فأحد الطلبة المذكورة قضيته في أحوال الشيخ الأنصاري (), بعد أن أكمل المقدمات ذهب إلى بحث الشيخ الأنصاري, وفي حضوره ما كان يفهم ماذا يقول الشيخ في البحث الخارج, لأن فقهاءنا يبحثون بحث الخارج أصولاً وفقهاً بعمق ودقة، ولكن هذا الطالب ما كان يفهم ما يقوله الشيخ.. وكلما حاول، وكلما جدَّ، وكلما قرأ وطالع، ما كان يفهم, فذهب إلى أمير المؤمنين وتوسل بالإمام أن يفتح عليه أبواب الفهم.. ونحن الطلبة عادة عندما نخرج من البيت نقرأ هذا الدعاء:اللهم أخرجني من ظلمات الوهم وأكملني بنور الفهم().
فتوسل بالإمام ، فرأى الإمام بالمنام، والإمام استقبله وقرأ في أذنه البسملة, فقام صباحاً وجاء إلى بحث الشيخ فرأى انه يفهم مطالب الشيخ جيداً، بعد أيام راح يشتبك مع الشيخ الأنصاري في الكلام وفي الرد (وهذا منهج حوزاتنا العلمية) فأخذ يرد الشيخ و يناقش بكذا وكذا ويخوض مع أستاذه ويتناقش معه بدقة علمية..
ولكن بعدما أكمل الشيخ درسه أخذ التلميذ جانباً، وقال له: يا فلان إن الذي قرأ البسملة في أذنك قرأ في أذني الحمد إلى ولا الضالين.. فتعجب هذا الطالب لأنه لم يكن قد حكى الرؤيا لأحد وإنما كان سرٌّ بينه وبين أمير المؤمنين فمن أين عرف الشيخ هذا المنام؟
وفي الحقيقة انظروا: إن أكثر من مئة عام والشيخ الأنصاري حاكم على كل الحوزات العلمية فقهاً وأصولاً، اذهبوا إلى حوزة النجف الأشرف، وإلى حوزة قم المقدسة، وإلى الحوزة الزينبية، أو سائر الحوزات العلمية كلهم يقولون: قال الشيخ الأنصاري، وهذا ببركة مَنْ؟ هذا ببركة ذلك الذي قرأ أمير المؤمنين في أذنه الفاتحة من البسملة وحتى ولا الضالين.
وبالحقيقة جميعنا لا يخلو من مطالب ومن حاجات دنيوية وأخروية، فإذا أحدنا لم يطرق هذا الباب فالذنب عليه، فإذا الفقير لم يأت للاستجداء فالذنب بعاتق مَنْ؟ الذنب عليه وكما يقول الشاعر الفارسي:
كر كدا كاهل نبود
تقصير صاحب خانة جيست
إذا كان الفقير مقصر في الطلب
ما ذنب صاحب الدار؟
فان لم يطرق أحد هذه الأبواب في حاجاته الدنيوية و الأخروية, فالذنب عليه كلما يدعو ويتوسل أكثر فإبراهيم الخليل وصفه تعالى بقوله: ((إنَّ إبراهيم لأواةٌ حليمٌ))
وأواه يعني أنه كان كثير الدعاء، فأنبياء الله والأئمة والأولياء كثيروا الدعاء وليس فقط في أيام المشكلة.. أي إذا أصبحت لديه مشكلة، عنده مريض، أصبحت لديه خسارة يدعو الله، هكذا دعاء بعيد عن الله.. وأما العبد المؤمن فإنه دائماً في الشدة والرخاء يحاول أن يدعو الله فيطلب من الله أن يحل المشكلات الدنيوية و الأخروية.
انظروا لهذه القضية، حيث ينقل عن السيد علي الطباطبائي صاحب الرياض، وكان أحد كبار العلماء، إلا أنه ما كان له خبرة في المباحث والعلوم الجغرافية والفلك، فما كان يعرفها، وما كان فقهاؤنا يقرؤون عادة الجغرافية و الفلك، فوصل إلى مباحث القبلة, فتوسل بالإمام ، فبعد توسله بالإمام، ولعله رأى رؤيا، فقام من نومه وهو يعرف مباحث الفلك والجغرافية و القبلة وخطوط الطول والعرض وما أشبه، فكتب قبل مئة وعشرون عام، أفضل ما كتبه فقهاؤنا في مباحث القبلة, وهذا ببركة التوسل بالإمام !