|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 480
|
الإنتساب : Oct 2006
|
المشاركات : 18,076
|
بمعدل : 2.74 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى العقائدي
هل تتغير مشيئة الله بالدعاء ؟
بتاريخ : 13-05-2007 الساعة : 09:20 AM
( يَمحُو اللهُ ما يَشاءُ ويثبِت وعندَهُ أُمُّ الكتاب ) .
« إنّ الدعاء يرد القضاء ، ينقضه كما ينقض السلك ، و قد أبرم إبراماً » .
« ادع الله عزّ و جلّ ، و لا تقل إنّ الأمر قد فرغ منه » .
في الحديث عن موضوع الدعاء ، و عن الاستجابة و تغيير الأمور ، و رفع ما قدّر ، و دفع ما قد يقع من الأمور والحوادث التي تحل بالإنسان ؛ من المحن والشدائد ، والحوائج ، والذنوب ... الخ .
في الحديث عن ذلك كلّه ، لابدّ لنا من أن نتحدّث عن علاقة ( القضاء والقدر ) ، و عن علاقة ( علم الله و إرادته ) بالاستجابة للدعاء ، و نبيّن كيف يصح تغيير الأمور و رفعها و إبطالها بعد تقديرها في قضاء الله ، و تقرير وجودها ، و حصولها في علمه ، و هل يترتّب على ذلك التغيير نتائج عقيدية تؤدي إلى القول بتغيير علم الله ، و بطلان قضائه و قدره وفق مشيئة الإنسان ، وبالتالي تغيير مشيئة الله ... ؟
وكيف يغيّر الله الحوادث بعد إبرامها ... ؟
هل كان يجهل ما هو صالح من الأمور ، و لم تتّضح له إلاّ بعد الدعاء ، و شكوى العبد من مرارة البلاء ؟ و هو المنزّه عن ذلك ... ؟
أو أن أفعاله تعوزها الحكمة والاتقان فتأتي مضطربة تحتاج إلى تصحيح و تسديد ؟ وهو المنزّه المتعال ؟
إنّ كثيراً من الناس الذين يجهلون حقيقة العلاقة بين قضاء الله و قدره ، و علمه بالاُمور والحوادث من جهة ، و بين تغيّرها من حال إلى أخرى ، أو رفعها و إبطالها من جهة أخرى ، يثيرون زوبعة من الشكوك والغبار حول الدعاء ، و يتوهّمون تغيّر علم الله تعالى ، و إرادته .
فيكون لله تعالى مع هذا التغيير ـ كما يتصوّر هذا الفريق من الناس ـ علمان و إرادتان :
علم و إرادة سابقة على التغيير ، و هما اللذان ثبّتا تقدير الشيء على حالته الاُولى ، و علم وإرادة حين التغيير ، و هما اللذان أحدثا التغيير ، والتبديل الجديد ، بعد حالته الاُولى .
و هذا يعني بالنتيجة أنّ علم الله سبحانه و إرادته متناقضتان ، و قاصرتان عن تحقيق خير الوجود ، و دقة نظامه .
ولتصحيح هذا المفهوم ، و ردّ هذه الشبهة ، لابدّ للإنسان المسلم من أن يفهم :
أولاً ـ إنّ تغيير الاُمور بإبدالها ، أو رفعها عن الإنسان ، بسبب الدعاء لا يعني تبعيّة إرادة الله لإرادة الإنسان ، و لا يعني بطلان القضاء والقدر ، لأنّ تغيّر الحوادث يجري أيضاً وفق قضاء و قدر ناسخ للقضاء والقدر الأوّل ، فهما قضاء و قدر واحد في تقدير الله و مشيئته ، وما التعدّد والفاصل الزمني إلاّ أمر مرتبط بذات الحوادث الجارية في عالم الإنسان .
ثانياً ـ لا يعني تغيّر الأشياء والحوادث بسبب الدعاء ، تغيّر علم الله ، ذلك لأنّ الله سبحانه بحكمته ، و لطفه ، و رحمته بعباده ، قد جعل بقضائه و قدره أيضاً و سابق علمه دعاء الداعي عند ، و قبل ، و بعد نزول البلاء به ، أو انقطاع حوائجه عنه ، سبباً لكشف البلاء ، أو غفران الذنب ، أو قضاء الحاجة .
فسببيّة الدعاء بهذا الاعتبار جزء من قضاء الله و قدره ، و ليس خارجاً عنهما ، أو متعارضاً معهما ـ أي أنّه حقيقة مقدّرة في قضاء الله لدفع ما قدر ، شأنها في القضاء شأن بقيّة الحقائق التي وقعت على الإنسان ... كالحاجة ، والمرض ، والمحنة ، ... الخ .
و لكشف غوامض هذا الموضوع فلنقرأ الآيتين الآيتين مشفوعتين بإيضاح و تفسير من قبل الحديثين المرويين عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق ( ع ) :
والآيتان هما : ( ... وَ مَنْ يَتَوَكَّل عَلَى اللهِ فَهْوَ حَسْبُهُ ، إِنَّ اللهَ بالِغُ أمْرِهِ ، قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيء قَدْراً ) ( الطّلاق / 3 ) .
( ... صُنعَ اللهِ الّذي أتْقَنَ كُلَّ شَيء ، إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفعَلون ) ( النمل / 88 ) .
ففي الآية الاُولى نقف على حقيقة هامّة في قضاء الله و تقديره . فهو سبحانه ، قد جعل لكلّ شيء في عالم الموجودات قدراً من الزمان والمكان والوجود والمكونات والنتائج والغايات ... الخ ، يناسبه و يحقق الحكمة والمصلحة من وجوده ، و إنّه سبحانه مدركه ، و محقّقه ، و لا يمكن أن يفوته ، أو يعجزه تحقيقه .
والآية الثانية تلقي مزيداً من الضوء على الآية الاُولى ( صُنع الله الّذي أتقن كلّ شيء ) ، فكلّ شيء حسب منطوق الآية هو متقن ، و ليس هناك من ثغرة ، أو نقص ، أو عبث ، أو جهل ، في هذا الوجود .
فحياة الإنسان ، و ما يجري عليه من الأمور ـ وفق منطوق الآيتين ـ ( مقدرة ـ متقنة ) ، و هي من أمور الله التي يجب أن يحققها بعد أن يثبت صلاحها في علمه و حكمته .
( إنّ الله بالغ أمره ) و ليس لشيء أن يتمرّد على إرادة الله أو مشيئته .
و قد أمدّنا القرآن بشواهد و نماذج واقعية من دعاء الأنبياء ، واستجابة الدعاء لهم بعد وقوع البلاء بهم ، و تغيير الحوادث والوقائع : ( وَ نُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فاستَجَبنا لَهُ فَنَجَّيناهُ وَ أَهلَهُ مِنَ الكَرْبِ العَظِيم ) ( الأنبياء / 76 ) .
( وَ أيّوب إِذْ نادى رَبَّهُ أنّي مَسَّني الضُّرُّ وَ أنتَ أرحَمُ الرّاحِمين * فاستَجبنا لَهُ فَكَشَفنا ما بِهِ مِن ضُرّ وآتيناه أهلَهُ و مِثلَهُم مَعَهُم رَحمةً مِنْ عِنْدِنا و ذِكرى للعابدين ) ( الأنبياء / 83 ـ 84 ) .
( و ذا النّونِ إذ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إلهَ إلاَّ أنْتَ سُبحانَكَ إنّي كُنتُ مِنَ الظّالمين * فاستَجَبنا لَهُ وَ نَجَّيناهُ مِنَ الغَمِّ وَ كَذلِك نُنْجي المؤمنين ) ( الأنبياء / 87 ـ 88 ) .
( وَ زَكَرِيّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرني فَرداً وَ أنتَ خَيرُ الوارِثين * فاستَجَبنا لَهُ وَ وَهَبنا لَهُ يَحيى وَ أصلَحنا لَهُ زَوجَهُ ... ) ( الأنبياء / 89 ـ 90 ) .
فهذا العرض القرآني الصريح يكشف لنا بوضوح تام ، العلاقة السببية بين الدعاء و تغيّر الحوادث والوقائع الجارية في دنيا الإنسان ... و إنّ كلّ هذه الحقائق تجري وفق الحقيقة الكبرى التي عبّر عنها الوحي الإلهي بقوله : ( ... لِكُلّ أجَل كِتابٌ * يَمحُو اللهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الكِتاب ) ( الرّعد / 38 ـ 39 ) .
فالله يغيّر و يبدّل الأمور والحوادث بمشيئته ، و وفق إرادة و قضاء محكم مترابط التقدير ، و ليس هدماً طارئاً للقضاء والقدر ، الذي ثبت بحكمة الله و من غير تقدير ، أو علم إلهي مسبق .
أمّا الحديثان اللذان يوضِّحان أنّ الدعاء إنّما يقع سبباً وفق قضاء الله ، لتنفيذ ما أراد الله و قضى بخفي علمه و لطفه ، من تغيير الحوادث والوقائع التي ستحدث لهما :
« إذا أُلهِمَ أحَدُكُم الدُّعاءَ عِنْدَ البَلاء فاعلَموا أنَّ البَلاء قصير » .
« إنّ الله عزّ و جلّ لَيَدفَع بالدّعاء الأمر الذي علم أنّه يدعى له فيستجيب ، و لو لا ما وفّق العبد من ذلك الدعاء لأصابه منه ما يجتثه من جديد الأرض » .
وبالتأمل بنص هذين الحديثين ، والتدقيق بهما والوقوف عند العبارات « أُلهِم » ، « الأمر الذي علم أنّه يدعى له فيستجيب » ، « و لولا ما وفق العبد » ... وبالوقوف عند هذه العبارات ، نجد أنّ الإلهام المنّة عليه واللطف به ، فقضى بحكمته أن يلهمه الدعاء و يوفقه إلى المسألة بكشف الضرّ عنه ، فيكشف عنه ضرّه ، و يجيب له طلبته تعبيداً للإنسان ، و إشعاراً له بحاجته إلى الله سبحانه ، و بفضل الله و لطفه به .
و بذا يتضح لنا أنّ علم الله و قضاءه لا يتناقضان مع الدعاء ، و أنّ التغيّر في الأحداث والوقائع التي تجري على الإنسان إنّما تجري وفق علم مسبق بحدوث الشيء و بتغيّره ، وإنّ هذا التغيير جرى على أساس من قاعدة السببيّة الجارية على كلّ حقيقة في عالم الإنسان .
وإنّ العلم الإلهي والقضاء والإرادة محيطتان بهذا التغيير و سابقتان له و لا شيء يكون جديداً أو متعارضاً مع قضاء الله و علمه .
فالله يعلم بالحوادث ، و بتغييرها ، و على أساس هذا العلم كان القضاءك قضاء بوقوع الحوادث ، و قضاء يجعل الدعاء سبباً للتغيير ، و قضاء بالتغيير .
م..
|
|
|
|
|