إذا ًتشير الآيات السابقة إلى أنّ الأمة الوسط الذين جعلهم الله شهداء على الناس في قوله تعالى : {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} هي نفسها الأمة المسلمة التي من ذرية إبراهيم من فرع إسماعيل دون بقية المسلمين في قوله تعالى : {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك} تلك الذرية التي وجبت لها الإمامة في قوله تعالى : {إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي}.
وهنا لابدّ لنا من توضيح بعض الكلمات التي وردت في الآيات السابقة :
1 - الأمة : أي الجماعة التي تتشابه في الصفات سواء ً قلــّت هذه الجماعة أو كثرت، وهذا ما نجده في قوله تعالى : {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحداً ونحن له مسلمون * تلك أمة قد خلت..}، وكما هو واضح، فإنّ الآية قد عبّرت عن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وأبناء ه بالأمة.
2 - الإسلام : فقد أطلق الإسلام هنا وأريد به المعنى اللغوي، أي التسليم لأمر الله.. ولكن ليس أيّ تسليم، وإنما التسليم المطلق لله، والذي يعني الاصطفاء.. وهذا ما نجده أيضاً في قوله تعالى : {ولقد اصطفيناه في الدنيا...* إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين}.. فقد فسّرت هاتين الآيتين التسليم بالاصطفاء، ومن الواضح بأنّ الاصطفاء هو مأخوذٌ من صفوة الشيء أي خلوه من الشوائب.. فلابدّ إذاً أن يكون التسليم تسليما مطلقاً، لينسجم مع معنى الاصطفاء الذي يستبطن العصمة.
إذاً، إن المقطع القرآني السابق يشير إلى أنّ هناك جماعة ً مصطفين من ذرية إبراهيم من فرع إسماعيل، قد وجبت لهم الإمامة من الله أحدهم نبي وهو محمد (ص) والآخرون شهداء وحجج على الناس من بعده.
1 - عن الصادق (ع) قال : (إنّ الله اتخذ إبراهيم عبدا ً قبل أن يتخده نبياً، وإنّ الله اتخذه نبيا ً قبل أن يتخذه رسولاً، وإنّ الله اتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً، وإنّ الله اتخذه خليلا ً قبل أن يتخذه إماماً.. فلما جمع له الأشياء قال : {إني جاعلك للناس إماماً}.. قال ومن عظمها في عين إبراهيم قال : {ومن ذريتي} قال : {لا ينال عهدي الظالمين}، قال : لا يكون السفيه إمام التقي). الكافي ج1 ص174
2 - عن الصادق (ع) قال : (قد كان إبراهيم نبياً، وليس بإمام حتى قال الله تبارك وتعالى : {لا ينال عهدي الظالمين} من عبد صنماً أو وثناً لا يكون إماماً). الكافي ج1 ص176
3 - عن النبي (ص) قال : (أنا دعوة أبي إبراهيم، قلنا : يا رسول الله، وكيف صرتَ دعوة أبيك إبراهيم؟.. قال : أوحى الله - عزّ وجلّ - إلى إبراهيم : {إني جاعلك للناس إماماً} قال فاستخفّ إبراهيم (ع) الفرح، قال : يا رب ومن ذريتي أئمة ًمثلي؟.. فأوحى الله - تعالى - إليه أنْ يا إبراهيم إني لا أعطيك عهداً لا أفي لك به، قال : يا رب وما العهد الذي لا تفي لي به؟.. قال : لا أعطيك للظالم من ذريتك عهداً، قال عندها : يا رب ومن الظالم من ذريتي؟.. قال له : من يسجد للصنم من دوني يعبدها، قال إبراهيم عند ذلك : {واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام * ربّ إنهنّ أضللنَ كثيرا ًمن الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفورٌ رحيم}.. فقال النبي (ص): فانتهتْ الدعوة إليّ وإلى علي، لم يسجد أحدنا لصنم ٍ قط، فاتخذني نبيـّاً، واتخذ علياً وصياً). بحار الأنوار ج38 ص134
4 - عن النبي (ص) قال : (... إنّ الله قال لإبراهيم لا أعطيك عهدا ً للظالم من ذريتك، قال : يا رب ومن الظالم من ولدي الذي لا ينال عهدك؟.. قال من سجد لصنم ٍ من دوني، لا أجعله إماماً أبداً، ولا يصلح أن يكون إماماً). بحار الأنوار ج25 ص191
5 - عن الرضا (ع) قال : (إنّ الإمامة خصّ الله - عزّ وجلّ - بها إبراهيم الخليل بعد النبوة والخلة، مرتبة ً ثالثة ً، وفضيلة ً شرّفه الله بها، فأشاد بها ذكره فقال عزّ وجلّ : {إني جاعلك للناس إماماّ}، فقال الخليل سروراً بها : {ومن ذريتي}؟.. قال الله عزّ وجلّ : {لا ينال عهدي الظالمين}.. فأبطلتْ هذه الآية إمامة كل ظالمٍ إلى يوم القيامة، وصارت في الصفوة ثم أكرمه الله - عزّ وجلّ - بأن جعل في ذريته أهل الصفوة والطهارة، فقال تعالى : {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة ً وكلا ًجعلنا صالحين * وجعلناهم أئمة ً يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين}.. فلم تزل في ذريته يرثها بعضٌ عن بعض ٍ قرناً فقرنا ً حتى ورثها النبي (ص) فقال الله عزّ وجلّ : {إنّ أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين}، فكانت له خاصة ً فقلدها عليا ً (ع) بأمر الله، على رسم ما فرض الله، فصارتْ في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان بقوله عزّ وجلّ : {وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث...}، فهي في ولد علي ٍ (ع) خاصة ً إلى يوم القيامة....). الكافي ج1 ص199
6 - قال رسول الله (ص): (إنّ الله اصطفى إسماعيل من ولد إبراهيم، واصطفى كنانة من بني إسماعيل، واصطفى قريشاً من بني كنانة، واصطفى هاشماً من قريش، واصطفاني من هاشم). بحار الأنوار ج16 ص323
7 - عن الصادق (ع) قال : (المراد بالأمة بنو هاشم خاصة ً، وإنما خصّ بعضهم لأنّ الله - تعالى - أعلم إبراهيم أنّ في ذريته من لا ينال عهده، لما يرتكبه من الظلم). بحار الأنوار ج12 ص87
8 - عن الصادق (ع): (قال : قلتُ له : أخبرني عن أمة محمدٍ من هم؟.. قال : أمة محمدٍ بنو هاشم خاصة ً، قلت : فما الحجة في أمة محمدٍ، أنهم أهل بيته الذين ذكرتَ، دون غيرهم؟.. قال : قول الله : {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل...* ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة ً مسلمة ً لك...}.. فلما أجاب الله إبراهيم وإسماعيل، وجعل من ذريتهما أمة ً مسلمة ً، وبعث فيها رسولا ً منها يعني من تلك الأمة، يتلوا عليهم آياته ويزّكيهم ويعلـّمهم الكتاب والحكمة، ردف إبراهيم دعوته الأولى بدعوته الأخرى، فسأل لهم تطهيرهم من الشرك، ومن عبادة الأصنام، ليصحّ أمره فيهم، ولا يتـّبعوا غيرهم فقال : {واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام...}، فهذه دلالة ٌ أنه لا تكون الأئمة والأمة المسلمة التي بُعِثَ فيها إلاّ من ذرية إبراهيم وإسماعيل (ع) من سكان الحرم، ممن لم يعبد غير الله قط). بحار الأنوار ج24 ص154
9 - عن الإمام علي (ع) قال : (... قال الله عن إبراهيم وإسماعيل وهما يرفعان القواعد من البيت : {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة ً مسلمة ً لك...} فنحن الأمة المسلمة، وقال : {ربنا وابعث فيهم رسولا ً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم...}، فنحن أهل هذه الدعوة، ورسول الله منا، ونحن منه، بعضنا من بعضٍ، وبعضنا أولى ببعضٍ في الولاية والميراث {ذرية ٌ بعضها من بعض}، وعلينا نزل الكتاب وفينا بُعث الرسول، وعلينا تليت الآيات، ونحن المنتحلون للكتاب والشهداء عليه والدعاة إليه والقوّام به...). بحار الأنوار ج33 ص137
10 - عن الباقر (ع) في قوله تعالى : {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً...} قال : (نحن الأمة الوسط، ونحن شهداء الله - تبارك وتعالى - على خلقه، وحججه في أرضه). الكافي ج1 ص191
11 - عن الصادق (ع) في قوله تعالى : {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً...}، قال : (هم الأئمة). بحار الأنوار ج23 ص343
12 - عن الصادق (ع) في قوله تعالى : {وكذلك جعلناكم أمة ًوسطاً...}، قال : (فإن ظننت أنّ الله عنى بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحدين، أفترى أنّ من لا تجوز شهادته في الدنيا على صاع ٍ من تمر، يطلب الله شهادته يوم القيامة، ويقبلها منه بحضرة جميع الأمم الماضية!.. كلا لم يعنِ الله مثل هذا من خلقه، يعني الأمة التي وجبت لها دعوة إبراهيم). بحار الأنوار ج23 ص350
13 - عن الباقر (ع) في قوله تعالى : {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً...}، قال : (ولا يكون شهداء على الناس، إلا الأئمة والرسل.. فأما الأمة فإنه غير جائزٍ أن يستشهدها الله - تعالى - على الناس، وفيهم من لا تجوز شهادته في الدنيا على حزمة بقل). بحار الأنوار ج23 ص351
اللهم صلى على محمد و آل محمد الطيبين الطاهرين
مشكورة اخي الكريم مرتضى على هذا الطرح الرائع
تسلم الأنامل اللي نقلته
يعطيك ألف عافية و ما قصرت
بارك الله فيك و بإنتظار جديدك..
اللهم صلى على محمد و آل محمد الطيبين الطاهرين
مشكورة اخي الكريم مرتضى على هذا الطرح الرائع
تسلم الأنامل اللي نقلته
يعطيك ألف عافية و ما قصرت
بارك الله فيك و بإنتظار جديدك..
بارك الله بكم اخي الفاضل أحساس ونسال الله ان يثبتنا واياكم على حب محمد وعلي وال محمد صلوات الله عليهم اجمعين وان يرزقكم وايانا من واسع علوم اهل البيت عليهم السلام وشكرا لمروركم