عضو ذهبـي
|
رقم العضوية : 72629
|
الإنتساب : Jun 2012
|
المشاركات : 2,712
|
بمعدل : 0.60 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
مقال حول الامام الحسن المجتبى وماعاناه من انقسامات خلال فترة حكمه.
بتاريخ : 29-09-2012 الساعة : 12:49 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وال محمد وعجل فرجهم الشريف
سنستعرض في هذا المقال خلافة الامام الحسن بن علي المجتبى صلوات الله عليه وعلى ابائه والانقسامات والدسائس والفتن التي حصلت خلال مدة حكمه فما ان وسد الامام علي صلوات الله عليه في ملحودة قبره وبويع الامام الحسن بالخلافة حتى شمر معاوية عن ساعديه لينقض على الامام الحسن فيصفي حسابه معه والامر ليس بالسهل اليسير كما يتصور ,فالامام ابو محمد الحسن ع نص عليه ابوه بالخلافة من الرسول الاعظم .
فقد ذكروا ان الامام علي عليه السلام منذ ان اعتل امر ولده الحسن ان يصلي بالناس واوصى اليه عند وفاته بعد ان اشهد على وصيته الحسين وجميع ولده ورؤساء شيعته واهل بيته ودفع اليه الكتاب والسلاح ثم قال:"يابني انت ولي الامر وولي الدم وقد امرني رسول الله ان اوصي اليك وان ادفع اليك كتبي وسلاحي كما اوصى الي رسول الله ودفع الي كتبه وسلاحه وامرني ان أأمرك اذا حضرك الموت ان تدفعها الى اخيك الحسين".
ثم اقبل على الحسين فقال :"وامرك رسول الله ان تدفعها الى ابنك هذا" ثم اخذ بيد علي بن الحسين وقال:"وامرك رسول الله ان تدفعها الى ابنك محمد فاقرأه من رسول الله ومني السلام"..
ماذا سيكون الموقف الجديد؟القوم هم القوم. والطاغية الذي اثار الناس لازال طاغية والظروف التي اولدت المأساة هي الظروف لم تتبدل ..
والامام الحسن هو روح امير المؤمنين بين جنبيه لايجامل ولا يلين والحروب الثلاثة التي مرت بعهد الامام علي ع قد اتعبت الناس واثقلت عليهم الامهم فقسمتهم الى احزاب واصناف وانفصام العرى لدى مجتمع يتالف من عناصر متباينة في الفكر والاسلوب والعقيدة والمستوى الخلقي يحدث بكل سهولة وان هناك من يدس في الصفوف ويساعد على تحطيم وحدة الكلمة بين المسلمين.
وكيفما كان فقد تمت البيعة للامام في الكوفة ثم اعقبتها بقية مدن العراق ثم توالت بقية المدن تعلن بيعتها فبايعه الحجاز واليمن على يد القائد العظيم جارية بن قدامة,وفارس على يد عاملها زياد بن عبيد وبايعه الى ذلك من بقي في هذه الافاق من فضلاء المهاجرين والانصار فلم يكن لشاهد ان يختار ولا لغائب ان يود ولم يتخلف في بيعته فيما نعلم الا معاوية ومن واليه,واتبع بقومه غير سبيل المؤمنين وجرى مع الحسن مجراه مع ابيه بالامس وتخلف افراد اخرون وعرفوا بعد ذلك بالقعاد.
ولم يهن هذا الاجماع في مبايعة الامام الحسن على معاوية وزمرته الضالة المضلة التي لم تعرف من الاسلام الا الاسم ومنهم ابن العاص ومروان ابن الحكم واحزابهما الذين يعرف عنهم المسلمون بانهم دخلوا الاسلام كرها وعاثوا فيه فسادا..
وكمثل واحد على ذلك,لنقرأ هذه الفقرات.
روى عن زيد بن ارقم وعبادة الصامت مرفوعا الى رسول الله(ص واله)انه قال:"اذا رأيتم معاوية وعمرو بن العاص مجتمعين ففرقوا بينهما ,فانهما لن يجتمعا على خير".
وتذكر عائشة لمروان بن الحكم مرة,انها سمعت رسول الله يقول للحكم وابيه ابي العاص بن امية "انكم الشجرة الملعونة في القران".
هؤلاء واحزابهم كونوا جبهة المعارضة للامام ابي محمد الحسن المجتبى ع وهؤلاء هم انفسهم كانوا زعماء المعارضة من قبل للرسول في بداية الدعوة ثم للامام علي في خلافته ولهذا لم يعجب الناس حينما اعلنوا العصيان على الامام الحسن ع ولم يبايعوه بالخلافة,وقد اجمعت الامة المسلمة على مبايعته وبمرور الايام ومعاوية ينمي هذه المعارضةبكل امكانياته المادية وافكاره الجهنمية حتى تمكن من فتح ثغرة لذ ولج منها الى قلوب الكثير من النفعيين في الكوفة واصحاب المصالح والجاه والذين نقموا على الامام علي ع من قبل والذين باعوا ضمائرهم للباطل واذا بالكوفة بعد برهة من الزمن قد اصبحت تتجاذبها اراء متعددة واحزاب
متضاربة وعواطف متصارعة هددت الكيان الاسلامي وبذرت جذور الخلاف فيها.
وطبيعي يسري هذا التيار الى غير الكوفة بعد ان نشطت المعارضة وقوى مركزها ,هنا وهناك وذلك بسبب السياسة التي يتبعها معاوية وبطانته في استحالة ذوي النفوس الضعيفة واصحاب المصالح والاهواء وجلبهم بكل اساليب الاغراء.
وصنفت بعض المصادر والانقسامات التي حدثت في المجتمع الكوفي خلال تلك الفترة نتيجة السياسة الاموية الى:
1.الحزب الاموي:
ولقد انتمى اليه العدد الوافر من هذا البيت ومن ناصره وايده حتى اصبح قوة يضم الكثير من ذوي الجاه والنفوذ وكتب كبار هؤلاء الى معاوية يعلنون ايمانهم به ويطلبون منه التوجه الى الكوفة وضمنوا له تسليم الامام الحسن او الفتك به.
2.الخوارج:
وهؤلاء برزوا على مسرح الاحداث منذ حادثة التحكيم ونصبوا العداوة للامام علي ع كما تقدمت الاشارة اليهم وقد حاولوا في بداية خلافة الحسن ان يخضعوه لارادتهم لكن الامام ابا محمد الحسن كان اقوى من ان ينهار لهذه الطغمة فحملوا للحسن في نفوسهم ضغنا وحقدا وهم الى جانب هذا كما يقال عنهم"لم يقيموا ببلد يومين الا افسدوا كل من خالطهم",وكانت لهم اساليبهم المؤثرة المخيفة التي كانت تزعزع ايمان كثير من الناس بالشكوك وكان هذا هو سر انتشارهم بعد نكبتهم الحاسمة على شواطئ النهروان".
3.الشكاكون:
وهم فئة من الناس تأثروا بدعوة الخوارج من دون ان يكونوا منهم"وكانوا طائفة من سكان الكوفة ورعاعهم المهزومين الذين لانية لهم في خير ولاقدرة لهم على شر ولكن في وجودهم لنفسه كان شرا شرا مستطيرا وعونا على الفساد والة مسخرة في ايدي المفسدين".
4.الحمراء:ويبلغ عددهم عشرين الفا من مسلحة الكوفة تجمعوا من موال وعبيد ومن اولاد السبايا وغيرهم وتسميهم بعض المصادر"بالمهجنين"وهم شرطة زياد الذين فعلو الافاعيل بالشيعة عام 51هجرية وحواليها وكان في البصرة مثل مافي الكوفة من هؤلاء المهجنين الخ...
