هو يوم الجمعة الحادي عشر من شهر ذي القعدة سنة 148 من الهجرة المحمّديّة الشريفة. وهو الرأي الأقوى والأشهر، وقد قال به جماعة كثيرة من العلماء والمؤرّخين، منهم: الشيخ المفيد في (الإرشاد)، والشبراويّ في (الإتحاف بحبّ الأشراف)، والشيخ الكلينيّ في (الكافي ج1)، والكفعميّ في (المصباح)، والطبرسيّ في (إعلام الورى) و (تاج المواليد)، والفتّال النيسابوريّ في (روضة الواعظين)، والشيخ الصدوق في (علل الشرائع)، وابن الأثير في (الكامل في التاريخ)، والبغداديّ في (سبائك الذهب)، وسبط ابن الجوزيّ في (تذكرة خواصّ الأمّة)... وغيرهم كثير.
فيكون مولد الإمام الرضا عليه السّلام في السنة التي استُشهد فيها جدّه الإمام الصادق عليه السّلام ذاتها، وعلى وجه الدقّة بعد ستة عشر يوماً تقريباً، إذ إنّ شهادة الإمام الصادق عليه السّلام مؤرّخة بالخامس والعشرين من شهر شوّال عام 148هـ.
أمّا محلّ المولد الشريف ومكانه.. فلا خلاف أنّه المدينة المنوّرة
عَهِد الناس أن تبدأ حياة أهل البيت عليهم السّلام بالفضائل والكرامات، وتنتهي بها. وفي مطلع الإشراقة القدسيّة السعيدة لمولد الإمام عليّ الرضا صلواتُ الله عليه رُويت هذه الرواية عن أكثر من شخص وأكثر من كتاب، وبصيغٍ متقاربة،
نكتفي هنا بموردين:
الأوّل ـ عن الشيخ سليمان القندوزيّ الحنفيّ قال: قالت [أمّ الرضا «عليه السّلام»]: لمّا حملتُ بابني عليّ الرضا لم أشعر بثقل الحمل، وكنت أسمع في منامي تسبيحاً وتحميداً وتهليلاً من بطني، فلمّا وضعته وقع إلى الأرض واضعاً يده على الأرض، رافعاً رأسه إلى السماء، محرّكاً شفتيه كأنّه يناجي ربَّه، فدخل أبوه فقال لي: هنيئاً لكِ كرامةَ ربِّكِ عزّوجلّ.
فناولتُه إيّاه، فأذَّنَ في أُذُنه اليمنى، وأقام في اليسرى، فحنّكه بماء الفرات.(1)
الثاني ـ عن الشيخ الصدوق، بسند ينتهي إلى عليّ بن ميثم عن أبيه قال: سمعت أُمّي تقول: سمعت نجمةَ أُمَّ الرضا عليه السّلام تقول: لمّا حملتُ بابني عليٍّ لم أشعر بثقل الحمل، وكنت أسمع في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتمجيداً من بطني، فيفزعني ذلك ويهولني، فإذا انتبهت لم أسمع شيئاً. فلمّا وضعته وقع على الأرض واضعاً يديه على الأرض، رافعاً رأسه إلى السماء، يحرّك شفتيه كأنّه يتكلّم، فدخل إليّ أبوه موسى بن جعفر عليه السّلام فقال لي: هنيئاً لكِ يا نجمةُ كرامة ربِّكِ.
فناولتُه إيّاه في خِرقةٍ بيضاء، فأذَّن في أُذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، ودعا بماء الفرات فحنّكه به، ثمّ ردّه إليّ فقال: خُذيه، فإنّه بقيّة الله تعالى في أرضه.(2)
• وفي الخبر أنّ الإمام الكاظم عليه السّلام قال: بينا أنا نائم إذ أتاني جدّي وأبي عليهما السّلام ومعهما شقّة حرير فنشراها، فإذا قميص وفيه صورة هذه الجارية [أي تُكتم]، فقالا: يا موسى! ليكوننّ لك من هذه الجارية خيرُ أهل الأرض بعدك.(3)
وبرواية أخرى قال الإمام موسى الكاظم عليه السّلام: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأمير المؤمنين عليّاً رضي الله عنه معه، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا موسى! ابنك ينظر بنور الله عزّوجلّ، وينطق بالحكمة، يصيب ولا يخطئ، يعلم ولا يجهل، قد مُلئ علماً وحكماً.(4)
• ومن قبله الإمام الصادق عليه السّلام قال لولده الكاظم عليه السّلام غير مرّة: إنّ عالم آل محمّد عليه السّلام لَفي صُلبك، وليتني أدركتُه! فإنّه سُميُّ أمير المؤمنين عليه السّلام.(5)
• وروى يزيد بن سليط قال: لَقينا أبا عبدالله [الصادق] عليه السّلام في طريق مكّة ونحن جماعة، فقلت له: بأبي أنت وأميّ! أنتم الأئمّة المطهّرون، والموت لا يعرى منه أحد، فأحدِثْ إليَّ شيئاً أُلقيه إلى من تخلفني، فقال لي: نعم، هؤلاءِ ولْدي، وهذا سيّدهم ـ وأشار إلى ابنه موسى عليه السّلام ـ وفيه علم الحكم والفهم، والسخاء والمعرفة بما يحتاج الناس إليه فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم، وفيه حسنُ الخلُق وحسن الجوار، وهو باب من أبواب الله عزّوجلّ.
وفيه أُخرى، هي خير من ذلك كلّه: يُخرج الله تعالى منه غوث الأُمّة وغياثها، وعلمها ونورها، وفهمها وحكمها، خير مولود وخير ناشئ، يحقن الله به الدماء، ويُصلح به ذات البين، ويلمّ به الشعث، ويُشعب به الصدع، ويكسو به العاري، ويُشبع به الجائع، ويُؤمن به الخائف، وينزل به القَطْر، ويأتمر له العباد، قوله حكم، وصمته علم، يبيّن للناس ما يختلفون فيه.(6)
فبُورك مولودٌ وبورك مولدُ أبوه عليّ الخير والجَدُّ أحمدُ
1 ـ ينابيع المودّة 166:3.
2 ـ عيون أخبار الرضا عليه السّلام 20:1/ح2.
3 ـ إثبات الوصيّة 171.
4 ـ ينابيع المودّة 166:3.
5 ـ إعلام الورى 315.
6 ـ عيون أخبار الرضا عليه السّلام 23:1/ح 9 ـ الباب 4.