في زمن نزول القرآن كانت الأساطير تمثل الحقائق العلمية المعترف بها، فكانت الحضارة الإغريقية المتطورة تنظر إلى الزلازل على أنها من صنع الآلهة، فكان لديهم الإله Poseidon وهو إله الزلازل! أما في الحضارة الأوربية ومنها النرويجية مثلاً، فكانوا يعتقدون أن إله الشرّ Loki قتل إله الجمال والضوء، فعاقبته الآلهة بربطه بكهف مع ثعبان سام وضع فوق رأسه يقطر سمّاً، وكلما هزَّ رأسه لإبعاد السم عنه اهتزت الأرض بسبب ذلك وحدث الزلزال... فتأملوا هذه الأساطير التي كان الناس يصدقونها بل ويعتقدون بها!
في هذه الظروف أُنزل القرآن على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولو كان ما يدّعيه الملحدون والمشككون من أن محمداً هو من ألَّف القرآن، لو كان هذا الادعاء صحيحاً، فإن المنطق العلمي والتاريخي يقضي بأن محمداً عندما يريد أن يتحدث عن الزلازل في القرآن فإن المصدر الوحيد للمعلومات المتوافر في ذلك الزمن هو تلك الأساطير، فهل نجد شيئاً من هذه الأساطير في القرآن، أم أن محمداً صحّح العقائد وجاء بعلم من عند الله تعالى؟
اكتشافات جديدة
بعد أكثر من قرنين من الدراسات العلمية خرج العلماء بنتيجةان الزلازل هي ظاهرة جيولوجية بحتة، لها قوانينها، ولها أسبابها، ولها تفسيرها العلمي.
لقد وجد العلماء أن النشاط البركاني للأرض تضاعف مئتي مرة في الألفي سنة الماضية، ووجدوا أيضاً أن طبقات الأرض تنزلق باستمرار ولا يوجد شيء يوقفها، حتى تصل إلى مرحلة حرجة تكثر فيها الزلازل بشكل هائل.
ويشبِّهون آلية حدوث الزلزال بوتر عندما نقوم بشده تزداد قوة الضغط عليه حتى يصل إلى الحد الحرج وينقطع، كذلك الزلازل هي نتيجة حتمية لحركة ألواح الأرض،
إذن الزلزال الكبير قادم لا محالة، وهذا ما أكده القرآن الكريم.
آلية حدوث الزلزال
يُحدث الزلزال موجات زلزالية قد تكون عنيفة وقد تكون خفيفة لا نكاد نحس بها، وتحدث الزلازل نتيجة انزلاق واصطدام الألواح الأرضية بعضها ببعض، أو نتيجة للبراكين أو نتيجة للنشاطات البشرية المدمرة مثل التجارب النووية.
إن سطح الأرض منقسم إلى مجموعة ألواح وهي في حالة حركة دائمة، ويقول العلماء إن الزلازل تحدث بنتيجة تشوه في ألواح الأرض. فقد خلق الله هذه الأرض وغلَّفها بما يشبه الألواح التي تتمدد باستمرار، ولولا هذا التركيب المرن للأرض لحدثت مئات الزلازل المدمرة كل دقيقة واستحالت الحياة على ظهر الأرض.
طبعاً تدل الدراسات على أن القشرة الأرضية رقيقة جداً بالنسبة لقطر الأرض
(أقل من واحد بالمئة من قطر الأرض)،
هذه القشرة عبارة عن مجموعة من الألواح تعوم على طبقة ثانية حارة، وكلما تدرجنا في باطن الأرض نجد أن الصخور تصبح أكثر كثافة وحرارة وضغطها أعلى، أي أن في باطن الأرض ضغوط هائلة وما البراكين والزلازل إلا صمامات أمان للأرض!
الانزلاقات الأرضية تحت قاع المحيط
إن قاع المحيط مثار بشكل دائم وتحدث فيه ملايين الهزات الأرضية العنيفة كل يوم، ولكن عندما يصطدم لوحان أرضيان في قاع المحيط ينزلق أحدهما تحت الآخر، ويحدث ارتفاع مفاجئ في طرف أحد اللوحين مما يؤدي إلى رفع كميات كبيرة من الماء بشكل مفاجئ.
هذه الكمية من الماء تؤدي لحدوث موجة هائلة تصعد إلى سطح المحيط وتسير بسرعة وتحافظ على قوتها، وبالطبع تكون محملة بكمية كبيرة من الطاقة التي امتصتها من امتداد اللوحين الأرضيين، ثم تصل إلى الشاطئ لتضربه بقوة مدمرة، على شكل "تسونامي" وقد يذهب ضحيته مئات الآلاف، كما حدث عام 2004 في زلزال ضرب قاع المحيط الهندي!
ويقول العلماء ويؤكدون بشدة أن الزلازل ستضرب الكثير من الأماكن والمسألة مسألة وقت فقط، لأنه لا يوجد شيء يمكنه أن يوقف تمدد الألواح سواء في البر أو البحر، هكذا يقولون، ولكننا كمسلمين نعتقد أن الله قادر على كل شيء، ولذلك ينبغي علينا ألا نأمن عذاب الله تعالى، حيث حذَّرنا من هذا العذاب فقال: (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا * أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا)
[الإسراء: 67-68].
ففي هذا النص الكريم إشارة واضحة لوجود ألواح أرضية لها جوانب وأطراف، وأن أحد هذه الألواح يمكن أن ينخسف أو ينزلق تحت لوح آخر، وهذا ما عبر عنه القرآن بقوله تعالى:
ويقول العلماء اليوم إن الزلزال أو الخسف يحدث دائماً عند أطراف أو جوانب الألواح الأرضية، أي أن للبرّ جوانب، تأملوا معي كيف أشار القرآن إلى هذه الحقيقة بقوله:
(جَانِبَ الْبَرِّ).
كذلك هناك إشارة إلى ظاهرة التسونامي حيث تأتي أمواج كبيرة تغرق الناس في قوله تعالى:
رسم يمثل خريطة العالم، والخط الأسود يمثل أطراف الألواح الأرضية،
ونلاحظ أن مناطق الخسف والتشققات والزلازل والبراكين تتركز على جوانب هذه الألواح،
وهذا ما أشار إليه القرآن بقوله:
(أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ).
مصدر الصورة: وكالة الجيولوجيا الأمريكية.
عدد الزلازل: هل يزداد؟
لقد وجد العلماء براهين علمية تؤكد أن عدد الزلازل وشدتها يزداد باستمرار مع تقدم الزمن، وبالتالي سوف يأتي ذلك اليوم الذي تكثر فيه الزلازل بشكل لا يمكن تصوره، وهذا ما أخبرنا به سيد البشر عليه الصلاة والسلام عندما أكد أن من علامات الساعة أن تكثر الزلازل.
مع أن بعض العلماء يعتقد بأن كمية الزلازل ثابتة أو حتى تتناقص، ولكن هذا لا برهان عليه علمياً، لأن العلماء أنفسهم يقولون إن ملايين الزلازل تحدث كل يوم ولا نحس بها بسبب شدتها المنخفضة. كذلك هناك زلازل عنيفة جداً تحدث فيما يسمى بحلقة النار وهي عبارة عن صدع عظيم يمتد لأربعين ألف كيلو متر في قاع المحيط الهادئ وإن 90 بالمئة من الزلازل في العالم تحدث حول هذا الصدع.
منذ عام 1900 يحدث كل عام 17 زلزال عنيف تتراوح شدته من 7 إلى 7.9 درجة، وزلزال عنيف جداً أكثر من 8 درجات، وذلك كل عام تقريباً، ويقول علماء وكالة الجيولوجيا الأمريكية: إننا نسجل باستمرار تطوراً وزيادة في عدد الزلازل كل عام، ولكننا لا ندري هل هذه الزيادة بسبب تطور تقنيات قياس الزلازل (يوجد اليوم 8000 محطة لقياس الزلازل في العالم)، أم أنها زيادة حقيقية في عدد الزلازل كل عام.
وتقدر وكالة الجيولوجيا الأمريكية USGS عدد الهزات الأرضية التي تحدث كل عام بعدة ملايين، ولكن أخطر زلزال تم تسجيله حتى الآن وقع في وسط الصين عام 1556 وحصد أكثر من 830000 شخص (حسب وكالة الجيولوجيا الأمريكية USGS).
صوت الزلزال!
اكتشف العلماء أن كل زلزال يصدر ترددات صوتية قيمتها أقل من 20 هرتز، وهذه الترددات لا يسمعها الإنسان، إنما تسمعها بعض الحيوانات. إذن هناك علاقة مؤكدة بين الزلازل وبين الصوت الذي تصدره، وربما نرى لهذا الأمر إشارة في قوله تعالى:
فنرى أن الأرض تخرج شيئاً من الحمم البركانية المنصهرة والثقيلة كل فترة، حتى تصل الأرض إلى مرحلة يشتد فيها الضغط الداخلي كثيراً وتقذف ما بباطنها من أثقال (حجارة ثقيلة) وتصدر الترددات الصوتية التي لا نفهمها نحن اليوم، ولكننا قد نفهمها يوم القيامة، بدليل قوله تعالى:
إذن الترددات الصوتية التي تصدرها الأرض لدى حدوث الزلزال في الدنيا هي دليل وبرهان مادي على صدق كلام الحق تبارك وتعالى عندما حدثنا عن الزلزال الأعظم يوم القيامة و"صوت" الأرض الذي ستتحدث به، حتى إن الإنسان يتعجب يومئذ من هذا المشهد ويقول:
(وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا).
إشارة قرآنية للهزات الأرضية
يقول تعالى:
(يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ)
[النازعات: 5-6]،
وفي هذا إشارة إلى الهزات الأرضية والهزات المرتدة، فكما نعلم عندما يحدث أي زلزال فإن الأرض تهتز وترتجف بعنف، ثم تتبعها هزات راجعة أو ارتدادية، ولذلك فإن القرآن عندما حدثنا عن حقيقة ستحدث يوم القيامة استخدم حقيقة علمية نراها اليوم، لتكون هذه الحقيقة دليلاً على صدق القرآن بالنسبة للملحد
ويقول أيضاً:
(إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا)
[الواقعة: 4].
في هذه الآية إشارة إلى الاهتزاز العنيف الذي سيحدث للأرض يوم القيامة، ويؤكد العلماء أن الأرض ليست مستقرة على الإطلاق، وأن جميع المؤشرات تشير إلى زيادة اضطرابات طبقات الأرض بسبب الضغط الهائل والحرارة العالية تحت سطح الأرض.
الزلازل والبراكين
هناك علاقة وثيقة بين الزلزال والبركان، فكلاهما يعمل بنفس الآلية، ويعتبر العلماء اليوم بعض الزلازل مؤشراً على قرب حدوث البركان الذي تقذف فيه الأرض كميات كبيرة من الحمم المنصهرة، ولذلك يقولون:
Such earthquakes can be an early warning of volcanic eruptions.
أي أن هذه الزلازل هي بمثابة إنذار مبكر للثورات البركانية.
من هنا ندرك أنه توجد علاقة بين الزلزال وبين ما تخرجه الأرض من صخور ملتهبة على شكل براكين، ولذلك فإن البيان الإلهي ربط هاتين العمليتين بعضهما ببعض فأكد على حدوث الزلزال أولاً ثم إخراج الأرض أثقالها
(أي الصخور الملتهبة وهي طبعاً ثقيلة وأثقل من الصخور التي على سطح الأرض)،
وهنا لابد أن نقف لحظة تأمل: مَن كان يعلم زمن نزول القرآن بوجود علاقة بين الزلزال وبين الحمم المنصهرة التي تقذفها الأرض عقب الزلزال؟ هذه الحقيقة لم يدركها العلماء إلا عندما نزلوا إلى أعماق المحيطات وشاهدوا التشوهات في الألواح الأرضية والانهيارات التي تسبب الزلازل القوية وخروج كميات هائلة من الصخور الملتهبة!
لقد أكد القرآن هذه الحقيقة أيضاً في نص كريم يتحدث عن يوم القيامة، يقول تعالى: