الأمير السيد أحمد هو أخ الإمام الرضا (ع)، وأفضل أولاد أبيه بعد أخيه الإمام علي بن موسى الرضا (ع)، وأورعهم وأتقاهم.
وهو الذي اشترى في حياته ألف عبد مملوك وأعتقهم لوجه الله، ويلقب باللقب المعروف (شاه جراغ) وبعد أن نجاه الله من تلك المعركة، توجه مختفيا مع أخويه إلى شيراز، وأقاموا فيها متنكرين متفرقين.
ونزل السيد أحمد في شيراز عند أحد الشيعة في محلة (سردزك) وهو المكان الذي فيه مرقده الآن، واختفى في بيت ذلك الموالي واشتغل بالعبادة.
وأما (قتلغ خان) فقد جعل العيون والجواسيس في كل مكان لاستقصاء أخبار السادة المشردين والعثور عليهم، وبعد سنة تقريبا عرف مكان السيد أحمد فحاصره مع رجاله، وأبى السيد أن ينقاد ويستسلم لعدوه، فقاتلهم ذابا عن نفسه، وأبدى شجاعة وشهامة هاشمية، أعجبت الناس كلهم، وكان كلما ضعف عن الحرب يلتجئ إلى منزله فيستريح فيه لحظات ثم يخرج ويدافع عن نفسه.
فلما رأى (قتلغ) أنهم لا يستطيعون القضاء عليه عبر المواجهة المسلحة، احتالوا عليه بالدخول إلى بيت جيرانه والتسلل إليه عبر ثغرة أحدثوها من بيت الجيران، فلما دخل السيد بيته ليستريح فيها قليلا، خرجوا وغدروا به، فضربوه بالسيف على رأسه، فخر صريعا، ثم أمر(قتلغ خان)، فهدموا البيت على ذلك الجسد الشريف وبقي تحت التراب والأنقاض.
ولما كان أغلب الناس في ذلك الزمان من المخالفين، ولم يكونوا شيعة لآل محمد (ص) إلا القليل منهم، وذلك على أثر الأكاذيب التي كانت تنشر بواسطة الدولة ورجالها ضدهم، لم يرعوا حرمة ذلك المكان، ولا حرمة الجسد الشريف، ولم يرقبوا فيه رسول الله (ص) بل تركوه مدفونا تحت الأنقاض وأكوام التراب
اكتشاف الجسد الشريف::
وفي أوائل القرن السابع الهجري دخلت شيراز في ظل حكومة الملك أبي بكر بن سعد مظفر اليدن، وكان مؤمنا صالحا يسعى لنشر الدين الإسلامي الحنيف، ويكرم العلماء، ويحترم المؤمنين الأتقياء، ويحب السادة الشرفاء، وكما
قيل: (الناس على دين ملوكهم) كان وزراؤه ورجال دولته مثله ـ أيضاـ مؤمنين أخيار ومنهم: الأمير مسعود بن بدر الدين، وكان كريما يحب عمران البلاد وإصلاح حال العباد، فعُني بتجميل مدينة شيراز وتنظيفها من الأوساخ، وتجديد بناياتها وإصلاح خرائبها، إذ أن شيراز كانت عاصمة ملكهم.
فأمر في جملة ما أمر بإصلاحه، وتجديد البناء فيه ـ إعمار المكان الذي يضم جسد الأمير السيد أحمد منذ قرون، فلما جاء عماله ومستخدموه إلى المكان وانهمكوا بنقل التراب والأنقاض منه إلى خارج البلد، وصلوا أثناء العمل إلى جسد طري لشاب جسيم وسيم، قد قتل على أثر ضربة على رأسه انفلت هامته، فأخرجوه من بين الأنقاض وأخبروا الأمير مسعود بذلك، فجاء هو بصحبة جماعة من المسؤولين للتحقيق في الموضوع.
وبعد الفحص الكثير، والتنقيب عن وجود أثر يدل على هوية الشاب القتيل عثروا على خاتم له كان قد نقش عليه: " العزة لله، أحمد بن موسى " فأذعنوا لما أمروا ذلك ـ إضافة إلى ما كانوا قد سمعوه عن تاريخ ذلك المكان ـ أيضا ـ من أخبار الشجاعة الهاشمية التي أبداها أولاد رسول الله (ص) أنفسهم في الواقعة الأليمة التي دارت هناك وأدت أخيرا إلى شهادة أحمد بن موسى عليه السلام ـ ان هذا الجسد هو جسد الأمير السيد أحمد بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام.
ولما شاهد الناس أن الجسد الشريف قد أخرج من تحت الأنقاض وأكوام التراب وذلك بعد أربعمائة عام من تاريخ شهادته وهو على نضارته طريا لم يتغير، عرفوا أن صاحبه ولي من أولياء الله تعالى، وأيقنوا بحقانية التشيع مذهب أهل بيت رسول الله (ص)، إذ أنه كان من أولاد الرسول وعلى مذهب أهل البيت الذي استشهد في سبيله ومن أجله، فتشيع على أثر ذلك كثير من اهل شيراز.
ثم أمر مسعود بن بدر الدين، أن يدفنوا الجسد الطاهر في نفس المكان الذي عثروا عليه فيه، بعد أن حفروا له قبرا وصلوا عليه، ودفنوه في قبره مجللا محترما بحضور العلماء وأعيان شيراز، كما وأمر أن يشيدوا على مرقده عمارة عالية ذات رحبة واسعة لتكون مأوى للزائرين والوافدين وبقيت كذلك حتى توفي الملك مظفر الدين سنة 658هـ ق.
وفي عام 750هـ لما آلت السلطة على بلاد فارس إلى الملك إسحاق بن محمود شاه ودخل شيراز، كانت أمه معه، وهي الملكة (تاشي خاتون) وكانت امرأة صالحة، فتشرفت بزيارة ذلك المرقد الشريف، وأمرت بترميم الروضة المباركة وإصلاحها، كما وأمرت ببناء وتشييد قبة جميلة جدا فوق مرقده، وجعلت قرية (ميمند) الواقعة على بعد ما يقرب من ثمانين كيلو مترا عن مدينة شيراز وقفا عليه، وأمرت بأن يصرف واردها على تلك البقعة المباركة، وهي باقية إلى يومنا هذا، حيث يعمل المتولون لها على قرار الوقف وينفقون واردها في شؤونه، ومحصولها حتى اليوم: ماء ورد معروف بجودته وطيبه في العالم.