جددوا الأحزان معي أحبة قلبي: كي لا ننسى ولو لبرهة !!!!
بتاريخ : 05-04-2013 الساعة : 01:48 AM
اللهم صلي على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر العظيم المستودع فيها عدد ما أحاط به علمك .
اللهم صلي على مُحمد وآل مُحمد وعجل فرجهم واهلك عدوهم من الجن والإنس من الأولين والآخرين
فتساقط أصحاب الحسين شهداء في ميدان الشرف و لم يبق مع الحسين إلاّ أهل بيته . فكان أوّل من تقدّم إلى الموت ابنه الأكبر عليّ .
استأذن عليّ أباه في القتال فأذن له . ثمّ ذهب ليودّع أمّه " ليلى " و عمّته " زينب
أُمه كثيراً ... كانت تحبّ ابنها ... قالت :
ـ اِرحم غربتنا . لا طاقة لي على فراقك .
سكت عليّ و قبّل يد أُمه . و عانق أباه العظيم ... و امتطى صهوة جواده . و تقدّم وحيداً يقاتل جيشاً جرّاراً مدجّجاً بالسلاح . و عندما أصبح قريباً من تلك الأُلوف نادى معرّفاً نفسه :
ـ أنا عليّ بن الحسين بن علي
نحن و ربّ البيت أولى بالنّبي
تالله لا يحكم فينا ابن الدّعي
لقد أقسم عليّ أن يرفض يزيد ... يرفض ظلمه و فساده .
كان سيدنا الحسين يراقب ابنه ، و هو يتقدّم إلى الموت .
صاح الإمام بعمر بن سعد :
ـ مالك ؟ قطع الله رحمك ، كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله .
و نظر الإمام إلى السماء و قال بحزن :
ـ اللهم اشهد هؤلاء القوم فقد برز إليهم أشبه الناس برسولك محمّد خَلقاً و خُلُقاً و مَنْطقاً ... و كنّا اذا اشتقنا إلى رؤية نبيك نظرنا إليه .
ثمّ تلا الإمام قوله تعالى : " إنّ الله اصطفى آدم و نوحاً و آل إبراهيم و آل عمران على العالمين ، ذرية بعضها من بعض ، و الله سميع عليم " .
الهجوم الأوّل
صهل الفرس قبل أن ينطلق إلى آلاف الأعداء ... أعداء الإسلام و الإنسانية . كانت السهام تنهال كالمطر ، و كان عليّ الأكبر ينطلق هو الآخر كالسهم باتجاه العدوّ . و دارت معركة ضارية . فارس واحد يقاتل آلاف الفرسان ، و الأعداء يتساقطون تحت ضرباته المدّمرة .
استمرت المعركة ساعات ، و شعر عليّ بالعطش الشديد ، جفّ حلقه ، و أصبح قلبه كالجمر ، فعاد ليستريح .
عاد عليّ إلى والده ، كان والده ينظر إليه ، و عيناه تفيضان حبّاً و شوقاً .
قفز عليّ من فوق جواده ، و اتّجه إلى والده ليعانقه مرّة أُخرى .
قال عليّ و هو يعانق أباه العظيم :
ـ لقد أجهدني العطش يا أبي ، فجئت لأستريح .
بكى سيدنا الحسين من أجل ولده ... ليست لديه قطرة ماء يسقي بها ولده العطشان ، و الفرات يحاصره الأعداء كالذئاب .
قال الأب و هو يبكي :
ـ اصبر يا ولدي الحبيب ... بعد قليل ستلقى جدّك المصطفى ... و سوف يسقيك من ينابيع الجنّة .
الهجوم الأخير
ودّع عليّ أباه و امتطى صهوة جواده . صهل الجواد ، و انطلق كالسهم باتّجاه العدوّ ، و مرة أخرى جسّد الأكبر ملحمة الفداء من أجل الإسلام ، و الحق و العدالة .
اخترق الفارس العلويّ خطوط العدوّ ، و غاص في قلب الجيش ، و راح يقاتل ببسالة فريدة .
لم يصمد الفرسان أمامه . لهذا فكّر أحدهم بالغدر . حمل رمحه ، و انتهز فرصة انشغال عليّ بالقتال . فجاءه من جهة الخلف . الغادر الجبان ، كان يخاف مواجهة عليّ وجهاً لوجه .
سدّد الغادر رمحه إلى ظهر عليّ ، و هجم آخر عليه فضربه بالسيف . شعر عليّ أنّها نهايته فصاح مودّعاً أباه :
ـ عليك منّي السلام يا أبا عبد الله .
اِعتنق عليّ جواده تصوّر الجواد أن عليّاً يريد مواصلة الهجوم ، فغاص في قلب آلاف الجنود .... السيوف تنهال على جسد عليّ دون رحمة .
رأى عليّ في تلك اللحظات جدّه رسول الله و هو يسقيه من شراب الجنّة . سمع الحسين نداء ابنه الأكبر ، فقفز فوق جواده ، و انطلق الجواد نحو قلب المعركة .. كان الهجوم قويّاُ ، و فرّ الأعداء خائفين من غضب الحسين .
جلس الأب عند رأس ولده الحبيب .
قال الابن و هو يحاول أن يبتسم لأبيه :
ـ لقد سقاني جدّي بكأسه شربة لا أظمأ بعدها أبداً ... و قال إن لك كأساً مذخورة .
وضع الحسين خدّه على خدّ ولده و قال بحزن :
ـ على الدنيا بعد العفا . ما أجرأ هؤلاء على الرحمن ، و على انتهاك حرمة الرسول .
كانت جراح عليّ ما تزال تنزف بشدّة . أغمض عليّ عينيه كأنّه ينام . لقد آن له أن يستريح بعد كلّ تلك المعارك الضارية .
ملأ الحسين كفّه من دماء ولده الطاهرة .. و رمى بها نحو السماء .
لم تسقط من دماء عليّ قطرة واحدة فوق الأرض ، كأنّ الملائكة تحمل تلك الدماء الزكية نحو السماء ، تشكو إلى الله ظلم يزيد و اليزيديين .
الموكب الحزين
حمل سيدنا الحسين جسد ابنه الشهيد و وضعه فوق جواده ، و عاد .
من بعيد كانت النسوة يراقبن الموكب الحزين ، و شيئاً فشيئاً كان الموكب يقترب ، و رأى الجميع منظراً مؤثراً .
كان سيدنا الحسين يقود الجواهر ، و هو يبكي بصمت ، و كان جسد الشهيد ينزف الدماء ، عشرات الجراح تنزف دماً طاهراً .
وُضع الجثمان الطاهر في خيمة الشهداء ، جاءت عمّته زينب ، و صاحت .
ألقتْ عمّته المفجوعة بنفسها على جسد الشهيد ، و راحت تبكي بلوعة ، تبكي من أجل الشاب الذي قدّم نفسه قرباناً في سبيل المبادئ التي آمن بها والده العظيم .
جاء سيدنا الحسين و قاد أُخته إلى خيمتها . و في خيمة " ليلى " أم عليّ الأكبر ، كانت النسوة تبكي من أجل الشهيد .
المجد للشهداء
و اليوم لم تعد كربلاء صحراء على شاطئ الفرات . أصبحت مدينة الشهداء ، يزور الأحرار في العالم .