هذه هي الحالة المزرية التي كان يعيشها المجتمع الكوفي من الانقسامات والاتجاهات تحول دون اجتماعهم على كلمة.
ولايغرب على البال بأن الكوفة كانت تضم الى جانب هذه الفئات مجموعة لايستهان بها تتشيع لعلي واله,وقد لاقت هذه الطائفة من العنت والاضطهاد مالاقت.
ومن الواضح ان المجتمع المثقل بهذه التيارات المتعاكسة,لايمكن له ان يلملم نفسه,ويوحد كلمته خاصة وان هناك من حشد قواه وسخر طاقاته من اجل ان يزيدهم تفريقا وعداوة وبعد للخليفة والامام المنتخب.
وكان هذا الوضع واضحا لدى الامام الحسن واخيه الحسين عليهما السلام وال البيت والصحابة بكافة ابعاده وسلبياته..ولقد تكلم مع الامام الحسن اكثر من واحد على شن الحرب على معاوية والتصدي لمؤامراته ولكن ظروفه السياسية المعاشة كانت لا تساعده على التصدي للمؤامرات وشن الحرب على معاوية.ولعله كان يدرك وهو بعيد الغور ان مظهر القوم له وفي الحقيقة عليه..الا صفوة من خلص اصحابه,وبهؤلاء لم تنهض الحرب.
بيد ان الزمن بدا يطوي الايام والليالي بأسرع ممايتصور فاستعجل الاحداث واضطر الامام الحسن لاعلان الحرب على معاوية وبداية الحرب الكلام فقد كتب الى معاوية كتابا يقول فيه:"ولقد كنا تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا في حقنا وسلطان بيتنا واذ كانوا ذوي فضيلة وسابقة في الاسلام امسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين ان يجد المنافقون والاحزاب في ذلك مغمزا يثلمون به او يكون لهم بذلك سبب الى ما ارادوا من افساده فاليوم فليتعجب المتعجب من توثبك يامعاوية على امر لست اهله لابفضل في الدين معروف ولا اثر في الاسلام محمود وانت ابن حزب من الاحزاب وابن اعدى قريش لرسول الله ولكتابه والله حسيبك فسترد عليه وتعلم لمن عقبى الدار وبالله لتلتقين عن قليل ربك ثم ليجزينك بما قدمت يداك وماالله بظلام للعبيد".
وينتهي الكتاب الى قوله
فدع التمادي في الباطل وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي فانك تعلم اني احق بهذا الامر منك عند الله وعند كل اواب حفيظ ومن له قلب منيب واتق الله ودع البغي واحقن دماء المسلمين فوالله مالك خير في ان تلقى الله من دهائهم باكثر ماانت لاقيه به منك ليطفئ الله الثائرة بذلك ويجمع الكلمة وبصلح ذات البين.وانت ابيت الا التمادي في غيك سرت اليك بالمسلمين فحاكمتك حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين".
وهذا الكتاب من الامام الحسن تضمن فيما تضمن انذارا صريحا الى معاوية بالزحف واعلانها حربا شعواء وهو امر ليس فيه غرابة من الامام فالاسلوب العلوي واضح وصريح ولا يعرف المداهنة ولا المجاملة والحسن نبعة من علي ع لن يختلف عنه قدر درة.
ومعاوية لم يكن في موقف ضعف كي يسكت على هذا الوعيد والتهديد ولا بالحائر الذي لايملك من المقدرة بحيث لايقابل العنف بالعنف والوعيد بالوعيد ولهذا رد على رسول الامام الذين حملا له هذه الرسالة قائلا:"رجع الى الحسن واخبراه بانه ليس بيني وبينه الا السيف".
واخذ كل من الجانبين في الاستعداد للحر ب ..
وفي خلال فترة الاستعداد كان مجلس الحسنين وهما يتناجيان ويلقيان الضوء على مستقبل هذه الامة,ودخلت زينب عقيلة بني هاشم عليها السلام على اخويها فاستقبلاها بما يهدء خاطرها لكن ابنة علي ماكانت لتخفي عليها خافية فهي تعلم بوضع الكوفة وخلق اهلها والضمائر الرخيصة التي تعشعش فيها والضعفاء الرعاديد الذين يتظاهرون بالحرب وهم اجبن من ان يلاقوه.
توجهت زينب الى اخيها الحسن تخاطبه وفي قلبها تكتم اكثر من لوعة وزفرة قالت"اصممت ياابا محمد على الحرب" ورد عليها الامام الحسن وهو لايرفع عينيه عن اخيه الحسين
"نعم يااختاه ولاسبيل لنا الااقتحام الحرب"
وزينب عارفة بتركيبة الكوفة وخلق اهلها فقالت:"وهل اخبرت الكوفيين واخذت رأيهم"
ولمس الحسنان نبرة الاسى والحذر في حديث زينب فحاولا ان يبددا هذا الهاجس الخفي الذي سيطر على ذهنها فقال الامام الحسن:"وان الله كتب الجهاد على خلقه وسماه كرها ثم قال لاهل الجهاد واصبروا ان الله مع الصابرين"
وجمدت الكلمات على شفتي العقيلة وفرت البسمة وبدا على وجهها ظل من وجوم,لم تكن خائفة ولا وجلة ولا هيابة عاشت ويلات الحروب وكبر قلبها على محن المدينة والكوفة ولايهمها كل ذلك ابدا انها ابنة علي غير انها تريد ان تقيم الموقف قبل مجابهته..
خطب الامام الحسن في اصحابه بجامع الكوفة وقال بعد ان حمد الله واثنى عليه:
"اما بعد فان الله كتب الجهاد على خلقه وسماه كرها ثم قال لاهل الجهاد:اصبروا ان الله مع الصابرين فلستم ايها الناس نائلين ماتحبون الا بالصبر على ماتكرهون..
وقد بلغني ان معاوية بلغه انا ازمعنا على المسير اليه فتحرك لذلك اخرجوا رحمكم الله الى معسكركم في النخيلة حتى ننظر وتنظرون,ونرى وترون".
فسكت الناس لم يتكلم احد منهم ولا اجابة بحرف
وهز الموقف سيد طيء وزعيمها عدي بن حاتم وقد عرف بولائه لعلي وصحبته لرسول الله فانتفض صارخا في قومه وفي عشيرته الف مقاتل لايعصون له امرا :
"انا عدي بن حاتم مااقبح هذا المقام الاتجيبون امامكم وابن بنت نبيكم اين خطباء المصر الذين السنتهم كالمخاريق في الدعة فاذا جد الجد راوغوا كالثعالب!اما تخافون مقت الله.."
ثم استقبل الامام الحسن بوجه ملؤ التصميم والايمان قائلا:"ياابا محمد اصاب الله بك المراشد وجنبك المكاره ووفقك لما يحمد ورده وصدره وقد سمعنا مقالتك وانتهينا الى امرك وسمعنا لك واطعنا فيما قلت ورأيت".
ولم يكتف بذلك بل اعلن موقفه الذي حرك اصحاب الحسن وبدل الموقف وقال:"يامعشر المسلمين وهذا وجهي الى معسكرنا فمن احب ان يوافي فليوافي ومن تقاعس فحسابه مع الله".
وخرج من المسجد وركب دابته ومضى الى النخيلة وامر غلامه ان يلحقه بما يحتاج.
وتحرك الموقف وطافت فيه موجة حماس وتوالى الخطباء واحدا تلو الاخر وكلموه بمثل كلام صاحبهم وتحشد المسلمون للزحف الى النخيلة.
وعندها التفت الامام الحسن ع اليهم قائلا:"رحمكم الله مازلت اعرفكم بصدق النية والوفاء والمودة فجزاكم الله خيرا".
لم يكن الامام الحسن مبالغا في التقدير فان شيعة ابيه وهم الصفوة الذين صدقوا في الموالاة واخلصوا في الالتزام هم نفسهم اليوم مع ولده الحسن ونفس الولاء ونفس الالتزام والامام مطمئن منهم ولكن هؤلاء لم يكونوا كل الناس انما هم افراد وعلى اكتافهم تقوم فكرة الحق اما بقية الناس فانهم ينعقون مع كل ناعق.
ولهذا فما ان تحرك الامام الحسن الى النخيلة حتى تخلف عنه خلق كثير لم يفوا بما قالوا ولم يبروا بما وعدوا وكان لهم موقف محدد تماما كما فعلوه مع الامام علي ع وغروه كما غروا امير المؤمنين من قبله..
ولم يخرج من المسلمين الى النخيلة الا اربعة الاف ممااضطر الامام الحسن الى العودة الى الكوفة ليستنفر الناس ولكن المحاولات لم تجد ومع هذا فلم يتوان الامام عن تنفيذ ماقرر وكر راجعا الى معسكره وكان عليه ان يعين قائدا لجيشه واختار عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب.
واختياره لهذه الشخصية لم يكن اعتباطا فقد تلمس فيه عدة مرجحات كل واحدة منها تكفي للاطمئنان باخلاص لقضيته ووفائه لامامه واهم تلكم المرجحات هي انه من ابناء عم الامام ويرتبط به باواصر القرابة وعرف هذا بولائه للامام علي وان هذا الشخص له حساب عسير مع معاوية لايمكن التغاضي عنه وهو ان عبيد الله كان واليا للامام علي على اليمن وجاء به ارطأة من قبل معاوية بجيش لجب فهرب منه عبيد الله وانهارت اليمن ولم يكتف القائد الاهوج بهروب الوالي انما اراد ان يشفى نفسه الحاقدة من مجد الامام علي وارضاء سيده معاوية باي لون كان فتعقب من تخلف من بيت عبيد الله فوقع بيده ابنا عبيد الله وهما لم يتجاوزا عمر الورود فقتلهما شر قتلة وحنا يديه الاثمة من دمائهما وارسل براسيهما الى معاوية.
وهذه الحادثة من الطبيعي ان تخلف اثرا كبيرا في اعماق الوالد المفجوع ليتربص الفرص لياخذ ثأره ويعيد كرامته.
كانت كل الحسابات التي وضعها الامام الحسن في ذهنه بتعيينه عبيد الله بن العباس قائدا لجيشه تساعد على حسن الاختيار
لكن الرجل خالف التقادير فقد احس معاوية بضعفه وولج اليه من مناطق الضعف وبين عشية وضحاها فقد تخدر القائد بالمغريات التي لوح بها معاوية له,وانهار اخيرا بحيث ترك عبيد الله معسكر الامام الحسن تحت جنح الظلام,الى جيش معاوية..
ولعلنا نستطيع ان نتصور مدى الاثر السيء الذي خلفه هذا العمل الفظيع ومدى ماعاناه الجيش العلوي من مر هزيمة قائده وخيانته لكن رغم فادحة النكبة التي مني بها الامام الحسن فقد صمد ابو محمد للعاصفة وسلم قيادة الجيش الى قيس بن اسعد بن عبادة الانصاري.
وقيس معروف بولائه وعقيدته للبيت العلوي وهو من صفوة اصحاب الامام علي ومن بقاياهم ..
ورغم ان القائد الجديد اخذ يلم صفوف الجيش العلوي ويمحو عن وجهه اثار الخيبة التي تركتها هزيمة عبيد الله فان التشاؤم بقي يغطي الافق وان القلوب بقيت ترزح بثقل خطب الحادثة وفظاعته ولعلنا لانستغرب لو سمعنا ان حوالي ثمانية الاف نفر من جيش الامام الحسن التحق بجيش معاوية بعد خيانة عبيد الله,فذوي الضمائر الرخيصة وضعاف النفوس سرعان مايتبدلوا ..وهكذا كان..
ولم يكتف معاوية بماا حصل للامام الحسن من خيانة قائد جيشه والتحاق الكثير من جيشه به فقد قرر ان يرمي الامام بقذيفته الثانية وهي التي لاتقل خطورة عن الاولى ليشل حركة الامام تماما وفعلا نفذ ما اراد فقد ارسل المغيرة بن شعبة ومعه وفدا ..
والامام الحسن على جميع الرسائل التي وصلته من شخصيات الكوفة والمتظاهرين بصحبته ليقف على نوايا القوم وتعهدهم بانهم على استعداد لتسليم الحسن واصحابه الى معاوية متى يشاء.
ولم يدهش الامام الحسن لهذا الامر كما لم يتعجل الوقائع انه عارف بطبيعة هؤلاء واخلاقهم ولكن ماكل مايعلم يقال.
فهو يعلم ان معاوية يتصيد الفرصة ليحطم معنويات جيش الحسن بشتى الاساليب كطرحه موضوع التحكيم من قبل في جيش ابيه واستفاد منه وكسب المعركة,واثار الفتنة.
وهو يعلم ان نفسية القوم متفاوتة وان البعض يظهر له الولاء وهم يراسلون عدوه وبعضهم يغرهم الجاه ..ولكن الامام الحسن كان يحاول ان يوحد كلمة المسلمين ,ويبعث في نفوس البقية الباقية المعنوية.
لقد والت الظروف معاوية,ففكر في تفجير قنبلته الثالثة فلم يكتف بخيانة قائد الجيش العلوي وبمواجهة الامام الحسن بدخائل بعض اصحابه,وتعهدهم له بانهم على استعداد لتسليم الحسن متى يشاء.
كانت قنبلة معاوية قوية جدا تماما كموضوع التحكيم في معركة الصلح وشقت جيش الحسن,تلك هي فكرة الصلح.فقد دس في صفوف الجيش من يدعوا الى الصلح,لتحقن الدماء,وتخمد الفتنة ,والنفوس المريضة وذوي الافكار الضعيفة تتأثر باسرع مايكون في هذه التيارات.
ولم تغرس شمس ذلك اليوم حتى كانت الشائعات المتضاربة المدسوسة من معاوية تأكل جيش الامام وعلى كل الجبهات..
وعندها رمى الامام الحسن ببصره الى جيشه الممزق ليراه ولم يبقى معه الا الثابت المؤمن,وهو مجموعة لايبلغ خمس جيش معاوية,فاية سياسة عسكرية ان يزج بهذا القدر غير المتكافئ في اتون الحرب.
وقد برع معاوية في اثارة الفتنة في صفوف جيش الكوفة,فقد اشاع حديثا مفتعلا عن رسول الله وما اكثر من استأجرهم معاوية لوضع الاحاديث لتبرير اعماله,ودعم موقفه مقابل المال الوفير وهو(ان الحسن ريحانتي,وانه سيد سيصلح الله به بين فئتين من المسلمين).
وتحكمت هذه الفكرة بين الجيشين واضطر الامام بحكم مركزه المتأرجح ان يخضع للصلح كما خضع ابوه للتحكيم وهو يعلم مسبقا بنتيجة الصلح ولكن ماحيلة المضطر.
ولقد سأله الحسين بعد ان صمم على عقد معاهدة الصلح:
"مالذي دعاك الى الصلح؟".
فرد عليه:"مادعا اباك فيما تقدم".
هذا جانب ومن جانب اخر يوضحه الامام الحسن لعبد الله بن الزبير عندما لامه على نفذ معاهدة الصلح مع معاوية فيرد عليه بكل صراحة وبدون لبس."...وتزعم اني سلمت الامر وكيف يكون ذلك,ويحك وانا ابن اشجع العرب,وقد ولدتني فاطمة سيدة نساء العالمين لم افعل ذلك جبنا ولا ضعفا ولكنه بايعني مثلك وهو يطلبني بترة,ويداجيني المودة ولم اثق بنصرته".
وقد اوجز الامام الحسن بهذين الموقفين وبهذه الكلمات المختصرة والاسباب الرئيسية لعقد معاهدة الصلح وحدد الامر بصورة واضحة وجلية وصمم على تنفيذ الفكرة بعد ان يأس من معالجة الموقف,والنصر في المعركة.
ولعلنا نستطيع ان نلتمس نفس الموقف مع ابيه في حادثتين
الاولى في امر الخلافة حينما قدم الانتخاب على النص وعند التحكيم.
وتمت معاهدة الصلح وكان ماكان ,ولسنا الان في صدد تحليل المعاهدة وطبيعتها وهل انها بيعة بالخلافة او اتفاقية بايقاف الحرب وبموجبها ان يكون معاوية الحاكم لامور المسلمين دون الخلافة..والشيء الذي نستطيع ان نؤكده بهذه العجالة ان الامام لايمكن بحال من الاحوال ان يبايع معاوية بالخلافة وهو الذي يقول عنه"انه ضال مضل" واذا كان كذلك فكيف يجوز له ان يوكل شؤؤن المسلمين الشرعية لشخصية صفته كما تقدم! انما عقد معه هدنة حرب وصلح كي يحفظ وحدة المسلمين.كما فعل ابوه في صفين.
ومعاوية يقولها صريحة بعد الصلح للمسلمين(ماحاربتكم لتصلوا ,ولالتصوموا,ولالتحجوا ولا لتزكوا,ولكن حاربتكم لاتامر عليكم).
فهو قد وضح حقيقة طلبه بكل صراحة ودون مجاملة ولم يكن الحرب باسم الدين الا ستارا لبلوغ مطامعه.
وما روى المغيرة بن شعبة عن معاوية يعطينا ابعادا واسعة عن حقيقة هذه الطاغية.
يقول مطرف بن المغيرة ابن شعبة وفدت مع ابي المغيرة الى معاوية فكان ابي ياتيه ويتحدث عنده ثم ينصرف الي فيذكر معاوية ويذكر عقله,ويعجب لما يرى منه ..اذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء,فرأيته مغتما منذ ليلة,قال:يابني اني جئت من اخبث الناس قلت له:وماذاك؟ قال قلت له وقد خلوت به:انك قد بلغت مناك,فلو اظهرت عدلا وبسطت خيرا فانك قد كبرت ولو نظرت الى اخوتك من بني هاشم وفوصلت ارحامهم,فوالله ماعندهم اليوم شيء تخافه,فقال لي:هيهات هيهات ملك اخوتيم فعدل وفعل .
مافعل فوالله ماعداه ان هلك فهلك ذكره الا ان يقول قائل ابو بكر ..ثم ملك اخوعدي فاجتهد وشمر عشر سنين فوالله ماعدا ان هلك فهلك ذكراه الاان يقول قائل عمر.ثم ملك اخونا عثمان فملك رجل لم يكن احد مثل نسبه فعمل ماعمل به فوالله ماعدا ان هلك فهلك ذكره وذكر مافعل به وان اخا هاشم يصرخ به في كل يوم خمس مرات اشهد ان محمدا رسول الله فاي عمل يبقى بعد هذا لا ام لك,الا دفنا دفنا".
وهذا الحوار يكشف لنا حقيقة هذا الرجل وانه دخل الاسلام هو وابوه واهل بيته كرها وقد قال عنهم رسول الله:"لو لم يبق من بني امية الاعجوز درداء لبغت دين الله عوجا".
وكيفما كان فقد تربع معاوية عرش العراق,بعد اذ كان نفوذه محصورا في الشام,ولكنه لم يكتف بهذا القدر انما عمل على قلب الحكم الى ملك عضوض,يريده لابنه يزيد ولابد وهو في هذا الصدد ان يزيح الامام الحسن عن الوجود.فما هو السبيل؟..
قال مروان بن الحكم لمعاوية :انا اضع الخطة وعلي رسمها...
ومروان الوزغ ابن الوزغ كان ينتظر هذا اليوم بقلب فارغ من الصبر وسعى الى اقناع جعدة بنت الاشعث وهي من زوجات الامام الحسن بسمه,على ان يزوجها يزيد بن معاوية بالاضافة الى مائة الف درهم.
والعطاء بالنسبة لجعدة مغري للغاية فهي لم تحمل لابي محمد اي حب او وفاء.
وابوها الاشعث بن قيس الكندي عرف بالنفاق,واسلم مرتين بينها ردة منكرة,ويكره عليا واولاده,ويحب الامويين وان لم يتظاهر بحبهم,وهو يميل نفسيا الى عقد هذه الصفقة.
ولم تبق المفاوضات طويلا,بل اتمها مروان وايدها معاوية,ووعدها بزواجها من ابنه يزيد ..وحققت المراة الخائنة مااراد فقد سمت الامام بشربة من العسل وانتهى الامر.
وبلغ معاوية الخبر,وكان بالخضراء فكبر,وكبر معه اهل الخضراء,ثم كبر من في المسجد بتكبير اهل الخضراء,يقال فخرجت فاختة بنت قرظة بن عمرو بن نوفل زوجة معاوية الى باحة القصر تسأله عن سبب التكبير وسبب سروره فقال بلغني موت الحسن بن علي فقالت:انا لله وانا اليه راجعون اعلى موت ابن فاطمة تكبر!!فقال:ماكبرت شماتة بموته ولكن استراح قلبي منه..
وكما يقولون العذر اقبح من الفعل,نعم استراح قلب معاوية عند موت الحسن واعتقد ان الباب فتح على مصراعيه لولده يزيد ليستخلفه من بعده ويحقق بذلك احلام بني عبد شمس وهكذا كان تخطيط معاوية ومن قبله ابو سفيان.
ومهما كانت السبل التي سلكها زعيم الامويين في تحقيق ماربه وبلوغه اطماعه,فسد الاذان وامات البصائر.
رحمك الله ياابا الحسن فان الكلمة الشامخة التي صغتها للاجيال عبر الزمن درسا يوضح حقيقة هذا البيت فقد انسابت اصدائها للاسماع مرهفة وولجت حروفها العيون مضيئة:"يامعاوية:اما قولك انا بنو عبد مناف ليس بعضنا على بعض فضل فلعمري انا بنو اب واحد ..ولكن ليس امية كهاشم ولا حرب كعبد المطلب ولا ابو سفيان كابي طالب ولا المهاجر كالطليق ولا الصريح كاللصيق ولا الملحق كالمبطل ولا المؤمن كالمدغل,لبئس الخلق خلف يتبع سلفا هوى في نار جهنم".
وهذه الحقيقة لم تخف عن معاوية لكنه كان يتغاضى عنها ويحاول ان يغطي عليها.ونفس الموقف وقفة الامام الحسن معه عندما اعتلى المنبر مرة والحسنان في المجلس فذكر عليا بالسب والسوء ونال منه مااستطاع فقام اليه الامام الحسن مخاطبا:"ايها الذاكرعليا انا الحسن وابي علي وانت معاوية وابوك صخر وامي فاطمة وامك هند وجدي رسول الله وجدك حرب وجدتي خديجة وجدتك قتيلة فلعن الله اخملنا ذكرا والامنا حسبا وشرنا قدما واقدمنا كفرا ونفاقا".
فردد الجالسون معه امين امين..
وتجاوبت الالسن مع القول الحق وان كانت في مجلس السلطة والطغيان ورغم انها تخدرت بمال ابي يزيد ومهما حاول الظالمون اخفاء الحق وطمسه فانه يظهر ويعلو. انتهى
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق اجمعين محمد واله الطاهرين..
.
|