اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرج صاحب العصر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،
بعد أن دُفعت الزهراء عليها السلام عن جميع حقوقها المالية في نحلتها وإرثها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسهمها من الخمس ، اتخذت موقفاً حاسماً من الشيخين ، يدلّ على ظلامتها وكونها مخاصمة غير راضية عنهما حتى لقيت ربّها وهي في ريعان الشباب وزهرة الصبا .
وقد قدّمنا أن الرواة اتفقوا على أن فاطمة عليها السلام غضبت على أبي بكر وعمر وهجرتهما ولم تكلمهما حتى توفيت وهي ساخطة عليهما ، وأوصت أمير المؤمنين عليه السلام أن لايحضرا جنازتها ، ولا يصليا عليها ، وأن يُعفّى قبرها ، فلمّا توفيت دفنها أمير المؤمنين ليلاً ، ولم يؤذن بها أحداً ممن ظلمها .
قال ابن قُريعة :
ولأي حـــالٍ لحّدت * باليـل فاطمـة الشريفه
ولمـا حمـت شيخيكم * عن وطأ حجرتها المنيفه
أوّه لــبنت مـحمـدٍ * ماتت بغصّتها أسيفه
وهكذا جعلت عليها السلام من موتها وتشييع جنازتها ودفنها وسيلة جهادٍ وكفاحٍ ، تثير التساؤل عبر الأجيال في نفس كلّ مسلم غيور على الدين ومبادئه الحقّة ، كي يتوصل الى الحقائق المثيرة من تاريخ تلك الحقبة المهمة ، لقد أرادت سلام الله عليها أن تقول إنها غاضبة على كل من لايعرف الحق ، ويتنكر لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم .
وحاول الشيخان إرضاء الزهراء عليها السلام فقال عمر لاَبي بكر : انطلق بنا الى فاطمة فانا قد أغضبناها ، فانطلقا جميعاً ، فاستأذنا على فاطمة عليها السلام فلم تأذن لهما ، فأتيا علياً عليه السلام فكلماه ، فالتمسها فأذنت لهما ، فلمّا قعدا عندها ، حولت وجهها إلى الحائط ، فقالت : « أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعرفانه وتفعلان به؟ » قالا : نعم .
فقالت : « نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول : رضا فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟ » قالا : نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
قالت : « فاني اُشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاَشكونكما اليه » .
فقال أبو بكر : أنا عائذ إلى الله من سخطه وسخطك يافاطمة ، ثم انتحب أبو بكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق وهي تقول : « والله لاَدعون الله عليك في كل صلاة أصليها » ، ثم خرج باكياً ، فاجتمع إليه الناس فقال لهم : يبيت كل رجل منكم معانقاً حليلته مسروراً بأهله ، وتركتموني وما أنا فيه ، لا حاجة لي في بيعتكم ، أقيلوني بيعتي .
وروي أنه لما خرجا قالت عليها السلام لاَمير المؤمنين عليه السلام : « هل صنعت ما أردت؟ » قال : « نعم » . قالت : « فهل أنت صانع ما آمرك به؟ » قال : « نعم » . قالت : « فاني أنشدك الله ألاّ يصليا على جنازتي ، ولا يقوما على قبري » .
إنّ غضب الزهراء عليها السلام لم يكن ثأراً لنفسها ، أو لمسائل شخصية بينها وبين الشيخين ، ولو كان كذلك لرضيت عنهما ، إنها غضبت للتجاوز على حرمة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والانقلاب على الأعقاب ونبذ الكتاب ، ولهذا فقد أنفت ابنة الرسول أن تذكر ما حدث لها شخصياً من حرق بيتها وضربها وإسقاط محسنها في خطبتها الشهيرة ، وركزت على المسائل الأساسية التي أثارت في نفسها الوجد والسخط والغضب .
ولو لمست عليها السلام تغييراً في موقف الشيخين ممّا ارتكباه ، أو تصحيحاً للمسار الذي انتهجاه ، لسارعت الى الاذن لهما والرضا عنهما .
وقد تواتر عن أبناء الزهراء عليها السلام ـ معصومين وغيرهم ـ غضبها على الشيخين وسخطها عليهما لسوء صنيعهما المتعمّد معها حتى قضت نحبها وهي على هذا الحال .
عن الامام الرضا عليه السلام قال : « كانت لنا اُمٌّ صالحة ، وهي عليهما ساخطة ، ولم يأتنا بعد موتها خبر أنها رضيت عنهما » .
وعن داود بن المبارك ، قال : أتينا عبدالله بن موسى بن عبدالله بن الحسن ابن الحسن ، ونحن راجعون من الحج في جماعة ، فسألناه عن مسائل ، وكنت أحد من سأله ، فسألته عن أبي بكر وعمر ، فقال : أجيبك بما أجاب به جدي عبدالله بن الحسن ، فانه سُئل عنهما فقال : كانت اُمّنا صدّيقة ابنة نبي مرسل وماتت وهي غضبى على قومٍ ، فنحن غضاب لغضبها .
وقد أخذ هذا المعنى أحد شعراء الطالبيين من أهل الحجاز ، فقال :
يا أبا حفص الهوينى ومـا كنت * مليـاً بـذاك لـولا الحمـام
أتموت البتول غضبى ونرضى * ما كذا يصنع البنون الكـرام
وسيبقى موقف الزهراء عليها السلام درساً يعلم الأجيال الاستبسال في الدفاع عن الحق والوقوف بوجه الظلم وعدم الركون إلى القهر والاستبداد .
اللهم بالزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها فرج عنا وعجل بظهور مولانا صاحب العصر ..
نسألكمـ الدعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا ء