هي مريم بنت عمران من سلالة نبي الله داود عليه السلام. وأم عيسى عليها السلام...
نشأت مريم عليها السلام نشأة طهر وعفاف وتربت على التقوى، تؤدي الواجبات وتكثر من نوافل الطاعات، وعاشت في جوار بيت المقدس، وقد وصفها الله تعالى في القرءان الكريم بالصديقة، وكانت الملائكة تأتي إلى مريم عليها السلام وتزورها، إلى أن جاءت إليها في وقت وبشرتها باصطفاء الله تعالى لها من بين سائر النساء وبتطهيرها من الأدناس والرذائل، وبشرتها كذلك بمولود كريم يكون له شان عظيم في الدنيا والاخره ويكلم الناس صغيرًا وفي المهد ويكون كهلا ومن الصالحين.
آتاها الله من كرامة الدنيا والآخرة، واصطفاها على نساء العالمين من زماننا، وأثنى الله تعالى عليها بأنها أحصنت فرجها، وأنها صدقت بكلمة ربها وهى الصحف المنزلة على إدريس عليه السلام وغيره، وكتبه وهى التوراة والإنجيل والزبور، وأنها كانت من القانتين أي المواظبين على طاعة الله تعالى وعبادته.
وهى من نسل هارون أخي موسى عليهما السلام، ولم تكن نبيه، لأنه لا نبي من الإناث وانما هي سيدة نساء زمنها ومن أكملهن، وروى الامام أحمد فى مسنده: "سيدة نساء أهل الجنة مريم ،ثم فاطمة، ثم خديجة، ثم آسيا بنت مزاحم امرأة فرعون .
عندما نتحدث عن السيدة مريم أم المسيح عليهما السلام نجد أنفسنا أمام شخصية أم ليست كمثلها أخرى من الأمهات بمن فيهن أمهات الأنبياء عليهم السلام.
فهى وإن كانت أماً بشخصيتها تظل أبداً ماثلة في سيرة ابنها ورسالته وهى تأخذ مكانتها مع أمهات الأنبياء أصحاب الرسالات الأربع الكبرى ويعلي من قدر أمومتها كونها سابقة على الإسلام. ومع كثرة الشخصيات النسوية في القرآن الكريم اختصت السيدة مريم أم المسيح بذكرها بصريح اسمها مع ابنها عليهما السلام دون سائر النساء وفيهن أمهات الأنبياء.
إن الله اصطفى آل عمران إذ جعل فيهم عيسى عليه السلام الذى اتاه البينات وأيده بروح القدس. والمراد بعمران والد مريم أم عيسى عليه السلام فهو عمران بن باشم بن ميشان حزقيا وينتهى نسبه إلى إبراهيم عليه السلام.إ ن في ذلك التسلسل لدليلاً على أن الله تعالى قد اقتضت حكمته أن يجعل في الإنسانية من يهديها إلى صراط مستقيم فبدأت بآدم وختمت بمحمد عليه الصلاة والسلام. وامرأة عمران هذه هى حنة بنت فاقوذا وهي أم مريم وجدة عيسى عليه السلام وزوجة عمران. ونرى في الدعاء الخاشع الذي دعته لربها «النذر» وهو من أسمى ألوان التقرب إلى الله قد توجهت إلى ربها بأعز ما تملك... وهو الجنين الذي فى بطنها ملتمسة منه سبحانه أن يقبل نذرها الذى وهبته لخدمة بيته وقيل إن هذا النذر يلزم صاحبه في شريعتهم في ذلك الوقت أى أن المحرر عندهم إذا حرر جعل فى الكنيسة يخدمها ولايبرحها مقيماً فيها حتى يبلغ الحلم ثم يتخير فإن أحب ذهب حيث شاء وإن اختار الإقامة لا يجوز له بعد ذلك الخروج. ولم يكن أحد من أبناء بني إسرائيل وعلمائها إلا ومن أولاده من حرر لخدمة بيت المقدس. ولم يكن يحرر إلا الغلمان ولا تصلح الجارية لما يصيبها من الحيض والأذى. وقد أجاب الله حنة لدعائها وحكى سبحانه ذلك فى قوله تعالى (فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً)(آل عمران: 37). والمعنى أن الله تقبل مريم قبولاً مباركاً وخرق بها عادة قومها فرضى أن تكون محررة فى بيته كالذكور مع أنها أنثى وفاء بنذر الأم التقية ورباها تربية حسنة وصانها من كل سوء فكان حالها كحال النبات الذى ينمو فى الأرض الصالحة حتى يؤتي ثماره الطيبة.
وهكذا وفر الله تعالى لمريم كل الوان السعادة الحقيقية فقد قبلها لخدمة بيته مع أنها أنثى وأنشأها نشأة طيبة بعيدة عن كل نقص خلقى أو خلقى، وهيأ لها وسائل المعيشة الطيبة حيث لا تحتاج.. وهذه التهيئة السابقة لمريم كانت إعداداً لأن تستقبل نفخة الروح وكلمة الله وأن تلد عيسى عليه السلام على غير مثال من ولادة البشر.
وقد جاءت قصة مريم في القرآن الكريم أنها فتاة عذراء وقديسة وهبتها أمها وهي فى بطنها لخدمة المعبد ولا يعرف عنها إلا الطهر والعفة حتى لتنتسب إلى هارون أبى سدنة المعبد الإسرائيلى المتطهرين ولا يعرف عن أسرتها إلا الطيبة والصلاح من قديم..