في البيت الواحد تختلف نظرة الأطفال الأشقاء تجاه النقود من فرد لآخر.. بالرغم من اتفاق الوالدين في طريقة التوجيه ورغبتهما في تربية أطفال مسئولين يجيدون التصرف في المال ويقدرون أهميته، وينفقون باعتدال دون إسراف أو بخل .
وقد يرجع ذلك ـ كما يرى الخبراء - لطبيعة المرحلة العمرية التي يمر بها الطفل، فالطفل ذو العامين وبمجرد معرفته للعد يستطيع إدراك الدور الذي يقوم به المال فيعي أن العملة تجلب له ما يريد، وقد يغرم بالمال إذا ما ربط بينه وبين ما يحققه له من سعادة، خصوصاً إذا ما حاول الوالدان إيصال هذه المعلومة عملياً، ثم يتطور هذا التفاعل مع مرور الأيام وفقا لطريقة الوالدين في تعليم الطفل.
وفي المرحلة بين عامين وأربعة أعوام يمكن تطوير إدراك الطفل للمال بانتقاء الألعاب التي تنمي هذه المهارة، أو باصطحابه لمراكز التسوق وإشراكه في عملية الشراء، كما يمكن تعويده على ضبط العملة الشرائية بتأجيل بعض المشتريات حيناً.. ورفض بعضها حيناً آخر باستعمال عبارات مثل: "ليس الآن"، "هذا لا نحتاجه"،"اليوم هو يوم شراء حاجات المنزل"، ويمكن عقد اتفاق مسبق قبل الخروج من المنزل يوضح أن الخروج سيكون لشراء ملابس الشتاء مثلاً، أو لقضاء حاجات البيت، أو لشراء هدايا العيد، وهكذا.. حتى لا يصاب الطفل بالهوس الشرائي.
متى يعطى الطفل مصروفا؟
يرى خبراء التربية أن أفضل طريقة ليتعلم الطفل إدارة المال هي تخصيص مصروف يومي ثابت له، كما يرون أن دخول الطفل المدرسة يعد أفضل توقيت للبدء، وغالباً ما يكون ذلك بين 5 و 6 سنوات، على أن يعطى مصروفاً مناسباً، وهذا لا يعتبر كثيراً, لأنه سيوفر غالباً معظم المشتريات الجانبية على الوالدين.
وتجدر الإشارة إلى أن زيادة مصروف الطفل بعد فترات متباعدة من الأمور التي ترفع معنوياته.. وفي الوقت نفسه يعتبر الحرمان الجزئي من المصروف أسلوباً تربوياً جيداً للعقاب على سوء التصرف، أو كسر قوانين المنزل.
ولتحقيق نتائج إيجابية ينصحك التربويون بالتالي:
- يعطى الطفل أول مصروف له في جو احتفالي بسيط، مثل اجتماع الأسرة بعد الغذاء، ويعلن فيه استلام فلان من الأولاد أول مصروف له لبلوغه السن المناسبة، ولأنه أصبح يحسن التصرف فيه.
- يشارك أفراد الأسرة بآرائهم حول أهمية الادخار وكيفيَته.
- يقسم مصروف الطفل إلى وحدات صغيرة؛ ليسهل عليه استعمالها وليقلل من نسبة الصرف.
- على الوالدين عدم السيطرة على طريقة صرف الطفل لمصروفه، والمطلوب هو التوجيه لا التحكم, لأن شعور الطفل بسيطرة الوالدين على مصروفه يفقده الرغبة في التوفير. ويوجه الطفل ابتداءً على كيفية استخدام المال بطريقة الاقتراح وبالنقاش المثمر، فعلى سبيل المثال يطرح عليه بعض الأسئلة:
ماذا ستفعل بمصروفك؟
سأشتري لعبة و..... و...... .
وإذا نفذ مصروفك قبل نهاية الأسبوع؟
!! ................
لماذا لا تقسم مصروفك: جزءاً للصرف اليومي، وجزءاً للادخار، وجزءاً للمشتريات؟ وهكذا.
هذا النقاش يحفز ذهن الطفل للتفكير في طريقة جيدة تنظم مصروفه، وحينها قد يطلب رأيك في الطريقة المثلى لتوزيع المصروف..
- وبعد وضع الخطوط العريضة لطريقة الصرف اتركيه يخطئ ويتحمل النتيجة.. فإذا نفذ مصروفه قبل نهاية الأسبوع لا تدعميه بأية مساعدات مالية، بل دعيه يتحمل النتيجة دون تأنيب أو تعليق، وهذا يعلمه حرية الاختيار وتحمل المسؤولية.
- لا تحقري شيئاً من مشترياته، فهي تعني له الكثير حيث يشعر بالانتصار عندما يشتري من مصروفه الخاص.
- اغرسي فيه بالقدوة والنقاش المثمر أننا نشتري ما نحتاج لا ما نحب.
- أرشديه إلى توفير جزء من مصروفه، وسيشعر الطفل بسحر التوفير كلما زاد رصيده وتمكن من توفير احتياجاته.
استثماري صغير
عند انتقال الطفل للمرحلة العمرية بين 7 و 8 سنوات، وهي ما تسمى بمرحلة الإقدام وحب المغامرة، نجد الطفل يرغب في الاستثمار.. كبيع بعض الأشياء ..
يقول التربويون إن هذه المرحلة العمرية هي أنسب سن لتعليم الطفل عادات الاستهلاك الجيدة، وفيها يستطيع الاستقلال بقراراته المادية، كما يميل إلى التقليد في طريقة الصرف، فقد يميل إلى طريقة عمه أو جده أو أحد والديه، وهكذا.. كما يهوى كسب المال من عمل يده.
ويؤكد خبراء الاقتصاد أن معظم الناجحين وأكبر زعماء المال بدؤوا بمشاريع طفولية. هذا النوع من الكسب له مردود عظيم على الطفل، ليس من الناحية المادية وإنما باعتباره تجربة لتنمية وصقل شخصيته، وغرس لقيمة العمل وتنمية لمهاراته، وفوق ذلك يتعلم درساً مهماً.. وإن كانت معظم الأسر تزدري وتأنف أن يعمل الطفل مما أنتج جيلاً يحب البطالة ويبغض العمل ويتسم بالاتكالية .
شجعيه ولكن....
يمكن تشجيع رغبة الطفل في كسب المال بتخصيص مكافآت لبعض الأعمال كزراعة الحديقة لكن لا تعطيه أجراً مقابل شيء من واجباته الأساسية، أو أن يعطى مالاً لأنه مهذب أو منظم حتى لا يكون ذلك سبيلاً لتعلم الرشوة.
من سن 9 إلى 12 يفترض أن يمتلك الطفل خبرة في التصرف في المال. ويتطلع الوالدان أن يوازن الطفل بين احتياجاته ورغباته، وهذه تعتبر من القضايا المهمة لمفهوم المال، وإذا ما استقرت هذه الموازنة انتفت صفة كفران النعمة أو البطر وعدم القناعة.. وتنتج هذه الموازنة منغرس مفهوم "نشتري ما نحتاج لا ما نحب" بالإضافة إلى توفير احتياجات الطفل فلا نحمله أن يشتري من مصروفه ملابس أو طعاماً، الأمر الذي يحقق له اكتفاء ذاتياً، ويترك له مساحة للتفكير في التوفير أو الاستثمار..
وفي هذه المرحلة يتفهم الطفل فكرة وضع ميزانية لمصروفاته فيمكن إرشاده إلى تقسيم مصروفه إلى أقسام:
30% توفير بعيد الأجل للتخطيط لمشاريع أو مشتريات أو استثمارات مستقبلية.
30% توفير قصير الأجل.. لنهاية الأسبوع
30% مصروف جيب
مقترحات تشجيع الطفل على التوفير:
* وضع حصالة شفافة يرى من خلالها مقدار ما وفره.
* مساعدته على فتح حساب خاص في البنك.
* تنمية ماله في مرابحة أو مضاربة أو أسهم في شركات يعي مشاريعه.
يقول علماء النفس إن الأهل هم المعلم الأول للطفل يتعلم منهم السلوك واللغة والخبرات والمعارف, ويتعلم منهم كيف يكون التعلم والاختبار وحل المشكلات, ومن الأهل يحدد الطفل موقفه إما أن يصبح محبا للتعلم وتحصيله والإقبال عليه, أو يكون كارها له غير آبه به ...... وكم يكون جميلا لو توصلنا إلى منهج ملائم ومناسب نسير عليه للوصول إلى هذه الغاية ويصلح لكل الآباء وكل الأطفال, ولكن يبدو انه ليس من السهولة بمكان أن نجد نظاما يصلح لكل الناس في كل زمان ومكان. ولعل من أهم الملاحظات لتنشئة الطفل عقليا كما يراها علماء النفس:
1. الرضاعة الطبيعية والاهتمام بالتغذية والصحة لأن العقل السليم في الجسم السليم.
2. حنان الأم وعطفها من المنبهات التي تنمي قدراته العقلية فلابد من إشباعها لينشأ نشأة فيها اطمئنان وأمن وسعادة.
3. يحتاج الطفل إلى أسرة متآلفة ليعيش حياة هانئة, تنمي عنده عامل الثقة بنفسه, وبقدراته, فيصبح إذا ما كبر وبلغ سن النضج مواطنا صالحا ذا قدرة وكفاية في التعامل مع متطلبات الحياة.
4. تعويده على النظام و الانضباط بالوقت، وترتيب سلّم الأولويات، وعدم خرقه حتى يكون أمراً ذاتيا ينبع من ذواتهم لأن ذلك يعلمه الالتزام والصبر .
5. وقد بينت الأبحاث أن الحزم المقرون بالمودة يؤدي إلى رفع كفايتهم مما يجعلهم قادرين على تحمل المسئولية, وان استخدام العقل والمنطق وحدهما دون أن يصاحبهما الحزم يوحي للطفل بأننا غير جادين في ما نقول أو نعمل فيلجأ إلى التحلل من تبعاته تجاهنا.
6. التشجيع والمديح ولا نسرف أو نبالغ فيهما.
7. تجنب لغة الانتقاص والاستهزاء والتجريح والتحقير وتفضيل الآخرين عليه.
8. إن إصرار الآباء على أن يكون الطفل هو الفائز الأول لأمر له خطورته ويجلب المشاكل للآباء والأبناء, فعلينا أن نعود ه كيف يتعامل مع النجاح وكيف يتعامل مع الفشل ما دامت طبيعة الحياة تقتضي أن يكون فيها الرابح والخاسر و الناجح والفاشل.
9. اختيار الألعاب المناسبة لقدراته فلا تكون سهلة مملة ولا صعبة معجزة.
10. تعليمه الإصغاء للآخرين ومشاركتهم في الأعمال الهادفة.
11. تعويده احترام الكبار وأنهم مصدر للمعلومات و المعارف.
12. أن تقرأ للطفل من السنة الأولى وتعلمه أن يشير بإصبعه إلى الأشياء الموجودة في الكتاب .
13. تعويد الطفل على السؤال والاستيضاح والإجابة عليها أولا بأول.
14. تعليمه آداب الحوار والمناقشة.
15. لا تمنع الطفل من حضور مجالس الكبار.
16. على كل عائلة أن تتيح للأطفال أن يشاركوا في التخطيط الاجتماعي للمستقبل خصوصا فيما يهمهم من شئون, ولا بأس أن تبقى الكلمة العليا في كل ذلك للأبوين.
17. إن الأب المتشدد في رعاية أبنائه متأثر بالأسلوب الذي نشأ وتربى عليه فيتصف بالقسوة والخشونة وقلما يسمح لطفله بحرية الحركة أو إبداء الرأي معتقدا أن بإمكانه أن يجر الحصان إلى نبع الماء وغاب عنه انه إن فعل فليس بمقدوره أن يجبره على أن يشرب, وهذا سيؤدي بالطفل عاجلا أو آجلا أن يرفع في وجهه راية العصيان والتمرد.
18. إذا كان المجتمع يرغب في خلق قادة في مختلف ميادين الحياة فلا بد أن يكون فيه مجلس لرعاية الطفولة وتنمية قدراتها وملكاتها وكل ما له علاقة بحياة الطفولة الآنية والمستقبلة باعتبارهم بناة المستقبل وعماده .