بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على خاتم المرسلين محمد وآله الغر الميامين من الثوابت المسلمة في عملية البناء الحضاري القويم استناد الأمة إلى قيمها السليمة ومبادئها الأصلية ، الأمر الذي يمنحها الإرادة الصلبة والعزم الأكيد في التصدي لمختلف التحديات والتهديدات التي تروم نخر كيانها وزلزلة وجودها عبر سلسلة من الأفكار المنحرفة والآثار الضالة باستخدام أرقى وسائل التقنية الحديثة . وإن أنصفنا المقام حقه بعد مزيد من الدقة والتأمل نلحظ أن المرجعية الدينية المباركة كانت ولا زالت هي المنبع الأصيل والملاذ المطمئن لقاصدي الحقيقة ومراتبها الرفيعة ، كيف ؟ ! وهي التي تعكس تعاليم الدين الحنيف وقيمه المقدسة المستقاة من مدرسة آل العصمة والطهارة ( عليهم السلام ) بأبهى صورها وأجلى مصاديقها . هذا ، وكانت مرجعية سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني - مد ظله - هي السباقة دوما في مضمار الذب عن حمى العقيدة ومفاهيمها الرصينة ، فخطت بذلك خطوات مؤثرة والتزمت برامج ومشاريع قطفت وستقطف أينع الثمار بحوله تعالى . ومركز الأبحاث العقائدية هو واحد من المشاريع المباركة الذي أسس لأجل نصرة مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) وتعاليمه الرفيعة . ولهذا المركز قسم خاص يهتم بمعتنقي مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) على مختلف الجهات ، التي منها ترجمة ما تجود به أقلامهم وأفكارهم من نتاجات وآثار - حيث تحكي بوضوح عظمة نعمة الولاء التي من الله سبحانه وتعالى بها عليهم - إلى مطبوعات توزع في شتى أرجاء العالم . وهذا المؤلف " الصحابة في حجمهم الحقيقي " الذي يصدر ضمن " سلسلة الرحلة إلى الثقلين " مصداق حي وأثر عملي بارز يؤكد صحة هذا المدعى . على أن الجهود مستمرة في تقديم يد العون والدعم قدر المكنة لكل معتنقي المذهب الحق بشتى الطرق والأساليب ، مضافا إلى استقراء واستقصاء سيرة الماضين منهم والمعاصرين كي يتسنى جمعها في كتاب تحت عنوان " التعريف بمعتنقي مذهب أهل البيت " .
سائلينه تبارك وتعالى أن يتقبل هذا القليل بوافر لطفه وعنايته
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وأصحابه المتقين . أما بعد ، إن الاختلاف ليس شيئا بدعا وكما أنه ليس رحمة ، وقلما وجدت جماعة أو فرقة أو شعب أو حضارة لم يدب إليها الاختلاف فيقطع أوصالها ويفرق جمعها ، بل لا نعلم جماعة اتسقت أمورها وانتظمت وحدتها واستمر حالها على ذلك ، وقد ورد في أحاديث رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والأئمة من آله النهي عن الاختلاف والفرقة (أنظر قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في نهج البلاغة حيث يقول : " الخلاف يهدم الرأي " ص 646، الكلمات القصار) ، إذ ما اختلفت جماعة إلا وكان بعضها متبعا للهوى ، فالهوى هو السبب الرئيسي إن لم نقل الوحيد للاختلاف، وهكذا كان شأن هذه الأمة الإسلامية التي تعبد ربا واحدا وتؤمن بكتاب واحد وبنبي واحد ، حيث دب الاختلاف فيها فتقطعت طرائق قددا وأحزابا شتى وتقطعت تلكم الأحزاب إلى أخرى وهكذا حتى اختلط الحابل بالنابل وكل يدعي أنه على الصراط السوي ، والأتعس من ذلك من يدعي أن غيره على باطل محض . ولسنا الآن بصدد البحث في هذه الاختلافات وأسبابها ومن يقف وراءها أقول وبالله التوفيق : أنا المدعو الهاشمي بن علي التونسي ، نشأت وترعرعت في مدينتي قابس مدينة البحر والواحة وعشت سني طفولتي وشبابي في أحضان عائلة محافظة متوسطة الحال . وكنت منذ سني طفولتي متعلقا بالدين ، حيث ما زلت أذكر تلك الأيام الجميلة التي كنت أرافق فيها والدي لصلاة الجمعة في الجامع الكبير بالحي القديم من مدينتي ، وقد رزقني الله سبحانه حافظة عجيبة فكنت أرجع إلى البيت وأحكي لأهلي ما قاله الإمام في خطبة الجمعة وما جاء فيها من وعد ووعيد . وكانت لا تفوتني من الصلوات الخمس إلا صلاة الصبح ، حيث كان يتعذر علي حضورها لأن أهلي ما كانوا ليسمحوا لطفل صغير بالذهاب في ذلك الوقت المبكر لأداء الصلاة ، وكانت تقام في ذلك المسجد دروس في تاريخ الأنبياء وتاريخ الصحابة وسيرة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فما كان يفوتني منها حرف واحد . وكنت أحفظ قصائد في مدح خير البرية ، حيث كنت أواظب على الحضور في المناسبات الإسلامية وخاصة في المولد النبوي الشريف ، وكان مما يرغبني في حضور تلك المناسبات ما يقدم فيها من الحلويات والمشروبات وما كان فيها من الزينة والجمال . وقلما مرت فرصة يزورنا فيها أو أزور فيها بعض الأهل والأصدقاء إلا وطفقت أحدثهم عما امتلأت به ذاكرتي ، فتارة أحدثهم عن النبي يوسف (عليه السلام)، وأخرى عن تقوى الصحابة وإيثارهم ، وثالثة عن القيامة ، ورابعة عن الجحيم وأهوآلها ، وأخرى عن الجنة ونعيمها ، وكان البعض يتعجب مما أقول فلم يكن سمع بذلك طول عمره ولا واتته الفرصة أن يسمع . وهكذا استمر بي الحال حتى دخلت إلى مرحلة التعليم الثانوي ، حيث بدأنا ندرس فيها التاريخ الإسلامي منذ عصر ما قبل الإسلام إلى الفتنة الكبرى كما يقولون .
الصدمة
كنت أدرس في الصف مادة التاريخ ، وكان عندنا أستاذ يتبنى الفكر القومي ، ولما مررنا على معركة صفين ابتسم الأستاذ وقال : " فاقترح الداهية عمرو بن العاص فكرة رفع المصاحف حتى يخدعوا جيش علي وينجوا من الهزيمة المنكرة التي بدأت تلوح لهم " . صعقني جدا هذا الكلام ، فقلت في نفسي أعمرو بن العاص يفعل هذا ؟ هذا الصحابي الجليل - الذي عرفناه من أقتاب الصحابة كما قال لنا شيوخنا - يخدع ويمكر ؟ ! إذا أين تقوى الصحابة وإخلاصهم الذي دمغجنا به شيوخنا ؟ ! شعرت حينها بتمزق نفسي شديد بين ثقافتي الإسلامية التي تقدم كل الصحابة وترفعهم إلى صفوف الملائكة وبين حقائق التاريخ إن كانت حقة ؟ ! رجعت إلى البيت مغموما وسألت أخي عن المسألة فقال لي : إن هذا ليس من شأننا فلا تخض فيه وهم - أي الصحابة - أدرى بزمانهم و...
لم يقنعني هذا الكلام البارد الفارغ من كل معنى ، وهل يمكن أن يمارس المؤمن العادي الخداع والمكر ؟ ! فكيف بالصحابة ؟ ! وتمضي السنوات وتبقى في نفسي أشياء وأشياء ، لكني لما لم أصل إلى الجواب قفلت عليها في صدري وألقيت حبلها على غاربها ومضيت...
وتشاء الأقدار أن تجمعني بصديق قديم وزميل دراسة كنا تفارقنا مدة من الزمن وإذا بي أسمع أنه شيعي ؟ ! لقد كنت أعتقد أن المذهب السني هو المذهب الصافي وخاصة أتباع الإمام مالك إمام دار الهجرة حيث أن أكثر إفريقيا مالكيون ، وكنت أعتقد أن بقية المذاهب الثلاثة وإن كانت على الحق لكن المذهب المالكي أصفاها وأحقها ، نعم كانت أحيانا تجول في خاطري تساؤلات حول الاختلافات التي ما بين هذه المذاهب الأربعة وكنت لا أرى مبررا لاختلافها ، نعم لقد تعلمنا منذ صغرنا أن اختلافها رحمة وأنهم كلهم من رسول الله ملتمس ، لكن كان في نفسي من ذلك ما كان ، لكني قنعت بحجة شيوخنا أو ربما أقنعت بها نفسي . وكنت قاطعا ببطلان مذهب الشيعة وأنهم متطرفون في عقائدهم ، وكنت أسمع ما كان ينقله البعض حول بكاءهم على الحسين وسبهم للصحابة فيزداد عجبي، وكنت أتمنى أن ألتقي بواحد منهم لأقنعه أو على الأقل لأعرف لماذا هم هكذا . كان أول ما ناقشني فيه صديقي الشيعي حديث العشرة المبشرين بالجنة (أنظر ذلك في سنن ابن ماجة 1 : 48 ، باب فضائل العشرة) وقال لي : هل يعقل أن يكون طلحة والزبير وعلي في الجنة وقد قتل بعضهم بعضا وشتم بعضهم بعضا ؟ ! وهل يعقل كذلك أن يكونوا في النار ؟ ! فكان مما أجابني به أن الصحابة على ثلاثة أقسام : قسم الثابتين بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقسم المرتدين ( فعلا لا قولا ) ، وقسم المنافقين ، وعليه ليمكن أن يكونوا كلهم عدولا . ومما واجهني به صديقي هذا من الحجج حديث الثقلين الذي يقول فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض " (سنن الترمذي : ج 5 فضائل أمير المؤمنين) وقد كفانا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مؤونة إمامة الأمة السياسية والعلمية بالأئمة من أهل بيته . وخضنا نقاشات عديدة حول تنزيه الله تعالى عن الرؤية والحركة والانتقال وتنزيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من الذنوب والكبائر والخطأ والنسيان . وهكذا رأيت أن عائشة وحفصة نزلت فيهما سورة كاملة تهددهما بالطلاق وبعذاب النار...
ورأيت أن كل بناء السنة العقائدي متهاو بل هو من صنع وبناء حكام بني أمية أعداء الله ورسوله وبني العباس ومن بعدهم من الظالمين إلى اليوم . ورأيت أن الشيعة مذهب صاف عقلاني ملئ بالحجج الدامغة من القرآن الكريم والسنة المحمدية ولا مجال للخرافات والتحريفات والأكاذيب فيه ، وهكذا إذ بينما كنت أنسب إلى الشيعة كل قبيح ، استفقت على أن مذهبهم حق ، ولهذا كثرت حوله الأباطيل والدعايات الباطلة التي لم يرم بها حتى دين اليهود والمجوس . وعرفت حينها معنى قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة... ) (سورة الحجرات : 6) .
وعرفت الحديث القائل : " الناس أعداء ما جهلوا " (نهج البلاغة : 172 الكلمات القصار) .
وأنا من موقعي هذا أدع كل إنسان حر أن يطلع على كتب الشيعة وعلى آرائهم دون واسطة ، كما عرفت أنا كتب السنة كالبخاري والموطأ دون واسطة . وقارنوا بين المذاهب ، فلسنا أقل من معاوية الذي قتل النفوس وأحدث الفتن ثم يقال عنه : إنه اجتهد فأخطأ ، فنحن إن وصلنا إلى الحق - إلى دين الله ورسوله - فلنا أجران ، وإن لم نتوصل إلى ذلك فلعل الله يكتب لنا أجرا واحدا ، وذلك لصدق نياتنا وصفاء سرائرنا . وجربوا أن تطالعوا عن التشيع والشيعة الاثني عشرية ، فليس في ذلك بأس ولا ضرر ولا فتنة ولا سم كما يدعي بعض العلماء المتحجرين ، بل إن أحدنا يفاخر بأنه قرأ مجموعة آثار فيكتور هيجو مثلا أو اطلع على مسرحيات شكسبير وتجده جاهلا بما يقوله إخوانه وبما يعتقدونه جهلا مطبقا . أقول قولي هذا وأستغفر الله العلي العظيم
الهاشمي بن علي رمضان قابس - تونس
1 - شوال - 1419 ه
مفتاح الحقيقة
رأيت طوال حياتي - سنيا ثم شيعيا بعد ذلك - أن مسألة الصحابة عموما من المواضيع الحساسة والمهمة والتي جعلت فيما مضى على عيني حجابا منعني من الولوج في عالم البحث عن الحقيقة ، وكان سبب ذلك شيئان :
أولهما: أنني كنت خائفا في داخلي من التعرض للصحابة باعتبار ما تربينا عليه من التخويف والنهي عن الخوض في هذه المسألة ، فكانت تمثل خطا أحمرا بالنسبة لي بالرغم مما كان يجيش في صدري من صرخات وعذابات.
وثانيهما : ما كان يقوله شيوخنا بأن نكف عما شجر بين الصحابة فهم كلهم من أهل الصلاح وأنهم حاملوا لواء الرسالة بعد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وهذا ما جعلني أصرف النظر عن هكذا بحوث .
ولهذا اخترت موضوع مقالتي هذه مسألة الصحابة ، حتى ترتفع الضبابية عن الأعين .
الولوج في البحث
إن مسألة الصحبة من المسائل التي أسالت حبرا كثيرا وصار حولها لغط كثير ، فأهل السنة عموما يعتبرون الصحابة جزءا لا يتجزأ من إيمان الفرد المسلم ، وإذا طعن أي فرد بأي واحد من الصحابة فقد اقترف إثما عظيما ووزرا كبيرا . لكن هذه المسألة - مسألة الصحابة - لو يتجرد الباحث المسلم المنصف للخوض فيها فسيرى ويعلم علم اليقين أنها ليست من المعتقدات المهمة سواء التي اتفقت عليها طوائف المسلمين كالتوحيد والمعاد والنبوة ، ولا من التي اختلف حولها كالعدل والإمامة . فأركان الإسلام عند أهل السنة خمسة وهي : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، والصلاة والزكاة وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا والإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره.
فأين الصحابة من هذه الأركان الخمسة التي يقوم عليها الإسلام ؟ ! وأما عند الشيعة فأصول الدين خمسة وهي : التوحيد والعدل والنبوة والمعاد ، والإمامة ، وإن كان العدل والإمامة من أركان وأصول المذهب عندهم أي لا يكفر الإنسان بإنكارها ، وكما ترى فلا أثر للصحابة في هذه العقيدة ولا وجود لهم . وأما الإيمان ، فكما اتفقت عليه كلمة المسلمين وكما ورد في القرآن فمؤسس على الإيمان بالله وكتبه ورسله والملائكة . اقرأ قوله تعالى في سورة البقرة حيث يقول : ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ) ( سورة البقرة : 285 ) . وانظر إلى قوله تعالى في سورة النساء حيث يقول : ( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا ) ( سورة النساء : 136 ) . فأين محل الصحابة في هذا الإيمان؟!! ثم أليس لكل نبي صحابة ؟ ! فإذا كان الإيمان بصحابة رسول الله من ضرورات الإسلام أو من أركان الإيمان ، فلماذا لا يكون الإيمان بصحابة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى كذلك ؟ ! ثم بأي دليل من الكتاب والسنة نجد أن الإيمان بمسألة الصحابة جميعا واجب علينا كالإيمان بالله ورسوله ؟ !
كلمة الصحبة ومشتقاتها في القرآن
وقبل الخوض في هذا الموضوع بتفاصيله وأبعاده نرى لزاما علينا أن نأتي على كلمة الصحبة ومشتقاتها من القرآن الكريم ، لنرى أنها استعملت في معان عديدة مختلفة . يقول تعالى في كتابه المجيد مخاطبا مشركي قريش : ( ما بصاحبكم من جنة ) ( سورة سبأ : 46 ) ، فأنت ترى أن الله جعل عتاة قريش الذين اتهموا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالجنون ، تراه يخاطبهم بأنهم أصحابه ، وهذا المعنى لا يخفى على كل فطن ، إذ معناه رسولكم الذي أرسل إليكم . نفس هذا المعنى تجده في قوله تعالى : ( ما ضل صاحبكم وما غوى ) ( سورة النجم : 2 ) . ويتكرر هذا المعنى في قوله تعالى : ( وما صاحبكم بمجنون ) ( سورة التكوير : 22 ) . كذلك يطلق لفظ الصاحب أو الصحابي في القرآن على النسبة إلى مكان ، كقوله تعالى : ( يا صاحبي السجن ) ( سورة يوسف : 39 ) ، فبالرغم من أن رفيقي يوسف ( عليه السلام ) كانا كافرين بدليل قوله تعالى : ( أ أرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ) ( سورة يوسف : 39 ) . لكن لأنه جمعهما مكان واحد مع يوسف ، صارا صاحبين له نسبة إلى المكان الذي اجتمعوا فيه . هذا المعنى موجود أيضا في قوله تعالى : ( ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) ( سورة البقرة : 275 ) ، وأصحاب النار كما هو معلوم بالبداهة أهلها وساكنوها . ونفس المعنى أيضا موجود في الآيات التالية : ( أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ) ( سورة الفرقان : 24 ) . ( أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ) ( سورة الكهف : 9 ) . ( وقوم إبراهيم وأصحاب مدين ) ( سورة التوبة : 70 ) . ( ونادى أصحاب الأعراف ) ( سورة الأعراف : 48 ). ( وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين ) ( سورة الحجر : 78 ) . ( ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين ) ( سورة الحجر : 80 ) . ( وأصحاب مدين ) ( سورة الحج : 44 ) . ( أصحاب القرية ) ( سورة يس : 13 ) . ( أصحاب القبور ) ( سورة الممتحنة : 13 ) . ( أصحاب الأخدود ) ( سورة البروج : 4 ) . هذا وقد تطلق كلمة الصاحب أو الصحابي أو الأصحاب نسبة إلى زمان كقوله تعالى : (... كما لعنا أصحاب السبت ) ( سورة النساء : 47 ) . وقد يطلق لفظ الصحبة نسبة إلى حيوان كقوله تعالى : ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) ( سورة الفيل : 1 ) و : ( فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت ) ( سورة القلم : 48 ) . كذلك يطلق لفظ الصحبة نسبة إلى آلة كقوله تعالى : ( وأصحاب السفينة ) ( سورة العنكبوت : 15 ) . كما يطلق لفظ الصحبة أو الصاحبة على الزوجة كما في قوله تعالى : ( أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة ) ( سورة الأنعام : 101 ) ، و : ( وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ) ( سورة الجن : 3 ) ، و : ( يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه ) ( سورة المعارج : 12 ) . وقد يطلق معنى الصحبة على رجل يحاور آخر بغض النظر عن كفر أو إيمان الصاحب كقوله تعالى : ( قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا ) ( سورة الكهف : 37 ) .
كذلك يطلق لفظ الصحبة نسبة إلى الحق أو الباطل كقوله تعالى : ( فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى ) ( سورة طه : 135 ) . ( فأصحاب الميمنة ) ( سورة الواقعة : 8 ) . ( وأصحاب المشئمة ) ( سورة الواقعة : 9 ) . ( وأصحاب الشمال ) ( سورة الواقعة : 41 ) . ويطلق لفظ الصحبة كذلك نسبة إلى شخص كقوله تعالى : ( قال أصحاب موسى ) ( سورة الشعراء : 61 ) . ( فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر ) ( سورة القمر : 29 ) . وهكذا ترى أن لفظ الصحبة ومشتقاتها ليس له أي فضل في ذاته ولا أي مزية ، بل نستطيع أن نقول إنه لفظ محايد .
بعد هذا الاستعراض لهذه الآيات القرآنية نأتي إلى تعريف الصحابي
لغة : يقول الخليل بن أحمد الفراهيدي في مادة " صحب " : " الصحاب يجمع بالصحب والصحبان والصحبة والصحاب . والأصحاب : جماعة الصحب والصحابة مصدر قولك : صاحبك الله وأحسن صحابتك . ويقال عند الوداع : مصاحبا معافى... إلى أن يقول : " وكل شئ لاءم شيئا فقد استصحبه " (كتاب العين للخليل : 2 / 970 حرف الصاد) . هذا وقد أعرضنا عن بقية كتب اللغة خشية التطويل .
الصحابي اصطلاحا : يقول ابن حجر العسقلاني في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة : " الصحابي من لقي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مؤمنا به ومات على الإسلام ، فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت ، ومن روى عنه أو لم يرو ، ومن غزا معه أو لم يغز ، ومن رآه رؤية ولم يجالسه ، ومن لم يره لعارض كالعمي ، ويخرج بقيد الإيمان من لقيه كافرا ولو أسلم بعد ذلك إذا لم يجتمع به مرة أخرى... " (كتاب الإصابة 1 : 4) .
وقال الإمام البخاري في تعريف الصحابي ما يلي : " ومن صحب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه " (كتاب الإصابة 1 : 4) .
وعلى هذين التعريفين يكون كل شعب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) صحابة من الطفل الصغير إلى الشيخ الكبير إلى المرأة . ويا ليت الأمر وقف عند هذا الحد ، بل إن علماء السنة أجمعوا على أن كل الصحابة عدول ثقات ! !
عدالة الصحابة
يقول ابن الأثير في مقدمة كتابه أسد الغابة في معرفة الصحابة ما يأتي : " والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلا الجرح والتعديل ، فإنهم كلهم عدول لا يتطرق الجرح إليهم ، لأن الله عز وجل ورسوله زكياهم وعدلاهم ، وذلك مشهور لا نحتاج لذكره " ( مقدمة ابن الأثير في كتابه أسد الغابة 1 : 10 ) .
أما ابن حجر العسقلاني فيقول عن عدالة الصحابة : " اتفق أهل السنة أن الجميع عدول ، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة ، وقد ذكر الخطيب في الكفاية فصلا نفيسا في ذلك فقال : عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم ، فمن ذلك قوله تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) ( سورة آل عمران : 110 ) وقوله : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) ( سورة البقرة : 143 ) ، وقوله : ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم ) ( سورة الفتح : 18 ) ، وقوله : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ) (سورة التوبة : 100) ، وقوله : ( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ) (سورة الأنفال : 64) ، وقوله : ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموآلهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ) إلى قوله : ( إنك رؤوف رحيم ) (سورة الحشر) ، في آيات كثيرة يطول ذكرها وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها، وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله لهم إلى تعديل أحد من الخلق ، إلى أن يقول إلى أن روى بسنده إلى أبي زرعة الرازي قال : إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاعلم أنه زنديق ، وذلك أن الرسول حق والقرآن حق وما جاء به حق ، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة وهؤلاء ( وهم ) يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى وهم زنادقة انتهى" (الإصابة في تمييز الصحابة 1 : 6 - 7) .
فعلى رأي علماء أهل السنة كل شعب رسول الله الذي آمن به صحابة ، وهم أيضا عدول كلهم لا يتطرق الشك إليهم أبدا حتى إلى واحد منهم . وقالوا : من يطعن في صحابي واحد فهو زنديق ، وقالوا : إن الله طهرهم وزكاهم جميعا. وحتى يتبين لك الأمر تعال إلى كلام الله المجيد وانظر رأي القرآن في الصحابة أو فقل رأيه في كثير منهم .
الصحابة في القرآن
يقول تعالى في سورة الفتح : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما " (سورة الفتح : 29) . فمن ينظر إلى أول الآية يرى أن الممدوحين مع رسول الله هم عموم الصحابة ، لكن انظر إلى قوله تعالى : ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم...)، فلم يعد الله جميع الصحابة بالمغفرة والأجر ، بل فقط من آمن وعمل صالحا ، ولو كان الوعد للجميع لقال : ( وعدهم الله...) فتأمل . ويقول تعالى في نفس هذه السورة : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ) (سورة الفتح : 10) . وأنت ترى في هذه الآية أن الله تعالى يحذر الناكثين بأنهم إنما ينكثون على أنفسهم وليسوا بضاري الله تعالى شيئا . ولدى قراءة سورة الحجرات تصادف هذه الآية : ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم ) (سورة الحجرات : 4 - 5) . فانظر لوصف الله تعالى هذه الفئة من المسلمين حيث وصفهم بأبشع وصف وهو أنهم لا يعقلون ، وقد وصفهم الله في صدر السورة بأنهم يرفعون أصواتهم فوق صوت النبي مع أنهم مؤمنين به ( صلى الله عليه وآله وسلم ). ويقول في سورة الحجرات أيضا : ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) (سورة الحجرات : 6) . ومن المعلوم والمشهور أن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة ، وهو أخو عثمان بن عفان لامه ، عندما بعثه إلى بني المصطلق فرجع وكذب على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (أنظر تفسير الفخر الرازي ( التفسير الكبير ) في سورة الحجرات : 6 ، تفسير الطبري 26 : 78 ، تفسير الدر المنثور 7 : 555) ، فالله يصف الوليد بالفاسق ، وأئمة السنة يقولون إنه عدل ؟ ! ويقول تعالى في سورة التوبة : ( لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين) (سورة التوبة : 25) . في هذه الآية يذكر الله ويشنع على المسلمين فرارهم يوم حنين حيث تركوا النبي مع ثلة قليلة عدد أصابع اليد وفروا ، وقد اغتر المسلمون في حنين بكثرتهم حتى قال أبو بكر : " لن نغلب اليوم من قلة " (أنظر تفسير الفخر الرازي ( التفسير الكبير ) في سورة التوبة : 25) . وقال الله أيضا مخاطبا الصحابة : ( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شئ قدير ) (سورة التوبة : 38 - 39 . يقول الفخر الرازي في تفسير سورة التوبة : وهذا يدل أن كل المؤمنين كانوا متثاقلين في ذلك التكليف ، وذلك التثاقل معصية . ويقول الرازي بعد ذلك ، إن خطاب الكل وإرادة البعض مجاز مشهور في القرآن) .
فالله هنا يقرع الصحابة بسبب تثاقلهم عن الغزو وكما لا يخفى فإن الله تعالى توعد الصحابة في هذه الآية بالعذاب الأليم وباستبدالهم بقوم آخرين - الفرس على رأي - إذا لم ينفروا في سبيله ، فأين مدح الله للصحابة هنا ؟ ! وفي نفس سورة التوبة هذه تقرأ قوله تعالى : ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين * فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون * فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ) (سورة التوبة 75 - 77) . المشهور أن هذه الآية نزلت في أحد الصحابة على عهد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وهو ثعلبة بن حاطب الأنصاري ، الذي شكا لرسول الله الفقر وطلب أن يدعو له الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالغنى والثروة ، ولما أعطاه الله سؤله رفض دفع الزكاة وقال : إنها الجزية أو أخت الجزية ، فأنزل الله فيه هذه الآية . إن ثعلبة صحابي أنصاري عاش مسلما مؤمنا بالله ورسوله لكنه يوصف بالنفاق كما قال تعالى ; فأين عدالة الصحابة جميعا ؟ ! وأين ما يدعيه علماء أهل السنة وأئمتهم ؟ ! ثم يأتي من يقول : إذا انتقصت أحدا من الصحابة فأنت زنديق ! ! فها هو الله ينتقص بعضهم بل كثير منهم ، أفتونا بعلم إن كنتم صادقين . ويقول تعالى في سورة الأحزاب : ( وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ) (سورة الأحزاب : 12) . قد يقول كثير من علماء أهل السنة : إن هذه الآية خاصة بالمنافقين ولا دخل لها بالصحابة ( وسنبين أن المنافقين هم صحابة كذلك فيما بعد ) ولكن من ينظر مليا إلى الآية فسيجدها تقصد فئتين ، المنافقين ثم فئة أخرى غير المنافقين وهم الذين في قلوبهم مرض . يقول الله تعالى عز وجل في سورة الأحزاب أيضا : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسئلوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما ) (سورة الأحزاب : 53) .
وقد قال الإمام الفخر الرازي في تفسيره : " القائل هو طلحة بن عبيد الله الذي قال : لئن عشت بعد محمد لأنكحن عائشة " (تفسير الفخر الرازي لهذه الآية 25 : 180 ، تفسير الدر المنثور 6 : 643 ، وأنظر تفسير الآلوسي حيث يورد رواية عن ابن عباس لكنه كعادة القوم لم يذكر طلحة بالاسم فيها وإنما بلفظ " رجل " ، ثم أورد اسمه في رواية ثانية حاول تضعيفها بدون أي دليل ! أنظر روح المعاني للآلوسي البغدادي 11 : 249 - 250) .
ويقول تعالى في آية أخرى من سورة الأحزاب : ( يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا ) (سورة الأحزاب : 30) . نعم هذا هو منطق القرآن لا قرابة بين الله وبين أحد من خلقه ولا مجاملة من الله ولا من رسوله لأحد ، لا لصحابي ولا لزوجة النبي ، إن أكرم الخلق عند الله أتقاهم بما في ذلك الأنبياء والمرسلين ، بل إن صحبة الرسول مسؤولية خطيرة وكذلك الزوجية له ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فمن لم يراعها حق رعايتها كان عذابه مضاعفا لما رأى من الحق ومن هدي الرسول الكريم ، فهل بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من هاد وهل بعده من عظيم؟! ولولا رسول الله لأخذ عذاب الله كثيرا من الصحابة كما أخذ السامري ومن كان قبل الصحابة من أتباع وأصحاب الأنبياء ، ألا ترى إلى قوله تعالى : ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله ليعذبهم وهم يستغفرون ) (سورة الأنفال : 33) . ويقول الله تعالى في سورة الأحزاب : ( إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا ) (سورة الأحزاب : 57) . إن الله لا يتأذى ولكن أذى الله من أذى الرسول ، وعليه فكل من آذى الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) صحابيا أو غيره فقد آذى الله ، وهذا نظير قوله تعالى : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) (سورة النساء : 80) ، وما أكثر من آذى الرسول من الصحابة والصحابيات ، ومن أراد اليقين فليبحث فسيرى عجبا . ويقول الله تعالى في سورة آل عمران : ( وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم * إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) (سورة آل عمران : 121 - 122) . ويقول الفخر الرازي في تفسيره : " أنها نزلت في حيين من الأنصار هما بترك القتال في أحد والعودة إلى المدينة أسوة برأس النفاق عبد الله بن أبي بن أبي سلول " (التفسير الكبير للفخر الرازي - تفسير سورة آل عمران : 121 - 122 ، تفسير الطبري 4 : 48 ، الدر المنثور 2 : 305) . ويقول تعالى في سورة آل عمران حول معركة أحد : ( ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة... ) (سورة آل عمران : 152) . ويقول كذلك : ( إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون ) (سورة آل عمران : 153) . ويقول أيضا : ( إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم ) (سورة آل عمران : 155) .
مرحى لهؤلاء الصحابة الذين يفرون من ساحة المعركة ويتركون الرسول خلفهم والرسول يناديهم في ذلك الموقف الشديد . وقد ذكر الفخر الرازي في تفسيره : " أن عمر بن الخطاب كان من المنهزمين ، إلا أنه لم يكن في أوائل المنهزمين ! ! ومن الذين فروا يوم أحد عثمان بن عفان ورجلين من الأنصار يقال لهما سعد وعقبة ، انهزموا حتى بلغوا موضعا بعيدا ثم رجعوا بعد ثلاثة أيام فقال لهم النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لقد ذهبتم بها عريضة " (تفسير الفخر الرازي في تفسير الآية 155 من سورة آل عمران ، تفسير الطبري 4 : 96 ، تفسير الدر المنثور 2: 355 - 356) !
ثم لنأت إلى سورة الجمعة ولنقرأ هذه الآية : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين ) (سورة الجمعة : 11) .
وقد نزلت هذه الآية في الصحابة الذين كانوا يصلون الجمعة مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، حتى إذا دخل دحية الكلبي - وكان مشركا - المدينة بتجارة من الشام فترك الصحابة المسجد وخرجوا إليه ولم يبق معه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلا اثنا عشر رجلا على رواية ، حتى قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيهم : " لو اتبع آخرهم أولهم لالتهب الوادي عليهم نارا " (أنظر تفسير الفخر الرازي سورة الجمعة ، تفسير الدر المنثور 8 : 165 ، تفسير الطبري 28 : 67 - 68) . ونأتي إلى سورة التحريم حيث ترى عجبا ، إذ فضحت هذه السورة زوجتين من زوجات الرسول وهما عائشة وحفصة ، حيث جاء في سبب نزولها أن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يأتي زينب بنت جحش ويأكل عندها عسلا ، فاتفقت عائشة مع حفصة على أن تقولا للرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إن فيك رائحة مغافير ( الثوم ) ، وهكذا كان إلى أن قال الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " لقد حرمت العسل على نفسي " ، فنزلت سورة التحريم ومنها قوله تعالى : ( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ) (سورة التحريم : 4 . وأنظر قصة المغافير هذه في صحيح البخاري 6 : 194). وصالح المؤمنين كما رواه البعض هو علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) (أنظر تفسير روح المعاني للآلوسي البغدادي 14 : 348 . في تفسيره لسورة التحريم) . ومعنى صغت كما قال الفخر الرازي في تفسيره : مالت عن الحق .
وتواصل السورة : ( عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا ) (سورة التحريم : 5) . فالله يقول لعائشة وحفصة لا تظنا أنكما أفضل النساء لأنكما زوجتا الرسول ، بل يستطيع الله أن يبدله نساءا خيرا منكن . ثم يقارن الله تعالى عائشة وحفصة بامرأة نوح وامرأة لوط ليحذرهن أن كونهما زوجتين لمحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا يدرأ عنهما عذاب النار ولا يجعلهن بالضرورة من أهل الجنة ، يقول تعالى : ( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين ) (سورة التحريم : 10) . ثم يأتي علماء أهل السنة بعد كل هذه الأدلة ليقولوا : إن عائشة أحب الناس لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والويل لمن يقول غير ذلك ! (أنظر مثلا صحيح البخاري 5 : 707 حديث رقم 3890) . ثم تعال معي إلى سورة النور ، حيث يقول العزيز الحكيم : ( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ) (سورة النور : 11) . فتأمل قوله تعالى : ( عصبة منكم ) ، ألا يعني ذلك أنهم داخلون في دائرة الصحابة ، وقد ورد في التفاسير أن الذين جاؤوا بالإفك ( اتهام عائشة ) هم زيادة على رأس النفاق عبد الله بن أبي سلول ، حسان بن ثابت شاعرالرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والإسلام ، وزيد بن رفاعة ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش (راجع تفسير الفخر الرازي في تفسير سورة النور ، تفسير الدر المنثور 6 : 148 ، تفسير الطبري 18 : 68) . وقد يدعي الكثير من البسطاء أن هذه فضيلة لعائشة حيث برأها الله وأنزل فيها قرآنا من فوق سماواته ، لكن من يتأمل الحالة جيدا يجد أن الآية نزلت لتبرأة ساحة النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتنزيهه ، ولو كانت عائشة زوجة لغير رسول الله ما كان ينزل فيها حرف واحد ، لأن الله تعالى بين أحكامه وأحكام السرقة والخمر وغيرها في كتابه ، لكن نظرا لحساسية موقع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومنزلته العظيمة برأ الله ساحته ونزهها . ويقول الله تعالى في سورة الأنفال : ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) (سورة الأنفال : 67 - 68) . في هذه الآيات خطاب شديد للصحابة الذين حاربوا في بدر لأنهم أخذوا أسرى ، وليس هذا من شأن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كما ليس من شأن الأنبياء السابقين ، لكن الله سمح لهم بعد ذلك بأخذ الفداء ، والعجيب أن كثيرا من المفسرين أدخلوا الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في هذا التهديد مع أن ظاهر الآية واضح في مخاطبة الصحابة ، ثم أن رسول الله ما كان ليقوم بفعل أو قول دون إذن الله فلماذا يدخل في دائرة التهديد ؟ ! نعم هذا ما فعلته أيدي بني أمية الحاقدة على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته فينطبق عليهم قول الله تعالى: ( يحرفون الكلم من بعد مواضعه ) (سورة المائدة : 41) . وتقرأ في سورة الأنعام هذه الآية : ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شئ ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله... ) (سورة الأنعام : 93 . أنظر تفسير الفخر الرازي في تفسيره للسورة 13 : 93 ، تفسير الطبري 7 : 181 ، تفسير الدر المنثور 3 : 317) . وفي قول نزلت هذه الآية في عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخو عثمان بن عفان والذي أهدر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دمه لأنه قال إنني أستطيع أن أقول مثل ما أنزل الله ، والعجيب أن هذا الأفاك الأثيم يصبح في زمن عثمان أحد وزراء الدولة وقادة الجيش؟! هذا غيض من فيض ، ولولا أن المجال لا يتسع لأكثر من هذا لأتينا على كل الآيات النازلة في شأن الصحابة والتي كانت تفضح بعضا منهم أو تقرع البعض الآخر أو تهددهم وتتوعدهم .
وهكذا ترى أن القرآن يضع الصحابة في محلهم الطبيعي . والعجب أن علماء أهل السنة كما أشرنا إلى ذلك سابقا يزعمون أن الله والقرآن عدلا الصحابة جميعا ، وعليه إن أي قدح في أي واحد منهم هو خروج عن الإسلام وزندقة، فها هو القرآن يكذب آراءهم النابعة من الهوى ويقول غير ما قالوا ، ولا كلام بعد كلام الله وإن كره الكارهون . ثم دعنا من الصحابة ولنأت إلى أشرف ولد آدم وأفضل رسل الله ورأس أولي العزم ( عليهم السلام ) حيث إنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يكتسب تلك المنزلة العظيمة بالأماني بل بأعماله ، وها هو القرآن يشير إلى هذه الحقيقة قائلا : ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) (سورة الزمر : 65) . وحاشا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يشرك ، لكن هذا هو مقياس الله ، لا مجاملة ولا محاباة مع أي أحد في أحكامه وشرائعه . ثم انظر إلى قوله تعالى في سورة الحاقة : ( ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين ) (سورة الحاقة : 44 - 46) . فليس معنى كون الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نبيا يحجزه عن العقاب إذا خرج عن حدود الله ، فما بالك بعد هذا بالصحابة ؟ ! إن الصحابة هم أول المكلفين في الإسلام وأول المسؤولين . فهم إذن تحت الشرع وليسوا فوقه ، وليس عندهم جواز عبور إلى الجنة ، هيهات ليس الأمر بالأماني . إن الصحابة في موضع خطير حيث أن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان بين أظهرهم ولا حجة لمن تعدى حدود الله منهم غدا يوم القيامة ، فقد شاهدوا نور النبوة وآيات الله نزلت بينهم وقد تمت عليهم الحجة والويل لمن لم ينجه كل ذلك .
رأي الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في الصحابة
بعد استعراضنا لكثير من الآيات الموضحة والمبينة لرأي القرآن في الصحابة ، نأتي الآن لنرى رأي الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في أصحابه . نفتح صحيح البخاري ونقرأ : عن عقبة ( رضي الله عنه ) أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف على المنبر فقال : " إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن ، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض ، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها " (صحيح البخاري 8 : 151 ، صحيح مسلم باب الفضائل) . وجاء هذا الحديث بألفاظ أخرى منها هذا الحديث التالي : عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : " بينا أنا قائم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم ، فقلت : أين ؟ قال : إلى النار والله ، قلت وما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلم ، قلت : أين ؟ قال : إلى النار والله ، قلت ما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم ) (صحيح البخاري 8 : 151 . وراجع صحيح مسلم 4 / 1793 كتاب الفضائل باب إثبات حوض نبينا ، مسند أحمد 1 : 406) فإذا نظرت إلى الحديث الأول ترى أن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : " وأنا شهيد عليكم " أي على أفعال أصحابه ، وهذا يذكرنا بقول عيسى بن مريم ( عليه السلام ) حيث قال : (... وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ) (سورة المائدة : 117) . فالرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ليس مسؤولا عن أفعال أصحابه بعد حياته . ثم انظر إلى قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " لكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها " . نعم هكذا كان ، حيث صار الصحابة بعد فتح البلدان من أغنى الناس كطلحة والزبير وغيرهما ، ولهذا حاربوا علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) لأنه كان أشد الناس في الحق بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . وتأمل هذه المفردة في الحديث ( حتى إذا عرفتهم ) وهذا يعني أنهم عاشوا مع الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وليسوا أفرادا من أمته متأخرين أو المنافقين كما يدعي البعض . ثم تأمل هذه المفردة ( إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ) . نعم هكذا كان ، وانظروا كتب التواريخ وما فعله كثير من الصحابة من كنز الأموال وقتل النفوس وتعطيل حدود الله وتغيير سنة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لترى عجبا!!
مخالفات الصحابة للرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم )
إن الباحث المتجرد سيكتشف أن الصحابة هم أول من خالف الله ورسوله ولم يكونوا جميعا مطيعين متهالكين في طاعته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كما يدعي البعض ، وإليك غيض من فيض من هذه المخالفات : عن البراء بن عازب ( رضي الله عنه ) قال : " جعل النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على الرجالة يوم أحد - وكانوا خمسين رجلا - عبد الله بن جبير فقال : إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم ، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم ، فهزموهم ( هزيمة المشركين ) ، قال فأنا والله رأيت النساء يشتددن قد بدت خلاخلهن وأسوقهن رافعات ثيابهن ، فقال أصحاب عبد الله بن جبير : الغنيمة أي قوم الغنيمة ، ظهر أصحابكم فما تنتظرون ، فقال عبد الله بن جبير : أنسيتم ما قال لكم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ قالوا : والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة ، فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين ، فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم ، فلم يبق مع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) غير اثني عشر رجلا فأصابوا منا سبعين " (صحيح البخاري 4 : 79) . أنظر إلى هؤلاء الصحابة يخالفون أوامر الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) علانية حتى تسببوا في هزيمة المسلمين وشهادة خيار الصحابة كمصعب بن عمير وحمزة وغيرهما ، ولو لم ينزلوا من الجبل لكانت معركة أحد الضربة القاضية للمشركين ، ولما تجرأوا بعدها على خوض حروب أخرى ضد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كغزوة الخندق وغيرها . ويا ليته كان فرارهم الأول بعد هزيمتهم ، لكن أعادوا نفس الفعلة في غزوة حنين . وإليك حادثة أخرى وقعت قبل أربعة أيام من وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وهي المعروفة برزية يوم الخميس : عن ابن عباس قال : " يوم الخميس وما يوم الخميس ، ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء ، فقال : اشتد برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وجعه يوم الخميس فقال : إئتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ، فتنازعوا - ولا ينبغي عند نبي تنازع - فقالوا : هجر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال : دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه ، وأوصى عند موته بثلاث : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ونسيت الثالثة " (صحيح البخاري 4 : 85 ، وصحيح مسلم 3 : 1257 كتاب الوصية ، ومسند أحمد 1 : 222) .
مرحى لهؤلاء الصحابة يأمرهم الرسول فيقولون إن النبي يهجر ( يخرف ) ! ! ولا يطيعونه حتى يعرض عنهم . ويا حسرة على ذلك الكتاب الذي لم يكتب والذي قال عنه الرسول ( لن تضلوا بعده ) ولو فعل الصحابة ما أمروا به لما اختلف مسلمان إلى يوم القيامة ، فانظر إلى ما جناه علينا الصحابة من الضلال وما حرمونا منه .
حديث آخر فخذه : " عن علي ( رضي الله عنه ) قال : بعث النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سرية وأمر عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه ، فغضب عليهم وقال : أليس قد أمر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن تطيعوني ؟ قالوا : بلى ، قال : عزمت عليكم لما جمعتم حطبا وأوقدتم نارا ثم دخلتم فيها ، فجمعوا حطبا فأوقدوا ، فلما هموا بالدخول نظر بعضهم إلى بعض قال بعضهم : إنما تبعنا النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فرارا من النار أفندخلها ؟ فبينما هم كذلك إذ خمدت النار وسكن غضبه ، فذكر للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا إنما الطاعة في المعروف " (صحيح البخاري 9 : 113 ، ما جاء في السمع والطاعة).
أنظر إلى هذا الأمير المتلاعب كيف يأمر الصحابة بالهلاك وسوء العاقبة في الدنيا والآخرة ، وانظر استنكار الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لذلك الفعل وما قاله . والأعجب من هذا كله أنك تجد في كتب وصحاح أهل السنة أحاديث في الطاعة ما أنزل الله بها من سلطان ، بل مخالفة لصريح القرآن والفطرة الإنسانية مثل هذا الحديث الآتي : عن أنس بن مالك ( رضي الله عنه ) قال : " قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : اسمعوا وأطيعوا وإن أستعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة " (صحيح البخاري 9 : 113) .
نقول :
أولا : حاشى لرسول الله أن تصدر منه هكذا أوصاف في حق عباد الله ، وهو الذي وصفه الله تعالى بالخلق العظيم ولا يعير الرسول أحدا من الخلق ولا يقول رأس فلان ككذا ولا غيرها .
وثانيا : أليس الله تعالى يقول : ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار... ) (سورة هود : 113) . فالله ينهي عن طاعة الظالمين فكيف يأمر بها نبيه ؟ ! نعم ، إن معاوية وملوك بني أمية وبني العباس وضعوا هذه الأحاديث حتى لا يخرج عليهم أحد ولا ينهاهم مسلم ، وهل يريد الحكام الظالمون أكثر من ذلك ؟ ! وتعال إلى حديث آخر شبيه بالسابق : قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " من رأى من أميره شيئا فكرهه فليصبر ، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية " (تجد الحديث قريب منه في لفظه في مسند أحمد 4 : 96) . إن هذا الحديث كذب صريح ، وإلا لو كان صحيحا فلماذا خالفه الصحابة أنفسهم ، أليس قد فارق علي بن أبي طالب جماعة المسلمين ولم يبايع أبا بكر إلا بعد ستة أشهر ؟ أليس قد خالفت عائشة هذا الحديث وخرجت على علي في حرب الجمل مع طلحة والزبير ؟ ! أليس قد فارق عبد الله بن عمر الجماعة ولم يبايع عليا طيلة خلافته ثم بايع بعد ذلك يزيد وعبد الملك بن مروان ؟ !
وهناك حديث آخر يعارض هذه الأحاديث ، يقول : عن عبد الله عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : " السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية ، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " (صحيح البخاري 9 : 113) .
وإليك فعلة شنيعة أخرى اقترفها صحابي ابن صحابي : عن أسامة بن زيد بن حارثة قال : " بعثنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى الحرقة ( قبيلة ) من جهينة ، قال فصبحنا القوم فهزمناهم ، قال ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم ، قال : فلما غشيناه قال لا إله إلا الله ، قال : فكف عنه الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته ، قال : فلما قدمنا بلغ ذلك النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )، قال : فقال لي : يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله ، قال : قلت : يا رسول الله إنما كان متعوذا ( أي قالها خوفا من القتل لا إيمانا ) قال : أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ؟ قال : فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم " (صحيح البخاري 9 : 5 ، مسند أحمد 5 : 200) .والواقع أن الإنسان لا يجد ما يعلق عليه في هذه الحادثة ، لذا نتركها للقارئ .
وإليك حادثة أخرى : عن أبي هريرة قال : " شهدنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال لرجل ممن يدعي الإسلام : هذا من أهل النار ، فلما حضر القتال قاتل الرجل قتالا شديدا فأصابته جراحة ، فقيل : يا رسول الله الذي قلت إنه من أهل النار فإنه قد قاتل اليوم قتالا شديدا وقد مات ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إلى النار ، قال : فكاد بعض الناس أن يرتاب ، فبينما هم على ذلك إذ قيل : إنه لم يمت ولكن به جراحا شديدا ، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه ، فأخبر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بذلك فقال : الله أكبر إني عبد الله ورسوله ، ثم أمر بلالا فنادى بالناس... " (صحيح البخاري 4 : 88).
هذا رجل مسلم ، صحب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وغزا معه ، والله أعلم كم غزوة شارك فيها ، ولم يكفر بالله ولم يرتد لكنه من أهل النار لأنه انتحر ولم يصبر على الجراح ، فكيف يقال : إن جميع الصحابة عدول؟! نكتفي بهذا القدر اليسير من مخالفات الصحابة لله ولرسوله وننتقل إلى بحث آخر وهو : رأي الصحابة في بعضهم البعض .
رأي الصحابة في بعضهم البعض
إن الذي يمنعنا اليوم من مجرد ذكر حقائق وأفعال بعض الصحابة - التي أثبتها الله ورسوله ويدعي أن ذلك طعن بالصحابة ويتهمنا بسب وشتم جميع الصحابة - لا يدري أن الصحابة أنفسهم شتم بعضهم بعضا ولعن بعضهم بعضا وقاتل بعضهم بعضا ، فهل " حلال عليهم ، حرام علينا؟!" (مثل تونسي شائع) .
وإليك بعض الأمثلة على ذلك : عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : " أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال : ما منعك أن تسب أبا التراب ؟ ! فقال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فلن أسبه لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم . سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه فقال له علي : يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي ، وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، قال فتطاولنا لها فقال : ادعوا لي عليا ، فأتي به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه ، ولما نزلت هذه الآية : ( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) (سورة آل عمران : 61) دعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : اللهم هؤلاء أهلي " (صحيح مسلم 4 : 1871 ، كتاب فضائل الصحابة) .
ونحن نستخلص من شهادة سعد بن أبي وقاص هذه أشياء :
أولا : لو كان سب الصحابي كفرا فما بال معاوية بن هند يأمر الصحابة ومن ضمنهم سعدا بسب علي بن أبي طالب؟! وما بال بني أمية اتخذوا سب علي بن أبي طالب سنة ، حتى كانوا يلعنونه على المنابر طيلة سبعين سنة.
ثانيا : ثبت عن الصحابة أن المقصود من أهل البيت النبوي ليس زوجات الرسول بل هم : علي وفاطمة وحسن وحسين وفيهم نزلت آية التطهير حيث يقول تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) (سورة الأحزاب : 33) فالقرآن نزل بين الصحابة وما كانت لتخفى عليهم مقاصد هذه الآية.
وثالثا : يتبين كذب أحاديث قيلت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومنها هذا الحديث التالي : عن محمد بن إسحاق عن يونس بن محمد عن إبراهيم بن سعد عن عبيدة بن أبي رائطة عن عبد الرحمان عن عبد الله بن مغفل قال : " قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه " (مسند أحمد بن حنبل 9 : 82 ، وقريب من هذا الحديث حديث " أحسنوا إلى أصحابي " مسند أحمد بن حنبل : 45 حديث رقم 178 . فهل أحسن عثمان إلى أبي ذر وهل أحسن معاوية لعلي وهل أحسن يزيد ( التابعي ) إلى الحسين الصحابي وو...؟!) .
فإذا صح الحديث فمعاوية - وهو صحابي درجة مائة - كان يسب عليا وما أدراك ما علي ويأمر بسبه ; وعلي ( عليه السلام ) قال فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق " (أنظر سنن ابن ماجة 1 : 42 ، فضائل علي) .
وإليك مثال آخر على رأي الصحابة في بعضهم البعض : عن جابر قال : " صلى معاذ بن جبل الأنصاري بأصحابه صلاة العشاء فطول عليهم ، فانصرف رجل منا ، فصلى ، فأخبر معاذ عنه فقال : إنه منافق ، فلما بلغ ذلك الرجل دخل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأخبره ما قال معاذ ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) " أتريد أن تكون فتانا يا معاذ ؟ إذا صليت بالناس فاقرأ بالشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى والليل إذا يغشى واقرأ باسم ربك " (سنن ابن ماجة 1 : 315 ، باب من أم قوما فليخفف)
وتعليقا على الحديث نقول :
انظر إلى معاذ وهو يرمي أحد المسلمين بالنفاق لأنه لم يطق تطويله وتأمل لوم الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم) لمعاذ . كذلك أمر عمر بن الخطاب رجال السقيفة بأن يقتلوا سعد بن عبادة لأنه خالف ما اتفقوا عليه ، وهكذا الأمثال عديدة ، فمن شاء فليحقق في الصحاح وكتب السيرة .
ورسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : " من قال لأخيه : يا كافر ، فقد باء بها أحدهما " (موطأ الإمام مالك : 652 ، حديث رقم 1844) . وإليك مثالا آخر : " عن جابر ( رضي الله عنه ) قال : غزونا مع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتى كثروا ، وكان من المهاجرين رجل لعاب فكسع أنصاريا فغضب الأنصاري غضبا شديدا حتى تداعوا ، وقال الأنصاري : يا للأنصار ، وقال المهاجري : يا للمهاجرين ، فخرج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : ما بال دعوى أهل الجاهلية ، ثم قال : ما شأنهم ؟ فأخبر بكسعة المهاجري الأنصاري ، قال فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : دعوها فإنها خبيثة . وقال عبد الله بن أبي بن سلول : قد تداعوا علينا لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، فقال عمر : ألا نقتل يا رسول الله هذا الخبيث لعبد الله ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه " (صحيح البخاري 4 : 223 ، وكذلك في مسند أحمد 3 : 338) . فهاهم المهاجرون والأنصار يختلفون ويكادون يتقاتلون ، حتى وصل الأمر أن يستغل هذه الفرصة رأس المنافقين فيقول ما قال . ولنتصور مدى تألم قلب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو يرى أصحابه يرفعون شعارات قبلية ، أليست هذه إذاية للرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ ! ثم تأمل قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حيث قال : " لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه " ، فنفهم منه أن المنافقين بعكس ما يقول علماء أهل السنة كانوا داخلين في دائرة الصحابة وما كان أكثرهم حتى أن الله تعالى أنزل سورة كاملة باسمهم (هي سورة المنافقون) وقال تعالى فيهم في سورة التوبة : ( وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم... ) (سورة التوبة : 101) فمن هم يا ترى أولئك المنافقون الذين لا يعلمهم الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ ! سنعرفهم يوم القيامة إن شاء الله تعالى .
كذلك تساب خالد بن الوليد و عبد الرحمن بن عوف أمام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأفحش خالد بن الوليد لعمار بن ياسر (مسند أحمد 4 : 89) وما أدراك ما عمار الطيب بن الطيب (سنن ابن ماجة 1 : 52 ، فضائل عمار) كما وصفه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .