بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
-------------------------------------
محطات قدسية .. في عالم النور
اسمه المبارك ونسبه الزاكي
الإمام عليّ بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين السبط الشهيد بن عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين.
كنيته الشريفة
أبو الحسن الثاني؛ إذ اشتهر أبوه الإمام الكاظم عليه السّلام بأبي الحسن.
ألقابه الجليلة
أشهرها «الرضا»، سمّاه الله تبارك وتعالى بذلك؛ لأنّه كان رضيَّ الله عزّوجلّ في سمائه، ورضيّ رسوله والأئمّة عليهم السّلام بعده في أرضه. وقيل: لأنّه رضيَ به المخالف والمؤالف.
ومن ألقابه الحقّة: الصابر، والزكيّ، والرضيّ، والوفيّ، والوليّ، والفاضل، والصدّيق، والصادق.
نقش خاتمه
«ما شاء الله، لا قوّة إلاّ بالله».
منصبه الإلهيّ
الإمام الثامن من أئمّة الهدى أوصياء رسول الله صلّى الله عليه وآله. قضى خمساً وثلاثين سنة في ظلّ حياة أبيه، وكانت مدّة إمامته عشرين سنة.
تاريخ ولادته
في روايةٍ يومَ الخميس، وفي اُخرى يومَ الجُمعة، في الحادي عشر من ذي القعدة الحرام، عام مئة وثمانية وأربعين من الهجرة النبويّة المباركة، أي بعد أيّام من شهادة جدّه الإمام جعفر الصادق عليه السّلام.. على رواية الشيخ المفيد، وهو المشهور. أمّا على رواية الشيخ الصدوق ـ وتابَعَه عليها الشيخ الطبرسيّ ـ فولادته سنة مئة وثلاث وخمسين هجريّة، أي بعد خمسة أعوام من شهادة الإمام الصادق سلام الله عليه الذي قال لولده الكاظم موسى عليه السّلام: إنّ عالم آل محمّد عليه السّلام: لَفي صُلبك، وليتني أدركته؛ فإنّه سَميّ أمير المؤمنين عليه السّلام.
وهناك تاريخ غير مشهور، يقول بولادة الإمام الرضا عليه السّلام عام مئة وواحد وخمسين.
محلّ ولادته الغرّاء
المدينة المنوّرة.
اُمّه
قيل: اسمها «نجمة»، ويقال: «سَكَن النُّوبيّة»، وسُمّيت «أروى» و «سُمان»، واشتهرت بـ «تُكتَم»، يقول الشاعر:
ألا إنّ خيرَ الناس نَفْساً ووالداً ورَهْطاً وأجداداً عليُّ المكرَّمُ
أتَتْنا به لِلعلم والحلم ثامنــــــاً إماماً يؤدّي حجّةَ الله «تُكتَمُ»
وتُلقّب بـ «شقراء النُّوبيّة» و «الطاهرة»، وتكنّى بـ «اُمّ البنين». وكانت جارية من أشراف العجم، ومن أفضل النساء في عقلها ودينها.
إخوته وأخواته
إبراهيم، العباس، القاسم، إسماعيل، جعفر، الحسن، أحمد، محمّد، حمزة، عبدالله، إسحاق، عبيدالله، زيد، الحسين، الفضل، سليمان، هارون.. وقد قَتل المأمون منهم جماعة وهم في طريقهم إلى خراسان برفقة اُختهم السيّدة فاطمة المعصومة عليها السّلام. ومن الأخوات: فاطمة الكبرى، فاطمة الصغرى، زينب، رُقيّة، رقيّة الصغرى، حكيمة، آمنة، اُمّ أبيها، بُرَيهة، عائشة، حسنة، اُمّ سلمة، اُمّ كلثوم، كلثوم، عليّة، لُبابة، خديجة، اُمّ جعفر، ميمونة.
نساؤه
1 ـ «سَبيكة» أو الخَيزُران، أمّ الإمام محمّد الجواد عليه السّلام، وهي من أهل بيت ماريّة القبطيّة زوجة النبيّ صلّى الله عليه وآله واُمّ ولده إبراهيم.
2 ـ اُمّ حبيبة بنت المأمون العبّاسيّ.
أولاده
يذهب الكثير من المؤرّخين إلى أنّه لم يكن للإمام الرضا عليه السّلام إلاّ ولده الوحيد محمّد الجواد عليه السّلام. إلاّ أنّ بعض المصادر ذكرت له عدداً من الأبناء، هم: أبو محمّد الحسن، وجعفر، وإبراهيم، والحسين، وفاطمة، وعائشة على خبر غير مشهور.
أصحابه ورواته
وهم مئات، أشهرهم: أبو الصَّلت الهَرَوي، دِعبِل بن عليّ الخزاعيّ، الحسن بن عليّ بن فَضّال، الحسن بن عليّ الوَشّاء، زكريّا بن آدم القمّي، محمّد بن إسماعيل بن بُزَيغ، الريّان بن الصلت، محمّد بن سنان، الحسن بن محبوب، الحسن بن سعيد الأهوازيّ، صفوان بن يحيى البجليّ، عبدالله بن مبارك النهاونديّ...
شعراؤه
دعبل الخزاعيّ، إبراهيم بن العبّاس الصوليّ.
بوّابه
محمّد بن الفرات.
كتبه
سبعة، ذكرها السيّد محسن الأمين العامليّ في أعيان الشيعة بتفصيل.
الحكّام المعاصرون
وهم ستّة، على هذا الترتيب:
1 ـ أبو جعفر المنصور الدوانيقيّ (136 ـ 158هـ).
2 ـ المهدي العبّاسيّ (158 ـ 169هـ).
3 ـ الهادي العبّاسيّ (169 ـ 170هـ).
4 ـ هارون الرشيد (170 ـ 193هـ).
5 ـ محمّد الأمين (193 ـ 198هـ).
6 ـ عبدالله المأمون (196 ـ 218هـ).
وقائع مهمّة في حياته المباركة
أ. شهادة والده الإمام الكاظم عليه السّلام بالسمّ دُسّ إليه بأمرٍ من هارون الرشيد، بعد نقله من سجن إلى سجن سنوات مديدة. كان ذلك عام 183هـ.
ب. الحرب الدامية التي دارت بين الأمين وأخيه المأمون، والتي انتهت بغلبة المأمون الذي نقل عاصمته إلى «مَرُو».
ج. إشخاصه عليه السّلام مُكرَهاً إلى خراسان من مدينة جدّه الرسول صلّى الله عليه وآله، وذلك بأمرٍ من المأمون، يريد بذلك إخماد ثورات العلويّين، وتطويق حركة الإمام الرضا عليه السّلام وعزله عن الأمّة. فضجّت المدينة بالبكاء؛ لفراق إمامها وإخبار أهله أنّه سيموت في غربة، وليس لسفره من عودة. كان ذلك أواخر سنة 199هجريّة.
د. ودّع الإمام عليّ الرضا عليه السّلام أهله وعياله، وأهل المدينة وأصحابه، ثمّ كانت له زيارة خاصّة لجدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله، وزيارة لبيت الله الحرام ووداع خاصّ لفلذة كبده محمّد الجواد ولده عليه السّلام.
وتوجّه بعد ذلك إلى خراسان.. مارّاً بالقادسيّة والنِّباج والبصرة والأهواز وأربُق ومَفازة ـ وقيل: قمّ ـ، وتوقّف في نيسابور، حيث كان له حديث سلسلة الذهب، بل كان له في كلّ منزل ومدينة لقاءات ووقائع وكرامات. بعدها اتّجه إلى قرية الحمراء ورباط سعد، ثمّ إلى سناباذ وطوس، ودار حميد بن قُحطُبة، وسَرَخْس.. حتّى نزل في مَرْو، فاستقبله فيها المأمون سنة 200هجريّة.
هـ. وفي مَرْو عرض عليه المأمون الخلافة، في خطّة خبيثة، فرفض الإمام عرضه، فعرض عليه ولاية العهد بإصرار، فلم يقبلها الإمام عليه السّلام إلاّ بعد التهديد الجدّيّ بالقتل، مشترطاً ألاّ يعيّن ولا يعزل أحداً، ولا يتحمّل أعباء مسؤوليات الحكومة المنحرفة.
و. وبعد أن تمّت البيعة للإمام الرضا عليه السّلام بولاية العهد، كانت له خطبة مدوّية، ومجالس لقضاء حوائج الناس. وقد ضُربت في هذا العهد باسمه الدراهم والدنانير، وهي التي عُرفت بالسِّكّة الرضويّة، وكان لها شرفها الخاصّ وبركتها الشهيرة.
ز. عقد له المأمون مجالس عديدة للمناظرة والاحتجاج، فعبّأ له علماء اليهود والنصارى والزرادشت والصابئة والمجوس، وعلماء الفلسفة والكلام والمنطق، وعلماء المذاهب الاُخرى.. فما كان من الإمام عليّ بن موسى الرضا صلوات الله عليه إلاّ أن أفحمهم بأدلّته القاطعة، بل أذهلهم حين أوقفهم على ما عندهم، وأدانهم من أفواههم، وجابههم بما ألزموا به أنفسهم.
فمنهم مَن انهزم، ومنهم من أذعن، ومنهم من أسلم، فخاب المأمون وذهبت جهوده أدراج الرياح، وثبت للعدوّ والصديق، وللمؤلف والمخالف عظمة إمامة الرضا سلامُ الله عليه، وأنّه بحقّ وصيّ رسول الله وخليفته، وعالمُ آل محمّد سلام الله عليهم جميعاً.
ح. أخذ المأمون تدريجيّاً بنقل عاصمته من «مرو» إلى «بغداد»؛ وذلك باقتراح وطلب من الإمام الرضا عليه السّلام. وفي «سَرَخس» دبّر المأمون عمليّة اغتيال وزيره الفضل بن سهل.
ط. لم يبرح الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام من توجيه نصائحه وإرشاداته إلى المأمون، لرعاية حرمة الدين ورعاية شؤون الأمة، والكفّ عن الظلم. وربّما وبّخ المأمون ودعاه إلى الإنصاف والعفو عن الرعيّة.
فكان أن كبر على المأمون ذلك، فجاشت في نفسه أحقاد بني العبّاس ونيران حسدهم، وتسرّبت إلى قلبه الوساوس، يخشى على سلطته أن تذهب، أو أن تنصرف قلوب الناس وعقولهم إلى الإمام الرضا عليه السّلام، فأخذ يفكّر ـ جادّاً ـ في التخلّص منه.
شهادته
أجمعت المصادر من الخاصّة والعامّة ـ أو كادت ـ على أمرين:
الأوّل ـ أنّ الإمام الرضا سلام الله عليه قضى شهيداً.
الثاني ـ أنّ قاتله هو المأمون العبّاسيّ، حيث أمر غلاماً له أن يفتّ حبّ الرمّان بأظفار مسمومة بسمّ خاص، وأن يزرق السمّ في عنقود من عنب.. فقدّم ذلك للإمام عليه السّلام، فقضى شهيداً في طوس، في قرية يُقال لها سَناباد في نُوقان.
مدفنه
خشي المأمون الفضيحة، ففرّق الناس، وغُسّل أبو الحسن الرضا عليه السّلام مِن قِبل ابنه الجواد عليه السّلام ليلاً، ثمّ صلّى عليه ودفنه في البقعة التي استُشهد فيها، وكان الإمام الرضا عليه السّلام قد وصفها لأبي الصلت الهرويّ ـ أحد أصحابه المقرّبين ـ ذاكراً له غدرة المأمون به، وما سيجري من بعد شهادته.
عمره وتاريخ شهادته
استُشهد الإمام الرضا عليه السّلام يوم الثلاثاء في آخر صفر، أو السابع عشر منه، سنة 203 من الهجرة الشريفة، وذلك عن عمرٍ مبارك يُقدّر بخمسةٍ وخمسين عاماً.
قبره الطاهر
وُضع عليه ضريح يزهو بهاءً وجلالاً، تعلوه على الضريح قبّة ذهبيّة تشعّ نوراً وعزّاً وسموّاً. ويتوافد على روضته الشريفة ملايين المسلمين كلّ عام، يقصدونه من مشارق الأرض ومغاربها، ساكبين عند عتبته المقدّسة دموع الولاء، ومجدّدين معه العهد، وعاقدين عنده ميثاق الولاية.
أمّا الكرامات التي ظهرت عند القبر المطهرّ فهي كثيرة مستمرة يمكن أن تكون مجلّدات كبيرة.
المصادر
1 ـ الاحتجاج، لأبي منصور أحمد بن عليّ الطبرسيّ.
2 ـ الإرشاد، للشيخ المفيد.
3 ـ إعلام الورى، للفضل بن الحسن الطبرسيّ.
4 ـ بحار الأنوار / ج 49 ، للشيخ المجلسيّ.
5 ـ تاريخ الطبريّ.
6 ـ روضة الواعظين، للنيسابوريّ.
7 ـ الصواعق المحرقة، لابن حجر.
8 ـ عيون أخبار الرضا عليه السّلام، للشيخ الصدوق.
9 ـ الفصول المهمّة، لابن الصبّاغ المالكيّ.
10 ـ الكافي / ج 2 ، للشيخ الكلينيّ.
11 ـ كشف الغمة، للإربلّيّ.
12 ـ مروج الذهب، للمسعوديّ.
13 ـ مقاتل الطالبيّين، لأبي الفرج الإصفهانيّ.
14 ـ مناقب آل أبي طالب، لابن شهرآشوب.
15 ـ نور الأبصار، للشبلنجيّ.
16 ـ ينابيع المودّة، للشيخ سليمان القندوزيّ الحنفيّ.
من مظاهر محبّة الإمام الرضا عليه السّلام...
عدد المسلمين في شبه القارّة الهندية ( الهند ـ الباكستان ـ بنغلادش ) يربو على ثُلث مسلمي العالم البالغ عددهم (5/1) مليار. في الهند وحدها (220) مليوناً، وفي الباكستان (160) مليوناً، وفي بنغلادس (160) مليون مسلم، فيكون مجموعهم (520) مليوناً من المسلمين، فيهم (55) مليوناً من المسلمين الشيعة المعتنقين لمذهب أهل بيت النبيّ صلوات الله عليهم.
* * *
منذ زمن بعيد ومسلمو شبه القارّة الهندية ينعمون بنعمة مودّة أهل البيت عليهم السّلام. وكثيراً ما كان رجال من الهند يقصدون الحجاز أو العراق من أجل اللقاء بالأئمّة المعصومين عليهم السّلام والاستمداد من محضرهم المبارك.
وقد شهدت هذه الديار ـ وما تزال ـ الولاء والمحبة والاحتفال بالمناسبات الخاصة بأهل البيت عليهم السّلام. ومن أبرزها الاهتمام بتخليد ذكرى فاجعة عاشوراء الدامية وإقامة المراسم المتنوّعة في هذه المناسبة الأليمة. وكانت هذه الظواهر تتعاظم بمرور القرون، وتزداد كثيرةً وتنوّعاً عبر الأجيال.
* * *
ثمّ لمّا بدأت الهجمات التيمورية على إيران هاجرت أعداد جمّة من ذريّة أئمّة أهل البيت عليهم السّلام ومن أشياعهم ومحبيّهم إلى شبه القارّة الهندية، حاملين معهم مودّتهم الخاصة للإمام الرضا عليه السّلام وارتباطهم العميق بساحته القدسية.
وقد شهد تاريخ هجرة العلماء والسادة الأشراف ومشايخ الطرق الصوفية إلى الهند أنّهم كانوا يتّجهون أوّلاً ـ قبل هجرتهم ـ إلى خراسان لزيارة العتبة الرضوية المقدسة، تجديداً للعهد وطلباً للعون والمدد في عملهم على نشر المعارف الإسلاميّة في البلاد التي يقصدونها، ثمّ يتخذون سبيلهم إليها بهذه المعنوية العالية وبهذا الدافع العميق.
من هؤلاء العالم السيّد عليّ الهمداني الذي ارتحل إلى كشمير مبشّراً بالاسلام، وكان من ثمرة عمله أن أسلم أهل تلك الديار على يديه. ومنذ تلكم الحقبة الزمنية استنارت حياة أهل كشمير بمحبة خاصة لأهل بيت النبوّة.
ثمّ انتقل إلى الهند العالم الكبير المير شمس الدين الموسوي، برفقة عدد كبير من السادة الأشراف، لنشر مذهب أهل البيت عليهم السّلام في المناطق الجبلية الوعرة من جبال الهملايا. وقد استطاع هو ومرافقوه أن يبلغوا منطقة لداخ البوذية، وأن يبثّوا فيها تعاليم الأئمّة من أهل البيت عليهم السّلام. وما تزال الأكثرية المطلقة لسكّان هذه المنطقة تحيا في نعمة الولاء للأئمّة الطاهرين.
* * *
ومن مظاهر ارتباط سكّان هذه البلاد بأهل البيت، وبالإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام بوجه خاص: أنّهم كانوا ـ شيعةً وسنّة، وعلى اختلاف طبقاتهم ـ يُعنَون بزيارة مشهده الأنور في خراسان. وكان سلاطين شبه القارّة الهندية ـ على تنوّع مذاهبهم وتعاقب حكوماتهم خلال (1200) سنة ـ يَبعثون إلى مدينة مشهد مَن ينوب عنهم لزيارة الإمام الرضا سلام الله عليه، محمّلاً بهدايا نفيسة إلى العتبة الرضوية المقدسة.
ومن هذه المظاهر أن السلطان إبراهيم قُلي قطب (957 ـ 988هـ) ـ وهو الرابع من حكّام الأسرة القطب شاهيّة في حيدر آباد الهند ـ قد أوقف اراضي من مملكته للعتبة الرضوية المقدسة، تشمل أجزاء من أندهرا پرادش، وأرويسا، وكرناتاكي.
وفي شبه القارّة الهندية يُعرف الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام بأنّه « الإمام الضامن ». وكان المألوف في عصر حكم الأسرة القطب شاهيّة في جنوب الهند أنّهم إذا ما أرادوا بناء مدينة أو تنفيذ مشروع عمراني كبير فإنهم أول ما يبدأون باقامة مبنى باسم الإمام الرضا عليه السّلام، وبعد اكتمال هذا المبنى يُصار إلى بناء المدينة أو تنفيذ المشروع، انطلاقاً من الإيمان بأنّ هذا المبنى إنّما هو ضمانة وأمان للمدينة أو للمشروع من الكوارث والأخطار. ومن هذه المباني الرضوية الماثلة إلى الآن: المبنى التاريخي الرائع المعروف باسم ( چهار منار = المنارات الأربع )، وكذلك جبل الإمام الضامن الذي ما يزال يحتفظ بعظمته القديمة في مدينة حيدر آباد التاريخية جنوبيّ الهند.
* * *
إن مسلمي شبه القارّة الهندية يذكرون الإمام الرضا عليه السّلام باسم « الضامن »، وهذا العرف قديم الجذور فيهم يرجع إلى عصر ما بعد ولاية عهد الإمام في خراسان؛ إذ شاع بين المسلمين في أقاليم الهند أن يُشدّ على عضد المسافرين « حرز » تيمّناً بالإمام الرضا عليه السّلام، ويطلق على هذا الحرز اسم ( الإمام الضامن ).
وعماد هذا الحرز قطعة من عملة معدنية أو أكثر من قطعة واحدة، يُخيّط على قطعة من القماش، تُشدّ على عضد المسافر قبل سفره؛ طلباً للحماية والسلامة من الإمام عليه السّلام. وهذا العُرف شائع بين كلّ مسلمي شبه القارّة من كافّة المذاهب والفرق، وهم جميعاً يمارسون هذا النوع من طلب الحماية والضمانة الرضوية المباركة.
من هنا يُفضِّل زائرو مشهد القادمون إليها من الهند والباكستان أن يحملوا معهم عند عودتهم إلى بلادهم هدية للتبرّك يقدّمونها لأهليهم وأصدقائهم، هي قِطَع من العملة المعدنية الإيرانية من فئة (100) ريال المنقوشة عليها صورة عتبة الإمام عليّ بن موسى الرضا سلام الله عليه. وهذه العملة يُحتفَظ بها هناك في المنازل والمحلات التجارية ابتغاءً للتبرّك وطلباً للأمان.
واللافت للنظر أن أغلب زائري مشهد الإمام الرضا عليه السّلام اليوم إنّما هم من الهند والباكستان. وبعد قيام دولة الباكستان عام 1947م التزم رؤوساء هذه الدولة الذين يفدون على طهران في زيارة رسمية أن يقصدوا مدينة مشهد المقدسة لزيارة العتبة الرضوية الطاهرة قبل عودتهم إلى البلاد؛ إظهاراً للتواضع والمودّة والخضوع أمام عظمة الإمام الثامن من أئمّة أهل البيت عليهم السّلام.