(يا ليتنا كُنَّا معكم سيدي.. فنفوز فوزاً عظيماً)
كلماتٌ يرددها الخطباء على قمم منابر الحسين (عليه السلام)، يفتتحون بها مجلس العزاء، وكأنَّهـا البسملة قبل تلاوة آيات الكتاب العزيز..
ما إنْ يُطلقها الخطيب بصوته، حتى تحتضنها أسماع الحضور، لتردد صداها ألسنتهم، وتعتصر لها قلوبهم..
ولكن ..
هل من طريق لتحقيق هذه الأمنية؟
أم ستبقى قلوبنا أسيرة الندم ورهينة الحسرات والزفرات لفوات فضل نُصرة الحسين (عليه السلام)؟!!
هل من طريق لإدراك هذا الفضل فنبشِّر أنفسنا بحيازته كما حازه جابر بن عبدالله الأنصاري (رضوان الله عليه) فنقول كما قال: (أشهد بأنَّا معكم)؟!
بالتأكيد يمكننا إدراك ذاك الفضل العظيم؛ لإنَّ فضل الله تعالى لا يحدُّه زمانٌ أو مكان..
بل إنَّ الطريق لذاك الفضل واسع فسيح.. حيث أشارت الروايات إلى أنَّ أهل البيت (عليهم السلام) كلهم سُفُن نجاة، ولكنَّ سفينة الحسين أوسع..
والآن..
آن لك أن تسألني متشوِّقاً عن هذا الطريق.. لنُطَمْئِنَ أنفسنا بأنْ قد بلغنا المُراد..
أيها العزيز..
إنَّ الحسين (عليه السلام) لم يمُت.. بل هو خالدٌ خلود الخير والعطاء.. خلود الحرية والفداء..
وكذلك يزيد لم يمُت.. بل هو باقٍ ما بقي الشر والاستعباد.. باقٍ ما بقي الكفر والاضطهاد..
وكذا ساحة الطف باقية ما بقي الخير والشر يصطرعان على عرصاتها..
لقد انتهت معركة الطف الواقعية يوم العاشر.. لينتصر الحسين (عليه السلام) بدمه على عشرات الآلآف من السيوف والرماح.. فيتحول الحسين (عليه السلام) إلى رمزٍ للخير والحرية.. وليُمسَخَ يزيد رمزاً للشر والاستعباد..
وأنت أيها العزيز..
يصطرع في نفسك الخير والشر..
بمعنى..
إنّ في ذاتك حرباً طاحنةً تدور بين الحسين (عليه السلام) ويزيد..
أما كربلاؤها فهي ساحة نفسك..
لقد آن لك أن تنصر الحسين (عليه السلام)، فاعدد عدتك وعتادك والتفت إلى هذه الحرب التي اشتعلت بين الحسين (عليه السلام) ويزيد منذ وعيك الوجود في الدنيا..
عليك أن تلتفت أيها العزيز إلى أنّ كل معصية تُقْدِمُ عليها هي حجرٌ يصك جبين الحسين (عليه السلام).. وكل نظرة محرّمة تختلسها عيناك هي سهم مثلث يخترق قلب الحسين (عليه السلام).. وكل جُرْمٍ تُقارفه جوارحك هو نراجعٌ تُلحقه بجيش الحسين (عليه السلام)..
لقد سُفِك دمُ الحسين (عليه السلام) لأجل قيم الدين ومبادِئه.. ولأجل أن تعلو كلمة الله تعالى..
كلمة الله.. هي تلك الكلمة التي تهدي للرشد والمعروف وأداء الواجبات والطاعات لله تعالى..
كلمة الله.. هي تلك الكلمة التي تنهى عن الغي والمنكر ومقارفة الكبائر والمعاصي..
فالتفت أيها العزيز إلى هذه الحرب الضروس.. حيث لازال يزيد اللعين (عبر جنوده من تسويلات الشيطان والنفس الأمارة بالسوء) يسعى إلى قتل حسين نفسك (المتمثِّل في مبادئ الدين وطاعة أوامر الله تعالى)..
لندرك فضل نُصرة الحسين (عليه السلام) علينا أن ننصر مبادئه وقيمه التي دفع ثمنها دمَهُ المقدس، ودم أهل بيته وأصحابه..
تذكَّر أنَّ كل معصية هي خنجر يُغرسُ في جسد الحسين (عليه السلام).. وخيانةٌ للأمانة التي أوصلها لنا بدمه.. ألا وهي (الدين)!!
نسأل الله تعالى أن يُوفِّقنا إلى نُصرة الحسين (عليه السلام) في ساحة أنفسنا لنكون على أُهبة الاستعداد لنصرة مولانا صاحب الأمر (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)..
ولتكون أنفسنا أنفساً إلهيةً حسينيةً فدائيةً تفدي الإمام بجميع ما تملك في سبيل الدفاع عنه وعن مبادئ الدين المكلَّف بحفظها وتبليغها.. السلام على الحسين..
وعلى علي بن الحسين..
وعلى أولاد الحسين..
وعلى أصحاب الحسين..
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته