قال محمد بن همام : وروي أنها -مولاتنا الزهراء عليها السلام أروحنا لها الفداء-قبضت لعشر بقين من جمادي الاخرة ، وقد كمل عمرها يوم قبضت ثمانية عشر سنة وخمسا وثمانين يوما بعد وفاة أبيها ، فغسلها أميرالمؤمنين عليه السلام ، ولم يحضرها غيره والحسن والحسين وزينب وام كلثوم وفضة جاريتها وأسماء بنت عميس ، وأخرجها إلى البقيع في الليل ، ومعه الحسن والحسين وصلى عليها ، ولم يعلم بها ، ولا حضر وفاتها ، ولاصلى عليها أحد من سائر الناس غيرهم ، ودفنها بالروضة وعمي موضع قبرها .
وأصبح البقيع ليلة دفنت وفيه أربعون قبرا جددا ، وإن المسلمين لما علموا وفاتها جاؤوا إلى البقيع ، فوجدوا فيه أربعين قبرا ، فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور ، فضج الناس ولام بعضهم بعضا وقالوا : لم يخلف نبيكم فيكم إلا بنتا واحدة تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها والصلاة عليها ، ولا تعرفوا قبرها .
ثم قال ولاة الامر منهم : هاتم من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجدها فنصلي عليها ونزور قبرها ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين صلوات الله عليه فخرج مغضبا قد احمرت عيناه ، ودرت أوداجه وعليه قباه الاصفر الذي كان يلبسه في كل كريهة ، وهو متوكا على سيفه ذي الفقار ، حتى ورد البقيع ، فسار إلى الناس النذير وقالوا : هذا علي بن أبي طالب قد أقبل كما ترونه يقسم بالله لئن حول من هذه القبور حجر ليضعن السيف على غابر الاخر .
فتلقاه عمرو من معه من أصحابه وقال له : مالك يا أبا الحسن والله لننبشن قبرها ولنصلين عليها ، فضرب علي عليه السلام بيده إلى جوامع ثوبه فهزه ، ثم ضرب به الارض ، وقال له : يا ابن السوداء أما حقي فقد تركته مخافة أن يرتد الناس عن دينهم ، وأما قبر فاطمة فو الذي نفس علي بيده ، لئن رمت وأصحابك شيئا من ذلك لاسقين الارض من دمائكم ، فان شئت فأعرض ياعمر .
فتلقاه أبوبكر فقال : يا أبا الحسن بحق رسول الله وبحق من فوق العرش إلا خليت عنه فإنا غير فاعلين شيئا تكرهه ، قال : فخلى عنه وتفرق الناس ، ولم يعودوا إلى ذلك .
السلام على الزهراء وابيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها
قال صلى الله عليه واله : وأما ابتني فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين ، من الاولين والاخرين وهي بضعة مني ، وهي نور عيني ، وهي ثمرة فؤداي وهي روحي التي بين جنبي وهي الحوراء الانسية ، متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لاهل الارض ، ويقول الله عزوجل لملائكة ، ياملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي قائمة بين يدي ، ترتعد فرائصها من خيفتي ، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي ، اشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار .
وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي ، كأني بها وقد دخل الذل بيتها ، وانتهكت حرمتها ، وغصبت حقها ، ومنعت إرثها ، وكسر جنبها ، وأسقطت جنينها ، وهي تنادي : يامحمداه ، فلا تجاب ، وتستغيث ، فلا تغاث ، فلا تزال بعدي محزونة ، مكروبة ، باكية ، تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة ، وتتذكر فراقي اخرى ، وتستوحش إذا جنها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدت بالقرآن ، ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة .
فعند ذلك يؤنسها الله تعالى ذكره بالملائكة فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران فتقول : يا فاطمة " إن الله اصطفيك وطهرك واصطفيك على نساء العالمين " يافاطمة " اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين "
ثم يبتدي بها الوجع فتمرض فيبعث الله عزوجل إليها مريم بنت عمران تمرضها وتؤنسها في علتها ، فتقول عند ذلك : يارب إني قد سئمت الحياة وتبر مت بأهل الدنيا ، فألحقني بأبي ، فيلحقها الله عزوجل بي ، فتكون أول من يحلقني من أهل بيتي ، فتقدم علي محزونة ، مكروبة ، مغمومة ، مغصوبة ، متقولة ، فأقول عند ذلك : اللهم العن من ظلمها ، وعاقب من غصبها ، وذلل من أذلها ، وخلد في نارك من ضرب جنبيها حتى ألقت ولدها ، فتقول الملائكة عند ذلك : آمين .
عن الصادق ، عن أبيه عليهما السلام قال : قال جابر بن عبدالله : سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول لعلي بن أبي طالب عليه السلام قبل موته بثلاث : سلام عليك يا أبا الريحانتين ، اوصيك بريحانتي من الدنيا ، فعن قليل ينهدر كناك ، والله خليفتي عليك .
فلما قبض رسول الله صلى الله عليه واله قال علي عليه السلام : هذا أحد ركني الذي قال لي رسول الله صلى الله عليه واله ، فلما ماتت فاطمة عليها السلام قال علي عليه السلام : هذا الركن الثاني الذي قال رسول الله صلى الله عليه واله .
السلام عليك يامولاتي ياممتحنة السلام عليك وعلى ابيك وبعلك وبنيك والسرّ المستودع فيكِ
أبي انت وامي يامولاتي يازهراء