الحمد لله الذي حسرت عن معرفة كماله عقول الأولياء، وعجزت عن إدراك حقيقته أفهام العلماء، واحد لا شريك له، لا يشبهه شيء في الأرض ولا في السماء، والصلاة والسلام على نبيه الخاتم أفضل خلائقه وأشرف سفرائه وعلى آله البررة الأصفياء والأئمة الأتقياء.
قال الإمام الصادق (ع): «من أراد أن يصبح من أنصار قائمنا فعليه بهذا العهد».
كل منا تتوق نفسه إلى رؤية إمام زمانه، وتختلج في وجدانه مشاعر تهتف بانتظار الفرج، رافعاً يديه داعياً المولى - عز وجل - أن يكون من الأنصار المستشهدين تحت راية الحق وأن يكون من المصلين مع إمام العصر والزمان - عجل الله فرجه الشريف - وأن لا يفرق الله بينه وبين إمام زمانه القائم المنتظر بعد طول الانتظار.
فكيف يمكننا السير في ركبه والكون من أصحابه وأنصاره وما الفرق بين هذا وذاك؟
الفرق بين الأصحاب والأنصار.
هناك العديد من الـفروقات بين الأصحاب والأنصار تتجلى للمتأمل. والمناط في تلك الـفروقات يعود إلى مستويات الإخلاص التي يكنها كل منهم؛ والذي ينتجها الامتحان الإلهي في عصر الغيبة وأهم هذه الـفروقات:
1 - الفئة التي اتسمت بالثبات والتضحية وأعلى مستويات الإخلاص هم أصحاب الإمام المنتظر - عجل الله فرجه الشريف - وهم «313» رجلاً و«50» امرأة؛ والفئة التي هي أدنى منهم مستوى هم الأنصار.
2 - إن الأصحاب عددهم محدود من قبل الله - سبحانه وتعالى - وهم «313» رجلاً و«50» امرأة كما ذكرنا؛ أما الأنصار فعددهم غير محدود.
روي عن الإمام الصادق (ع): «... ويجيء - والله - ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فيهم خمسون امرأة يجتمعون بمكة»[1] .
3 - إن أصحاب الإمام (ع) من فئة الشباب وقل ما يوجد بينهم شيخ مسن بخلاف الأنصار فأعمارهم متفاوتة.
قال أمير المؤمنين (ع): «إن أصحاب القائم شباب لا كهول فيهم إلا كالكحل في العين؛ أو كالملح في الزاد وأقل الزاد الملح»[2] .
4 - الأصحاب لهم الدور القيادي، لذا إذا أردنا أن نكون بهذا المستوى علينا أن نسعى إلى تصفية النفس إلى مستوى القيادية؛ لأن الأصحاب هم الذين لهم دور القيادة فهم حكام الأرض، بخلاف الأنصار الذين يكونون تحت إمرة الأصحاب تبعاً لهم، ومنقادون تحت رايتهم.
والإمام الصادق (ع) يصف الأصحاب بقوله: «هم أصحاب الألوية» إشارة إلى توفر المؤهلات فيهم لقيادة الجيوش والعسكر وعبر عنهم كذلك (ع) بقوله: «وهم حكام الله في أرضه».
5 - سرعة التحاق الأصحاب بالإمام المنتظر - عجل الله تعالى فرجه الشريف - فيتسارعون ويتسابقون في الذهاب إلى مكة ويحضرون خطبة الإمام (ع) في المسجد الحرام؛ أمّا الباقين فيتواردون إلى مكة بعد ذلك في الأيام القليلة المقبلة.
6 - سرعة إيمان الأصحاب بالإمام الحجة المنتظر (عج)ومبايعتهم له مباشرة بعد أن يظهر ويعلن قيامه؛ ومن المعلوم أن الفرد كلما كان أعمق إيماناً وأوسع ثقافة استطاع أن يفهم قول الحق ويشخص القائد الحق من غيره؛ ومن هنا سيكون الأصحاب هم الرواد الأوائل لمبايعة الإمام المهدي - عجل الله تعالى فرجه الشريف - بعد جـبرئيل (ع)
ذا ينبغي لنا نحن الموالين المسارعة إلى الخيرات؛ لأن المسارعين إلى الخيرات هم أصحاب الإمام (ع)ذين اصطفاهم المولى - عز وجل - لصحبته.
روي عن الإمام الصادق (ع) قوله تعالى: ﴿ فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت الله بكم جميعاً ﴾[3] أنه قال: «يعني أصحاب القائم الثلاثمائة وبضع عشرة وهم - والله - الأمة المعدودة يجتمعون في ساعة واحدة كقزع الخريف»[4] .
لكن السؤال هنا: حول كفاية العدد «313» رجلاً و«50» امرأة لقيادة العالم لأن هؤلاء القواد لا يقودون تجمع واحد بل يقودون العالم بأجمعه؟!!!
إن المؤمن يسلم ويؤمن بالنظام الكوني الحكيم الذي رسمه الله - سبحانه وتعالى - وارتضاه لعباده لذا نقول: إن العدد المذكور يكون كافياً للقيادة على كونهم قواداً وحكاماً؛ ويضاف إلى هؤلاء عدد ضخم من الجيش لا يقل عن عشرة آلاف شخص في نواته الأولى عند بدء الحركة.
أي أن القادة هم أصحاب الإمام (ع)ذين هم «313» رجلاً و«50» امرأة؛ وذلك لعمق إخلاصـهم، وعلو منزلتهم. أمّا العدد المتبقي «000 ,10» رجلاً هم الأنصار وهم تحت إمرة الأصحاب.
ومن هنا قالت الروايات: «ما يخرج إلا في أولي قوة، وما يكون أولو قوة أقل من عشرة آلاف».
نلاحظ أن الرواية تفصح وتنبأ بأن القيام قيام عظيم لذا لا يكون إلا في أولي قوة لذا يمكننا القول:
1 - إن الرواية تنفي بصراحة أن يكون جيش الإمام المنتظر - عجل الله فرجه الشريف - منحصر بـ «313» رجلا ً و«50» امرأة.
2 - إن الرواية تثبت أن العدد المذكور وحده لا يكفي لتشكيل القوة المطلوبة وتحقيق الهدف الكبير؛ وإنما يقومون بدور القيادة والإشراف بالنسبة إلى غيرهم من الناس.
3 - إن «000 ,10» جندي كاف في أول حركة الإمام (ع)لما اتسعت حركته فإن جيشه سوف يتسع وتتضح أهدافه الكبرى وتكثر أسلحته.
وهنا ينبغي لنا أن ننظر إلى أنفسنا من أي الفريقين نريد أن نكون؟ أمن الأصحاب أم من الأنصار؟ أو لا من هؤلاء ولا هؤلاء؟!!
ومن أراد أن يكون من أصحاب الإمام (ع) من أنصاره عليه أن يهيأ نفسه ويطهرها من أدران الدنيا؛ ويسعى لكسب الإخلاص في هذا العمل؛ فيكون هدفه الحقيقي هو الانتظار للإمام ودولته العالمية؛ فكل ما يعمله هو استعداد وشوق للقاء إمام زمانه الحجة المنتظر - عجل الله فرجه الشريف -.
قصة ذات معانٍ:
نذكر هذه القصة حتى يتجلى لنا أهمية محض الإخلاص للقاء إمامنا صاحب العصر والزمان - أرواحنا لتراب مقدمه الفداء -.
مجموعة من الأشخاص في البحرين سمعوا أحد الخطباء يتحدث عن أصحاب الإمام (ع)ن ضرورة وجود «313» رجلاً ممن محضوا الإخلاص محضاً لظهوره؛ فتجمع عدد «313» رجلاً ممن ارتأوا في أنفسهم الإيمان؛ وهرعوا إلى الصحراء وأخذوا يذكرون الله - سبحانه وتعالى - ويبكون ويتضرعون كي يمن عليهم برؤية إمام زمانهم (عج) لهم نور، وقف في محل وهم ينظرون إليه، ونزل من هذا المكان رجل جليل عليه سيماء الصالحين - فالإنسان المؤمن تفصح قسمات وجهه عن إيمانه - فهو صاحب نور وإشراق، اقترب منهم وهم بين خوف ورجاء فقال لهم: لماذا أنتم مجتمعون هنا؟
قالوا: نطلب رؤية إمام زماننا (عج)
ل لهم: إمام زمانكم في هذا المكان ويدعوكم أن تنتخبوا من هذا العدد المتجمع شخص واحد مخلص... فانتخبوا من رأوه أخلص رجل فيهم.
قال له الرسول: تفضل اصعد، فدخل المكان الطاهر... قليلاً وإذا بالدماء تسيل من أعلى إلى أسفل.
بعد فترة جاء الرسول وقال لهم: إمامكم يدعوكم أن ترسلوا المخلص الثاني؛ هنا الجماعة خافت من رؤيتها للدماء إلا أنهم فيما بعد اختاروا أحدهم فصعد هذا الرجل مع الرسول... قليلاً أيضاً وإذا بالدماء تسيل من أعلى إلى أسفـل.
جاء الرسول مرة أخرى وقال: الإمام يريد المخلص الثالث.
فقالوا له: الإمام الذي يقتل الناس لا نريد رؤياه.
فقال لهم: إمامكم يناشدكم أن لا تترددوا في إرسال ذلك المخلص.
فقالوا: لا نريد ذلك.
فقال لهم: إن الإمام (ع)يقتل الناس بل أنه استبشر بهؤلاء فذبح الذبيحة فرحاً وإكراماً لهم.
هكذا اليوم نقول علماء وكبار وفضلاء لكن هل هناك من هو على مسـتوى المرحلة التي أرادها الإمام (ع)!
إذن: إن الإخلاص هو شرط قبول أي عمل؛ ولن يكون ذلك إلا بـ:
1 - تصفية العمل عن كل شائبة.
2 - تنزيه العمل من أن يكون فيه لغير الله نصيب.
3 - أن يكون عامله لا يريد عوضاً في الدارين.
قال أمير المؤمنين (ع) الحث على الإخلاص: «عليكم بصدق الإخلاص وحسن اليقين فإنهما أفضل عبادة المقربين»[5] .
وقال (ع)تقرب العبد إلى الله تعالى بإخلاص نيته»[6] .
أي أن الإخلاص هو أعلى مراتب الإيمان وتحقيق العبودية لله - سبحانه وتعالى - فهؤلاء المخلصين هم من عجز عنهم الشيطان الأكبر إبليس - لعنه الله - لشدة إيمانهم عندما أقسم قائلاً: ﴿ فبعزتك لأغوينهم أجمعين. إلا عبادك منهم المخلصين ﴾[7] .
وهنا إبليس - لعنه الله - بعدما أقسم تنبه إلى حقيقة وهي: أن هناك مجموعة من عباد الله المخلصين لا يمكنه كسبهم بأي طريقة وإدخالهم تحت سيطرته؛ فاعترف بعجزه في كسبهم وما ذلك إلا لأن الله تعالى جعلهم في منطقة آمنة وهذا فخر لهم
وأخيراً: حري بنا أن نعلم أن مقام المخلصين لا يناله إلا من انتصر في جهاده الأكبر الذي هو جهاد النفس، وشمله اللطف الإلهي بإزالة كل شيء غير خالص؛ ليصفو وجوده فلا يبقى سوى النفس الطاهرة النقية الخالصة؛ فإن الإخلاص سرُّ من أسرار الله كما في الحديث القدسي: «الإخلاص سرُّ من أسراري، استودعه قلب من أحببت من عبادي».
نسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يجعلنا من عباده المخلصين لنكون في ركب مولانا إمام العصر والزمان - عجل الله تعالى فرجه الشريف -.
.................................................. .................................................. ..................... [1] إلزام الناصب 1: 116 - بحار الأنوار: م 52، ص 223، ب 25، ح 87. [2] بحار الأنوار: م 52، ص 27، ح 63. [3] سورة البقرة: آية «148». [4] ينابيع المودة، ورواه النعماني في كتاب الغيبة: ب 20، ح 3. [5] غرر الحكم. [6] المصدر السابق. [7] سورة ص: آية «82 - 83».