بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ }
· مقدمة
كلنا قد سمع بحرمة الغيبة ولكن البعض قد يجهل معنى الغيبة الحقيقي وتصنيفها بين الذنوب ومواردها وأنواعها فأحببت أن اتناول هذه المسائل في موضوع متكامل كي يكون حجة علينا أمام الله فلا يعتذر معتذر غداً عن جهل او قصور
· معنى الغيبة
الغيبة من أخطر الأمراض التي تصاب فيها المجتمعات ويُعتبر إستفحالها دليل على التدني الحاد في المستوى الأخلاقي على الصعيد الإجتماعي والفردي وهي تدل على إنعدام التآلف والوحدة بين أفراد المجتمع الواحد مما ينتج عنه إنهيار حتمي لهذا المجتمع
وحقيقة الغيبة أن يذكر المسلم اخاه في غيبته بما يكرهه سواء أكان الذكر صراحة أم كناية أم إشارة وسواء أكان ذلك في دينه أم دنياه والأخطر من هذا أن يكون ما يذكره ليس فيه أصلاً فيتحول إلى بهتان وإفتراء وهو عند الله أعظم
قال النبي (ص) : هل تدرون ما الغيبة ؟
قالوا : الله ورسوله أعلم
قال : ذكرك أخاك بما يكره
قال : ارايت إن كان في أخي ما أقول ؟
قال : إن كان فيه ما تقول فقد إغتبته فإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته
وقال الصادق (ع) : "الغيبة هي أن تقول في أخيك مما قد ستره الله عليه فأما إذا قلت ما ليس فيه فذلك قول الله {.... فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } "
· تصنيف الغيبة بين الذنوب
الغيبة هي أول الذنوب التي ثبت أنها من الكبائر بدليل الوعيد بالعذاب الذي توعد به المغتاب في القرآن الكريم والروايات الشريفة وقد بين الله بشكل واضح تجسد هذا العمل الخبيث أنه بمنزلة أن يأكل الإنسان لحم أخيه ميتاً
روي عن عائشة قالت : "إني قلت لإمرأة مرة وأنا عند النبي (ص) إن هذه لطويلة الذيل فقال لي :: الفظي الفظي فلفظت مضغة لحم "
وإليكم هذه الرواية التي تقشعر منها الأبدان
قال النبي (ص) : "من مشى في غيبة أخيه وكشف عورته (أي فضح ما ستره الله مهما كان ) كانت أول خطوة خطاها وضعها في جهنم وكشف الله عورته على رؤوس الخلائق ومن إغتاب مسلماً بطل صومه ونقض وضؤه فإن مات وهو كذلك مات مستحل لما حرّم الله "
· دلالات الغيبة
تدل آفة الغيبة على العديد من العلامات في شخصية المغتاب منها
1- العجزعن فعل أمر ما يبادر إليه الآخر وينجح فيه ينتج عنه حسد وخبث دفين يعبر عنه المغتاب من خلال الغيبة
2- النفاق في التعامل مع الناس فيظهر أمام الآخر شيء ويستبطن له شيء آخر
3- الرعونة وإنعدام التعقل فمن مظاهر العقل صون اللسان
4- اللؤم فكما يقول علي (ع) " من أقبح اللؤم غيبة الأخيار "
5- إشاعة عيوب الآخرين لتبرير عيوبه كما يقول علي (ع) " ذو العيوب يحبون إشاعة معايب الناس ليتسع لهم العذر في معائبهم "
6- الخيانة لأن من يغتاب أمامك الآخرين بالتأكيد هو يغتابك أمامهم
7- التعرض لإرادة الله في خلقه لأن من يغتاب عاهة في الآخرين فهو في حقيقة الأمر يتجاسر على إرادة الله ومشيئته
· موارد الغيبة كما ذكرها الفقهاء
1- ما كان غيبة قطعاً وبنحو متفق عليه وهو إظهار العيب المستور عن السامع وقصد المغتاب الإنتقاص
2- هو نقل العيب ليس بقصد الذم والإنتقاص بل للتفكه وأو من باب الشفقة على سبيل المثال
3- نقل العيب من شخص لآخر يسلم بذلك العيب وإن لم يكن هنا الهدف الحقيقي الإنتقاص لكن الغيبة تحققت هنا قسراً مثال كقول لقب ذميم وهو ما يصطلح عليه بالتنابز بالألقاب
· أنواع الغيبة
من المفيد التأكيد أن الغيبة لا تنحصر باللسان فهذا نوع من أنواع الغيبة فالإيحاء والغمز والإيماء كلها تدخل في أنواع الغيبة ومن أمثلة الغيبة
1- ذكر المسلم في غيبته بنقصان في بدنه كالقول أنه أعور أو قصير او اي صفة أخرى يكرهها
2- ذكر المسلم في غيبته بشيء ينتقص من نسبه كالقول مثلاً : أبوه فاسق أو حتى القول أبوه إسكافي بقصد الإنتقاص مع العلم أنه يكره هذا
3- ذكر المسلم في دينه كالقول لا يحسن الركوع والسجود مثلاً
4- ذكرالمسلم في افعال تتعلق بالدنيا كالقول مثلاً انه كثير الكلام وما شابه
5- الإيحاء روي عن عائشة قالت : " دخلت علينا إمرأة فلما ولت أومأت بيدي (أي قصيرة ) فقال (ص) : لقد إغتبتها"
6- الغيبة بالإشارة اللفظية مثلاً عند ذكر أحدهم يقول المغتاب الحمد لله الذي لم يبتلنا بالتكبر <<< فيكون القصد هنا ذكر وإغتياب هذا الشخص بطريقة غير مباشرة
7- ومن انواع الغيبة أيضاً إظهار المحبة صورياً وإستبطان الغيبة كالقول مثلاً هذا الإنسان جيد ويؤلمني انه أحياناً يوسوس الشيطان له <<< في حقيقة هو ليس صادقاً بمحبته
· إستماع الغيبة
كما أن الغيبة ذنب عظيم ومن الكبائر فالإستماع كذلك قال علي (ع) :" السامع للغيبة كالمغتاب " لإن سماع الغيبة في حقيقة الأمر هو بمثابة قبول نفس السامع لكل الخصائص السيئة التي ذكرناها أعلاه في نفس المغتاب وايضاً تشجيع له فلو لم يكن هناك سامع لم يكن هناك مغتاب والواجب يقتدي إما تنزيه السمع عن الغيبة أو المبادرة الفورية لنهي المغتاب وردعه وأيضاً الدفاع عن الأخ المسلم الذي يتناوله المغتاب في كلامه
· إستثناءات الغيبة
1- من كان مظلوماً في حكم القاضي له فله أن يقول لقد ظلمني القاضي
2- حال الإستفتاء عن أمر ما كأن يقول ما الحكم في كذا لقد ظلمني فلان في كذا
3- التحذير والنصح حال الضرورة كأن يستشيرنا شخص في تزويج أبنته لأحد الأشخاص ونحن نعلم علم اليقين أن هذا الشخص سيء او في إجراء أي معاملة ما ويتوقف الأمر على ذكر العيب
4- إذا توقف الأمر على حفظ مصلحة الإسلام مقابل العدو
5- المتجاهر بالفسق حرمته تسقط فقط فيما يتجاهر به أمام الناس كشرب الخمر مثلاً
6- ذكر عيب شخص معين بدون أي تحديد أو حصر كالقول بعض أهل البلد الفلاني فيهم العيب كذا
· التوبة عن الغيبة وكفارتها
على المغتاب أن يتوب عن هذه الذنب الكبير بأن يعقد العزم على تركه وطلب المسامحة ممن إغتابه ويكثر الدعاء له والإستغفار
سُئل رسول الله (ص) :" ما كفارة الغيبة ؟
قال : تستغفر لمن إغتبته كلما ذكرته
وأختم برواية جميلة جداً عن الكاظم (ع) قال :" كذب سمعك وبصرك عن أخيك وإن شهد عندك خمسون قسامة وقال لك قولاً فصدقه وكذبهم ولا تذيعن عليه شيئاً تشينه به وتهدم مروته "
نسأل الله تعالى أن نكون ممن يتعظ ويعمل بما يعلم وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين فنهلك
آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين