اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وسَهِّلْ مَخْرَجَهُمْ والعَنْ أعْدَاءَهُم
اللهم صلِ على محمد وآلِ محمد
علة عدم تمام العقل عند الولادة
عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: ولو كان المولود يولد فهماً عاقلاً لأنكر العالم عند ولادته، ولبقي حيران تائه العقل إِذا رأى ما لم يعرف، وورد عليه ما لم يرَ مثله من اختلاف صور العالم من البهائم والطير إِلى غير ذلك ممّا يشاهده ساعة بعد ساعة ويوماً بعد يوم، واعتبر ذلك بأن من سبي من بلد إِلى بلد وهو عاقل يكون كالواله الحيران فلا يسرع في تعلّم الكلام وقبول الأدب كما يسرع الذي يسبى صغيراً غير عاقل، ثم لو ولِد عاقلاً كان يجد غضاضة إِذا رأى نفسه محمولاً مرضعاً معصّباً بالخرق مسجّى في المهد، لأنه لا يستغني عن هذا كلّه لرقّة بدنه ورطوبته حين يولد، ثمّ كان لا يوجد له من الحلاوة والوقع من القلوب ما يوجد للطفل، فصار يخرج الى الدنيا غبيّاً غافلاً عمّا فيه أهله فيلقى الأشياء بذهن ضعيف، ومعرفة ناقصة ثمّ لا يزال يتزايد في المعرفة قليلاً قليلاً وشيئاً بعد شيء وحالاً بعد حال، حتّى يألف الأشياء ويتمرّن ويستمرّ عليها، فيخرج من حدّ التأمّل لها والحيرة فيها الى التصرّف والاضطراب في المعاش بعقله وحيلته والى الاعتبار والطاعة والسهو والغفلة والمعصية،
وفي هذا أيضاً وجوه اُخر فإنه لو كان يولد تامّ العقل مستقلاً بنفسه لذهب موضع حلاوة تربية الأولاد، وما قدر أن يكون للوالدين في الاشتغال بالولد من المصلحة، وما يوجب التربية للآباء على الأبناء من المكافاة بالبّر والعطف عليهم عند حاجتهم الى ذلك منهم، ثمّ كان الأولاد لا يألفون آباءهم ولا يألف الآباء أبناءهم، لأن الأولاد كانوا يستغنون عن تربية الآباء وحياطتهم فيتفرّقون عنهم حين يولدون، فلا يعرف الرجل أباه واُمّه ولا يمتنع من نكاح اُمّه واُخته وذوات المحارم منه إِذ لا يعرفهنّ، وأقلّ ما في ذلك من القباحة، بل هو أشنع وأعظم وأفظع وأقبح وأبشع لو خرج المولود من بطن اُمّه وهو يعقل أن يرى منها ما لا يحلّ له، ولا يحسر به أن يراه، أفلا ترى كيف اُقيم كلّ شيء من الخلقة على غاية الصواب وخلا من الخطأ دقيقه وجليله.