العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية المنتدى الثقافي

المنتدى الثقافي المنتدى مخصص للكتاب والقصة والشعر والنثر

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الصورة الرمزية Basij
Basij
عضو برونزي
رقم العضوية : 66624
الإنتساب : Jul 2011
المشاركات : 376
بمعدل : 0.08 يوميا

Basij غير متصل

 عرض البوم صور Basij

  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي إنهـا دمشق ..
قديم بتاريخ : 04-09-2012 الساعة : 09:47 AM



شقيقة بغداد اللدود، ومصيدة بيروت، حسد القاهرة، وحلم عمّان، ضمير مكة، غيرة قرطبة، مقلة القدس، مغناج المدن وعكاز تاريخ لخليفة هرم.‏‏‏‏‏
إنها دمشق امرأة بسبعة مستحيلات، وخمسة أسماء وعشرة ألقاب، مثوى ألف ولي ومدرسة عشرين نبيا، وفكرة خمسة عشر إلهاً خرافياً لحضارات شنقت نفسها على أبوابها.

إنها دمشق الأقدم والأيتم، ملتقى الحلم ونهايته، بداية الفتح وقوافله، شرود القصيدة ومصيدة الشعراء.‏‏‏‏‏
من على شرفتها أطلّ هشام ليغازل غيمة أموية عابرة،"أنى تهطلي فخيرك لي!" بعد أن فرغ من إرواء غوطتها بالدم، ومنها طار صقر قريش حالماً، ليدفن تحت بلاطة في جبال البرينيه.‏‏‏‏‏
إنها دمشق التي تحملت الجميع، متقاعسين وحالمين، صغار كسبة وثوريين، عابرين ومقيمين، مدمني عضها، مقلمي أظفارها، وخائبين وملوثين، طهرانين وشهوانيين....

رَضَّعت حتى جفَّ بردى، فسارعت بدمها بشجرها وظلالها، ولما نفقت الغوطة، أسلمت قاسيونها (شامتها الأثيرة) يلعقونه يتسلقونه، يطلون منه على جسدها، ويدعون كل السفلة ليأخذوا حصتهم من براءتها، حتى باتت هذه مهنة من يحبها ومن لا يقوى على ذلك، لكنها دمشق تعود فتية كلما شُرِقَ نقي عظامها.‏‏‏‏‏

إنها دمشق، أيها العرب العاربة والمستعربة، قِبلة سياحكم، ومحط مطيكم، تمنح لقب الشيخ لكل من لبس صندلا واعتمر دشداشة ولا تعترف إلا بشيخها محي الدين بن عربي‏‏‏، هو من لم تتسع له الأرض، حضنته دمشق تحت ثديها وألبسته حياً من أحيائها فغنى لها "كل ما لا يؤنث لا يعول عليه!"

إنها دمشق لا تعبأ باثنين، الجلادين والضحايا، تؤرشفهم وتعيدهم بعد لأي منمنماتٍ تزين بها جدرانها، أو أخباراً في صفحات كتبها، فيتململ ابن عساكر قليلا، يغسل يديه ويتوضأ لوجه الله ويشرع بتغطيس الريشة في المحبرة، لا ليكتب بل ليمرر الحبر على حروف دمشق المنجمة في كتابها.

دمشق التي تتقن كل اللغات ولا أحد يفهم عليها إلا الله جل شأنه وملائكة عرشه.‏‏‏‏‏

دمرَّ هولاكو بغداد وصار مسلماً في دمشق، حرر صلاح الدين القدس وطاب موتاً في دمشق، قدم لها الحسين بن علي ويوحنا المعمدان وجعفر البرمكي رؤوسهم كي ترضى دمشق، وما بين قبر زينب وقبر يزيد خمس فراسخ ودفلى على طريقة دمشق.

إنها دمشق لا تحب أحداً، ولا تعبأ بكارهيها، متغاوية ووقحة، تركت عشاقها خارجاً بقسوة نادرة كي لا ينسفح الكثير من دمهم، وتتفرغ للغرباء الذين ظنوا أنفسهم أسيادها ليستفيقوا فجأة وإذ بهم عالقين تحت أظافرها.‏‏‏‏‏


لديها من الغبار ما يكفي لتقصَّ أثر من سرقها فتحيله متذرذراً على جسدها.‏‏‏‏‏ لديها من العشاق ما يكفي حبر العالم.‏‏‏‏‏ من الأزرق ما يكفي لتغرق القارات الخمس.
لديها من المآذن ما يكفي ليتنفس ملحدوها عبق الملائكة، ومن المداخن ما يكفي "لتشحير" وجه الكون.‏‏‏‏‏
لديها من الوقت ما يكفي لترتب قبلة مع مُذنَّب عابر، ومن الشهوة ما يدعو نحل الكون لرحيقها.‏‏‏‏‏
لديها من الصبر ما يكفي لتنتشي بهزة أرضية، ومن الأحذية و"الشحاحيط" المعلقة في سوق الحميدية ما يكفي للاحتفال بخمسين مستبدا.‏‏‏‏‏
لديها من الحبال ما يكفي لنشر الغسيل الوسخ للعالم أجمع، ومن الشرفات ما يكفي سكان آسيا ليحتسوا قهوتها ويدخنوا سجائرهم على مهل.‏‏‏‏‏
لديها من القبل ما يكفي كل حرمان المجذومين، ومن الصراخ ما يكفي ضحايا نكازاكي وهيروشيما‏‏‏‏‏.
لديها من النهايات ما يكفي ثمانين ألف رواية، ومن الأجنة ما يكفي لتشغيل الحروب القادمة.
لديها شعراء بعدد شرطة السير، وقصائد بعدد مخالفات التموين، ونساء بكل ألوان الطيف وما فوق وتحت البنفسجي والأحمر.‏‏‏‏‏
لا فضول لدمشق، لا تريد أن تعرف ولا أن تسرع الخطى، ثابتة على هيئة لغز، الكل يلهثُ، يرمحُ، يسبحُ، وهي تنتظرهم هناك إلى حيث سيصلون.‏‏‏‏‏
دمشق هي العاصمة الوحيدة في العالم التي لا تقبل القسمة على اثنين؛ في أرقى أحيائها تسمع وجع "الطبالة"، وفي ظلمة "حجرها الأسود" يتسلق كشاشو الحمام كتف قاسيون ليصطادوا حمامة شاردة من "المهاجرين".‏‏‏‏‏
دمشق لا تُقسَم إلى محورين، فليست كبيروت غربية وشرقية، ولا كما القاهرة أهلي وزملكاوي، ولا كما باريس ديغول وفيشي، ولا هي مثل لندن شرق وغرب نهر التايمز، ولا كالمدن الخليجية مواطنين ووافدين، ولن تكون كعمّان فدائيين وأردنيين، ولا كبغداد منطقة خضراء وأخرى بلون الدم ....‏‏‏‏‏
دمشق مكان واحد: فإذا طرقتَ باب توما انفتحت لك نافذة من باب الجابية، وإذا أقفل باب مصلى فلديك مفاتيح باب السريجة‏‏‏‏‏، وإن أضعت طريق الجامع الأموي، دلّتك عليه "كنيسة السيدة".
لا تتعب نفسك مع دمشق، ولا تتملَّكَّ الحيرة، فهي تسخر من كل من يدعي أنه يحميها، أو من يهدد بترويضها، فتود أن تعانقها أو تهرب منها، تلتقط لها صورة أو تحمضها كلها، تود أن تدخلها فاتحاً أم سائحاً، مدافعا أو ضحية، ماحياً أو متذكراً كل شيء دفعة واحدة.‏‏‏‏‏ فتخرج سيجارة حمراء طويلة تشعلها بخمسة أعواد كبريت ماركة "الفرس"، وتقول جملة واحدة للجميع: "إنها دمشق"!


بقلم: الاستاذ مظفر النواب


توقيع : Basij
من مواضيع : Basij 0 طيور اللّه..
0 إنني قادم من جبل عامل ..
0 الحرب النفسية: سبل المواجهة
0 کـلـمـة الـسـلـاح
0 لطمية رائعة و قديمة : " يـا رسـول الله "

الناقد
عضو برونزي
رقم العضوية : 67828
الإنتساب : Sep 2011
المشاركات : 1,461
بمعدل : 0.30 يوميا

الناقد غير متصل

 عرض البوم صور الناقد

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : Basij المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 04-09-2012 الساعة : 12:07 PM



اسلوب رائع وجميل ... عرف به الشاعر العراقي مظفر النواب
وبما انها قطعة أدبية فلن أتوقف عند بعض الجمل ... التي حملت المبالغة
ولنقرأها قطعة أدبية مغرية في القراءة وحسب
تحيتي

من مواضيع : الناقد 0 القصيدة الفائزة بالمركز الثاني في مسابقة شاعر الحسين للشاعر احمد الكعبي
0 القصيدة الفائزة الاولى في مسابقة شاعر الحسين عليه السلام للشاعر زكي الياسري
0 القصيدة الفائزة الاولى في مسابقة شاعر الحسين للشاعر سجاد السلمي
0 القصيدة الفائزة بالمركز الثاني في مسابقة شاعر الحسين للشاعر نزار الفرج
0 نتائج مسابقة شاعر الحسين عليه السلام للشعر الشعبي
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 06:11 PM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية