المعرفة قيمة لا يضاهيها شيء من القيم، وفي القول الصريح للإمام الصادق (عليه
السلام): (لا أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من الصلاة)..المعرفة هي الطاقة التي
تنار بها القلوب وتضاء بها الدروب نحو عاجل الدنيا وزائلها وآجل الآخرة
وباقيها، وقد حظيت السيدة زينب (سلام الله عليها) بالنصيب الاوفر وفازت بجوائز
المنافسة
وقد وفر لها الحصول على ذلك نشأتها تحت سقف المعرفة وظل العلم وحضن اليقين
والصدق
يجد القارئ لسيرتها والناظر في آثار سيرها أنها كاملة في معرفتها بالله عز
وجل، تامة في اسيتعابها لأئمتها، عالمة عاملة بتكاليفها الشرعية مهما كان ضغط
الظروف ووطئ الأيام،
*معرفتها بالله سبحانه*
زينب (عليها السلام) صاحبة الفطرة المصقولة حيث لم تصب بلوثة الشرك ولم تتلبس بمدلهمات ثياب
الجاهلية أرتقت إلى درجة اليقين برب العالمين قبل أن تتخطى السنتين من
الأعوام، وهنا رائعتان من روائعها لم تحد عنها أقلام المؤرخين وإن كانت جائرة
في حق أهل البيت عليهم السلام مائلين عن ذكر محاسنهم ومحامدهم..
*الرائعة الأولى:*
أن أباها علي (عليه السلام) أقعد صغيرته وكريمته في حضنه يوما
*وقال لها بنية:*
*قولي واحد*
*فأجابت طلبه *
*وقالت واحد،*
*قال:*
*قولي إثنين، فسكتت فقال لها تكلمي يا قرة عيني فقالت يا أبتاه ما أطيق ان
اقول اثنين بلسان أجريته بالواحد فضمها إلى صدره وقبلها بين عينيها
*الرائعة الثانية:*
*قد سألت أباها ذات مرة أتحبنا يا أبتاه؟*
*فقال:*
وكيف لا أحبكم وأنتم ثمرة فؤادي.فقالت يا أبتاه إن الحب لله تعالى والشفقةلنا
والحق أنها قد تكلمت باليقين والمعرفة في أخريات أيامها كما هتفت بها في أوان
طفولتها وحداثة سنها فلما أثمر يقينها بقدرة الله عز وجل وقربه من عبده لم تكن
ظنينة شحيحة بما تساقط عليها من ثمار ذلك اليقين وتلك المعرفة بل أنفقت على
الأجيال وناولتهم الثمر بقول وكلام يخرق قفائص الصدور وأكنة القلوب*
*تقول:*
*" خف الله لقدرته واستح منه لقربه " *
*المعرفة مدد الصمود والمواجهة:*
*إن من يسيء وينزل الضرر برجالات الله وأهل طاعته يرى أنه منقص ومزر بهم إلا أن أولئك يرون العكس و ينفون البأس فيعتقدون أن أعمال الجائرين كلما أزدادت شناعة كلما ابتدرت بهم إلى سلم الكمال فلا تنثني عزائمهم ولا ينفسون بأرواحهم ولا يتوانى جدهم، فالظالم هو الخاسر وهم الرابحون لأنه يفتح لهم باب الجنة وفي ذات الحين يغلقه على نفسه، وقد التقطت عدسة التأريخ أبهى وأجمل صورتين
وثائقيتين تكشفان عن هذا المعنى.. *
*الأولى*
* في موقف الحسين (عليه السلام )الذي أراده الأعداء بمكرهم ليزلزلوا ثباته وإذا به يحولها بعصى هرمز السحرية إلى بساط يطير به صوب الأفق ويعلنها معرفة في كلمة وكلمة في معرفة: هون الذي نزل بي أنه بعين الله... هكذا فضح المزاعم وفند خطط المناوئين..*
*والثانية*
* في موقف العقيلة زينب (سلام الله عليها) وفي اشد لحظة من لحظاتها عندما انحدرت ناحية الميدان لا تلوي على شيء وأثنت ركبتيها عند جثمان أخيها المضمخ في صمت وسكون لم تنبس ببنة شفه ها قد جاءته لا عن اشتياق هذه المرة ولكنها تريد أن تجعله دليلا لها إلى الله ميتا كما كان دليلا لها حيا ..فتمضي ساعة وإذا بالحسين سلام الله ورحمته عليه يهتز ويتحرك تقلبه يداها كما يتحرك راكب السفينة يقلبها الموج وإذا بزفرة رئتها المتشنجة لطول البكاء ترن بنفس متقطع
وطرف ممدود ناحية السماء الداجية:إلهي تقبل منا هذا القربان...إلهي إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى
*سيدتي وبنتَ سادتي حسبك هذا الموقف الذي هو آية من آيات العلم وشارة من شارات المعرفة واليقين أن تكوني قرينا في التأريخ لخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام :{فَلَمَّابَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَاتُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} (102) سورة
الصافات فهو يدفع بابنه قربانا لرؤيا منام مصدقة وتدفعين بأخيك قربانا في رؤي عين صادقة!*
*ويا هل نشك في عرفانك وقد تطامن له الحسين عليه السلام وعظـّمه في شهادة لا تنسى شهادة يكبر لها المكبرون؛ إذ قد سيق في التأريخ أن الحسين (عليه السلام)
حينما أزمع الخروج وأخذ بعنان الجواد ألتفت إليها وقال:يا أختاه! لا تنسيني في نافلة الليل والصلاة تمثل علاقة الانقطاع إلى الله عز وجل وهي من أبدأ وأوجب مراحل العرفان الحقيق وهذا سر تماسكها ورباطة جأشها (سلام الله عليها) لأن بصر قلبها يبصر مثوبة الله سبحانه وروحها معلقة بعز قدسه فإن ركع منه الجسد
لما امض وأودى فإن الروح منها لا تركع والقلب ولا ينكسر فلها حالة من العرفان
يستعرضها دعوات العرفاء: *
*" إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك
". *
*كمال الانقطاع والعرفان هو منجاتها من أن تختطفها أيدي المصائب أو تجهدهاصروف الدهر ونوائبه.. *
*لنأخذه درسا عن زينب سلام الله عليها:*
*لطالما عجب الناس من قوة علاقة أولياء الله بالصلاة وشدة محافظتهم عليها، حتى
في الساعات الحرجة والدوائر الصعبة في الحياة وواحدة منهم هي الكريمة زينب
(سلام ربي عليها) التي قد صلت الليل من جلوس في مساء ليلة الحادية عشر كما يروي
ذلك الإمام زين العابدين (سلام الله عليه) وكذا عندما آلت قوتها إلى الضعف في
بعض المنازل الواقعة على طريقهم إلى الشام فسألها علي بن الحسين عن سبب ذلك؟ *
*فأجابته* : أصلي النوافل من جلوس لشدة الجوع والضعف وذلك لأنني منذ ثلاث ليال أوزع مايعطونني من الطعام على الأطفال فالقوم لا يدفعون لكل منا إلا رغيفا واحدا من الخبز في اليوم والليلة!!بيد أن هذا يدلل على الاستقامة من ناحيتين:
*أ ) أن عبادة الله عز وجل عن عرفان ومعرفة لها شارة وعلامة لا تزيف وهي العمل
في الشدة والرخاء في القوة والضعف، وهذا معنى يرتبط بقول سيد العرفاء
والموحدين علي (سلام الله عليه) : وعليكم بالعمل في النشاط والكسل، وقوله
صلوات الله عليه إياكم والكسل فإنه من كسل لم يؤدي لله حقا..*
*ب) أن أمراض الجسد جميعها معدية تشكل سلبا على الروح فتحيقها بالمخاطر والصلاة هي التي تعزل الروح وتجافيها عن الجسد المصاب..لا تكاد توجد في منظومة العبادات إلا في الصلاة والصلاة وحدها.. ولذا جاء:إن
الصلاة لا تترك بحال
*فإن المريض في أتم الحاجة وأمسها إلى طمئنينة القلب وتوافق الروح والصلاة هي الذكر وقد قال عز من قائل: { أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(28) سورة الرعد، و:{وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ
عَلَى الْخَاشِعِينَ } (45) سورة البقرة، فسلام الله وصلاته الدائمة على نفسكِ المطمئنة وعلى قلبكِ الخاشع..*
*/ معرفتها بإمام زمانها: *
*تترافق في قلب الإنسان معرفتان معرفة الإمام ومعرفة الله فجحد الإمام أو التقصير فيما يجب نحوه يوجبه دائما التقصير في معرفة الله ونحن حينما نقول أن العقيلة زينب كانت عارفة بإمام عصرها ندلل بهذا الكلام على بعد معرفتهابخالقها، في الحديث الكريم:"من جهل الأول جهل الآخر "، وفي الدعاء الماثورفي عصر الغيبة:*
*"" اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني "".*
*فمعرفة الله عز وجل هي رأس الخيط في مسبحة المعارف، وواسطة العقد التي تجمع جواهرها..و إذا كان المعروف على قدر المعرفة وجب أن نقيس مبالغة السيدة الطاهرة زينب (سلام الله عليها) وعظيم حفاوتها في الرعاية لشؤون الإمام بمقياس معرفتها لله جل جلاله، فهي التي تنظر بعين غارقة في وجه أبيها وأخويها الحسن والحسين نظر معرفةفبدافع معرفتها بمنزلة أخيها الحسين عليه السلام كفت عن البكاء على ولديها
محمد وعون الذان استشهدا بين يديه فلم ترسل دمعها منعا لإحراج أخيها وبوازع معرفتها برتبة علي بن الحسين (عليه السلام) جعلت نفسها درعا بشريا أمامه مرة في سلب الخيام مساء يوم عاشوراء حينما هم شمر بقتله وهو مريض منبسط على فراشه فألقت بنفسها عليه وهي تقول: والله لا يقتل حتى أقتل معه
*ومرة عندما أضرموها نارا فأخذت تجره إلى الفضاء يقول حميد بن مسلم: رأيتهاتسحب إنسانا من وسط لهيب النار فظننت أنها تسحب ميتا قد احترق فاقتربت لأنظر إليه فإذا هو زين العابدين علي بن الحسين*
*وأخرى في مجلس الطاغية ابن الأدعياء وقد حاول قتله وإلحاقه بأبيه فوقفت دونه تزمجر وتكثر الصخب والصياح قائلة برفيع صوتها: والله لا افارقه فإن قتلته فاقتلني معه فنظر ابن زياد إليها ساعة ثم قال: عجبا للرحم والله إني لأظنها ودت أني قتلتها معه دعوه فإني أراه لما به *
* معرفتها بتكاليفها:*
*ويتجلى العرفان في ساحة التكليف والعمل والقيم فتجد العارف بالله يقظ على الدوام يداري تكاليفه وقيمه وإن كان يعيش في ضغطة المصائب وشدة النوائب ممايوجب ارتجاج مشاعره واضطراب فكره وهذا ما يمكن أن نطلق عليه: عصمة العرفان..*
*دعونا نستند إلى بعض الأمثلة من صميم حياة السيدة زينب *
*مع النسوة:*
*لما صاح أتباع ابن سعد في النسوة تعالين واركبن أجابته: سود الله وجهك يا بن سعد في الدنيا والآخرة تأمر هؤلاء القوم بأن يركبونا ونحن ودائع رسول الله ص؟!حتى تنحوا عنهم وأركبتهن بتفاصيل مذكورة في مكانها.ولكن غرضنا من هذا المثال أنها لم تتعلل بالظروف وقاهريتها في ترك حشمتها وحشمة نسائها..*
* مع نساء الكوفة:*
*لما دخلن الكوفة صار نساء الكوفة يناولون الأطفال التمر والخبز والجوز فصاحت بهم يا أهل الكوفة إن الصدقة علينا حرام وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به إلى الأرض..*
* مع قيمها:*
*من أعز الأمور على المرأة حياءها فهي العملة التي ترتقي بها في سوق القيم وقد
جرت عليها الدواهي مخاطبة اللئام أمام الأنام فهل تنازلت عن قيمها