الساعة الحادية عشر ظهرا ... من عام 1998 ..وردني اتصال هاتفي من ابن عمي الكبير ؟
أسامة .. عمك الكبير في المستشفى احضر لوسمحت لان حالته خطرة ..
لبيت الطلب لان عمي الكبير احبه واحترمه لانه رباني وكانت منزلته اكثر من والدي !؟
نعم ..لان ابي لا اراه دائما مشغول بعمله من الصباح الى اخر الليل ..
ذهبت الى المشفى وسلمت على اولاد عمي الخمسة وقبلت عمي الي حياني بنظرات عينيه لانه مشلول اللسان
بسسبب ابنه الشهيد الذي استشهد في زمن المشرك صدام في عام 1986... ومن ذلك الوقت وهوابكم لايتكلم من الحزن
وكان سرير عمي الغالي باتجاه القبلة وراسه ملاصق للحائط ..
وفي نفس الغرفة بعكسه يرقد شاب صغير السن عمره 18 عاما ..ومواجها له ..
ولفت انتباهي ان هذا الشاب لايوجد عنده احدسوى رجل وامراةطاعنان في السن والخريف قد تجاوز حده في اوراق العمر الطويل ..
وكانت تلك المراة العجوز تجلس عند راسه وتمسح عليه ..والشيخ جالس على كرسي من حدي وهويتطلع الى وجهه تارة واخرى الى كيس المغذي ...
سالت ابن عمي (سجاد) ماهي قصة هذا الشاب قد فطر قلبي .. ومن هذان العجوزان اين والديه .. لان عمري هذان العجوزان لايصلح للانجاب ؟
فقال ابن عمي .... آها .. هذا عبدالله .. ( وبالعراقي سالفته سالفة !)
اما العجوزان فهذه عمة ابيه وهذا زوجها ليس لهم اولاد لانها عاقر وعبد الله هذا يتيم الام والاب !
فقلت ماسبب رقوده في هذا المكان الخطر .. وماهومرضه ؟
فقال .. ان عبد الله فيه مرض (السل) وانحالته مستعصية جدا ... لانه تاخر عن العلاج وهنا لايوجدعلاج ينقذه الاالله تعالى !
فتقدمت خطوات صغيرة وبحذر والدمعة في عيني .. وسلمت على العجوزان واجابا باخفات وعليكم السلام ثم قالت العجوز بالعراقي ( هلا يمه )
فنظرت الى وجهه نظرة خاطفة لئلا يسألاني ماذا تفعل هنا .. واذا بي ارى وجهه ازرق بلون الحبر وجسمه نحيف كانه نصف بشر !!
فقلت لسجاد .. ولكن كيف اصابه السل ؟
فقال .... انها قصة وقعت قبل اشهر ...لعنة الله على صدام واتباعه وعلى جيشه !
فقلت مهلا يابن عمي ومادخل صدام والجيش ؟
فقال وهل توجد مصيبة او ادنى مشكلة في بيت عراقي الابسببه !
فقلت احكي ؟مالقصة ...
فقال .... عبد الله هذا كما اخبرتك يتيم وقد بلغ عمره 18 عاما فكان لزاما ان يخدم بجيش الكافر صدام
وبعد اشهر من التحاقه بالعسكرية جاء كتاب نقله الى الجنوب وتعلم البصرة والعمارة بعيدة عن بغداد.
قلت نعم ....
فقال وتعلم ان عبد الله يتيم وفقير الحال لايملك اجرة السيارة حتى يسافر الى وحدته العسكرية
وكما تعلم فان الامر يتطلب 3 سنوات في الخدمة فكيف سيكون الامر وهو الى الان لم يمضي الا سنة اواقل !
فقلت اي وبعد ؟
فقال ... وكان عبد الله يتمنى يملك المال حتى يعطي الى ضابط وحدته حتى ينزل اجازة 7 ايام الى بيته على الاقل يعمل 5 ايام ليحصل على اجرة الباص ونحوه من اكل وشرب..
وياحسرتي ... عبد الله شاب فقير لايملك مال ويعتمد على وجبات طعام الوحدة بخلاف الجنود الباقين وبعض الجنوداولاد الاغنياء الذين ينزلون الى اهلهم كل فترة قصير ..
فقلت .. وماذا حصل له هنا ؟
فقال وفي يوم من الايام ارد عبد الله ان ينزل الى اهله لانه اشتاق الى عمته وزوجها والى اصدقائه في المحله والى طعام البيت النظيف ...
فلم يكن امامه الا بان يدخل المستشفى لياخذ اجازة ...
ولكن ... كيف ياخذ اجازة ويدخل المشفى وهوصحيح البنيةويخاف ان علموبكذبه يسجنوه لانهم ظالمين كما تعلم يا ابواسودي ..
فقلت .. أي وبعد ..
فقال .. وكان الضابط في وحدته فيه مرض (السل ) وقد شارف على الشفاء منه ..
وهنا جاءت خطة قاصمة للظهر ومنهية لحياة الشاب !
فكر عبد الله ... هذا هو الحل الوحيد ؟؟
هو ؟؟ ان ألتهم (بصاق) اجلكم الله الضابط لانه بين لحظة واخرى يخرج من غرفته ليبصق على الارض ويدخل !!
وفي صبيحة يوم بارد ... استعد الانتحاري عبد الله الفقير الى تلقف كرة النار المؤدية الى وادي النجف الاشرف .... ليستريح جوار امامه روحي فداه ويستريح من هم الدنيا وغمها ....
اخرج الضابط راسه من غرفته ... وعبد الله ينتظر طلته (السلية) ليفطر بجرعة الموت !!
بصق الضابط وانتظر قليلا واخذ نفس عميق ...... ودخل مضجعه ..
فتقدم عبد الله خطوات ... وهو يفكر لايحجزني بيني وبين الاجازة الموعودة ورؤية احبتي الا هذه الوجبة القليلة ...!
انحنى ... ورفعها باصبعه الثلاثة واغمض عينيه والتهما ... فكانت الطامة ..
وبعدها بانت عليه علامات السل وبدؤا ينقلوه من مشفى الى عيادة وهكذا الى ان سلموه الى اهله لعلمهم بان حالته منتهية لا محاااااااااااالة !!
فقلت .. انا لله وانا اليه راجعون ... ماذا فعل بنفسه الا لعنة الله على ابن الزانية صدام .
وبعدها سلمت على عمي واولاده وتركتهم لانه ستكون زيارتي يوميا الى ان يمن الى تعالى على عمي بالشفاء ..
وفي اليوم الثاني لماستطع الذهاب لامر طارئ فارسلت اخوتي بدلا عني ..
وبفضل الله تعالى استطعت ان اذهب في اليوم الثالث ....
فدخل صباحا على عمي وكان ينعم الشفاء ... وهو يبتسم بعينيه ... وهذه عادته لايبتسم بوجناته اويظهر بياض اسنانه ..
واخذنا الكلام والفرح يرتسم على وجوه ابناةعمي وامهم ...
وبعد طول الكلام .. والتمني والسؤال عن الاحوال ...
همس ابن عمي (سجاد ) في اذني ... (اسامة ) .. لم تسال عن عبد الله ؟!
فقلت .. أووووه .. لعنة الله على الشيطان الرجيم ..
اين عبد الله ..لايوجد على سريره هل اخرجوه ؟..... هل نقلوه الى مشفى اخر ؟
لا حول ولا قوة الا بالله.. مؤثرٌ ومحزن
ان يتخلص المرء من الظلم بهكذا طريقة
مفجعة نسأل الله ان يتغمده برحمته..
شكراً جزيلاً لما قدمته لنا عبر هذه القصة
سلمت وتحيه طيبه لك..