- إن كل حركة يقوم بها المؤمن ، لابد لها من فقهٍ ظاهري وباطني، ليخرج بعدها باستفادة كبرى .. ومن هذا المنطلق ، أحببنا التنويه على ملاحظات مهمة في هذا المجال ، وذلك لأن عطاء هذه المواسم كعطاء الشمس ، فهي واحدة في أصل العطاء ، ومتعددة في أثارها الخارجية ، بحسب القابليات ، واختلاف درجات المستقبلين لهذا العطاء..
- هنالك تأكيد بليغ في روايات أهل البيت عليهم السلام على مسألة البكاء ، فلماذا أعطي البكاء هذا القدر من الأهمية ؟.. ما الذي تكشفه هذه الدموع حتى يقول الإمام الرضا : ( مَنْ تَذَكَّرَ مُصَابَنَا وَبَكَى لِمَا ارْتُكِبَ مِنَّا ، كَانَ مَعَنَا فِي دَرَجَتِنَا يَوْمَ القِيَامَة ) ؟.. إن الدمعة التي أعطيت هذا القدر من الأهمية ، لهي تلك الدمعة المؤثرة في سلوك الإنسان ، والتي ترقى به نحو الكمال ، التي تجنبه المعاصي والذنوب ، وتجعله يسير في الخط الذي سار فيه الحسين ، خط الشهادة والتضحية والفداء في سبيل الله ، فتجعله يلعن ويتبرأ من أعداء الله ورسوله ، وإلا فإن هذه الدموع قد تجري لأي سبب -مرض أو غيره- ، ولا قيمة لها.. إذن، إن البكاء هو موقف فكري نظري ، وإحساس قلبي ، وسلوك عملي ، هو صرخة ضد الظلم في كل مكان وزمان.. ترى هل حققنا في بكائنا على الحسين ذلك الأثر ؟.. أم أنه كان بكاءً باهتاً لا قيمة له ، ومجرد قطرات من الدمع تسيل على الخدين ؟.
- ونحن لماذا نبكي على الحسين ، فإن الشهداء والمظلومون كثيرون طوال التأريخ ؟. نحن إنما نقف هذا الموقف لأن حقه علينا عظيم ، فلولا دم الحسين ما بقي من الإسلام شيء .. كما قال النبي : ( إِنَّ لِقَتْلِ الحُسَيْنِ حَرَارَةً فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لَا تَبْرُدُ أَبَدَا ).
- كما أن الصائم نَفَسه تسبيح ونومه عبادة ،كذلك حال المعزي لأهل البيت عليهم السلام .. فلننظر جيداً ماذا يقول إمامنا الصادق : ( نَفَسُ المَهْمُومِ لِظُلْمِنَا تَسْبِيح، وَهَمُّهُ لَنَا عِبَادَة، وَكِتْمَانُ سِرِّنَا جِهَادٌ فِي سَبِيلِ الله ).. ألا ينبغي للمؤمن بعد ذلك أن يشكر الله تعالى على هذه النعمة ؟..
- إن الظالمين -الطغاة الفجرة الفسقة- حاولوا طوال التأريخ وبشتى الطرق والأساليب طمس ذكر الحسين ، ولكنهم ما فلحوا ولن يفلحوا : { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }.
- إن مجالس ذكر الحسين إنما هي في واقعها ذكر لله تعالى ، فإنه إنما اكتسب الخلود ، بتحقيقه أعلى صور العبودية لرب العالمين ، وهي الفداء بالنفس ، وأية نفس ؟!.. وعليه فلابد من توقير تلك المجالس بالدخول فيها بالتسمية والطهور، واستحضارها كجامعة من أعرق الجامعات الإسلامية الشعبية ، والتي تضم في قاعاتها المتعددة - من أكواخ البوادي إلى أفخم الأبنية - مختلف الطبقات الاجتماعية ، وهذا أيضاً من أسباب التفوق العلمي في القاعدة الشعبية للموالين نسبة إلى غيرهم ، وذلك لتعرضهم لهذا الإشعاع النوري منذ نعومة أظفارهم.
- لابد لأصحاب المجالس من أن يقصدوا القربة الخالصة لله تعالى ، فإن الناقد -كما نعلم- بصير ، بعيدين عن كل صور الشرك الخفي.. ومما لا شك فيه أن البركات -التي ذكرت من خلال النصوص الكثيرة- مترتبة على مثل هذه النية الخالصة.. وعلامة ذلك : عدم الاهتمام بعدد الحضور ، وإطرائهم ، وما يعود إلى مثل هذه العوالم التي قد تستهوى عامة الخلق ؛ فالأجر مرتبط بما يقوم به هو ، لا بما يقوم به الآخرون .. فما عليك إلا أن تفتح بابك ، وتنشر بساطك ، كما ذكر الصادق في باب المعاملة.
- لنستغل ساعة الدعاء بعد انتهاء المجلس ، فإنها من ساعات الاستجابة.. وحاول أن يكون لك جو من الدعاء الخاص ، غير مكتف بما دعا به الخطيب.. فالملاحظ أن الدعاء بعد المجلس لا روح فيه بشكل عام ، أي بمعنى أن الناس لا ينظرون إلى هذه الفقرة نظرة جد واعتناء ، وكأن الحديث مع الرب المتعال أمر هامشي ، لا يعطى له ما يستحقه من الالتفات ، والحال أنه من الممكن أن يحقق العبد حاجاته الكبرى بعد الدموع التي جرت على أحب الخلق إلى الله تعالى في زمانه.