العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية المنتدى الفقهي

المنتدى الفقهي المنتدى مخصص للحوزة العلمية والمسائل الفقهية

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الصورة الرمزية نورالنجف
نورالنجف
شيعي حسيني
رقم العضوية : 71833
الإنتساب : Apr 2012
المشاركات : 9,489
بمعدل : 2.06 يوميا

نورالنجف غير متصل

 عرض البوم صور نورالنجف

  مشاركة رقم : 11  
كاتب الموضوع : الحوزويه الصغيره المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 07-12-2012 الساعة : 02:55 AM


اللهم صل على محمد وآل محمد
عظم الله لكم الأجر بمصاب ابي عبدالله الحسين ( عليه السلام )

موضوع قيم ومبارك جزاك الله خير الجزاء أختي العزيزة ..
موفقين يارب

توقيع : نورالنجف



اسألكم الدعاء ياموالين ..



من مواضيع : نورالنجف 0 فسحة للدعاء ...
0 أكله وصورة
0 عشر نصائح كي تتخلص من عادة ” سوف أفعل”
0 مقتطفات من بستان السعادة ! أقوال وحكم ..
0 كيف تكسب ثقة الناس ؟

الصورة الرمزية الحوزويه الصغيره
الحوزويه الصغيره
عضو فضي
رقم العضوية : 34252
الإنتساب : Apr 2009
المشاركات : 1,863
بمعدل : 0.33 يوميا

الحوزويه الصغيره غير متصل

 عرض البوم صور الحوزويه الصغيره

  مشاركة رقم : 12  
كاتب الموضوع : الحوزويه الصغيره المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي الإمامة
قديم بتاريخ : 08-12-2012 الساعة : 01:07 AM





اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
عظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام وجعلنا و إياكم من الطالبين بثاره مع وليه الإمام المهدي من آل محمد عليهم السلام


الإمامة


الإمامة في العقيدة الإسلاميّة منصب إلهيّ يكون بعد النبوّة، بمعنى أنّ الإمامة من لوازم النبوّة التي لا تنفكّ عنها، أي لا بدّ للأمّة بعد النبيّ من إمام، من أجل "تبيين" الدين وحفظ الشريعة والمنجزات الدينيّة، وإقامة حدود الله وأحكامه في المجتمع.

إنّ فلسفة الإسلام السياسيّة في إدارة المجتمع طبقاً لأحكام الدين تتجلّى في قالب وشكل الإمامة، من هنا فإنّ "الجعل والنصب الإلهيّ" من مقوّمات ومعالم الإمامة فضلاً عن الأهليّة في العلم والتقوى، كما هو من مقوّمات النبوّة ومعالمها.

إنّ أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بلحاظ التأهّل الأعلى والقرب الأقرب من منبع الدين، هم الأولى من غيرهم بقيادة وزعامة المسلمين، وما حصل في غدير خمّ كان تأكيداً مجدّداً لبلاغات نبويّة سابقة متعدّدة، في أنّ الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي حقّ للإمام الذي هو أسمى وأفضل فرد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يعني أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

وقد أكّد هو عليه السلام قبل وبعد وصول الخلافة إليه على هذا الحقّ في مواجهاته ومناقشاته مع الخلفاء ومع معاوية، كما أكّد أئمّة أهل البيت الآخرون عليهم السلام بعد شهادة عليّ عليه السلام على هذا الحقّ الصريح بصورة متواصلة، إذ إنّهم عليهم السلام كانوا يرونه حقّاً مسلّماً لهم.

ولقد كانت نهضة عاشوراء تجلّياً لتحقيق هذا الحقّ، من خلال الارتباط بهذا الركن الركين للمجتمع الإسلاميّ، ومع أنّ الإمام الحسن المجتبى عليه السلام في إطار ظروف وشروط خاصّة (ليس هنا مجال بحثها) كان قد أمضى الصلح مع معاوية، وكان الإمام الحسين عليه السلام أيضاً قد التزم بهذه المعاهدة ما دام معاوية حيّاً، إلّا أنّ أهل هذا البيت عليهم السلام كانوا وبصورة مستمرّة يصرّحون بحقّهم في إمامة المسلمين ومنصب الخلافة، وكانوا يسعون بصورة متواصلة - بحسب الإمكان والاستطاعة- إلى تحقيق الوصول الفعليّ إلى هذا الحقّ منه خلال توعية النّاس وتهيئة المقدّمات والممهّدات اللازمة.

وفي هذا السبيل كان لأبي عبد الله الحسين عليه السلام عدّة برامج محوريّة، هي:

1- بيان موقع ومكانة الإمامة، وشرائط وخصائص الإمام.
2- بيان فقدان الآخرين لأهليّة التصدّي لهذا المنصب الإلهيّ.
3- بيان أهليّة الإمام نفسه عليه السلام وأحقيّته بإمامة المسلمين.

ولقد كانت للإمام الحسين عليه السلام في كلٍّ من هذه المحاور الثلاثة بيانات وتصريحات عالية، نشير إلى بعض منها:

شرائط الإمام

بعد أن جاءت رسائل وجوه وأعلام أهل الكوفة وجماهيرها وكبار شيعتها إلى الإمام الحسين عليه السلام وهو في مكّة المكرّمة، يدعونه فيها إلى القدوم إلى الكوفة، ليثوروا في ظلّ إمامته على الطاغية يزيد بن معاوية، كتب الإمام عليه السلام إليهم رسالة، وبعثها إليهم مع اثنين من الرسل، وأشار فيها إلى أنّه قد بعث إليهم بابن عمّه مسلم بن عقيل عليه السلام ممثّلاً عنه، وقد صرّح عليه السلام في ختامها قائلاً: "... فلعمري ما الإمام إلّا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الحقّ، الحابس نفسه على ذات الله...".

هذا البيان كاشف عن مواصفات الإمام الحقّ عليه السلام من منظاره هو، وإمام كهذا هو التجسيد الكامل لدين الله تبارك وتعالى، ومعرفة هذا الإمام ضرورة دينيّة وعقليّة، وإطاعته حتميّة.

فمعرفة الإمام المفترض الطاعة، وتسليم زمام الأمر إلى ولايته وهدايته شرط لعبادة الله تعالى، وأرضيّة لمعرفة الله الكاملة، فقد ورد في إحدى زياراته عليه السلام:

"اللّهمّ إنّي أشهد أنّ هذا القبر قبر حبيبك، وصفوتك من خلقك، والفائز بكرامتك، أكرمته بالشهادة، وأعطيته مواريث الأنبياء، وجعلته حجّة على خلقك".

ونقرأ في نص آخر من زيارته هذه الفقرة الشريفة:
"وأشهد أنّك الإمام الراشد والهادي، هديت، وقمت بالحقّ وعملت به، وأشهد أنّ طاعتك مفترضة وقولك الصدق، وأنّك دعوت إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة...".

أهليّته عليه السلام للإمامة ونفيه لأهليّة الآخرين

عندما تتّضح وتتبيّن الشرائط الكليّة للإمامة ومواصفات الإمام الصالح، يكون المحور الآخر للبحث هو انطباق ذلك العنوان على شخص خاصّ.

ولقد كان قائد نهضة عاشوراء، في مناسبات مختلفة ومواقع متعدّدة، يوجّه أذهان المسلمين نحو "الإمام الصالح" ويسوقها إليه، من خلال بيانه لمكانة أهل البيت السامية، وعدّه لفضائله وما يتمتّع به من ملاكات الإمامة، وذكره أيضاً لنقاط ضعف الأمويّين والإشكالات الأساسيّة لا يمكن الإغماض عنها فيهم عامّة، وفي يزيد بن معاوية خاصّة.
ونماذج هذه البيانات وهذه التحذيرات كثيرة، نشير هنا إلى بعض منها: بعد أن التقى الإمام الحسين عليه السلام في الطريق إلى الكوفة مع جيش الحرّ بن يزيد الرياحيّ، وبعد أن صلّى عليه السلام فيهم صلاة العصر جماعة، خطب فيهم وكان من خطبته: "أمّا بعد أيّها النّاس، فإنّكم إنْ تتّقوا الله وتعرفوا الحقّ لأهله يكن أرضى لله عنكم، ونحن أهل بيت محمّد أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان...".

وفي رسالته التي كتبها بعد لقائه بجيش الحرّ بن يزيد الرياحيّ إلى وجهاء الشيعة وجماعة المؤمنين في الكوفة، كان ممّا ذكر عليه السلام فيها: أنّ هؤلاء القوم (أي الحكّام الأمويّين) قد لزموا طاعة الشيطان، وتولّوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيئ، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله، ثمّ قال عليه السلام بعد ذلك: "وإنّي أحقّ بهذا الأمر لقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ".

وفي بدء نهضته عليه السلام لمّا وصل خبر موت معاوية إلى المدينة، واستدعاه والي المدينة آنذاك الوليد بن عتبة بأمر من يزيد ليأخذ منه البيعة له، فجاءه الإمام عليه السلام، ورفض أن يبايع، قال عليه السلام في ختام ذلك اللقاء الساخن معلناً عن بدء قيامه ونهضته: "أيّها الأمير! إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحلّ الرحمة، وبنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شارب خمر، قاتل النفس المحرّمة، معلنٌ بالفسق، ومثلي لا يبايع لمثله، ولكن نُصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون أيّنا أحقّ بالخلافة والبيعة ".

لقد كانت هذه هي نظرة الإمام الحسين عليه السلام ليزيد بن معاوية من قبل ذلك بسنين، إذ لمّا أراد معاوية أخذ البيعة من النّاس بولاية العهد ليزيد في حياته، كان همّه الأكبر أن يحصل أوّلاً على موافقة وجهاء وكبار شخصيّات العالم الإسلاميّ يومذاك، وخصوصاً من كان منهم في المدينة، فلّما التقى معاوية ابن عبّاس والإمام الحسين عليه السلام في المدينة، وجمع الثلاثة مجلس خاصّ، دعاهما معاوية إلى بيعة يزيد، فكان ممّا ردّ عليه الإمام عليه السلام موبّخاً إيّاه على جسارته ووقاحته: "... ولقد فضَّلت حتّى أفرطت، واستأثرت حتّى أجحفت، ومنعت حتّى بخلت، وجرت حتّى جاوزت، ما بذلت لذي حقّ من أتمّ حقّه بنصيب حتّى أخذ الشيطان حظّه الأوفر ونصيبه الأكمل.

وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لأمّة محمّد! تريد أن توهم النّاس في يزيد، كأنّك تصف محجوباً! أو تنعت غائباً! أو تخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاصّ! وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخذ يزيد فيما أخذ به من استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش، والحمام السبّق لأترابهنّ، والقينات ذوات المعازف، وضروب الملاهي، تجده ناصراً، ودع عنك ما تحاول!
".

وممّا كتبه عليه السلام في رسالة إلى معاوية بصدد نفس هذا الموضوع:

"واتّق الله يا معاوية! واعلم أنّ لله كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها، واعلم أنّ الله ليس بناسٍ لك قتلك بالظنّة، وأخذك بالتهمة، وإمارتك صبيّاً يشرب الشراب، ويلعب بالكلاب! ما أراك إلّا قد أوبقت نفسك، وأهلكت دينك، وأضعت الرعيّة...".

ويخاطبه عليه السلام في نفس هذه الرسالة أيضاً قائلاً:

"وقلت فيما قلت: لا تردنَّ هذه الأمّة في فتنة! وإنّي لا أعلم لها فتنة أعظم من إمارتك عليها! وقلت فيما قلت: أنظر لنفسك ولدينك ولأمّة محمّد! وإنّي والله ما أعرف أفضل من جهادك، فإنْ أفعل فإنّه قربة إلى ربّي، وإنْ لم أفعله فأستغفر الله لديني...".

هذه نظرة الإمام الحسين عليه السلام في صدد خلافة وسلطة غير الصالحين، وقد ورد أيضاً في نقل آخر أنّ الإمام عليه السلام كتب رسالة إلى معاوية يؤنّبه فيها على جملة من الأمور، منها قوله عليه السلام:

"ثمّ ولّيت ابنك وهو غلام يشرب الشراب، ويلهو بالكلاب، فَخِنْتَ أمانتك وأخربت رعيّتك، ولم تؤدّ نصيحة ربّك، فكيف تولّي على أمّة محمّد من يشرب المسكر!. وشارب المسكر من الفاسقين، وشارب المسكر من الأشرار، وليس وشارب المسكر بأمين على درهم فكيف على الأمّة؟! فعن قليل ترد على عملك حين تطوى صحائف الاستغفار" !

إنّ الرجل المؤهّل لإمامة المسلمين - في نظرة الإمام الحسين عليه السلام - هو الرجل الأعلى والأفضل في العلم والتقوى والأصل والنسب.

ففي سفر معاوية إلى المدينة، كان قد أمر بعد وصوله إليها أن ينادى في النّاس: أن يجتمعوا لأمر جامع، فاجتمع النّاس في المسجد، ورقى معاوية المنبر- وكان مجموعة من وجهاء المدينة الذين لم يبايعوا ليزيد على ولاية العهد يومذاك جالسين حول المنبر وكان منهم الإمام الحسين عليه السلام - فشرع معاوية في خطبته بذكر فضائل يزيد! وكان ممّا قاله فيها: "يا أهل المدينة! لقد هممتُ ببيعة يزيد، وما تركت قرية ولا مدرة إلّا بعثت إليها ببيعته، فبايع جميعاً وسلّموا، وأخّرت المدينة بيعته! وقلتُ: بيعته وأصله ومن لا أخافهم عليه، وكان الذين أبوا البيعة منهم من كان أجدر أن يصله، والله! لو علمت مكان أحد هو خير للمسلمين من يزيد لبايعت له" !

فقام الحسين عليه السلام وقال: "والله! لقد تركت من هو خير منه أباً وأمّاً ونفساً!"، فقال معاوية: كأنّك تريد نفسك!؟ فقال الحسين عليه السلام:"نعم، أصلحك الله".

وورد في رواية أخرى أنّ الإمام الحسين عليه السلام قال لمعاوية: "أنا والله أحقّ بها منه، فإنّ أبي خير من أبيه، وجدّي خير من جدّه، وأمّي خير من أمّه، وأنا خيرٌ منه".

إنّ الانقياد لأمر الحاكم- أيّاً كان- ليس صحيحاً في منطق عاشوراء والدين إذ ليس كلّ إمام وحاكم أهلاً للإتّباع، وفي الثقافة القرآنيّة هناك "إمام نارٍ" و"إمام نور"، فأئمّة الظلم والباطل هم "أئمّة النّار" الذين يردون جهنّم ويوردونها أتباعهم، أمّا "أئمّة النور" فهم الأئمّة الإلهيّون المنوَّرون والمنوِّرون، المهديّون الهادون من اتّبعهم إلى الصراط المستقيم.

ولقد كان أبطال عاشوراء على معرفة عميقة بهذه الحقيقة، فحينما انتهى الإمام الحسين عليه السلام إلى أرض نينوى، بالمكان الذي نزل به، كان رسول من قبل ابن زياد قد أقبل يحمل رسالة منه إلى الحرّ بن يزيد الرياحيّ، يأمره فيها أن يجعجع بالإمام عليه السلام، فنظر أحد أصحاب الإمام عليه السلام وهو يزيد بن المهاجر الكنديّ إلى رسول ابن زياد فعرفه، فقال له: ثكلتك أمّك! ماذا جئت فيه؟! قال: أطعتُ إمامي ووفيت ببيعتي! فقال له ابن المهاجر: بل عصيت ربّك، وأطعت إمامك في هلاك نفسك، وكسبت العار والنّار، وبئس الإمام إمامك، قال الله عزَّ وجلَّ: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النّار وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ) فإمامك منهم.

بلاغ عاشوراء هو هذا: أنّ الحاكميّة والولاية في المجتمع الإسلاميّ حقّ لأفضل أفراد هذا المجتمع، الذين هم أعلى النّاس إيماناً، وأشدّهم التزاماً، الذين لا يألون جهداً في سبيل تطبيق القرآن، وتحقيق أوامر الله تبارك وتعالى، وهداية المجتمع إلى الإسلام الخالص، ومنهاج حكومتهم قائم على أساس العدل والقسط واحترام أموال وأرواح وأعراض المسلمين، ولا يكون هذا الأمر إلّا بتنصيب الإمام من قبل الله تبارك وتعالى، أو من ينصبه الإمام المعصوم عليه السلام، وإلّا فلن يؤدّى حقّ هذا المنصب الإلهيّ، ولن تؤدّى حقوق النّاس.

ومع تسلّط غير الصالحين فإنّ مصير المجتمع سيؤول إلى سفال وسقوط، وسيزول دين الله، والإمام الحقّ لا يقبل مثل هذه الحكومة ولا يبايعها أبداً، ولقد صرّح الإمام الحسين عليه السلام بهذا الرفض القاطع ضمن عدّه لمعايب يزيد، ونفيه لأهليّته للخلافة، حيث قال عليه السلام:"... لا والله! لا يكون ذلك أبداً".

وفي سبيل هداية النّاس، واستنقاذهم من كلّ هلكة، الأمر الذي هو من شؤون الإمامة الحقّة، كان سيّد الشهداء عليه السلام قد اندفع إلى ميدان المواجهة التي ستختم بالشهادة، وهذا بالذات هو الأرضيّة الممهّدة لرفع الجهل عن الأمّة ولإيقاظها من سبات الغفلة والحيرة.

لنقرأ هذه الفقرة الشريفة من زيارة الإمام الحسين عليه السلام:

"فأعذَرَ في الدّعوة، وبَذل مُهجَته فيك ليَسَتنقذ عبادك مِن الضّلالة والجهالة والعمى والشكّ والارتياب، إلى باب الهدى والرشاد".

إنّ عمل الإمام كاشف عن الرؤية الإسلاميّة الصحيحة للزعامة والخلافة، والإمام الحسين عليه السلام حتّى لو لم يجد معيناً أو ناصراً، وحتّى لو لم يدعه أو يبايعه أحد لما بايع يزيد، ذلك لأنّ حكومة يزيد لا مشروعيّة لها، وقد صرّح الإمام الحسين عليه السلام بذلك قائلاً:
"والله! لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية".



نسألكم الدعاء





من مواضيع : الحوزويه الصغيره 0 التمسكم الدعاء ..
0 في مسألة الخاتمة ..
0 مشكلة عند فرمتة الجهاز
0 هلال الشهر بين الفتوى و الإخبار
0 حرمة التظليل - للـــــنقاش

الصورة الرمزية الحوزويه الصغيره
الحوزويه الصغيره
عضو فضي
رقم العضوية : 34252
الإنتساب : Apr 2009
المشاركات : 1,863
بمعدل : 0.33 يوميا

الحوزويه الصغيره غير متصل

 عرض البوم صور الحوزويه الصغيره

  مشاركة رقم : 13  
كاتب الموضوع : الحوزويه الصغيره المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي التحرّر
قديم بتاريخ : 09-12-2012 الساعة : 01:44 AM






اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
عظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام وجعلنا و إياكم من الطالبين بثاره مع وليه الإمام المهدي من آل محمد عليهم السلام


إنّ واقعة كربلاء بما كان فيها- ممّا أثبته التاريخ لنا- من روحانيّة وأخلاق وسجايا سامية تجلّت في أقوال وأفعال أبطال ملحمة عاشوراء، تشكّل منبعاً أثيراً ومصدراً نفيساً لتعلّم الأخلاق والإقتداء بالأسوات الحسنة في طريق تزكية النفس، وفي السلوك الاجتماعيّ، وفي التربية الدينيّة، وتحقيق الكرامة الإنسانيّة. إذ إنّ في كلّ زاوية من زوايا هذه الواقعة الخالدة يمكننا أن نشاهد تجلّياً من تجلّيات الأخلاق الحميدة العالية الصادرة عن معسكر الإمام الحسين عليه السلام.


التحرّر

الحريّة مصطلح حقوقيٌّ واجتماعيّ يقابل مصطلح العبوديّة، أمّا التحرّر فهو أرفع وأعلى من الحريّة، إنّه الانعتاق من القيود والتعلّقات المذلّة المهينة.

إنّ انشداد الإنسان إلى الدنيا وتعلّقه بها، وبالثروة، والعشيرة، والمقام، والبنين، و... يشكّل مانعاً للإنسان من الوصول إلى الحريّة الروحيّة، وإنّ الخضوع والاستسلام لأسر الأمانيّ والتعلّقات الماديّة علامة ضعف الإرادة البشريّة.

وإذا كان كمال الإنسان وقيمته في الروح السامية، والهمّة العالية، والسجايا الحميدة، فإنّ بيع الإنسان نفسه للدنيا والشهوات نوع من الرضا بالحقارة، والقبول بالثمن البخس لنفسه، يقول الإمام عليّ عليه السلام:"ألا حُرٌّ يَدَعُ هذه اللّماظةَ لأهلها؟! إنّه ليس لأنفسكم ثمن إلّا الجنّة فلا تبيعوها إلّا بها".

فالتحرّر إذن هو أن يعرف الإنسان كرامته وشرفه، ويأبى الهوان والذلّة، ويترفّع عمّا يشينه، ويتعالى عمّا يحقّره، ويخلُص من أسر الدنيا، ويحرص على القيم الإنسانيّة فلا يفرّط بها.

وفي منعطفات الحياة الدنيا والتواءاتها، وصعودها ونزولها، طالما شاهدنا أُناساً رضوا بكلّ أنواع الحقارة والمهانة من أجل الحصول على الدنيا، أو بسبب الحرص على ما في أيديهم من مكاسبها، أو من أجل تحقيق أمنياتهم ومشتهياتهم، أو من أجل بقاء أطول لعدّة أيّام أُخر فيها، أمّا الأحرار فربّما بذلوا الأرواح ثمناً للحياة العزيزة الكريمة التي لا يرضون إلّا إيّاها، رافضين العيش مع الذلّ، يقول الإمام الحسين عليه السلام:"موتٌ في عزّ خيرٌ من حياةٍ في ذلّ".

هذه هي نظرة الأحرار إلى الحياة، ولقد كانت نهضة عاشوراء مظهراً جليّاً من مظاهر التحرّر في شخصيّة الإمام الحسين عليه السلام وشخصيّات أهل بيته وأنصاره المستشهدين بين يديه، فلو لم يكن ذلك التحرّر، لما كان ذاك الإباء، ولأعطى الإمام عليه السلام البيعة، ولما قتل، لكنّ أبيَّ الضيم وأبا الأحرار عليه السلام لمّا أرادوا منه البيعة ليزيد قهراً، امتنع وأبى، وكان منطقه:

"لا والله! لا أُعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ إقرار العبيد".

لقد كان ميدان كربلاء تجلّياً آخر لهذا التحرّر أيضاً، تجسّد في اختيار أحد أمرين ركز بينهما ابن زياد، وهما القتل أو الذلّة، فكان اختيار الأحرار هو الاستشهاد بحدّ السيف ورفض الذلّة، هكذا جاء الجواب على لسان الإمام عليه السلام:

"ألا وإنّ الدعيَّ ابن الدّعيّ قد ركز بين اثنتين: بين السّلّةِ والذلّة! وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأُنوف حميّة، ونفوس أبيّة، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام...".

وفي حملاته يوم عاشوراء كان عليه السلام يرتجز ويقول:

"الموتُ أولى من ركوب العار والعارُ أولى من دخول النّار"

إنّ الروح التحرّريّة التي تملأ كيان الإمام عليه السلام هي التي حرّكته وهو صريع مثخن بالجراحات ليخاطب الأعداء الذين هجموا على خيامه فروّعوا النساء والأطفال، قائلاً لهم:
"إنْ لمْ يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم".

ولقد تجسّد هذا النهج التحرّريّ أيضاً في أخلاق وسجايا أنصار الإمام الحسين عليه السلام عامّة، وفي شهداء الطفّ خاصّة، فهذا مسلم بن عقيل عليهما السلام طليعة النهضة الحسينيّة في الكوفة، لمّا واجه جيش ابن زياد الذي أحاط ببيت "طوعة" ليأسرّه أو يقتله، كان يقاتلهم وهو يرتجز معلناً عن هذه الروح التحرّريّة:

أقسمتُ لا أُقتلُ إلّا حرّا وإنْ رأيتُ الموتَ شيئاً نُكرا

كلّ امرئ يوماً مُلاقٍ شرّا ويخلط البارد سخناً مرّا

رُدَّ شعاع الشمس فاستقرّا أخافُ أن أُكذبَ أو أُغَرّا

ولمّا برز الأخوان الغفاريّان عبد الله وعبد الرحمن ابنا عروة إلى ميدان القتال يوم عاشوراء كان من رجزهما هذا البيت الكاشف عن روح التحرّر هذه:

يا قوم ذودوا عن بني الأحرار بالمشرفيّ والقنا الخطّار

وكان الحرّ بن يزيد الرياحيّ (رضوان الله عليه) مصداقاً بارزاً آخر لهذه الحريّة وهذا التحرّر، إذ كانت روحه التحرّريّة السبب في ألّا يكون من أهل جهنّم من أجل الدنيا والرئاسة، حيث خيّر نفسه بين الجنّة والنّار، فاختار الجنّة في أصعب المواقف، واشتراها في ظلّ الشهادة، حيث تاب إلى الله تعالى، وانفصل عن جيش ابن زياد وانضمّ إلى أبي عبد الله الحسين عليه السلام يوم عاشوراء، فلم يزل يقاتل بين يديه قتال الأبطال حتّى صرع، "فاحتمله أصحاب الحسين عليه السلام حتّى وضعوه بين يدي الحسين عليه السلام وبه رمق، فجعل الحسين يمسح وجهه ويقول: أنت الحرّ كما سمّتك أمُّك، وأنت الحرّ في الدنيا، وأنت الحرّ في الآخرة".

ورثاه رجل من أصحاب الحسين عليه السلام، وقيل: بل رثاه عليّ بن الحسين عليه السلام:

لَنِعْمَ الحرُّ حُرُّ بني رياح صبورٌ عند مختلف الرماح

ونعم الحرُّ إذ نادى حسيناً فجاد بنفسه عند الصياح

فيا ربيّ أضفه في جنان وزوّجه مع الحور الملاح

ومن بعد عاشوراء... إذا تأسّى دعاة الحريّة وأحرار العالم في حربهم من أجل الاستقلال والخلاص من الظلم ومن الطواغيت ببطولات شهداء كربلاء فإنّما يتأسّون بهم في ظلّ هذا الدرس بالذات، درس "التحرّر" الذي هو تحفة عاشوراء لجميع الأجيال إلى قيام الساعة، إذ إنّ الأحرار في لحظات الاختيار الحسّاسة، ومواقف اتخاذ القرار الصعبة، هم الذين يختارون الموت الأحمر والمواجهة الدمويّة والتضحية بالنفس ليصلوا بذلك إلى سعادة الشهادة، وليحرّروا مجتمعهم من التعاسة ومن كلّ ظلم.


نسألكم الدعاء



من مواضيع : الحوزويه الصغيره 0 التمسكم الدعاء ..
0 في مسألة الخاتمة ..
0 مشكلة عند فرمتة الجهاز
0 هلال الشهر بين الفتوى و الإخبار
0 حرمة التظليل - للـــــنقاش

الصورة الرمزية الحوزويه الصغيره
الحوزويه الصغيره
عضو فضي
رقم العضوية : 34252
الإنتساب : Apr 2009
المشاركات : 1,863
بمعدل : 0.33 يوميا

الحوزويه الصغيره غير متصل

 عرض البوم صور الحوزويه الصغيره

  مشاركة رقم : 14  
كاتب الموضوع : الحوزويه الصغيره المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي أداء التكليف
قديم بتاريخ : 10-12-2012 الساعة : 01:32 AM





اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
عظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام وجعلنا و إياكم من الطالبين بثاره مع وليه الإمام المهدي من آل محمد عليهم السلام


أداء التكليف


يمكن أن يعرف تديّن ومبدأيّة الإنسان المسلم من خلال كونه عاملاً متعبّداً بكلّ ما هو "تكليف شرعيّ" في جميع أبعاد حياته وأعماله الفرديّة والاجتماعيّة.

والتكليف يختلف باختلاف الظروف والشرائط، فربّما وافق التكليف ما يحبّ العبد، وربّما خالف هواه فكان ممّا يكره، وربما كان ممّا يفرح به النّاس وربّما كان ممّا يثقل عليهم.

والإنسان المسلم في عهده مع الله تبارك وتعالى ملزم بالإطاعة والعمل طبقاً لما يريده الله فيما يحبّ ويكره على السواء، فلا يفرّط بأداء التكليف أو يتخلّى عنه من أجل شيء آخر أبداً، والإنسان المسلم الملتزم بهذا العهد منتصر دائماً وإنّ تعرّض في الظاهر لهزيمة، وانكسار، ذلك لأنّه لم يقصّر في حقّ العمل بالتكليف.

وإذا كانت ثقافة "العمل بالتكليف" هي الحاكمة والمهيمنة في المجتمع فإنّ أبناء هذا المجتمع يشعرون بالانتصار دائماً، وبالفوز ب-"إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ" كما في التعبير القرآنيّ، فهم على حال حسنى سواء استشهدوا في جهادهم وكفاحهم أو حققّوا النصر العسكريّ والسياسيّ.

ولقد عمل أئمّة أهل البيت عليهم السلام طبقاً لنوع التكليف الشرعيّ في الظروف الاجتماعيّة المختلفة، وكانت حادثة عاشوراء أيضاً مظهراً من مظاهر العمل بما يفرضه التكليف الشرعيّ، الذي كانت تعيّنه أيضاً اقتضاءات الظروف والمعرفة بموضوع الحكم، طبقاً للموازين الشرعيّة الكليّة، ولا شكّ أنّ قيام الأئمّة عليهم السلام أو قعودهم، وانتفاضتهم أو سكوتهم، كان تابعاً أيضاً لهذا التكليف الشرعيّ.

والإمام الحسين عليه السلام مع كونه إمام حقّ، يعلم أنّ الخلافة والقيادة حقّ له، إلّا أنّه خاطب أهل البصرة في رسالته التي كتبها إلى أشرافهم ورؤساء الأخماس فيهم قائلاً: "أمّا بعد: فإنّ الله اصطفى محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم على خلقه، وأكرمه بنبوّته، واختاره لرسالته، ثمّ قبضه الله إليه وقد نصح لعباده وبلّغ ما أرسل به صلى الله عليه وآله وسلم، وكنّا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته وأحقّ النّاس بمقامه في النّاس، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية، ونحن نعلم أنّا أحقّ بذلك الحقّ المستحقّ علينا ممّن تولاّه...".

والحسين بن عليّ عليه السلام الذي لم يتحمّل الخضوع لحكومة يزيد حتّى لحظة واحدة! هو نفسه ذلك الحسين عليه السلام الذي عاش في ظلّ حكومة معاوية عشر سنين ولم يقم ضدّه، ذلك لأنّ تكليف الإمام عليه السلام في كلّ واحد من هذين العهدين كان مختلفاً.

إنّ تعبّد الإنسان المسلم ب-"حكم الدين" مقدّس جدّاً...

في الأيّام التي كان مسلم بن عقيل عليهما السلام في الكوفة قد اختبأ في بيت هاني بن عروة (رضوان الله عليه) ، وقد اتّفقَ على خطّة اغتيال ابن زياد حين يأتي لعيادة هانئ في بيته على يد مسلم عليه السلام، نجد أنّ مسلماً عليه السلام أبى تنفيذ خطّة الاغتيال في وقتها، إذ لم يخرج إليه من مخبئه، فانصرف ابن زياد من منزل هانئ لم يمسسه سوء، ولمّا سئل مسلم عليه السلام:ما منعك من قتله؟! قال: "خصلتان: أمّا إحداهما فكراهة هانئ أن يقتل في داره، وأمّا الأخرى فحديث حدّثه النّاس عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم:أنّ الإيمان قيد الفتك، ولا يفتك مؤمن".

وحينما أراد الإمام الحسين عليه السلام أن يخرج من مكّة باتجاه الكوفة، كان بعض الأصحاب قد تقدّموا إليه بالنصيحة أن ليس من الصلاح الذهاب إلى العراق، وكان من جملة هؤلاء ابن عبّاس الذي ردّ عليه الإمام عليه السلام قائلاً: "يا ابن عمّ، إنّي والله لأعلم أنّك ناصح مشفق، ولكنّي قد أزمعتُ وأجمعت على المسير!".

وفي منزل "الصفاح" أيضاً، لمّا التقاه الفرزدق وأخبره أنّ أوضاع الكوفة لا تدعو إلى الاطمئنان، قال عليه السلام:"صدقت! لله الأمر، والله يفعل ما يشاء، وكلّ يوم ربّنا في شأن، إنْ نزل القضاء بما نحبُّ فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر، وإنْ حال القضاء دون الرجاء فلم يعتد من كان الحقّ نيّته والتقوى سريرته".

كلّ هذه الشواهد تدلّ على أنّ الإمام عليه السلام كان قد هيّأ نفسه المقدّسة للقيام بتكليفه الشرعيّ، راضياً بقضاء الله تعالى مهما كانت النتيجة، ففي الوقت الذي أتاه رسولان من والي مكّة يحملان إليه رسالة منه تتضمّن التعهّد بضمان الأمان له عليه السلام إذا انثنى عن سفره إلى العراق، قال لهما الإمام عليه السلام:"إنّي رأيتُ رؤيا فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمرتُ فيها بأمرٍ أنا ماضٍ له، عليّ كان أو لي!".

ذلك هو الانقياد للتكليف الشرعيّ، والمؤمن العامل بتكليفه الشرعيّ يرى نفسه منتصراً في أيٍّ من الحسنيين، كما يقول الإمام الحسين عليه السلام:
"أرجو أن يكون خيراً ما أراد الله بنا، قُتِلنا أم ظفرنا".

حينما كانت رسائل أهل الكوفة تسلّم إلى الإمام الحسين عليه السلام وهو في مكّة المكرّمة، يدعونه فيها إلى القدوم إليهم، ويعدونه فيها بنصرته والدفاع عنه، رأى الإمام عليه السلام أنّ تكليفه الذهاب إليهم مع علمه بحقيقة حال أهل الكوفة، ذلك لأنّ رسائلهم وتعهّدهم بنصرته والذود عنه شكّلا أحد الأسباب الرئيسة التي جعلته عليه السلام يختار التوجّه إلى العراق، وقد صرّح عليه السلام بقوّة هذا السبب في خطبته التي خطب بها جيش الحرّ بن يزيد الرياحيّ (رضوان الله عليه) حين التقاهم، حيث قال عليه السلام:"أيّها النّاس! إنّها معذرة إلى الله عزَّ وجلَّ وإليكم، إنّي لم آتكم حتّى أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم أن أقدم علينا فإنّه ليس لنا إمام، لعلّ الله يجمعنا بك على الهدى، فإن كنتم على ذلك فإن تعطوني ما أطمئنُّ إليه من عهودكم ومواثيقكم أقدم مصركم، وإنّ لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه إليكم".

إنّ قول الإمام عليه السلام هذا دالّ على أنّ عمله كان طبقاً لهدي التكليف الشرعيّ. وكان أنصاره صلوات الله عليهم هكذا أيضاً، فقد استشهدوا وارتثّوا بين يديه عليه السلام امتثالاً للتكليف الشرعيّ الآمر بنصرته، ومن الأدلّة على هذه الحقيقة أنّ الإمام عليه السلام لمّا أذن لهم ليلة عاشوراء بالانصراف عنه والنجاة بأنفسهم بلا ذمام منه عليهم، كان جوابهم (قدّس سرّهم) هكذا:

"والله لا نفارقك، ولكن أنفسنا لك الفداء، نقيك بنحورنا وجباهنا وأيدينا، فإذا نحن قتلنا كنّا وفينا وقضينا ما علينا".

وفي تأريخنا المعاصر أيضاً، كان الإمام الخمينيّ قائد الثورة الإسلاميّة (قدس سره) قد قام بنهضته المباركة ضدّ الطاغوت على أساس التكليف الإلهيّ، وفي جميع مراحل هذه النهضة المقدّسة لم يكن يفكّر إلّا بما هو تكليف شرعيّ، في نداءاته وفي سكوته، في سجنه ونفيه وفي درسه وتأليفه، في الحرب وفي قبول معاهدة الصلح، كلّ ذلك كان على أساس "العمل بالتكليف"، ولذا فهو في جميع المراحل لم يستكن ولم يضعف ولم ييأس ولم يتخلَّ عن هدفه، ولم يندم في لحظة ما على ما كان قد وقع.

كان تحليل الإمام الخمينيّ (قدس سره) لنهضة عاشوراء أنّها حركة قامت على أساس "العمل بالتكليف"، وكانت حركة مجاهداته هو أيضاً قائمة على مثل هذا الأساس.

لنقرأ أمثلة من أقواله (قدس سره) في هذا الصدد:

"إنّما قام الإمام أبو عبد الله عليه السلام ونهض بعدد قليل في مواجهة ذلك العدد الكبير الهائل لأنّه قال: تكليفيّ هو أن أستنكر، أن أنهى عن المنكر".

"لكنّ تكليفه كان آنذاك هو أنّه يجب أن يثور وأن يجود بدمه المقدّس حتّى يصلح هذه الأمّة، وحتّى يسقط راية يزيد".

"ذلك اليوم الذي يتعرّض الإسلام فيه إلى الإساءة والتشويه... يقتضي التكليف آنئذٍ أنّ على عظماء الإسلام أن ينهضوا ويجاهدوا".

فبلاغ عاشوراء "معرفة التكليف" و"العمل بالتكليف" من قبل جميع الأمّة، خصوصاً أولئك الذين لهم مكانة خاصّة فيها، الذين هم أسوة للآخرين ويرسمون خطّ السير لهم، فلو أنّ جميع أتباع الحقّ في زمان سيّد الشهداء عليه السلام كانوا على معرفة بتكليفهم، وعملوا بتكليفهم مثل شهداء الطفّ بالتضحية بين يدي إمامهم في الدفاع عنه، لكان مسار حركة التأريخ قد تغيّر إلى حيث مصلحة الحقّ، ولكان مصير الإسلام والمسلمين غير ذلك المصير.

واليوم أيضاً، يجب أن تعرف الأشكال المختلفة للتكليف، وأن يتعبّد بأدائها، وأن يعلم أنّ النصر في أداء التكليف. إنّ هذا هو ذلك الدرس الذي تعلّمناه من عاشوراء.



نسألكم الدعاء





من مواضيع : الحوزويه الصغيره 0 التمسكم الدعاء ..
0 في مسألة الخاتمة ..
0 مشكلة عند فرمتة الجهاز
0 هلال الشهر بين الفتوى و الإخبار
0 حرمة التظليل - للـــــنقاش

الصورة الرمزية الحوزويه الصغيره
الحوزويه الصغيره
عضو فضي
رقم العضوية : 34252
الإنتساب : Apr 2009
المشاركات : 1,863
بمعدل : 0.33 يوميا

الحوزويه الصغيره غير متصل

 عرض البوم صور الحوزويه الصغيره

  مشاركة رقم : 15  
كاتب الموضوع : الحوزويه الصغيره المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي الصبر والثبات
قديم بتاريخ : 11-12-2012 الساعة : 01:34 AM





اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
عظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام وجعلنا و إياكم من الطالبين بثاره مع وليه الإمام المهدي من آل محمد عليهم السلام


الصبر والثبات


من الضروريّ الصمود والثبات من أجل مواجهة الضغوط الداخليّة والخارجيّة ومن أجل التغلّب على المشاكل في طريق الوصول إلى الهدف المنشود، فبدون الصبر سواء في المقاومة والجهاد أو في أيّ عمل آخر لا يمكن الوصول إلى النتائج المرجوّة، فلا بدّ للإنسان أن يكون صبوراً حتّى لا تزلزله المصائب وصعوبات الطريق، هذا ما يدعو إليه الدين في جميع المراحل، ونجد أنفسنا في عاشوراء أيضاً وجهاً لوجه أمام هذا التجلّي الروحيّ العظيم، فإنّ الشيء الذي سما بملحمة كربلاء إلى ذروة الخلود والتأثير والفتح المعنويّ هو روحيّة المقاومة والصمود التي تجلّت في الإمام الحسين عليه السلام وأنصاره وأهل بيته.

لقد كان الإمام عليه السلام منذ أوائل نهضته وحتّى صبيحة عاشوراء يشترط فيمن يريد الانضمام إليه والالتحاق به أن يكون صابراً صامداً موطّناً على لقاء الله نفسه، ويروى أنّه كان من قوله عليه السلام في بعض المنازل أنّه قال: "أيّها النّاس! فمن كان منكم يصبر على حدّ السيف وطعن الأسنّة فليقم معنا، وإلّا فلينصرف عنّا".

إنّ ميدان الحرب والاقتتال مصحوب بالصدام والضرب والعطش والإرهاق والجراحات والموت والأسر ومئات المخاوف والأخطار الأخرى، ولذا كان الإمام الحسين عليه السلام يشترط لصحبته ومرافقته "الصبر" فيمن يلتحق به، حتّى يبقى ويثبت أنصاره الصابرون في ميدان النهضة إلى نهاية المطاف.

ونلاحظ شعار "الصبر والثبات" واضحاً جليّاً في خطب الإمام عليه السلام وفي رجزه ورجز أنصاره، لقد كان الصبر من الأمور التي أكّد عليها الإمام عليه السلام في وصاياه لأنصاره وأهل بيته، وخصوصاً ما أوصى به لمرحلة ما بعد استشهاده عليه السلام:

ففي يوم عاشوراء مثلاً، قال عليه السلام في خطبة خطبها في أصحابه:
"صبراً بني الكرام! فما الموت إلّا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضرّاء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة".

وممّا أوصى عليه السلام به أخته زينب الكبرى عليها السلام وبقيّة أخواته وبناته ونسائه ليلة عاشوراء قوله:

"... يا أختاه يا أمّ كلثوم، وأنت يا زينب، وأنت يا فاطمة، وأنت يا رباب! أنظرن إذا أنا قتلت فلا تشققن عليَّ جيباً، ولا تخمشن عليَّ وجهاً، ولا تقلن هجراً...".

وبعد أن صلّى عليه السلام بأصحابه يوم عاشوراء، دعاهم أيضاً إلى الصبر والثبات قائلاً: " فاتّقوا الله واصبروا".

وكان شعار "الصبر والثبات" ظاهراً أيضاً في رجز أصحابه، فقد جاء مثلاً في بداية رجز خالد بن عمرو (رضوان الله عليه) قوله:

صبراً على الموت بني قحطان كيما تكونوا في رضى الرحمن
وجاء أيضاً في مطلع رجز سعد بن حنظلة التميميّ قوله:

صبراً على الأسياف والأسنّة صبراً عليها لدخول الجنّة
إنّ "الصبر يهوّن الفجيعة" كما يقول الإمام عليّ عليه السلام، والإنسان الصابر كما يزداد بالصبر تحمّلاً للمصيبة وآلامها، فإنّه يشعُّ أيضاً على الآخرين روحيّة الصبر والثبات.

ولقد كانت أشدّ المصائب والصدمات الروحيّة التي تعرّض لها الإمام الحسين عليه السلام مصيبة مقتل أبنائه وأنصاره من أهل بيته وأصحابه، لكنّه عليه السلام في جميع تلك الدواهي لم يتزعزع بل صمد وقاوم، ولم يستسلم لهول المصاب، ولم يهن ولم ينكل، وله تصريحات كثيرة مفعمة بالصبر على ما ألمّ به من عظيم الآلام عند فقد أعزّته وأنصاره من أهل بيته وأصحابه، ولقد أعدّ عليه السلام نفسه منذ البدء لتحمّل هذه النوازل، وقد صرّح بذلك في خطبته التي خطبها بمكّة قبيل خروجه إلى العراق، حيث قال: "نصبر على بلائه ويوفّينا أجور الصابرين".

وفيما أوصى به الإمام عليه السلام أخته زينب الكبرى وباقي النساء وأهل بيته في ليلة عاشوراء ضمن ما أخبرهم به من حال الأعداء، أنّه قال:

"ذكّرتهم فلم يذكروا، ووعظتهم فلم يتّعظوا، ولم يسمعوا قولي، فما لهم غير قتلي سبيلاً، ولا بدّ أن تروني على الثرى جديلاً، لكن أوصيكنّ بتقوى الله ربّ البريّة، والصبر على البليّة، وكظم نزول الرزيّة، وبهذا وعد جدّكم ولا خلف لما وعد، ودّعتكم إلهي الفرد الصمد".
وفي يوم عاشوراء دعا ابنه عليَّ الأكبر عليهما السلام إلى التحمّل والصبر على العطش قائلاً: "اصبر حبيبي..."، وكذلك خاطب أحمد بن أخيه الحسن عليهما السلام بعد أن عاد إليه من القتال عطشان بقوله: "يا بنيّ اصبر قليلاً..."، وفي وداعه الأخير لحرمه أوصى ابنته سكينة عليها السلام قائلاً:

"فاصبري على قضاء الله ولا تشتكي"، وكان من مناجاته العرفانيّة في آخر لحظات حياته وهو صريع على وجه الثرى، مخاطباً ربّه عزَّ وجلَّ: "صبراً على قضائك يا ربّ، لا إله سواك... صبراً على حكمك يا غياث من لا غياث له...".

إنّ تمسّك أهل المصيبة بالصبر، وسيطرتهم على أحزانهم وغمّهم، وتسليمهم لمشيئة الله وتقديره، احتساباً ورجاءً لما عند الله من المثوبة والأجر، كما يزيد في ثوابهم عند الله تبارك وتعالى، كذلك ييسّرعليهم تحمّل لوعة فقد الأحبّة واستشهاد الأعزّة، خصوصاً إذا كان صاحب المصيبة لفقد الأحبّة ذا إيمان قويّ لا يسمح للجزع والاعتراض أن يحبطا أجره عند الله تبارك وتعالى.

كان عبد الله بن جعفر زوج زينب الكبرى عليها السلام قد بقي في المدينة ولم يلتحق بالإمام الحسين عليه السلام في خروجه إلى العراق (فقد قيل: إنّه مكفوف البصر)، لكنّه كان قد شارك في الطفّ بولديه الذين استشهدا مع الإمام الحسين عليه السلام.

ولمّا بلغه مقتل ابنيه مع الحسين عليه السلام دخل عليه بعض مواليه والنّاس يعزّونه، فقال ذلك الرجل المولى: "هذا ما لقينا ودخل علينا من الحسين" فحذفه عبد الله ابن جعفر بنعله ثمّ قال: "يا ابن اللخناء! اللحسين تقول هذا؟! والله لو شهدته لأحببتُ أن لا أُفارقه حتّى أُقتلَ معه! والله إنّه لممّا يسخّي بنفسي عنهما، ويهوّن عليّ المصاب بهما أنّهما أصيبا مع أخي وابن عمّي مواسيين له صابرين معه".
إنّ التأريخ دوّن لنا صبر وثبات شهداء كربلاء وذويهم عنواناً لمقام إنسانيّ فذّ ولخصلة أخلاقيّة سامية، وقد أثنت النصوص الواردة في زيارة هؤلاء الشهداء الأفذاذ ثناءً عاطراً على جهادهم وصبرهم وثباتهم.

نقرأ في إحدى زيارات الحسين عليه السلام:"فجاهدهم فيك صابراً محتسباً حتّى سُفك في طاعتك دمه!".

ونقرأ في أحد نصوص زيارة أبي الفضل العبّاس عليه السلام:"فنعم الصابر المجاهد المحامي الناصر...".

لقد كانت واقعة كربلاء مدرسة الصمود، وكان أبطال ملحمة عاشوراء قدوات الصبر والتحمّل والثبات، كما استوعبت عوائل الشهداء أيضاً درس الصبر من زينب الكبرى عليها السلام، وتحمّلت الأمّهات والزوجات والآباء لوعة فقدان أعزّتهم الشبّان تأسّياً بكربلاء.


نسألكم الدعاء




من مواضيع : الحوزويه الصغيره 0 التمسكم الدعاء ..
0 في مسألة الخاتمة ..
0 مشكلة عند فرمتة الجهاز
0 هلال الشهر بين الفتوى و الإخبار
0 حرمة التظليل - للـــــنقاش

الصورة الرمزية الشاعر333
الشاعر333
شيعي محمدي
رقم العضوية : 37784
الإنتساب : Jun 2009
المشاركات : 3,391
بمعدل : 0.60 يوميا

الشاعر333 غير متصل

 عرض البوم صور الشاعر333

  مشاركة رقم : 16  
كاتب الموضوع : الحوزويه الصغيره المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 11-12-2012 الساعة : 09:08 PM


حياكم الله اختنا الكريمة على الموضوع والبحث الرائع
أحسن الله لنا ولكم العزاء
صراحةً قد لا يختلف رأيي المتواضع عن باقي الاراء السديدة للاخوة
فنظرتي المتواضعة لعاشوراء
هو ليس
شهر البكاء او السواد او الشعائر والمآتم
هو تذكرة لنا في كل عام من خلاله سنتذكر كل تلك القيم السامية
التي من اجلها عانت تلك الشجرة المباركة صلوات الله وسلامه عليها واتباعها والمتمسكين بها عانوا لانهم اعلنوا انتمائهم لها

لنترك الكتابة على الجدران ونشر البوسترات ونملأها بـ((كل ارض كربلاء كل يوم عاشوراء))
ان طبقناها ولو بالجزء اليسير بمعناها واهدافها
نكون انصارا بحق لصاحب المصيبة عليه السلام

ان نكون عنصر بناء لتلك الثورة الخالدة


لكم مني جزيل الشكر والامتنان
وعذرا على الاطالة


توقيع : الشاعر333
من مواضيع : الشاعر333 0 جموع المعزين نهار عاشوراء
0 قسيم النار و الجنة
0 الخلود
0 بكاء المسيح (ع)
0 تمت الزيارة بالانابة عن كل الاعضاء

الصورة الرمزية الحوزويه الصغيره
الحوزويه الصغيره
عضو فضي
رقم العضوية : 34252
الإنتساب : Apr 2009
المشاركات : 1,863
بمعدل : 0.33 يوميا

الحوزويه الصغيره غير متصل

 عرض البوم صور الحوزويه الصغيره

  مشاركة رقم : 17  
كاتب الموضوع : الحوزويه الصغيره المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي العفاف والحجاب
قديم بتاريخ : 11-12-2012 الساعة : 11:59 PM





اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
عظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام وجعلنا و إياكم من الطالبين بثاره مع وليه الإمام المهدي من آل محمد عليهم السلام


العفاف والحجاب


تتحقّق الكرامة الإنسانيّة للمرأة في ظلّ عفافها، والحجاب أيضاً أحد الأحكام الدينيّة التي شرّعت من أجل أن تستعفف النساء وتطهر حجورهنّ، ومن أجل حفظ المجتمع من التلوّث بالرذائل والمفاسد.

ولقد قامت النهضة الحسينيّة من أجل إحياء القيم الدينيّة، وكان حجاب المرأة المسلمة وعفافها قد أخذ مكانته النفيسة في ظلّ هذه النهضة المقدّسة، وكان الإمام الحسين عليه السلام وزينب الكبرى عليها السلام وبقيّة أهل بيت الرسالة وحرم النبوّة يذكّرون بمنزلة هذه الجوهرة الأخلاقيّة سواء في أقوالهم أو في أسلوب تحرّكاتهم.

لقد كانت زينب الكبرى عليها السلام وباقي حرم الرسالة من أهل بيت الحسين عليه السلام قدوات للمرأة المسلمة في الحجاب والعفاف، إذ لم يغفلن عليهن السلام عن مراعاة كمال الحجاب ومتانة العفاف أثناء مشاركتهنّ في الملحمة العظيمة وأدائهنّ لدورهنّ الاجتماعيّ والتبليغيّ الحسّاس الخطير، فكنّ لذلك حقّاً أسوة لجميع النساء المسلمات.

لقد أوصى الإمام الحسين عليه السلام أختيه زينب وأمّ كلثوم وابنته فاطمة وزوجته الرباب قائلاً: "يا أختاه يا أمّ كلثوم، وأنت يا زينب، وأنت يا فاطمة، وأنت يا رباب، إذا أنا قتلت فلا تشققن عليَّ جيباً، ولا تخمشن عليَّ وجهاً، ولا تقلن هجراً".

خصوصاً وأنهنّ كنّ بمحضر أعين الأعداء التي كانت ترقب وترصد ما يصدر عنهن من قول وفعل.

ولمّا سمع الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء بكاء النسوة في الخيم، أرسل إليهنّ أخاه العبّاس وابنه عليّ الأكبر عليهما السلام ليسكّتاهنّ ويصبّراهن.

كان سلوك وتصرّف زينب الكبرى وأخواتها وأزواج وبنات الحسين وبقيّة نساء المعسكر الحسينيّ المقترن برعاية الحجاب وحفظ العفاف مثلاً عمليّاً أعلى لمتانة شخصيّة المرأة المسلمة.

ولم يألُ الإمام السجّاد عليه السلام جهده أيضاً في الحفاظ على حجاب مخدّرات بيت الرسالة ورعاية شؤونهنّ ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، بل لم يغفل عن هذا الأمر المهمّ حتّى في اللحظة التي رأى ابن زياد يهمُّ بقتله! إذ قال عليه السلام له: "يا ابن زياد! إنْ كانت بينك وبينهم قرابة فابعث معهنّ رجلاً تقيّاً يصحبهنَّ بصحبة الإسلام".

وينقل السيّد ابن طاووس (رضوان الله عليه) أنّ الإمام الحسين عليه السلام ليلة عاشوراء قد أوصى عائلته برعاية الحجاب والعفاف وصون النفس.

ولمّا سمعت زينب الكبرى أخاها الإمام الحسين عليه السلام ينعى نفسه بعد ما رأى رؤيا في غفوته، فقدت صبرها ولم تتمالك نفسها، فلطمت وجهها وصاحت وبكت، فقال لها الحسين عليه السلام:"مهلاً! لا تشمتي القوم بنا!".

وروي أنّ امرأة من بني بكر بن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد، فلمّا رأت القوم قد اقتحموا على نساء الحسين عليه السلام فسطاطهنّ وهم يسلبونهنّ أخذت سيفاً وأقبلت نحو الفسطاط وقالت: يا آل بكر بن وائل! أتسلبُ بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم !.

وفي الطريق من الكوفة إلى الشام كان غاية حرص نساء بيت النبوّة في حال السبي أن يصان حجابهنّ وعفافهنّ "فلمّا قربوا من دمشق دنت أمّ كلثوم من شمر- وكان من جملتهم- فقالت له: لي إليك حاجة! فقال: ما حاجتك؟! قالت: إذا دخلتَ بنا البلد فاحملنا في درب قليل النظّارة، وتقدّم إليهم أن يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل، وينحّونا عنها، فقد خزينا من كثرة النظر إلينا ونحن في هذه الحال!".

وكان من الاعتراضات الشديدة التي وبّخت زينب الكبرى عليها السلام يزيد بن معاوية عليها في خطبتها أن قالت: "أمِنَ العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبايا قد هتكت ستورهنّ، وأبديت وجوههنّ، تحدو بهنّ الأعداء من بلد إلى بلد، ويستشرفهنّ أهل المناهل والمناقل، ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد والدنيّ والشريف...".

إنّ الغاية من نقل هذه الأمثلة والشواهد هي الإشارة إلى هذه الحقيقة وهي أنّ عائلة الإمام الحسين عليه السلام ومخدّرات بيت النبوّة وبقيّة نساء شهداء الطفّ كما كنّ يحرصن أشدّ الحرص على حجابهنّ وعفافهن، كنّ أيضاً ينكرن على الأعداء إنكاراً شديداً ويوبّخنهم بقوّة على معاملتهم المشينة مع حرم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهتكهم لحرمة عترته وعرضهنّ على أنظار النّاس.

ومع أنّ حرم النبوّة والرسالة كانت بيد الأعداء، يسوقونهنّ من منزل إلى منزل، ومن مدينة إلى أخرى، ومن سوق إلى بلاط، مفجوعات قد أحرقت قلوبهنّ نار المصيبة والرزيّة، إلّا أنهنَّ كنّ في غاية الحرص وشدّة المراقبة على حفظ شأن وكرامة ومقام المرأة التقيّة الطاهرة، وبرغم تلك الحال الشديدة التي لا توصف كنّ قد حرصن أيضاً على أداء تكليفهنّ في التبليغ بأهداف النهضة الحسينيّة المقدّسة والدفاع عن غاياتها وأهدافها من خلال الخطب البليغة المؤثّرة التي كشفت حقيقة الأعداء وفضحتهم.

إنّها الحركة الاجتماعيّة السياسيّة للمرأة المسلمة في ذات الوقت الذي تصون حجابها وعفافها، وهذا درس لجميع النساء المسلمات في كلّ الظروف وجميع العصور.


نسألكم الدعاء



من مواضيع : الحوزويه الصغيره 0 التمسكم الدعاء ..
0 في مسألة الخاتمة ..
0 مشكلة عند فرمتة الجهاز
0 هلال الشهر بين الفتوى و الإخبار
0 حرمة التظليل - للـــــنقاش

الصورة الرمزية مولى أبي تراب
مولى أبي تراب
عضو برونزي
رقم العضوية : 53658
الإنتساب : Aug 2010
المشاركات : 592
بمعدل : 0.11 يوميا

مولى أبي تراب غير متصل

 عرض البوم صور مولى أبي تراب

  مشاركة رقم : 18  
كاتب الموضوع : الحوزويه الصغيره المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 12-12-2012 الساعة : 06:14 PM


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ ... وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِيْنَ
السَّلامُ عَلى الحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ وَعَلى أوْلادِ الحُسَيْنِ وَعَلى أصْحَابِ الحُسَيْنِ
---------------------------
إن في حياة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين بجميع تفاصيلها دروس وعِبَر لذا أُمرنا بالتأسي بهم واتخاذهم منهاجاً
للسير والسلوك والاقتداء والتأسي ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ) ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) ( إنَّما مَثلُ أهل بيتي مَثَلُ سَفينة نُوح من ركِبَ فيها نجا ومن تَخلِّفَ
عنها غرق ) فحياة كل واحد من المعصومين عليهم السلام هي مدرسة قائمة بحد ذاتها وما يصدر عنه من فعل أو قول الا
وفيه العِبرة ، بل كان سكونهم وسكوتهم تقريراً وإمضاءً ، فإذا كانوا كذلك في أدق تفاصيل حياتهم المباركة فكيف بقيامهم
وتحركهم وثورتهم وحربهم ومشاريعهم الكبرى فلا شك أن في طيات ذلك التحرك الكثير من العِبر والدروس والمصالح العظيمة
لأنهم مؤيدون بتأييد الله تعالى ومسدّدون بتسديده ومشاريعهم إلهية ومخططاتهم سماوية ، ومن كان الله تعالى مؤيدَه
ومسدّدَه والمخطّطَ له فحريّ بأن تكون لنا فيه الأسوة والاتعاظ والاعتبار وأن يكون مصباحاً يهتدي به المهتدون ويستنير به
السائرون ، وهذا من الواضحات التي لا كلام فيها وإنما الكلام والشأن كل الشأن في أننا كيف يمكن لنا أن نغوص في
أعماق هذه المدارس ونستخرج المكنون من لآلئها ودررها وكيف لنا استلهام تلك الدروس وفهمها وتطبيقها فهذه هي
مهمتنا وتكليفنا تجاه أئمتنا سلام الله عليهم
وفي مقدمة تلك المشاريع الإلهية والمخططات السماوية ثورة سيدنا ومولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه كما يدل على
ذلك الحشد الهائل والاهتمام البالغ بهذه الثورة المباركة من قبل المعصومين عليهم السلام وتأكيدهم على ضرورة الإبقاء
عليها حيّة في جميع الأزمنة والأعصار وإن كلّف ذلك التضحيات
فثورة الإمام الحسين عليه السلام مدرسة إلهية كبرى دُعينا الى التربية والتعليم والتلّمذة فيها والانتساب اليها كي نستلهم
عِبرها ونستوعب دروسها ونجني ثمارتها ، وهذا ما يحتاج منا الى إعمال الفكر وشحذ الهمة ودراسة هذه الثورة المباركة
دراسة واعية دقيقة للوقوف على بركاتها ودروسها وحِكمها وعِبرها
الأخت الفاضلة جزاكم الله خيراً وشكر سعيكم لهذه الإلتفاتة الواعية
متابعون لكم وإن شاء الله يكون لنا شرف الحضور والمشاركة
وفقكم الله تعالى


من مواضيع : مولى أبي تراب 0 حكم الصوم في السفر
0 نيّة القطع والقاطع
0 حكم المسافر إذا خالف وظيفته من حيث القصر والتمام
0 مطهرية الشمس
0 إذا أحدث بالأصغر أثناء الغسل

الصورة الرمزية الحوزويه الصغيره
الحوزويه الصغيره
عضو فضي
رقم العضوية : 34252
الإنتساب : Apr 2009
المشاركات : 1,863
بمعدل : 0.33 يوميا

الحوزويه الصغيره غير متصل

 عرض البوم صور الحوزويه الصغيره

  مشاركة رقم : 19  
كاتب الموضوع : الحوزويه الصغيره المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي الإختيار
قديم بتاريخ : 13-12-2012 الساعة : 03:06 AM






اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
عظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام وجعلنا و إياكم من الطالبين بثاره مع وليه الإمام المهدي من آل محمد عليهم السلام


عاشوراء مجلى "عمق الحياة وجوهرها"، فالحياة ليست صعود الأنفاس ونزولها فحسب، والحياة لا تنحصر في عالم هذه الدنيا...
إنّ معرفة الجوهرة الخالصة للحياة الإنسانية تتجلّى في ظلّ عاشوراء، ذلك لأنّ بلاغ عاشوراء هو أنّ الحياة العزيزة الكريمة في الدنيا والفوز بالحياة الأفضل في الآخرة إنّما يتحققان في ظلّ الجهاد والشهادة في سبيل الله والحقّ والعقيدة الإلهيّة، ذلك المسار الذي تنجو به الحياة الإنسانيّة من أن تكون جوفاء بلا معنى.


الإختيار


مزجت طينة الإنسان بالقدرة على الاختيار، ذلك من فطرة الله التي فطر النّاس عليها ولا تبديل لخلق الله، فالإنسان مسؤول عن اختياره طريق الحقّ أو طريق الباطل، سبيل الخير أو سبيل الشرّ، نجْد السعادة أو نجْد الشقاء، الإنسان مسؤول أمام الله تعالى عن هذه القدرة على الاختيار الّتي هي "أمانة إلهيّة" عنده.

إنّ البعد الفردي والبعد الاجتماعي في شخصية كلّ إنسان، وسعادته وشقوته، وجنّته وجهنّمه، رهن نوع اختياره في هذه الحياة، والإنسان في كلّ لحظة من لحظات حياته عرضة لأحد الاختبارات الإلهيّة، يمتحنه الله ليعلم أيّ سبيل يختار من السبل المختلفة؟ ولأيّ نداء يستجيب؟ لنداء "العقل" و"الآخرة" ؟ أم لنداء "النفس" و"إغراءات الدنيا" ؟ لنداء "الأعمال الصالحة" أم لنداء "المصالح الذاتيّة" ؟

والنّاس إزاء دعوة الأنبياء عليهم السلام أيضاً لا بدّ أن يختاروا أحد طريقين إمّا طريق "التصديق والإيمان" أو طريق "التكذيب والكفر"، والارتباط بخطّ الأنبياء عليهم السلام معناه الاستجابة إلى دعوة العقل والمنطق، أمّا رفض دعوة الأنبياء عليهم السلام فمعناه غلبة الأهواء والمصالح الذاتيّة على نداء العقل.

لقد اختار إبليس العصيان "الاختيار السيّء" قبال الأمر الإلهيّ بالسجود لآدم عليه السلام فطُرِدَ من رحمة الله فهو رجيم.

وكان المؤمنون والكافرون أيضاً ولم يزالوا على الدوام عرضة لاختبار "الاختيار الحسن" و"الاختيار السيّء".

لنَطْوِ الآن سجلّاً مديداً لاختيارات تأريخيّة كثيرة، ولنقرأ في سجلّ نهضة عاشوراء، سجلّ الاختيارات العجيبة!

إنّ جميع تفاصيل ومشاهد حركة أحداث هذه النهضة الخالدة كانت قائمة على الاختيار، سواء في معسكر الحقّ معسكر الإمام الحسين عليه السلام، أو في معسكر الباطل معسكر ابن زياد وقوّاده وجنوده، إذ كان أهل الكوفة أنفسهم أيضاً عرضة لامتحان كبير، فأمّا اختيار نصرة الحسين عليه السلام وإنْ كانت عاقبة هذا الاختيار الشهادة، أو اختيار الحياة الدنيا والعافية والمناصب في حكومة الجور والظلم حتّى وإنْ أدّى هذا الاختيار إلى قتل ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيّد الشهداء عليه السلام، لقد كان بإمكان الإمام الحسين عليه السلام أن يختار مبايعة يزيد، وما كانت عاشوراء لتقع، ولكنّه اختار الشهادة عطشانا، روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "سمعتُ أبي يقول: لمّا التقى الحسين عليه السلام وعمر بن سعد لعنه الله وقامت الحرب، أنزل الله تعالى النصر حتّى رفرف على رأس الحسين عليه السلام، ثمّ خيّر بين النصر على أعدائه وبين لقاء الله، فاختار لقاء الله!".

في الطريق من مكّة إلى العراق، لمّا وصل إلى الإمام عليه السلام خبر مقتل مسلم بن عقيل عليه السلام وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر، أخرج الإمام عليه السلام للناس كتاباً: "ونادى: بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد: فقد أتانا خبر فظيع! قُتل مسلم بن عقيل، وهانيء بن عروة، وعبد الله بن يقطر، وقد خذلتنا شيعتنا، فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف، ليس عليه منّا ذمام. فتفّرق النّاس عنه تفّرقاً، فأخذوا يميناً وشمالاً، حتّى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة!".

ولمّا خرج عليه السلام من مكّة تبعه رسلٌ من والي مكّة يحملون إليه رسالة من الوالي يتعهّد فيها للإمام عليه السلام بالأمان والصلة إذا رجع عن سفره إلى العراق، فكان ممّا أجابه الإمام عليه السلام:"... وقد دعوت إلى الأمان والبرّ والصلة، فخير الأمان أمان الله".

في كربلاء أيضاً كان شمر بن ذي الجوشن قد جاء بأمان من عند ابن زياد لأبي الفضل العبّاس وإخوته من أمّه عليهم السلام، لكنّهم رفضوا ذلك الأمان واختاروا البقاء مع الإمام عليه السلام والشهادة بين يديه، وقالوا: "لا حاجة لنا في أمانكم، أمان الله خير من أمان ابن سميّة".

والمشهور أنّ زهير بن القين (رضوان الله عليه) كان عثمانيَّ الهوى ولم يكن مائلاً إلى أهل البيت عليهم السلام، ولكنّه بعد لقائه بالإمام الحسين عليه السلام في الطريق من مكّة إلى الكوفة اختار لنفسه طريقاً جديداً، هو الالتحاق بالإمام عليه السلام والانضمام إلى الركب الحسينيّ، وجاهد في صفّ الحقّ حتّى استشهد (رضي الله عنه)، ولمّا سئل عن سبب تحوّله قال: "... الطريق جمع بين وبينه، فلمّا رأيته ذكرتُ به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومكانه منه، وعرفتُ ما يقدم عليه من عدوّه وحزبكم، فرأيت أن أنصره وأن أكون في حزبه، وأن أجعل نفسي دون نفسه، حفظاً لما ضيّعتم من حقّ الله وحقّ رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ".

وفي ليلة عاشوراء، حينما صاv الأنصار (قدس سرهم) وجهاً لوجه أمام اقتراح سيّد الشهداء عليه السلام، حيث أذن لهم بالانصراف عنه وتركه لأنّ الأعداء لا يبتغون غيره إذا ظفروا به، كان جوابهم واحداً قاطعاً لا تذبذب فيه وهو اختيار "البقاء معه"، فلم ينصرف عنه تلك الليلة أحدٌ منهم.

ومن الاختيارات الخالدة في عظمتها وأهميّتها اختيار "الحرّ بن يزيد الرياحيّ" (رضي الله عنه)، لقد كان حتّى صباح عاشوراء في صفّ معسكر ابن زياد، وكان أحد القادة المهمّين المرموقين في جيش الأعداء، لكنّه خيّر نفسه بين الجنّة والنّار، فاختار الجنّة قائلاً: "إنّي والله أخيّر نفسي بين الجنّة والنّار، فوالله لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قطّعت وأُحرقت!"، ثمّ ضرب فرسه مسرعاً به إلى معسكر الإمام عليه السلام ليقف بين يديه معلناً عن توبته واستعداده لنصرته، فقُبلت توبته، وجاهد بين يدي الإمام عليه السلام حتّى فاز بالشهادة والجنّة.

إنّ هذا الاختيار الفريد، والموقف الفذّ الذي اتّخذه الحرّ (رضي الله عنه) جعل منه أسوة خالدة للأحرار على مدى الأجيال، وفرقداً هادياً في سماء طلاّب الحقّ وأهل البصائر، وشهيداً من شهداء كربلاء العظام، فضلاً عن السعادة الأبديّة التي فاز بها.

إنّ التأمّل عند مفترق طريقين صعبين واختيار الأفضل منهما دليل على كمال عقل الإنسان وحرصه على مستقبله وسعادته.

ولكن هل عاش عمر بن سعد تجربة هذا التأمّل العقلائيّ حقّاً، وهل ذاق بصدق حقيقة هذا الاختبار المرير، حينما جاء إلى كربلاء لقتال الإمام الحسين عليه السلام مختاراً لنفسه أسوأ ما يختار إنسان لنفسه من مصير؟!

إنّه لم يمهل نفسه حتّى ليلة واحدة من أجل التأمّل والتفكّر في قبول ما أمره به ابن زياد أو رفضه! فلم يوفّق للفوز ب-"الاختيار الأحسن"، ذلك لأنّه كان مأخوذاً بطمعه في "ملك الريّ" إلى درجة عدم القدرة على مقاومة هذا الطمع أو الإعراض عنه! فكانت النتيجة أن فضّل الانقياد إلى اختيار وهم "ملك الريّ" حتّى وإنْ كان ثمن هذا الاختيار السيّء الذنب العظيم بقتل سيّد الشهداء عليه السلام !!

وهناك آخرون أيضاً كانوا قد التقوا الإمام الحسين عليه السلام في طريقه من مكّة إلى العراق، ودعاهم الإمام عليه السلام إلى نصرته، ولكن لحبّهم الدنيا وانشدادهم إليها، ومخافتهم من عواقب نصرة الإمام عليه السلام، لم يوفّقوا إلى "الاختيار الأحسن" في الالتحاق بركبه والانضمام إليه والاستشهاد بين يديه والفوز بالسعادة الأبديّة، وكان أوضح وأسوأ مثال لأولئك عبيد الله بن الحرّ الجعفيّ، الذي صارح الإمام عليه السلام بتعلّقه بالدنيا قائلاً: "... والله إنّي لأعلم أنّ من شايعك كان السعيد في الآخرة! ولكن ما عسى أن أغني عنك؟! ولم أخلّف لك بالكوفة ناصراً!! فأُنشدك الله أن تحملني على هذه الخطّة، فإنّ نفسي لم تسمح بعد بالموت!...".
أمّا أنصار الإمام عليه السلام فقد واجه كلٌّ منهم امتحان "الاختيار"، فاختاروا جميعاً الشهادة مع الإمام عليه السلام على البقاء في هذه الدنيا... وهذا هو الاختيار- عن وعيٍ- للموت في سبيل العقيدة والإيمان، إنه الموت المختار لا الموت المفروض على الإنسان.

في ليلة عاشوراء وقف مسلم بن عوسجة (رضي الله عنه) بين يدي الإمام عليه السلام وخاطبه قائلاً: "أنحن نخلّي عنك؟! وبما نعتذر إلى الله في أداء حقّك؟! لا والله! حتّى أطعن في صدورهم برمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة. والله لا نخلّيك حتّى يعلم الله أنّا قد حفظنا غيبة رسول الله فيك، أما والله لو علمت أنّي أُقتل، ثمّ أُحيى، ثمّ أُحرق، ثمّ أُحيى، ثمّ أُذرى، يُفعل ذلك بي سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة، ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً؟!".

وخاطبه زهير بن القين (رضي الله عنه) قائلاً: "سمعنا يا ابن رسول الله مقالتك، ولو كانت الدنيا لنا باقية، وكنّا فيها مخلّدين، لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها!".

ورأى الإمام الحسين عليه السلام نفسه مخيّراً بين الذلّة والشهادة، فاختار السيف والشهادة وقال: "هيهات منّا الذلة!".

وكان من شعاراته التي أطلقها في الميدان يوم عاشوراء قوله عليه السلام في رجزه الحماسي:

القتل أولى من ركوب العار والعار أولى من دخول النار

إنّ السبب الرئيس في هذا "الاختيار الأحسن" هو النظرة الصحيحة التي يؤمن بها الإنسان إلى الربح والخسارة، وإلى الأبديّة والخلود، وإلى سبيل الفوز بالنعيم الدائم والسعادة الباقية.

وقيمة كلّ فرد أو أُمّة رهنٌ لنوع اختيار هذا الفرد أو تلك الأمّة ومن الطبيعي أنّ الأمم الصبورة المقاومة تثبت على اختيارها، ولا تنحني أو تنثني لكثرة من تفقدهم من شهدائها أو لعظم ما تتعرّض له من خسائر، ذلك لأنّها اختارت مسيرها عن وعي وإيمان.

يقول الإمام الخمينيّ بصدد شهداء كربلاء:
"كلمّا كان سيّد الشهداء عليه السلام في يوم عاشوراء يقترب من الشهادة كان وجهه يشرق أكثر! وكان شبّانه يتسابقون للفوز بالشهادة، لقد كانوا جميعاً يعلمون أنهم عمّا قليل سيستشهدون، لكنّهم تسابقوا لأنهم كانوا يعلمون إلى أين يذهبون، ويعلمون لماذا أتوا، كانوا على وعيٍ: أنّنا جئنا لأداء تكليفنا الإلهي، جئنا لحفظ الإسلام".



نسألكم الدعاء















من مواضيع : الحوزويه الصغيره 0 التمسكم الدعاء ..
0 في مسألة الخاتمة ..
0 مشكلة عند فرمتة الجهاز
0 هلال الشهر بين الفتوى و الإخبار
0 حرمة التظليل - للـــــنقاش

العراقي90
عضو متواجد
رقم العضوية : 76301
الإنتساب : Nov 2012
المشاركات : 113
بمعدل : 0.03 يوميا

العراقي90 غير متصل

 عرض البوم صور العراقي90

  مشاركة رقم : 20  
كاتب الموضوع : الحوزويه الصغيره المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 13-12-2012 الساعة : 01:30 PM


بارك الله فيك .وجزاكم الف خير
تقبلي مروري المتواضع

من مواضيع : العراقي90 0 رسالة الأمام السجاد (ع) الى اصحابه
0 من هم الصادقون في التوبة ؟
0 طوبى لمن خدم زوجته و عياله
0 يحكى أن
0 و لكن الأجمل.
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 06:04 PM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية