|
شيعي فاطمي
|
رقم العضوية : 23528
|
الإنتساب : Oct 2008
|
المشاركات : 4,921
|
بمعدل : 0.84 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
نووورا انا
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
بتاريخ : 14-11-2009 الساعة : 06:15 AM
اللهم صل على محمد وآل محمد
حركة اليماني
وصحوة الانتماء
تُعدُ حركة اليماني انموذجاً مهماً في عقلنة المسارات الفكرية قبل يوم الظهور.
فاليماني لا يكاد ينطلق ما لم تكن هناك أرضيةً متينةً لانطلاقته، وبالتأكيد فان هذه الأرضية لا تنشأ إلاّ من خلال تحولاتٍ فكريةٍ ثقافيةٍ تستوعبُ دواعي هذا التحرك، ومن المعلوم أن لهذا التحرك امتدادته الفكرية التاريخية ومدياته الثقافية المكتّمة لأكثر من عشرة قرون، أي ستعمل هذه الحركة على استيقاظ الحس الانتمائي الزيدي المغيّب. وبمعنى آخر فان الزيدية المغيبة طيلة عدة قرون تبدأ حضورها لدى العقلية اليمنية المصادرة عن ثقافتها والمغيبة عن ذاتيتها، ولم تقف هذه العقلية المنفتحة عند حدود البحث عن الزيدية المغيبة، فان هذه الزيدية ستحث أتباعها على محاولة قراءةٍ جديدةٍ للانتماء الفكري الذي يبحث عنه ذوو الحقيقة لتحدث لديهم هذه القراءات هزةً عنيقة توقظ لديهم صحوةً مختزلةً تطالبهم باعادة انتمائهم من جديد إلى حظيرة مذهب أهل البيت عليهم السلام، وإذ نعبّر عن الصحوة اليمنية القادمة (بالمختزلة) فانها جملة ارهاصاتٍ فكرية تجتمع لتقرر الشخصية الثقافية اليمنية المخبّئة خلف انتماءاتٍ سياسيةٍ شاركت في صياغة الشخصية الثقافية الحالية والتي تبحث عن ذاتها في خضمّ ظروفٍ سياسية مناوئةٍ لمذهب أهل البيت عليهم السلام تصطفُ في عداد معركةٍ (غير معلنة) تتنوعُ تشكيلاتها لتتخذ برامجها الفكرية أو السياسية أو الاجتماعية بل وحتى العسكرية.
وتستيقظ العقلية الإسلامية بكل توجهاتها _ بغض النظر عن انتماءاتها الاقليمية _ على صحوةٍ جديرةٍ بالنهوض على مستوى الأحداث القادمة والتي تستهدف فكر وثقافة الذات المسلمة. وفي جوٍ ملبّدٍ بثقافاتٍ يشترك الأخر بتشييدها تنهض تلك الذات على صحوةٍ تستوعب الأحداث بكل شؤونها وهمومها وتقرر مسؤوليتها على ضوء ما حدث وما سيحدث فتعيد قراءاتها من جديد وبجدارةٍ تقرر معها انتماءاتها الجديد _ هذا على المستوى العام _.
أما على المستوى الداخلي اليمني فان إرهاصاتٍ تُحدثها ثورة ثقافية فكرية تتخذ تحركاً سياسياً معيناً تعلنُ فيها قيادتها عن انتماءها الجديد داعية إلى نبذ الفكر التقليدي لتلتزم فكراً تقليدياً آخر، أي ستخرج من تقوقعها الفكري لتنشط في الدعوة إلى فكر أصيل ترجع فيه إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام، وستكون هذه الحركة بقدر ما هي داعيةً إلى الاصلاح والتجديد فان لها القدرة على تقديم قراءاتٍ جديدة للاسلام المحمدي الأصيل المتمثل بأهل البيت عليهم السلام وستنهض هذه الحركة بمستوى الفكر والثقافة لدى أتباعها معلنةً عن انتسابها لمذهب أهل البيت عليهم السلام بشكل يعزز معه قابليتها على التغيير والاصلاح، وسيكون لليماني شأنٌ في هذه التوجهات الاصلاحية والتغيرات الفكرية مستقطباً في حركته أولئك الذين قرروا انتمائهم من جديد بعد قراءاتٍ خاضوها في هذا الشأن ليعلنوا عن انتمائهم بكل قوةٍ، وسيكون هؤلاء أبدالاً توابين متطهرين _ حسب الرواية _ فالتوبة والتطهر إشارة لتحررهم عن كل ما كانوا يعتقدونه خلاف الحق وتوانيهم عن نصرته، لذا فانهم سيشعرون بحقيقة خذلانهم للحق يوم كانوا على خلافه وستُحدث الملاحم القادمة هذةً في ضمائرهم ووجدانهم فيطلبون التوبة من الله تعالى ويعلنون انتماءهم لأية حركةٍ من شأنها أن تقف مع الحق وفي نصرته ولا تجد هذه التوجهات سوى حركة اليماني القادمة لمواجهة انتهاكات السفياني وبطشه.
روى المجلسي في بحاره باسناده عن إسحاق يرفعه إلى الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول للناس: سلوني قبل أن تفقدوني لأني بطرق السماء أعلم من العلماء، وبطرق الأرض أعلم من العالم، أتا يعسوب الدين، أنا يعسوب المؤمنين وامام المتقين، وديان الناس يوم الدين، أنا قاسم النار، وخازن الجنان، وصاحب الحوض والميزان وصاحب الأعراف، فليس منا إمام الا وهو عارف بجميع أهل ولايته، وذلك قوله عز وجل (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ).(12)
ألا أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فإن بين جوانحي علماً جماً فسلوني قبل أن تشغر برجلها فتنةٌ شرقيةٌ وتطأ في خطامها بعد موتها وحياتها، وتشبّ نار بالحطب الجزل من غربيّ الأرض...الى أن يصف عليه السلام هذه الفتنة وما تحدثه من القتل والدمار فيشير بعد ذلك إلى خروج السفياني وكيف يصد من قبل اليماني والخراساني في الكوفة.
قال: وخروج السفياني براية حمراء أميرها رجل من بني كلب واثني عشر ألف عنان من خيل السفياني، يتوجه إلى مكة والمدينة وأميرها رجل من بني أمية يقال له: خزيمة أطمس العين الشمال، على عينه ظفرة غليظة يتمثل بالرجال لا ترد له راية حتى ينزل المدينة في دار يقال لها: دار أبي الحسن الأموي، ويبعث خيلاً في طلب رجل من آل محمد وقد اجتمع إليه ناس من الشيعة يعود إلى مكة، أميرها رجل من غطفان إذا توسط القاع الأبيض خسف بهم فلا ينجو الارجل يحوّل الله وجهه إلى قفاه لينذرهم، ويكون آية لمن خلفهم، ويومئذ تأويل هذه الآية (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ).(13) ويبعث مائة وثلاثين ألفاً إلى الكوفة، وينزلون الروحاء والفارق، فيسير منها ستون ألفاً حتى ينزلوا موضع قبر هود عليه السلام بالنخيلة، فيهجمون إليهم يوم الزينة وأمير الناس جبار عنيد يقال له: الكاهن الساحر، فيخرج من مدينة الزوراء إليهم أمير في خمسة آلاف من الكهنة، ويقتل على جسرها سبعين ألفاً حتى تحمي الناس من الفرات ثلاثة أيام من الدماء ونتن الأجساد ويسبي من الكوفة سبعون ألف بكر، لا يكشف عنها كف ولا قناع، حتى يوضعن في المحامل، ويذهب بهن إلى الثوية وهي الفري.
ثم يخرج من الكوفة مائة ألف ما بين مشرك ومنافق حتى يقدموا دمشق لا يصدهم عنها صاد، وهي ارم ذات العماد، وتقبل رايات من شرقي الأرض غير معلّمة، ليست بقطن ولا كتان ولا حرير، مختوم في رأس الفتاة بخاتم السيد الأكبر يسوقها رجل من آل محمد تظهر بالمشرق، وتوجد ريحها بالمغرب كالمسك الأذفر يسير الرعب أمامها بشهر حتى ينزلوا الكوفة طالبين بدماء آبائهم.
فبينما هم على ذلك اذ أقبلت خيل اليماني والخراساني يستبقان كأنهما فرسي رهان شعتٌ غبر جرد أصلاب نواطي وأقداح إذا نظرت أحدهم برجله باطنه (والظاهر: اذ يضرب أحدهم برجله)(14) فيقول لا خير في مجلسنا بعد يومنا هذا اللهم فانّا التائبون، وهم الأبدال الذين وصفهم الله في كتابه العزيز (ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)(15) ونظراؤهم من آل محمد...(16) وقد نقلنا أكثر مقاطع الرواية لنُتيح للقارئ أن يعيش أجواء أحداثها المستعرة وليستعرض صورها وهي تتابع بعضها تلو الآخر، وليراقب مشاهد القتل والتنكيل بشيعة علي عليه السلام وملاحقتهم من قبل السفياني، عند ذاك تثأر حمية الثائر اليماني وتُستنهض همم الخراساني ليسيران إلى الكوفة حيث مسرح الأحداث الدامية، والملاحظ في وقائع الرواية أن تحفّزاً تحدثه هذه الأحداث الدامية لدى اليماني ومجموعته _ وان كانت الرواية في سياقها لا تخصص اليماني وأصحابه بل إطلاقها يشمل الخراساني وأتباعه كذلك _ على أن هذه المجموعة تسترشد مواقفها في تأصيل انتمائها من خلال الأحداث العصيبة التي تشهدها المنطقة والتي سيكون شيعة أهل البيت عليهم السلام الهدف الأساس في التصفية والاستئصال.
هذا الظلم الذي يتعر ض له شيعة أهل البيت عليهم السلام سيكون مزامناً لاستقراءٍ معرفي يمكّن له مجموعة من أهل المعرفة إلى إعادة النظر في انتماءاتهم، وسيكون للانتساب المعرفي دوره في تأصيل الفكر المخترق من ثقافات تقليدية رتعت عليها دواعٍ سياسية تبلّدت من خلالها النظرة العامة المعرفية، ومن خلال سبر أغوار المعرفة مع ما تحدثه النـزعة الوجدانية في الدفاع عن المظلوم، تُستنهض مجموعة ممن كانوا ينتسبون إلى مذاهب معرفية تقابل مذهب أهل البيت عليهم السلام وفي خضم هذه الأحداث ليعلنوا انتمائهم لمذهب أهل البيت عليهم السلام وهو ما أشارت إليه الرواية في عبارة (إذ يضرب أحدهم برجله فيقول: لا خير في مجلسنا بعد يومنا هذا، اللهم فانّا التائبون) على أن هذه العبارة تستثير التساؤل عن قول هؤلاء (اللهم إنّا التائبون) إذ التوبة لا تتأتى إلاّ عن ذنب يرتكبه التائب ويستفزه بقوةٍ ليعلن توبته، علماً أن توبة هؤلاء ستكون مترجمةً إلى حالة انتسابٍ معرفيٍ جديد تتكلل بعمليةٍ جهادية يندبون أنفسهم إليها ويستنهضون هممهم لموافاتها.
وبعبارةٍ أخرى إن مجموعةً من المستبصرين سينضوون تحت لواء اليماني ويشكلون قوته الجهادية الضاربة، فضلاً عن حركة الخراساني التي ينتسب اليها جمع من المستبصرين المنتمين جديداً لمذهب أهل البيت عليهم السلام.
الهوامش
(8) الغيبة/ الشيخ الطوسي: 271.
(9) بشارة الإسلام: 246.
(10) التشريف بالمنن في التعريف بالفتن/ السيّد ابن طاووس: 110، مؤسّسة صاحب الأمر u/ 1416هـ، ومثله الفتن/ نعيم بن حمّاد: 199، منشورات الشريف الرضي.
(11) بحار الأنوار: 52/ 275.
(12) سورة الرعد: الآية 7.
(13) سورة سبأ: الآية 51.
(14) والعبارة في البحار وغيرها مشوشة وما بين القوسين العبارة التي وردت في كتاب بيان الأئمة عليهم السلام كما أورده عن الكتاب المبين وهي الأوفق بالسياق. راجع بيان الأئمة 2: 613 للشيخ محمد مهدي زين العابدين رحمه الله.
(15) سورة البقرة: الآية 222.
(16) البحار 52: 273.
المصدر
اليماني راية هدى
السيد محمد علي الحلو
|
|
|
|
|