|
شيعي فاطمي
|
رقم العضوية : 23528
|
الإنتساب : Oct 2008
|
المشاركات : 4,921
|
بمعدل : 0.84 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
نووورا انا
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
بتاريخ : 01-06-2010 الساعة : 03:18 AM
اللهم صل على محمد وآل محمد
الفصل الثالث في إيراد ما ذكروه من وجوه الجمع بين حديث (لا مهديّ إلاّ عيسى بن مريم) وبين أحاديث المهديّ عليه السلام والجواب عنها:
وقد تقدّم آنفاً أنّ الحديث موضوع، وأحاديث المهدي متواترة كما سيأتي إن شاء الله تعالى فلا تعارض بينهما، فلا وجه حينئذٍ لتجشّم تلك الوجوه التي لا ترجع إلى محصّل.
لكن لمّا ذكرها جماعة في كتبهم وتداولوها آثرنا ذكرها هنا والجواب عنها ليسفر القناع عن وجهها، ويُعلم ما فيها، فإنّه قد يعوِّل عليها ويستأنس بها بعض مَن لا فطنة له، وهو غافل عن حقيقتها، فكان التنبيه على ذلك من المهمّات.
فنقول وبالله التوفيق:
قد ذكروا للجمع في هذا المقام ثلاثة أوجه:
الاَوّل: أنّه لا مهديّ في الحقيقة سوى عيسى بن مريم وإن كان غيره مهديّاً أيضاً، لحكمه بكتاب الله، وقتله اليهود والنصارى، ووضعه الجزية، وإهلاك أهل الملّة في زمانه.(42)
وأنت خبير بأنّه لو صحّ هذا فإنّ المهديّ المنتظر عليه الصلاة والسلام يكون أَوْلى بكونه المهديّ على الحقيقة كما هو كذلك؛ لاَنّه الذي يملاَ الله تعالى به الاَرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، وهذا أعظم أمر يقع في آخر الزمان.
ومعلومٌ أنّ عيسى (عليه السلام) يكون مقتفياً لشرع الاِسلام الذي يحيي المهديّ معالمه بعدما اندرست، ويرفع أعلامه بعدما انتكست، والحكم بكتاب الله تعالى، وقتل أهل الاِلحاد إنّما يكون بيد المهديّ (عليه السلام) ، وعيسى ابن مريم صلوات الله وسلامه عليه يساعده في ذلك، لا استقلال ابن مريم به كما قد يظهر من كلام بعضهم.
فالمهديّ حقّ، والمهديّ هو من يفعل ذلك، وليس ذاك إلاّ المهديّ الموعود من آل محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم) .
فظهر أنّه أفضل من المسيح بن مريم عليهما الصلاة والسلام ـ كما سيأتي في كلام الحافظ الكنجي أيضاً ـ فضلاً عن أبي بكر وعمر، فقد أخرج نعيم بن حمّاد عن محمّـد بن سيرين أنّه ذكر فتنةً تكون، فقال: إذا كان ذلك فاجلسوا في بيوتكم حتّى تسمعوا على الناس بخيرٍ من أبي بكر وعمر، قيل: أفيأتي خيرٌ من أبي بكر وعمر؟! قال: قد كان يُفضّل على بعض.
وفي المصنّف لابن أبي شيبة، عن ابن سيرين، قال: يكون في هذه الاَُمّة خليفة، لا يفضّل عليه أبو بكر وعمر كما في العرف الوردي.(43)
الثاني: أنّ المراد بذلك أنّه لا مهديّ كاملاً معصوماً إلاّ ابن مريم (عليهما السلام). وفيه: أنّ المهدي عليه الصلاة والسلام معصوم أيضاً كالمسيح بن مريم.
أمّا على مذهب أهل الحقّ فظاهر غاية الظهور.
وأمّا على مذهب مخالفيهم: فإن أُريد عصمته في الاَحكام فإنّ ذلك حاصل له.
قال الشيخ محيي الدين ابن عربي في الفتوحات المكّيّة (1): إنّه يحكم بما ألقى إليه مَلَك الاِلهام من الشريعة، وذلك بأن يلهمه الشرع المحمّـدي فيحـكم به كمـا أشـار إليه حـديث: (المهـديّ يقفـو أثـري لا يخطئ) فعرَّفَنا (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه مُتَّبِع لا مبتدع، وأنّه معصوم في حُكْمه، إذ لا معنى للمعصوم في الحكم إلاّ أنّه لا يخطئ، وحكم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يخطئ، فإنّه (لا ينطق عن الهوى * إن هو إلاّ وحي يوحى)(2) وقد أخبر عن المهديّ أنّه لا يخطئ، وجعله ملحقاً بالاَنبياء في ذلك الحكم.
قلت:
وقضية كونه خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يثبت له ما كان ثابتاً له (صلى الله عليه وآله وسلم) في الجملة، ومنه العصمة في الاَحكام، وهذا ظاهر جليّ، فلا وجه لتخصيص العصمة بعيسى بن مريم.
وقد شرح المعين بن الاَمين السندي في كتابه دراسات اللبيب في الاَُسوة الحسنة بالحبيب كلام الشيح المتقدّم بما لا غنىً لذوي الفضل والتحقيق من الوقوف عليه.
هذا، وإن أُريد عصمته عليه الصلاة والسلام في الاَفعال، فإنّ ذلك حاصل له أيضاً.
قال الاِمام الحافظ الكنجي في البيان ـ في ذِكر تقدّم المهدي (عليه السلام) في الصلاة والجهاد على عيسى بن مريم (عليه السلام) ـ: هما قدوتان نبيّ وإمام، وإن كان أحدهما قدوة لصاحبه في حال اجتماعهما ـ وهو الاِمام ـ يكون قدوة للنبيّ (عليه السلام) في تلك الحال، وليس فيهما مَن تأخذه في الله لومة لائم، وهما أيضـاً معصـومان من ارتكـاب القبـائح كـافّةً، والمداهنة والرياء والنّفاق، ولا يدعو الداعي لاَحدهما إلى فعل ما يكون خارجاً عن حكم الشريعة ولا مخالفاً لمراد الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).
قال: وإذا كان الاَمر كذلك، فالاِمام أفضل من المأموم لموضع ورود الشريعة المحمّـدية بذلك بدليل قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن استووا فأعلمهم، فإن استووا فأفقههم، فإن أستووا فأقدمهم هجرةً، فإن استووا فأصبحهم وجهاً).
فلو عَلِم الاِمام أنّ عيسى أفضل منه لَما جاز له أن يتقدَّم عليه لاِحكامه علم الشريعة، ولموضع تنزيه الله تعالى له من ارتكاب كلّ مكروه.
وكذلك لو عَلِم عيسى أنّه أفضل منه لما جاز له أن يقتدي به، لموضع تنزيه الله تعالى له من الرياء والنفاق والمحاباة، بل لمّا تحقَّق أنّه أعلم منه جاز أن يتقدّم عليه، وكذلك قد تحقّق عيسى أنّ الاِمام أعلم منه، فلذلك قدَّمه وصلّى خلفه، ولولا ذلك لم يسعه الاقتداء بالاِمام.(3)
ثمّ بيّن تقدّم المهدي في الجهاد، فراجع ثمّة إن شئت.
الثالث: أنّه لا قول للمهديّ إلاّ بمشورة عيسى، بناءً على أنّه من وزرائه.(4)
والجواب: أنّه لو سُلِّم ـ مع ما فيه من مخالفة ظاهر الحديث ـ فغاية ما يدلّ عليه: أنّ المهديّ (عليه السلام) لا يقطع أمراً إلاّ بمشـورة المسيح بن مريم (عليهما السلام) ـ وهذا مبنيّ على القول بأنّه من وزرائه، وهو غير ثابت ـ وذلك لا ينافي كون مآل الاَمر إلى المهديّ عليه الصلاة والسلام، فإنّه إذا عزم على أمرٍ توكّل على الله تعالى وفعله كما كان ذلك شأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أصحابه.
مضافاً إلى عصمته المطلقة ـ وقد تقدّم الكلام على ذلك آنفاً ـ فلا يحتاج إلى مشورة عيسى (عليه السلام) بالاَصالة، بحيث لولاها لما نفذ له قول ولا أمر، لمكان تلك العصمة والتسديد من الله تعالى، وإنّما هي ـ أعني المشورة على تقدير ثبوتها ـ سياسة أدبية منه مع عيسى بن مريم (عليه السلام) ، وهذا لا ضير فيه، ولا يقدح في شيء من أمر المهديّ عليه الصلاة والسلام وإمامته وتقدّمه على جميع أهل عصره، ووجوب طاعته كالنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حذو القذّة بالقذة، كما لا يخفى.
|
|
|
|
|