|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 77639
|
الإنتساب : Mar 2013
|
المشاركات : 741
|
بمعدل : 0.17 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
alyatem
المنتدى :
المنتدى العقائدي
بتاريخ : 07-04-2013 الساعة : 01:56 AM
الآيات [سورة هود: الآيات 45 إلى 47]
وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (45) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (46) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (47)
التّفسير
حادثة ابن نوح المؤلمة:
قرأنا في الآيات المتقدمة أنّ ابن نوح لم يسمع نصيحة والده وموعظته، ولم يترك لجاجته وحماقته حتى النفس الأخير، فكانت نهايته الغرق في أمواج الطوفان.
وهذه الآيات- محل البحث- تتحدث عن قسم آخر من هذه القصّة، وهو أنّه حين رأى نوح ابنه تتقاذفه الأمواج ثارت فيه عاطفة الأبوّة وتذكر وعد اللّه في نجاة أهله فالتفت إلى ساحة اللّه مناديا فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ.
وهذا الوعد هو ما أشارت إليه الآية (40) من هذه السورة حيث يقول سبحانه:
قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ.
فكان أن تصوّر نوح أن قوله تعالى: إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ خاص بزوجته المشركة التي لم تؤمن به دون ابنه كنعان، ولذلك خاطب نوح ربّ العزّة بهذا الكلام.
ولكنّه سمع الجواب مباشرة .. جواب يهزّ هزا كما أنّه يكشف عن حقيقة كبيرة ..
حقيقة أنّ الرّباط الديني أسمى من رباط النسب والقرابة .. قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ.
فهو فرد غير لائق، حيث لا أثر لرباط القرابة بعد أن قطع رباط الدين. فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ.
فأحسّ نوح أنّ طلبه هذا من ساحة رحمة اللّه لم يكن صحيحا، ولا ينبغي أن يتصور نجاة ولده ممّا وعد اللّه به في نجاة أهله، لذلك توجه إلى اللّه معتذرا مستغفرا وقالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وإِلَّا تَغْفِرْ لِي وتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ.
بحوث
1- لم كان ابن نوح «عملا غير صالح»؟!
يعتقد بعض المفسّرين أنّ في الآية إيجاز حذف، وأصل الآية هكذا «إنّه ذو عمل غير صالح».
ولكن مع ملاحظة أنّ الإنسان قد يذوب في عمله إلى درجة كأنّه يصير بنفسه العمل ذاته، وفي اللغات المختلفة يأتي مثل هذا التعبير على نحو المبالغة كأن يقال:
إنّ فلانا هو كل العدل والسخاء، أو إنّ فلانا هو السرقة والفساد فكأنّه غاص في العمل حتى صار هو العمل بذاته.
فابن نوح كان كذلك، فقد جالس رفقاء السوء وغاص في أعمالهم السيئة وأفكارهم المنحرفة، بحيث كأنّ وجوده تبدل إلى عمل غير صالح! ..
فعلى هذا .. وإن كان التعبير المقدم موجزا ومختصرا جدا، إلّا أنّه يعبّر عن حقيقة مهمّة في ابن نوح!.
أي لو كان هذا الظلم والانحراف والفساد في وجود ابن نوح سطحيّا لكانت الشفاعة في حقّه ممكنة، ولكنّه أصبح غارقا في الفساد والانحراف، فليس للشفاعة هنا محلّ، فدع الكلام فيه يا نوح! ..
وما يراه بعض المفسّرين من أن كنعان لم يكن ابن نوح حقيقة، أو أنّه كان ابنا غير شرعي، أو أنّه ابن شرعي من زوجته عن رجل آخر، بعيد عن الصواب لأنّ قوله: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ في الواقع علة لقوله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ أي إنّما نقول لك إنّه ليس من أهلك فلأنّه انفصل عنك بعمله وإن كان الرباط النسبي لا يزال قائما..
2- دائرة الوعد الإلهي
مع ملاحظة ما ورد في الآيات المتقدمة من خطاب نوح لربّه وما أجابه اللّه به، ينقدح هذا السؤال وهو: كيف لم يلتفت نوح إلى أنّ ابنه كنعان كان خارج دائرة الوعد الإلهي؟
ويمكن الإجابة على هذا السؤال- كما أشرنا آنفا- أنّ هذا الابن لم تكن له طريقة واحدة معروفة، فتارة تراه مع المؤمنين وأخرى مع الكفار، ممّا يوهم أنّه مؤمن. بالإضافة إلى الإحساس بالمسؤولية الكبرى التي كان نوح يجدها في نفسه بالنسبة إلى ولده، كذلك المحبّة والعلاقة الطبيعية التي يجدها كل أب بالنسبة لابنه، والأنبياء غير مستثنين من هذا القانون، كل ذلك كان سببا في أن يطلب نوح من ربّه هذا الطلب..
ولكن بمجرّد أن اطّلع على واقع الأمر، أسف على طلبه فورا واعتذر إلى اللّه راجيا عفوه - وإن لم يكن صدر منه ذنب - لأنّ موقع النّبي يقتضي منه أن يراقب كلامه وتصرفاته، فكان الأولى عليه الترك، ومن هنا فقد سأل اللّه العفو والمغفرة..
ومن هنا يتّضح الجواب على سؤال: هل يذنب الأنبياء حتى يطلبوا العفو والمغفرة؟..
3- هناك حيث تنقطع العلائق
تعكس الآيات الآنفة درسا من أنجع الدروس الإنسانية والتربوية ضمن بيان قصّة نوح .. درسا لا مفهوم له في المذاهب المادية لكنّه أصل أساس في المذهب الإلهي والمعنوي.
فالعلائق المادية «النسب، القرابة، الصداقة، المرافقة» تخضع دائما في المذاهب السماوية إلى العلائق المعنوية.
وفي المذاهب السماوي لا مفهوم للعلاقة النسبية والقرابة مقابل الرابطة المذهبية.
هناك حيث تتحقق العلاقة الدينية، كسلمان الفارسي الذي لا هو من أهل بيت النّبي ولا من قريش ولا من أهل مكّة، بل لم يكن أساسا من العرب، ولكنّه طبقا لماورد في الحديث الشريف المعروف «سلمان منّا أهل البيت»كان يعدّ من أسرة النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم.
إلّا أنّ الابن الواقعي والمباشر للنّبي- كابن نوح - يطرد على أثر قطع علاقته الدينية، ويقال في شأنه لأبيه نوح: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ.
قد تكون هذه المسألة المهمّة عسيرة الفهم لمن يعيش في دائرة التفكير المادي لكنّها حقيقة من صميم الأديان السماوية جميعا.
وعلى هذا الأساس نجد أحاديث أهل البيت عليهم السّلام تتحدث عن بعض الشيعة الذين يحملون اسم التشيّع إلّا أنّه لا يوجد فيهم علائم من تعليمات أهل البيت عليهم السّلام بنفس الطريقة التي تقدمت في الآيات الآنفة في القرآن الكريم حيث نقل عن علي بن موسى عليه السّلام أنّه سأل بعض أصحابه يوما: كيف يفسر الناس هذه الآية إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ .. فأجابه أحد الحاضرين: إنّهم يعتقدون أن كنعان لم يكن الابن الحقيقي لنوح،
فقال الإمام: «كلّا لقد كان ابنه، ولكن لمّا عصى اللّه نفاه عن أبيه، كذا من كان منّا لم يطع اللّه فليس منّا» «تفسير الصافي ذيل الآية المتقدمة».
4- المسلمون المطرودون
ومن المناسب أن نستلهم من الآية فنشير إلى قسم من الأحاديث الإسلامية التي ترى طوائف كثيرة من المسلمين، أو أتباع أهل البيت عليهم السّلام في الظاهر مطرودين وخارجين عن صف المؤمنين والشيعة:
1- فقد ورد عن الرّسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله وسلّم قوله: «من غش مسلما فليس منّا» «وسائل الشيعة، ج 12، ص 53».
2- كما روي عن الإمام الصّادق عليه السّلام أنّه قال: «ليس بولي لي من أكل مال مؤمن حرام» «وسائل الشيعة، ج 12، ص 53».
3- ويقول النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «ألا ومن أكرمه النّاس اتقاء شره فليس منّي».
4- وروي عن الإمام علي أنّه قال: «ليس من شيعتنا من يظلم الناس».
5- وقال الإمام الكاظم عليه السّلام: «ليس منّا من لم يحاسب نفسه كل يوم» «بحار الأنوار، الطبعة القديمة ج 15 قسم الأخلاق».
6- ويقول النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «من سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم» «أصول الكافي، ج 2، ص 164».
7- وقال الإمام الباقر عليه السّلام لأحد أصحابه وكان يدعى «جابرا» : «واعلم يا جابر بأنك لا تكون لنا وليّا حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك وقالوا: إنّك رجل سوء، لم يحزنك ذلك، ولو قالوا: إنّك رجل صالح، لم يسرك ذلك، ولكن أعرض نفسك على كتاب اللّه» «سفينة البحار، ج 2، ص 691».
هذه الأحاديث تضع علامة «البطلان» على تصورات من يقنع بالاسم فحسب ولكنّهم لا يعيرون أهمية للعمل بالتكليف، أو للروابط الإيمانية، وتثبت بوضوح أنّ الأصل في مذهب القادة الرّبانيين والأساس هو الإيمان بالعقيدة والعمل بمناهجهم، وينبغي أن يقاس كل شخص بهذا المقياس.
وهناك اختلاف بين المفسّرين في المراد من كلمة (أهل) هنا، لأنّه إذا كان المراد منها عائلته وأهل بيته فستشمل بعض أبناء نوح، لأنّ واحدا من أولاده تخلّف عنه مع المسيئين وأضاع بنوته لعائلته، وكذلك لم تكن زوجته مؤمنة به.
وإن كان المراد من الأهل خواص أتباعه وأصحابه المؤمنين، فإنّها على خلاف المعنى المشهور للأهل.
لكن يمكن أن يقال: أنّ للأهل- هنا - معنى وسيعا يشمل أهلهالمؤمنين وخواص أصحابه، لأنّا نقرأ في حقّ ابنه الذي لم يتبعه: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ «هود: 46» وعلى هذا فإنّ الذين اعتنقوا دين نوح يعدّون في الواقع من عائلته وأهله.
|
|
|
|
|