|
مــوقوف
|
رقم العضوية : 37531
|
الإنتساب : Jun 2009
|
المشاركات : 215
|
بمعدل : 0.04 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
خادم الشيخ الكوراني
المنتدى :
المنتدى العقائدي
بتاريخ : 21-06-2009 الساعة : 09:59 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
أقول وبه عز وجل وحده أستعين أن هذه الشبهة يدندن عليها ويكثر من إثارتها ونشرها الشيعة قديماً وحديثاً زاعمين أن الصحابة كفار منافقون !! مستنبطين ذلك من مقدمة ونتيجة
والمقدمة
قالوا ( يقول أهل السنة أن الصحابة يبغضون علياً بدليل قول رأسهم وشيخ إسلامهم ذلك كما في منهاجه والنتيجة أن من أبغض علياً فقد كفر ونافق بدليل قوله صلى الله عليه وسلم ( لا يبغضك إلا منافق ).
وللإجابة على هذه الشبهة المتهافتة لا بد من النظر بشمولية لهذه القضية إذ ليس من الإنصاف أن ننظر إلى بعض الأحداث والوقائع والأقوال ثم ننزل عليها مباشرة أحاديث النبي المختار صلى الله عليه وسلم التى ثبتت في أي قضية ومنها هذه القضية .
ولنا في ذلك عدة نقاط أو وقفات :
الوقفة الأولى – تنزل أن شيخ الإسلام قد قال ذلك
( أن الصحابة يبغضون علياً )
فأقول مستغرباً منذ متى أصبح شيخ الإسلام دليلاً لكم تستدلون بأقواله ومناراً تنتصرون وتستضيؤن بآرائه وفي ماذا ؟ في قضية عظيمة تقضى بتكفير خير القرون
وهذا والله الكيل بمكيالين فتارة تحتجون بما يقول وتارة هو عندكم الخصم الظلوم وما ذلك إلا إتباعا للهوى وانتصاراً للمذهب
وهذا لا يصح لا في عقل ولا دين فإنه من الأنصاف في تنزيل الأحكام أن تدين الأفراد والجماعات من أقوالهم وأفعالهم لا من قول غيرهم فيهم !!
ولو كان هذا الغير تابعاً لهم إذ لا معصوم إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم وكلام شيخ الاسلام بل ومن قبله من أئمة الدين حتى الصحابة الكرام بما فيهم آل بيته صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم أجمعين كلها تحتمل الصواب والخطأ إى صاحب القبر الشريف صلوات ربي وسلم عليه
وخلاصة هذه الوقفة أنه متى أردت أن تنزل حكماً بالتكفير أو النفاق على رجل أو طائفة يجب أن تدينها بأقوالها هي وأفعالها لا أن نقول قال فلان كذا وبالتالي فإن تلك الطائفة الذي قيل فيها فهي كذا وكذا ..
هذا والله من الظلم العظيم
ولذا لو طبقنا هذه القاعدة فيكم معاشر الشيعة بالنظر إلى أقوال معمميكم لا إلى مناهجكم ومعتقداتكم لخرجنا فيكم بأقوال شنيعة فوق شناعتكم لا ترضونها لأنفسكم
الوقفة الثانية - في تحقيق هل قال شيخ الإسلام تلك المقالة الجائرة في أن الصحابة يبغضون علياً ؟
نقول من نظر في كتابه النافع منهاج السنة النبوية رفع الله قدره والذي دكٌ فيه شبهات الشيعة فجعلها قاعاً صفصفاً يجد قوله
( ولم يكن كذلك علي فإن كثيرا من الصحابة والتابعين كانوا يبغضونه )
والجواب في عدة نقاط مختصرة :
النقطة الأولى - تقدمت في الوقفة السابقة من باب التنزل وعليه نقول أن أهل السنة وعلمائهم قاطبة لا يؤمنون ولا يعتقدون ذلك أن الصحابة كانوا يبغضون علياً
من صدر ذلك من قائله فلا تعدو زلة من زلاته وأما أن ذلك هو الواقع وأن ذلك من اصول اهل السنة والجماعة فهذا قول فاسد لا طائل للجواب عنه وتسويد الصفحات في رده فالأدلة في خلافه لا تعد ولا تحصى
النقطة الثانية - من تأمل في مقولة شيخ الإسلام ونظر في أولها وأخرها عام لم قال ذلك شيخ الإسلام وفيمن قاله وما هو مراده وأما النظر بعين عوراء فذلك هو البغي والعدوان
وأقول باختصار أن شيخ الإسلام رد على الشيعي الحلي زعمه أن الله أوجب محبة علي رضي الله عنه في قلوب المؤمنين ولم يثبت مثل ذلك لغيره من الصحابة وبالتالي يكون هو الامام المقدم
وهنا اضطر شيخ الإسلام لعقد شئ من المقارنة بين علي رضي الله عنه وبين غيره من كبار الصحابة كابي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم من باب الإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه فإنه من الظلم والإجحاف بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقال لم تثبت المحبة لهم مع أن النصوص تدل على وجوب محبتهم بل وتفضيل بعضهم على علي رضي الله عنه في المحبة ولا يخفيكم أن النبي صلي الله عليه وسلم قد فاضل بين الصحابة في المحبة وقد سئل عليه الصلاة والسلام
" أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة . قال : فقلت : من الرجال ؟ فقال : أبوها . قلت : ثم من ؟ قال : عمر بن الخطاب . فَعَدَّ رجالا .
أخرجه البخاري ومسلم.
فالتفاضل في المحبة موجود مع وجوب محبتهم رضي الله عنهم أجمعين ، فهنا أراد شيخ الإسلام كما ذكرت عقد مقارنة ليس المراد منها الطعن في مقام وإمامة علي رضي الله عنه حاشا وكلا وإنما مراده بيان التفاضل المحبة ودرجات المحبة المستحقة للأصحاب رضي الله عنه
فكان مما قال ( ومعلوم أن الله قد جعل للصحابة مودة في قلب كل مسلم لا سيما الخلفاء رضي الله عنهم لا سيما أبوبكر وعمر فإن عامة الصحابة كانوا يودونهما وكانوا خير القرون ) وهذا حق لا مرية فيه ثم قال وهنا بيت القصيد من عقد هذه المقارنة ( ولم يكن كذلك علي فإن كثيراً من الصحابة والتابعين كانوا يبغضونه ) فهذه العبارة التي أفرحتكم وطرتم بها يمنة ويسرة أن كثير من الصحابة يبغضون علياً وقالوا قال شيخهم شيخ الإسلام !!
ولكن لننظر من هؤلاء الصحابة ومن هؤلاء التابعين قال ( فإن كثيراً من الصحابة والتابعين كانوا يبغضونه ويسبونه ويقاتلونه )
وهنا يظهر الحق لكل ذي عينين فليس المراد عامة الصحابة كلهم رضي الله عنهم وأن منهجهم واصل أصولهم هو بغض علي رضي الله عنه وإنما المراد بهم الذين انحازوا لطائفة معاوية رضي الله عنه ومن معه من أهل الشام فلا شك ولا ريب أنه قام في قلب كل طائفتين شئ من الكراهية والبغضاء لبعضهم كيف وقد اقتتلوا فيما بينهم ومن مقتضى هذا الاقتتال حصول الكراهية مابين المتقاتلين وليس هذا موضوع بيان أسباب هذه الفتنة ومن هي أولى الطائفتين بالحق والصواب وإنما المراد أن الصحابة الذين كانوا يبغضون علياً بيٌنهم ووضح شيخ الإسلام بأنهم
من الطائفة الذين قاتلوه ..
فالشاهد من كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أن المحبة التي جعل الله في قلوب العباد للصحابة هي في كبارهم كابي بكر ثم عمر ثم عثمان أعظم مما كان لعلي منها والبغضاء والكراهية التي كانت لأبي بكر وعمر وعثمان اقل مما كان لعلي فإن طائفة من الصحابة والتابعين قد ابغضوه وقاتلوه في الفتنة المعروفة
بينما الذين أبغضوا أبابكر وعمر وعثمان قال شيخ الإسلام بعدها وسأكمل النص فأنا لا أحب تقطيع النصوص
( قد أبغضهما وسبهما الرافضة والنصيرية والغالية والإسماعيلية ومعلوم أن الذين أحبوا ذنيك أي " أبوبكر وعمر وعثمان "
أفضل وأكثر وأن الذين أبغضوهم أبعد عن الإسلام واقل بخلاف علي فإن الذين أبغضوه وقاتلوه هم خير من الذين بغضوا أبابكر وعمر بل شيعة عثمان الذين يحبونه ويبغضون علياً وإن كانوا مبتدعين ظالمين فشيعة علي الذين يحبونه ويبغضون عثمان أنقص وأقل منهم علماً وديناً وأكثر جهلاً وظلماً )
فعلم بهذا التقرير مراد شيخ الإسلام من عقد هذه المقارنة التي هي واقع قد كان ولذا ختم ذلك بقوله
( فعلم أن المودة التي جعلت للثلاثة أعظم )
وخلاصة ماسردته أن مراد شيخ الإسلام بيان أن المحبة والمودة لعمامة الصحابة لازمة لكل مسلم وأن هذه المحبة متفاوتة لهم فأعظم محبة هو أبوبكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم سائر الصحابة على مراتبهم وليس لعلي ميزة وخصيصة في المحبة تفوق أولئك الثلاثة بل تميز أولئك الثلاثة بالمحبة أكثر مما تميز به علي رضي الله عنهم أجمعين وكان لأولئك الثلاثة من الكراهية والبغض اقل مما كان لعلي وأن أولئك الثلاثة إنما حصلت لهم الكراهية والبغضاء ممن تلبس بالضلالة والابتداع بينما نال علي من الكراهية من طائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن غيرهم ممن تلبس بالضلالة والبدع كالخوراج والمروانية ونحوهم
فبان وظهر بهذه المقارنة فضل أولئك الثلاثة وهم أبابكر وعمر وعثمان على علي رضي الله عنهم أجمعين رداً على زعم الشيعي الحلي بخصوصية علي وتميزه بالمحبة والمودة دون غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
وبهذا تسقط المقولة الجائرة من أن الصحابة يبغضون علياً
الوقفة الثالثة – في بيان تلك الكراهية والبغضاء التي كانت من الطائفة التي قاتلت علي لا تستلزم نفاقهم والحكم بكفرهم وذلك من وجوه عدة :
الوجه الأول : لا ريب عند كل عاقل منصف أن القتال وسفك الدماء أعظم عند الله ذنباً من البغضاء والكراهية التي لا يخلو أن يقع فيها المسلم ولو في بعض أحواله
ومع ذلك فإن الاقتتال لا يعد كفراً مخرجاً من الملة فكيف تعد البغضاء والكراهية نفاقاً مرجاً من الملة
وقد قال تبارك وتعالى " وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا " فأمر بالإصلاح بينهما ولم يقل فقد كفرت الباغية أو نافقت ثم ختم الآية بقوله تعالى " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ "
فحكم لهم بالإخوة الإيمانية مع حصول الاقتتال بينهم مما يدل على أن الاقتتال بين المسلمين لا يعد كفراً أو نفاقاً ما لم يستحل بالقلوب فكيف يعد ما هو دونه وأقل منه كفراً ونفاقاً وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم يثبت الأخوة الإسلامية للمتقاتلين إذ يقول
( إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين )
فسماهم مسلمين مع حصول القتال بينهم والقتال أعظم من الكراهية والبغضاء بل لا يكون قتالاً إلا مع وجود كراهية وبغضاء
ومما يدل دلالة واضحة أن الكراهية والبغضاء بين المسلمين لا تعد إلا ذنباً من الذنوب وعلى هذا يحمل حال أولئك من الطائفة الباغية فقتالهم وبغضهم لإخوانهم من الطائفة المحقة إنما يعد من الذنوب والتي إنما كانت اجتهاد منهم وهي مغمورة في بحور حسناتهم
وكما قيل :
وهل قليل النجاسة يغير ماء البحر
فرضي الله عنهم جميعاً وأرضاهم
الوجه الثاني: في الجمع ما بين هذا الوجه الأول من أن البغضاء والكراهية لا تعد كفراً ونفاقاً يخرج صاحبه من الملة وبين قوله صلى الله عليه وسلم
( لا يحبك إلا مؤمن و لا يبغضك إلا منافق )
ووجه الجمع بينهما في معرفة ضابط البغضاء والكراهية وحده فإن
البغضاء والكراهية قسيمة المحبة والمودة
ومعلوم أن المحبة والمودة في تقسيم العلماء قسمان:
الأول - المودة التامة والمحبة الخالصة والتي تكون من كل الوجوه وأصلها في القلب وظهر آثارها على الجوارح على رأس من يحبون هذه المحبة الخالصة من جميع الوجوه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يكمل الإيمان إلا بمحبته المحبة التامة الخالصة وهو كما قال صلى الله عليه وسلم
( لا يؤمن أحدكم حتى أكو أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين )
كما يدخل فيها الأولياء والصالحين وفي مقدمتهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي رأسهم أبابكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين
الثاني - المودة الناقصة
والمحبة من وجه دون وجه وأصلها أيضا في القلب وتظهر آثارها على الجوارح وهي لعامة المسلمين ممن قارفوا المعاصي والسيئات والناس يتفاوتون في ذلك كل بحسب دينه وتقوه
فإذا عرف هذا فإن البغضاء والكراهية هي أيضا قسمان:
الأول :
البغضاء التامة والكراهية الخالصة من جميع الوجوه وأصلها أيضاً في القلب وتظهر آثارها على الجوارح وعلى رأس من يبغضون هذه البغضاء التامة إبليس وأعوانه من شياطين الجن والإنس وأهل الشرك والكفر من شابههم وسلك مسالكهم
وقد قال تعالى في بيان ذلك
(قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) الآية
وهنا أنبه أن هذه البغضاء هي المرادة بحديث النبي صلى لله عليه وسلم ( لا يبغضك إلا منافق ) وسأبين لذلك من أن أهل الإيمان لا يبغضون البغضاء التامة من جميع الوجوه فمن ابغض علياً هذه البغضاء التامة فلا شك ولا ريب في نفاقه
الثاني :
البغضاء الناقصة والكراهية من وجه دون وجه وهي كذلك أصلها في القلب وتظهر آثارها على الجوارح بالسب والمضاربة والمقاتلة ونحو ذلك وهذا يقع فيها أهل الإسلام بعضهم في بعض إما بحق أو بدون وجه حق والشاهد أن هذه البغضاء إن كانت على وجه حق فهي من الحق كان تبغض المسلم لأنه يزني أو يشرب الخمر لأجل هذه الخصلة السيئة فيه مع محبته من وجه أخر أي لما عنده من الإيمان والإسلام ولا يخفى حديث ذلك الرجل الذي كان كثيراً ما يؤتي به شارباً للخمر فلما كان ذات يوم جئ به شارباً فلعنه أحدهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله
فهذا الرجل يبغض من وجه شربه للخمر ولذلك كان يحد جلداً لكنه يحب من وجهة أخرى وهي ما في قلبه من أصل الإيمان ومن محبة الله ومحبة رسوله
أما إن كانت هذه البغضاء التي هي من وجه دون وجه ظلماً وبغياً أي بغضاء على غير حق فإن صاحبها لا يكون منافقاً أو كافراً ونحو ذلك ولا يعدو ذلك ن تكون سيئة وذنباً في حقه ولو كان ذلك بغضاً لمقام أمير المؤمنين علي رضي الله عنه
ولأوضح هذه النقطة الهامة أقول أن الطائفة الثانية التي قاتلت علي وكانت مجتهدة في ذلك لا شك أنه قام في قلبها نوعاً من الكراهية والبغضاء لعلي تبعه ذلك القتال ولا ريب أن هذه البغضاء كانت نتيجة لبعض تصرفات وسلوك أمير المؤمنين علي حيث لم يبادر إلى القصاص من قتلة عثمان ولم يبادر إلى إخراج أولئك الثوار والبغاة الخوارج من جيشه ونحو ذلك مما أجتهد فيه وتيقن إصابته للحق ولكن عدته تلك الطائفة أخطاء وتقصير ولٌدت عندهم التشاجر والخصام ثم الكراهية والبغضاء لتلك التصرفات مما ساعد في تولد شرارة الاقتتال
والشاهد كما هو ملاحظ أن كراهيتهم لعلي رضي الله عنه إنما كانت من وجه دون وجه فهم كرهوا منه ما سبق كما أنه كره منهم ما صنعوا ثم كان التشاجر والتخاصم ثم القتال
فلم يكن بغضهم له وكراهيتهم لأجل دينه ومسلكه ودعوته وحبه لرفعة الإسلام والدين ولا لما قام في قلبه من حب الله ورسوله وحب ظهور دينه إنما كرهوا – أكرر – تلك الأفعال منه لم يكرهوا دينه واستقامته وهذه الكراهية من وجه دون وجه هي الكراهية الناقصة بعينها سواء كانت حقاً أو كانت بالباطل ومتى كانت باطلاً فإنهم لا يخرجوا بذلك عن الإسلام ولا يوصفوا بالنفاق ولو كان كذلك لقال صلى الله عليه وسلم ويح عمار تقتله الفئة المنافقة أو الكافرة لكنه صلى الله عليه وسلم قال
( ويح عمار تقتله الفئة الباغية )
فدل ذلك على أن الكراهية والبغضاء ثم الاقتتال لا يعدو أن يكون بغياً وعدوانا وظلماً أما أن يكون نفاقاً وكفراً فهذا
لا تدل عليه النصوص لا من قريب ولا من بعيد بل النصوص على خلافه
وبهذا التقرير يمكن أن نجمع بين ما كان من بغض طائفة من الصحابة لعلي وبين قوله ( لا يبغضك إلا منافق ) في أن البغضاء والكراهية من تلك الطائفة هي من النوع الثاني أي البغضاء الناقصة والكراهية من وجه دون وجه سواء كان بحق أو بباطل وهذا لا يكون نفاقاً.
أما البغضاء التي توصل صاحبها إلى دركات النفاق هي النوع الأول وهي البغضاء التامة والكراهية الخالصة من جميع الوجوه والتي يكره فيها الشخص لدينه وإيمانه أيضا فإن كان كافراً منافقاً عدواً لله ضالاً مضلاً فهي حق وواجب مطلوب وإن كان مؤمناً موحداً فلا تجوز هذه البغضاء في حقه وإنما يحب من وجه ويبغض من وجه إذا خالط إيمانه بالذنوب والسيئات.
ومن أقرب الأمثلة على تنزيل هذه البغضاء أي التي في الحديث (لا يبغضك إلا منافق ) ما وقع من النواصب الخوارج الذين ناصبوا العداء لأمير المؤمنين علي وقاتلوه وأبغضوه أشد البغضاء على وجه باطل كانوا به كلاب أهل النار
واختم بهذه الوقفة الرابعة : في بيان أن قضية تعليق الأيمان بحب فلان وتعليق النفاق ببغض فلان وأن ذلك من علامات الإيمان أو علامات النفاق ليس هو خاص بعلي رضي الله عن بل يشاركه فيه غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقد صح من قوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري ومسلم ( آية الإيمان – أي علامته ودلالته – حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار) وقال صلى الله عليه وسلم
( الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق من أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله)
وإنما خص علي رضي الله عن بذكره في ذلك الحديث لسابقته ولشرفه ومكانته من دين الله عز وجل ولا يمنع من ذلك مشركة غيره له في بعض الفضائل كما هو الحال في الكثير من الفضائل
وكلا الحديثين السابقين في المحبة والبغض من باب واحد يقال فيهم ما سبق من ضابط ، وأن البغض المراد فيها هو البغض التام والكراهية الخالصة من جميع الوجوه كما هو حال المنافقين في زمانهم وعليهم وعلى أمثالهم ينزل قوله صلى الله عليه وسلم ( لا يبغضهم إلا منافق ) أي لا يبغضهم لدينهم ولإتباعهم لسنة رسولهم ولعزتهم وظهور دينهم لا يبغض ذلك إلا منافق متستر بالإسلام والمسلمين
والخلاصة الجامعة لكل ما سبق أن يقال:
- براءة شيخ الإسلام من تلك المقولة الجائرة من أن الصحابة يبغضون علياً
- ما كان من طائفة من الصحابة من بغض علي وكراهيته لم يكن هو الأصل فيهم وإنما جرى بسبب ما قدر الله عز وجل من تلك الفتنة التي بينهم
- ثم أن هذا البغض وتلك الكراهية لم تكن من النوع الأول وهو ابغض التام الخالص من جكيع الوجوه وإنما كان من وجه دون وجه كما تقدم بيانه ، أي كرهوا افعاله وطريق تعامله في تلك الفتنة مع الخوارج ولم يقتص من قتلة عثمان ولم يكرهوه في دينه واستقامته وإيمانه
- بيان أن قوله ( لا يبغضك إلا منافق )
( لا يبغضهم - أي الأنصار – إلا منافق ).
محمول على البغض الخالص التام والذي يشمل بغض دينهم وما هم عليه من هدي نبيهم.
هذا والله تعالى أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم
والعاقبة للمتقين ..
|
|
|
|
|