داعِشُ ليس هو الشيصباني
_______________________
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
لقد كثرتْ التطبيقات في وقتنا المُعاصر لما جرى من أحداث فظيعة و إرهابية بشعة في سوريا والعراق على يد داعش .
حتى راح البعض يزعم أنَّ تنظيم داعش هو الشيصباني و هو إسم أو وصفٌ للطاغوت المعادي لمذهب أهل البيت المعصومين .
والذي ذكرته الرواية بأنه يظهر قُبيل السفياني ويقتل أتباع أهل البيت ويفتك بهم وبسرعة وكثرة .
والرواية هي( حدثنا أبو سليمان أحمد بن هوذة الباهلي ، قال : حدثنا إبراهيم بن إسحاق
النهاوندي بنهاوند سنة ثلاث وسبعين ومائتين ، قال : حدثنا أبو محمد عبد الله بن حماد الأنصاري سنة تسع وعشرين ومائتين ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر الجعفي
قال :
سألتُ أبا جعفر الباقر ( عليه السلام ) عن السفياني
فقال : وأنى لكم بالسفياني حتى يخرج قبله الشيصباني ، يخرج من أرض كوفان ، ينبع كما ينبع الماء ، فيقتل وفدكم ، فتوقعوا بعد ذلك السفياني ، وخروج القائم ( عليه السلام ) )
: الغيبة: النعماني:ص314.
إنَّ هذه الرواية هي رواية ضعيفة السند إذ أغلب رواتها غير موثّقين عند علماء الرجال من المتقدمين .فضلاً عن كونها من أخبار الأحاد والتي لم تبلغ حد التواتر
هذا وقد أثبتَ علمائنا القدماء كالشيخ المفيد :رحمه الله تعالى:عدم حجيَّة خبر الواحد في الدين خاصة العقيدة
وقال مانصه
(لايجب العلم ولا العمل في شيء من أخبار الآحاد ولايجوز لأحدٍ أن يقطع بخبر الواحد في الدين إلاَّ أن يقترن به ما يدل على صدق راويه على البيانوهذا مذهب جمهور الشيعة وكثير من المعتزلة والمُحكمة وطائفة من المرجئة
وهو خلاف لما عليه متفقهة العامة وأصحاب الرأي )
:أوائل المقالات في المذاهب والمختارات:المفيد:ص142:
إذاً ينتج من ذلك هو عدم حجية الأخذ بخبر الواحد والذي لايفيد إلاّ الظن في أصول العقيدة ومثله هذه الرواية في وقتٍ يتطلبُ الإعتقادُ بأصول الدين ومسائله العقدية إذعاناً وتصديقاً قلبياً يورث اليقين عند صاحبه
والظن الحاصل من خبر الواحد هنا لا يورث إذعاناً عند العقل أبدا
فضلاً عن أنَّ الايات القرآنية الشريفة قد نهت عن اتباع الظن في البعد العقدي
كقوله تعالى
إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون)(الأنعام:116)
أو قوله سبحانه
وما يتبع أكثرهم إلا ظناً إن الظن لا يغني من الحق شيئاً)(يونس:36)
وإنَّ عدم حجية الظن في القضايا العقدية لا يفرق فيها بين الأصول العقدية التي يجب فيها تحصيل اليقين
كالأصول الخمسة المشهورة(التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد)
أو فروع العقيدة كشاهد الرواية محل البحث
فالأصول والفروع كلاهما يحتاجان إلى اليقين بهما ومن طريق قطعي لاظني غير معتبر شرعا وعقلائيا .
فمعطى هذه الرواية والتطبيق الموضوعي المعاصر يدور في منطقة الإحتمال بحثاً ونتيجاً .
والحق أنَّ المناط والملاك في حَراك الإنسان المؤمن المُنتَظِر عقدياهو اليقين لا الظن ولا الإحتمال قطعاً .
فضلاً عن وقوع الأحداث المُخبَر عنها روائيا تحت طائلة الصدق والكذب بحكم قانون صحة السند وضعفه .
و حاكميّة قانون البداء الإلهي ( التغيير بحسب مصلحة الوقت والحكمة) في غير المحتومات بل وحتى بعض المحتومات القابلة للبداء وبدليل خاص .
إنّ كل تلك المرتكزات العقدية في أصول التعاطي مع القضية المهدوية حدوثاً وبقاءً تجعلنا على حذر تام في القبول والرفض والتطبيق والموقف والخيار والسلوك
خاصةً والأمرُ يدور مدار الإحتمال لا مدار العلم واليقين
و ممكن تسجيل ملاحظات رئيسة على هذه الرواية منها
:1:
إنَّ معنى لفظة (أرض كوفان) يفيد إسماً شائعاً آنذاك على بلدة الكوفة حصراًوالدليل هو الإنصراف وغلبة الإستعمال والتبادرفلايشمل هذا المصطلح العراق المُعاصر بمعناه الأعم كما هو الحال في خروج داعش في الموصل أو في غيرها .
إذ لازم ذلك أن تكون البصرة (أرض كوفان ) وهذا غير معهود في وقته كونالإستعمال الشائع آنذاك في إرادة غير بلدة الكوفة هو مصطلح (العراقين ) أو بلد السواد .
:2:
إنَّ متن الرواية على فرض صحة صدورها جاء بلسان القضية
الشرطية بمعنى متى ما خرج الشيصباني خرج السفياني ولازم تفسير حركة داعش بكونها نفس الشيصباني أن يخرج السفياني من وقتٍ قريب على الأقل
.
وهذا لم يقع بعد ؟
:3:
يظهر أنّ شخصيّة الشيصباني أو حركته مباينة لشخصية أو حركة السفياني بحكم كونه يخرج من الكوفة فليس بالضرورة أن يتحد مع السفياني أو يكون تحت أمرته ؟
:4:
هناك روايات تشبه هذه الرواية في قبليّة ظهور أشخاص قبل السفياني كخروج المصري واليمانيما يعني ذلك معلومية ومشهورية هذه الشخصيات قبيل ظهور السفياني بوقت واحد وجغرافية متعددة وهذا مالم يتحقق بعد ؟
كما في الرواية( عنه(الفضل بن شاذان) ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن محمد بن مسلمقال : يخرج قبل السفياني مصري ويماني )
: الغيبة :الطوسي :ص447.
:5:
على اساس ما تقدم يجب أن تكون قراءة أحداث ماقبيل الظهور قراءة كليّة ومعيارية طبقاً لجغرافية الحدث ومعطياته لا أن نجتزأ شطرا من الحدث ونُسقط عليه الواقع .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
___________________________
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف