اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم بيم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا محمد واله الطيبين الطاهرين واصحابه المنتجبين
فكثيرا ما يدعي المخالفون ويتمسكون بحادثة باطلة الا وهي ان الامام علي عليه السلام قد خطيب بنت ابي جهل وهذا الحديث مرفوظ عندنا جملة وتفصلا وانا هنا سابدا الرد على هذه الفرية اللتي اخترعها الامويين والمنافقين لتشويه صورة بطل الاسلام وهازم كتائبهم وقاتل ابائهم واجدادهم الامام علي عليه السلام
ردا على شخص انزل موضوع في المنتدى بهذا الشان
قال : يثير الشيعة دائما مسألة إغضاب أبي بكر لفاطمة على قصة فدك ويقولون أن أبا بكر أغضب فاطمة ومن أغضب فاطمة أغضب رسول الله ومن أغضب رسول الله أغضب الله ،
ثم نقل عن مسلم خبر خطبة علي (ع) ابنة أبي جهل وتأذي فاطمة … إلى أن يقول : من الذي أغضب فاطمة ؟
نقول : هذا الكلام يمكن أن ينفع من يتعبد بصحة كل ما في البخاري ومسلم ويضع عقله والعلم جانبا ، وأما من لا يؤمن بهذه الأسطورة المنسوجة في الفكر السني ، فلا يسلم بصحة ما ورد من خطبة علي ابنة أبي جهل وغضب رسول الله (ص) تبعا لغضب ابنته .
ومن يتأمل في الرواية لا بد أن يتساءل كيف يكون النبي (ص) مرسل من ربه بشريعة ثم يكون أول الناس الذين يرفضون تطبيق أحكامها التي تؤذيهم ، ويجهر بذلك على المنابر وأمام الملأ لكون فاطمة " بضعة منه يؤذيها ما يؤذيه " ؟
فماذا بقي من كونه أسوة وقدوة وضعه الله تعالى للناس جميعا ؟!
أن رسول الله (ص) أول الناس في رفض الأهواء والتسليم لحكم الله عز وجل وكيف تكون فاطمة سيدة نساء العالمين وسيدة نساء أهل الجنة (ع) بقول النبي (ص) ثم هي تغضب من حلال أحله الله ،
وهل الإيمان يكون بتحكيم الهوى في قبول الأحكام ؟
أو هل هذه أخلاق رسول الله (ص) في صحيح مسلم ؟
أو هل هذه هي التربية النبوية لفاطمة (ع) ؟
وهل نتمسك برواية ونعتبر صحتها لأن مسلم رواها في صحيحه بينما نرتضي أن يطعن رسول الله (ع) في ولائه لأحكام ربه
نعم نحن بين خيارين أن نحكم بأن الرواية غير صحيحة وإن وردت فيما سميت بالصحاح ، أو نقول أن رسول الله (ع) يترفع أن يطبق أحكام الله على نفسه في الحالات التي تؤذيه ، وفي اختيار الأمر الأول السلامة لديننا .
هذا من جهة متن ومعنى الحديث ، أما من جهة السند :
فالحديث في البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة مروي عن طريق المسور بن مخرمة ، وانفرد الترمذي بروايته عن ابن الزبير .
أما رواية الترمذي من طريق ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير ففي ذلك يقول ابن حجر في ( فتح الباري ) : " وخالفهم أيوب فقال عن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير ، أخرجه الترمذي وقال : حسن ، … والذي يظهر ترجيح رواية الليث لكونه توبع ولكون الحديث قد جاء عن المسور من غير رواية ابن أبي مليكة " (1) .
وكذلك قال : " … أخرجه الترمذي وصححه وقال : يحتمل أن يكون ابن أبي مليكة سمعه منهما جميعا ، ورجح الدارقطني وغيره طريق المسور والأول أثبت بلا ريب لأن المسور قد روى في هذا الحديث قصة مطولة قد تقدمت في باب أصهار النبي (ص) نعم يحتمل أن يكون ابن الزبير سمع هذه القطعة فقط أو سمعها من المسور فأرسلها " (2) .
وهذا الأخير هو الصحيح والظاهر ، ولو سلم أنه سمعه من ابن الزبير فهو والمسور سواء في العداء لأهل البيت (ع) كما سيأتي .
نعم روى الحاكم الخبر في ( المستدرك ) (3) ولكن بسند مرسل عن سويد بن غفلة ، وعلق الذهبي في التلخيص على الخبر : بأنه مرسل قوي ، وقال في ( سير الأعلام ) عن سويد : قيل له صحبة ولم يصح ، ورواه عن أبي حنظلة رجل من أهل مكة وعلق عليه الذهبي بقوله : مرسل ، وروى ثالثا الخبر عن عبد الله بن الزبير (4) .
فالحق أنه لا يوجد صحابي ينقل الخبر غير المسور ، وقد صرح في الرواية بقوله : " سمعت رسول الله (ص) يخطب الناس في ذلك على منبره هذا وأنا يومئذ محتلم فقال إن فاطمة مني … " .
(1) فتح الباري - ج9 ص327
(2) فتح الباري - ج7 ص105
(3) المستدرك على الصحيحين - ج3 ص173
(4) سير أعلام النبلاء - ج4 ص70
قال ابن حجر في ( الفتح ) :
" قال ابن سيد الناس هذا غلط والصواب ما وقع عند الإسماعيلي بلفظ كالمحتلم ، أخرجه من طريق يحيى بن معين عن يعقوب بن إبراهيم بسنده المذكور إلى علي بن الحسين قال والمسور لم يحتلم في حياة النبي (ص) لأنه ولد بعد ابن الزبير فيكون عمره عند وفاة النبي (ص) ثمان سنين (1) .
وقال ابن حجر في ( تهذيب التهذيب ) في ترجمة المسور : "… ووقع في صحيح مسلم من حديثه في خطبة علي لابنه أبي جهل قال المسور سمعت النبي (ص) وأنا محتلم يخطب الناس فذكر الحديث وهو مشكل المأخذ لأن المؤرخين لم يختلفوا أن مولده كان بعد الهجرة وقصة خطبة علي كانت بعد مولد المسور بنحو من ست سنين أو سبع سنين فكيف يسمى محتلما … (2) .
أفلا تعجب أيها القارئ خطبة يذكر بها رسول الله (ص) أمرا مثل هذا لا يحفظه من الصحابة إلا صحابي كان عمره ست أو سبع سنين حين الخطبة !!
وقد أجاد ابن الحجر التعليق على قول المسور بن مخرمة لعلي بن الحسين حين قدومه المدينة من عند يزيد بن معاوية حين مقتل حسين بن علي رحمة الله عليه : " هل لك إلي من حاجة تأمرني بها ؟ فقلت - أي علي بن الحسين - له : لا ، فقال :
هل أنت معطي سيف رسول الله (ص) ؟ فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه ؟ وأيم الله لئن أعطيتنيه لا يخلص إليهم أبدا حتى تبلغ نفسي ، إن علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل على فاطمة ، وساق الخبر المروي في البخاري .
قال ابن حجر في ( الفتح ) : " ولا أزال أتعجب من المسور كيف بالغ في تعصبه لعلي بن الحسين حتى قال : أنه لو أودع عنده السيف لا يمكن أحدا منه حتى تزهق روحه ، رعاية لكونه ابن ابن فاطمة محتجا بحديث الباب ، ولم يراع خاطره في
أن ظاهر سياق الحديث المذكور غضاضة على علي بن الحسين لما فيه من إيهام غض من جده علي بن أبي طالب حيث أقدم على خطبة بنت أبي جهل على فاطمة حيث اقتضى أن يقع من النبي في ذلك من الإنكار ما وقع .
بل وأتعجب من المسور تعجبا آخر أبلغ من ذلك وهو أن يبذل نفسه دون السيف رعاية لخاطر ولد ابن فاطمة وما بذل نفسه دون ابن فاطمة نفسه أعني الحسين والد علي الذي وقعت له معه القصة حتى قتل بأيدي ظلمة الولاة " (1) .
فابن حجر يورد أمرين :
الأول : كيف يذكر المسور لعلي بن الحسين ما يجرح عواطفه بهذه القصة في الوقت الذي يريد إظهار ما في نفسه من حب له ، كتمهيد لطلب سيف رسول الله (ص) منه ؟
الثاني : إذا كان هذا الحب لآل النبي (ص) عند المسور لماذا لم يساهم في نصرة الحسين (ع) ضد ظلمة الولاة بنفسه في حين أنه يدعي أنه يبذل نفسه للسيف ، هل السيف أهم وأشرف من آل الرسول (ص) ؟! وهنا حاول ابن حجر أن يبرر تصرف المسور بما لا يجدي .
ثم ذكر ابن حجر إشكالا آخر يخدش الرواية في كتاب فرض الخمس في بيان مناسبة ذكر قصة السيف مع خطبة علي لابنة أبي جهل : " …
وقال الكرماني : مناسبة ذكر المسور لقصة خطبة بنت أبي جهل عند طلبه السيف من جهة أن رسول الله كان
(1) فتح الباري - ج9 ص327
يحترز عما يوجب وقوع التكدير بين الأقرباء ، أي فكذلك ينبغي أن تعطيني السيف حتى لا يحصل بينك وبين أقربائك كدورة بسببه ، أو كما أن رسول الله كان يراعي جانب بني عمه العبشميين فأنت أيضا راع جانب بني عمك النوفليين لأن المسور نوفلي (1) .
ثم قال ابن حجر : " كذا قال ، والمسور زهري لا نوفلي ( وهو رد ابن حجر على الكرماني ) ، قال : أو كما رسول الله كان يحب رفاهية خاطر فاطمة (ع) فأنا أيضا أحب رفاهية خاطرك لكونك ابن ابنها فاعطني السيف حتى أحفظه لك .
قلت : وهذا الأخير هو المعتمد وما قبله ظاهر التكلف ، وسأذكر إشكالا يتعلق بذلك في كتاب المناقب " انتهى كلام ابن حجر
وهذا المعتمد عند ابن حجر مردود بأنه إذا كان ذكر القصة ليظهر المسور لعلي بن الحسين (ع) أنه يحب رفاهية خاطره فأي خصوصية للسيف ، فعلي بن الحسين (ع) قد قدم إلى المدينة بعد مقتل الحسين (ع) بحرم رسول الله (ص) من نساء
ثكلى وأطفال يتامى ، فهل رفاهية الخاطر وإظهار المحبة لأبناء فاطمة j في مثل هذا الحال يكون في ضمان حفظ سيف رسول الله (ص) من أيدي الظلمة فقط ؟
وعلى فرض صحة القصة كيف نجيب على هذه التساؤلات ؟
إذ تضمنت خطبة النبي (ص) على المنبر كما ذكر البخاري عبارة : " وإني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله أبدا " .
ونتساءل ما معنى هذا الكلام ؟ فهل يعقل أن رسول الله (ص) يظهر بهذا المظهر الحاد في رفض حكم عام من أحكام الله العامة لأنها ستطبق على ابنته .
(1) فتح الباري - ج6 ص214
والنبي (ص) أقر بأن عليا (ع) لم يرتكب حراما ، فأقصاه أن يكون النهي تنزيهيا مراعاة لفاطمة الزهراء j ولكنه مع ذلك صعد المنبر وأعلن القصة على الملأ وشهر بعلي (ع) ، فهل هذا الأمر يتلاءم مع شأن رسول الله (ص) الذي ثبت من أنه "
كان إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل : ما بال فلان يقول ، ولكن يقول : ما بال أقوام يقولون كذا وكذا " ، وكذلك ورد عنه " كان رسول الله (ص) قل ما يواجه رجلا في وجهه بشيء يكرهه " .
وقد التفت ابن حجر إلى هذه الناحية حيث قال : " وكان النبي (ص) قل أن يواجه أحدا بما يعاب به " ، ثم اعتذر قائلا : " ولعله إنما جهر بمعاتبة علي مبالغة في رضا فاطمة (ع) " (1) .
نعم الأمر معقول مع وجود حكم خاص بفاطمة (ع) ، فيحرم الزواج على سيدة نساء العالمين ، وبناء على كون الأمر على هذا النحو الطبيعي أن يصرح رسول الله (ص) بذلك ، كما أنه لا يتناسب مع قوله إني لا أحرم حلالا ، ولا مع تصوير
الأمر بأنه خاص بالمورد بملاحظة عبارة لا تجتمع بنت رسول الله (ص) مع بنت عدو الله بحيث لو كان غيرها لما اعترض ، ولا مع عبارة إني أخاف أن تفتن في دينها .
نعم السياق المعقول لمثل ذلك بناء على الرؤية السنية هو ما رواه الحاكم في ( المستدرك ) من أن عليا استشار النبي (ص) وقال له : أتأمرني بها ، فقال : لا فاطمة مضغة مني ولا أحسب إلا وأنها تحزن وتجزع ، فقال علي : لا آتي شيئا تكرهه (2) ، ولكن كما قلنا هو خبر مرسل .
(1) فتح الباري - ج7 ص86
(2) المستدرك على الصحيحين - ج3 ص173
ويكفي لرفض الخبر ما رواه الشيخ الصدوق في (الأمالي ) كما عن ( البحار ) عن علقمة قال : قلت للصادق (ع) : يا ابن رسول الله إن الناس ينسبوننا إلى عظائم الأمور وقد ضاقت بذلك صدورنا فقال (ع) : " يا علقمة إن رضا الناس لا يملك
وألسنتهم لا تضبط وكيف تسلمون مما لم يسلم منه أنبياء الله ورسله وحجج الله (ع) … ألم ينسبوا نبينا محمدا (ص) إلى أنه شاعر مجنون ؟ ألم ينسبوه إلى أنه هوى امرأة زيد بن حارثة فلم يزل بها حتى استخلصها لنفسه ؟ … .
وما قالوا في الأوصياء أكثر من ذلك ألم ينسبوا سيد الأوصياء عليهم السلام إلى أنه يطلب الدنيا والملك ؟… ألم ينسبوه إلى أنه (ع) أراد أن يتزوج ابنة أبي جهل على فاطمة (ع) وأن رسول الله (ص) شكاه على المنبر إلى المسلمين فقال : إن عليا
يريد أن يتزوج ابنة عدو الله على ابنة نبي الله ! ألا إن فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني ومن سرها فقد سرني ومن غاظها فقد غاظني " (1) .
المهم أن الحديث مرفوض عند الشيعة متنا وسندا ، وقد أشار ابن حجر إلى ذلك في ( الفتح ) حينما ذكر تكذيب السيد المرتضى للخبر لأنه من رواية المسور وكان فيه انحراف عن علي (ع) (2) .
فالعلة كل العلة في المسور ، فيكفي أولا كونه من جنود عبد الله بن الزبير الذي أضل أباه وزين له حرب علي في معركة ( الجمل ) ، بل الخوارج ينتهلون منه قال الذهبي في ( سير أعلام النبلاء ) : " وقد انحاز إلى مكة مع ابن الزبير وسخط إمرة يزيد وقد أصابه حجر منجنيق في الحصار ، قال الزبير بن بكار كانت الخوارج تغشاه
(1) بحار الأنوار - ج70 ص2
(2) فتح الباري - ج7 ص86
وينتحلونه ، … قال عروة: فلم أسمع المسور ذكر معاوية إلا صلى عليه .. وعن عطاء بن يزيد كان ابن الزبير لا يقطع أمرا دون المسور بمكة (1)
ونقل ابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) : " عن الزبير بن بكر : وكانت الخـوارج تغشى المسـور بن مخرمة وتعظمه وينتحلون رأيه " (2) .
نعم يمكن أن يكون هناك أصل للخبر تمثل في إشاعة بثها المنافقون حول علي d بأنه تقدم لخطبة ابنة أبي جهل أذية لهما ، فبين رسول الله (ص) أن مثل هذا لا يجوز بالنسبة إلى زوج سيدة نساء العالمين (ع) ، فلا تؤذى بمثل هذا الأمر .
فقد روى الصدوق في ( العلل ) كما عن البحار عن أبي عبد الله الصادق (ع) : " جاء شقي من الأشقياء إلى فاطمة بنت محمد (ص) فقال لها : أما علمت أن عليا قد خطب بنت أبي جهل … قال رسول الله (ص) : فما دعاك إلى ما صنعت ؟ فقال علي: والذي بعثك بالحق نبيا ما كان مني مما بلغها شيء ولا حدثت بها نفسي " (3) ، لكن الخبر ضعيف السند منكر المضامين .
بقيت لدينا مسألة إغضاب أبي بكر للزهراء عليها السلام، فنحن أمام قضية منطقية واضحة ، نرجو من علماء أهل السنة أن يبينوا الخطأ إذا كانت هناك مغالطة في البين أن أبا بكر أغضب فاطمة عليها السلام كما في الصحيح بشكل غير قابل للتأويل ، ومن أغضب فاطمة (ع) أغضب رسول الله (ص) ومن أغضبه (ص) أغضب الله تعالى .
ولنقل أن عليا (ع) أيضا أغضب فاطمة (ع) كما تعتقدون ألم يؤيد رسول الله (ص) فاطمة عليها السلام مع أن الأمر كان حلالا لعلي (ع) ، فلماذا لا تخطأون أبا بكر مع
(1) سير أعلام النبلاء - ج3 ص391
(2) تاريخ دمشق - ج58 ص161
(3) بحار الأنوار - ج43 ص201
فرض أن الأمر جائز له ؟! ألم يكن تسليم فدك جائزا له فلماذا لم يرضها ويعطها فدكا كما أرضاها علي (ع) وترك الخطبة ؟! هذا على افتراض صحة الخبر بل تقولون أن عثمان أرضى قرابته ومنهم مروان فأقطعهم فدكا ، وقد روى ذلك ابن حجر في ( فتح الباري ) (1) .
وبالتالي فاننا نسيقن من ها هنا انما القضية موجهة لضرب الامام علي عليه السلام وتشويه صورته