كان البهلول وعلى عادته يمشي يوماً في أزقّة بغداد، فلقيه رجل تاجر، فقال لبهلول:
" أريد استشارتك في أمر التجارة ". قال بهلول بهدوء: " وما الذي عدل بك عن العقلاء حتى اخترتني دونهم ؟ " ثم مكث هنيئة فقال: " حسنًا، ما الذي أردت استشارتي فيه ؟ " فقال التاجر: " إني أعمل في التجارة، وأريد شراء متاعٍ أحتكره ثم أبيعه لمن يدفع لي فيه ثمناً باهظاً "، فضحك بهلول حتى بان ضرساه وقال: " إنْ أردتَ الربح في تجارتك فاشتر حديداً وفحماً " شكره التاجر على ذلك وانطلق إلى السوق، ثم فكّر في كلام البهلول جيّدًا فارتأى أن يأخذ بكلامه، فاشترى حديداً وفحماً وأودعهما في المخزن لمدّة من الزمن، ولمّا احتاج التاجر إلى ثمنهما ـ وكان قد ارتفع سعرهما في تلك الأيام ـ باعهما وربح من وراء ذلك ربحاً كثيراً.
ولكنَّ هذه الثروة أثّرت على سلوك التاجر كما تؤثّر على سلوك الكثير من الناس عند ثرائهم، حيث تجدهم يفتقدون صوابهم، فيتغيّر منطقهم وسلوكهم، وهكذا كان التاجر، فقد اغترَّ بنفسه غروراً شديداً، حتى لم يكدْ يعدُّ للناس وزناً، فأخذ يتحدّث عن ذكائه وفطنته.
وذات يوم مرَّ التاجر ببهلول، لكنّه في هذه المرّة لم يعر لبهلول أيّ اهتمام، بل سخر منه وقال: " أيها المجنون، ما الذي أشتري وأحتكر ليعود عليّ الربح ؟ " ضحك البهلول وقال:
" عليك بالثوم والبصل ". خطا التاجر عدّة خطوات ثم قال باستكبار: " عليك أن تفتخر بمشورة تاجر مثلي إياك ". لم يجبه بهلول بشيء حتى انصرف.
رصد التاجر لشراء الثوم والبصل كلَّ ما يملك من أموال، وذهب لشرائهما على أمل التكسّب والثراء، وبعد أشهر مضت على الثوم والبصل وهما في المخزن، جاء التاجر وفتح أبوب المخزن فوجد الثوم قد نتن والبصل قد تعفّن، حينها ضرب التاجر على أمّة رأسه وصاح
" يا للخيبة من سيشتري بضاعتي هذه المرّة ؟!! ".
أدرك التاجر أنَّ عليه أنْ يتخلَّص من هذه البضاعة بدفنها في الأرض، فسارع في ذلك، وامتعض من بهلول وازداد غضباً عليه، فأخذ يبحث عنه في كل مكان حتى عثر عليه، فلما رآه أخذ بتلابيبه وقال: " أيها المجنون، بم أشرتَ عليَّ؟ لقد أجلستني على بساط المسكنة ".
فقال له البهلول: " لقد استشرتني أولاً فخاطبتني بخطاب العقلاء فأشرتُ عليك بما يشيرون، لكنّك لمّا استشرتني ثانياً خاطبتني بخطاب المجانين فأشرتُ عليك بمشورتهم، فاعلم أن ضرّك ونفعك مخبوئان تحت لسانك ". أطرق التاجر برأسه، فتركه البهلول وانصرف عنه.
مرت زبيدة زوجة هارون الرشيد ببهلول وهو يلعب مع الصبيان ويخط الأرض بأصبعه, فما رأت ذلك زبيدة تألمت فيما يصنع ثم قالت له (( ماذا تفعل؟ ))
قال البهلول للصبيان وهو يخط بتراب الأرض بأصبعه ((لا تهدموا البيت الذي بنيته))
ثم ألتفت الى زبيدة وقال((أما ترين أني مشغول ببناء بيت؟))
أرادت زبيدة مساعدة بهلول الأأنها كانت تعلم أنه يرفض ذلك تألمت قليلا ثم قالت ((أراك تبني بيتا جميلا يليق بالعضماء وها أنا أرغب بشرائه منك))
اجابها بهلول وهو منكس راسه الى الأرض يخط على ترابها بأصبعه ((هذا البيت؟ نعم أبعه اياك))
نظرت زبيدة الى الخطوط المعوجة التي رسمها بهلول على الارض وقالت ((أشتريت منك هذا الدار فكم ثمنه؟))
قام بهلول على قدميه وأشار بيده على الصبيان وقال ((بألف دينار لي ولهؤلاء الذين أعانوني على البناء))
أشارت زبيدة الى خدمها وقالت (( أعطه الف دينار)) ثم أنصرفت عنه.
اخذ بهلول النقود وقسمها بين الفقراء.
مضت الأيام وذات ليله رأى هارون في المنام أمرا عجيبا رأى كأنه يساق الى الجنه فلما بلغ أبوابها قيل له هذا قصر زوجتك زبيدة فلما اراد الدخول منعوه من ذلك.
وفي الصباح التالي قص هارون رؤياه على علماء قصره فقالوا ((سل زبيده على ما فعلت من بر))
فلما سالها أخذت تفكر في العمل الذي أستحقت من أجله قصرا في الجنه فلم تتذكر سوى أنها أعطت لبهلول الف دينار وصت خبرها بذلك على هارون.
أدرك هارون ضرورة البحث عن بهلول ليشتري منه البيت الذي ليس له في هذه الدنيا قرار لكنه يكون في الأخره قصرا مشيدا فأين بهلول؟
فوجده في مكان ما يخط بالتراب مع صبيان الحاره
قال بهلول وحاول عدم الأكتراث ((أرى أقرب اقربائي يلعب مع الصبيان ويعبث بأصبعه على التراب))
أجابه بهلول ((نحن نتمتع بما رزقنا الله في هذه الدنيا وها انت ترى اني مشغول ببناء بيت على ارض الله لكي ابعه)).
قال هارون ((ليس قصور الملوك كالبيوت التي انت مشغول ببنائها الا اني مع ذلك اود شراء احدها))
نظر بهلول لهارون نظرة تأمل ثم هزأ منه ضاحكا وقال (( ثمن هذا الدار باهض جدا))
قال هارون وهو يتظاهر بعدم المبالات((كل ما تعلقت به رغبتنا لا يصعب علينا حصوله وأن كان ثمنه باهضا))
ذكر بهلو الأاف الأكياس والبساتين والأموال الطائله قيمه لتلك الدار.
سكت هارون والغضب أستولى عليه لأن ما طلب بهلول ليس بالشيء القليل فأنه لو جمع ثروات الأغنياء كلها لما بلغت سعر هذا البيت.
أراد هارون أن يعرف اللغز وراء كلام بهلول زما يريد من ورائه ولذا قال لبهلول(( لقد بعت مثل هذا الدار لزبيدة أقل من ذلك بكثير فقد بعتها بألف دينار ولما أردت شراءها منك أراك تقول قولا شططا!!))
نهض بهلول من الارض وبعثر ماكان قد رسمه على الارض بأطراف أصابع قدمه, وقال ((ليعلم الخليفة ان بينه وبين زوجته زبيدة فرقا شاسعا, فان زبيدة أشترت وهي لم تر وانت رأيت وتريد أن تشتري)) ثم عاد مرة أخرى ليلعب مع الصبيان......
دخل بهلول يوما إلى دار الحكومة في الكوفة ، فجلس على مسند الوالي و أخذ يقلد الوالي في افعاله , فلما رآه الحرس و الحجاب ضحكوا عليه ، ثم ادركوا ان الوالي لو دخل عليهم و وجد بهلول جالسا على مسنده سوف يبدل ضحكهم إلى بكاء ، لذا هرعوا إلى بهلول - بعد أن نصحوه أن ينزل من مسند الوالي فمتنع - و أخذوا يضربونه حتى أنزلوه .
ذهب بهلول إلى زاوية من القصر و صار يبكي ، و في هذه الأثناء دخل الوالي فرأى أن وضع القصر غير و طبيعي ، ، سأل رئيس الحرس و قال : " ما الذي حدث ؟ "
قال رئيس الحرس - بعد أن انحنى تعظيما للوالي - : " سيدي ، إن بهلولا جلس على مسند الوالي ، فلما وعظناه بالنزول عنه امتنع ، ثم اضطرنا إلى ضربه " .
ذهب الوالي إلى بهلول فوجده يبكي ، قال له : " عليك بالصبر ، فإن الذي يعمل عملا مخالفا للقانون عليه أن يوطن نفسه لمثل ذلك " .
قال بهلول : " ايها الوالي إني لا أبكي على نفسي " .
تعجب الوالي لذلك و قال : " فما السبب في بكائك ؟ "
قال بهلول " إني جلست على مسندك دقائق فنزل بي من العذاب ما ترى , فكيف بك و قد جلست عليه سنوات ، فإنه لا يعلم ما ينزل بك من العذاب إلا الله "