر الجادة للتعرف على صدق النبي (صلى الله عليه وآله) في دعواه، وإرساله أخاه أولاً، ثم ذهابه هو بنفسه، وبقاءه ثلاثة أيام يبحث عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، إنما كانت بدافع ذاتي ينبع من داخله، يدفعه إلى البحث عن الحق، والعمل من أجله، وفي سبيله.
وهذا يؤيد القول: بأن العقل هو الذي يحكم ويدفع إلى تعلم ما ينفع، وما يضر، للالتزام بذاك، والابتعاد عن هذا. بل هو أمر فطري مغروس في فطرة الإنسان وطبيعته وسجيته، حتى إنك تجد الطفل الذي يحس بألم النار ليس فقط لا يحاول بعد ذلك الاقتراب منها، وإنما هو يجهد بكل ما أوتي من قوة وحول في الابتعاد عنها.
سابعاً: إن موقف علي (عليه السلام) من أبي ذر ليعكس لنا: أن هذا الفتى اليافع والناشئ كان يعتز بنفسه، ويثق بها، فيدعو أبا ذر ليكون ضيفه ثلاثة أيام، ثم هو يساعده على الوصول إلى النبي (صلى الله عليه وآله) بشكل ذكي وحذر، ثم هو يتركه ثلاثة أيام لا يسأله عن أمره حتى لا يشعر هذا الضيف بأن مضيفه ربما يكون قد ضاق به ذرعاً، أو ملّ وجوده؛ وليكون قد أتاح له الفرصة ليستأنس في هذا البلد الذي يراه غريباً عليه، ويألفه، ويرتاح إليه نفسياً، كما ارتاح جسدياً ؛ وليكون أنفذ بصيرة، وأكثر اطميناناً في بيان حاجته التي جاء من أجلها.
ثامناً: إن جهر أبي ذر بإسلامه، وتعريضه نفسه للضرب والإهانة من قبل المشركين، إنما يعكس لنا مدى اعتزاز أبي ذر بإسلامه هذا، ومدى استعداده للتضحية في سبيله، ثم هو يعكس مدى حنق قريش ورعونتها في مواجهة الدعوة إلى الله تعالى، حتى إنها تنسى: أن من تبطش به ربما يكون في المستقبل سبباً في عرقلة تجاراتها إلى الشام، ومضايقتها اقتصادياً.
نعم، تنسى ذلك، وتهجم عليه لتضربه، ثم ترتد عنه لا بدافع إنساني، ولا عن قناعة فكرية، وإنما لدوافع اقتصادية دنيوية، تعكس أنانيتها، ومستوى تفكيرها أولاً وأخيراً، ولا شيء أخطر على الإنسان من الأنانية التي ربما تضع على عينيه غشاوة؛ فلا يبصر الحق الأبلج، ولا يهتدي سواء السبيل.
تاسعاً: لعل أبا ذر قد أراد كسر شوكة أعداء الإسلام، وفتح ثغرة في هذا الجبروت، ثم كسر حاجز الخوف لدى المسلمين، ليتشجعوا على مواجهة الأخطار، وضرب المثل الحي لهم في مجال التضحية من أجل الدين والحق، كما أن ذلك لسوف يؤثر على من يميلون إلى هذا الدين ويتعاطفون مع المسلمين، ويثير إعجابهم بصورة كبيرة.
وأخيراً، فلسوف نرى: أن ثمة محاولات لنسبة موقف أبي ذر الشجاع والجريء والفذ هذا تجاه قريش إلى غيره من الصحابة، كأبي بكر تارة، وعمر أخرى.
ولكن كل ذلك لا يمكن أن يصح، كما سنذكره حين الحديث عن إسلام عمر، وهجرة أبي بكر
العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات،
|
|
|
|
|