شبان آخر زمن.. يعودون بثياب «الخكر» وتأنيث «المرجلة»!
بتاريخ : 20-02-2010 الساعة : 11:29 AM
ألح عليه أبناؤه أن يشتري لهم وجبة خفيفة من أحد المطاعم المعروفة، وما أن دخل المطعم حتى دهش بصمت رهيب يخيّم على المكان- على غير العادة- وعيون الزبائن وأسماعهم مشدودة إلى التلفزيون، وهو يبث خبر اعتداء آثم نفّذه أحد المتطرفين في بلادنا، ولم يفق من دهشته إلا على صوت ناعم يخترق هدوء المكان: مشمش.. مشمش! وقبل أن يلتفت إلى الصوت القادم، فوجئ بصوت يرد من الجهة الأخرى: لبيه يا عمري! فحدّق كثيراً في المجيب، وإذا بمشمش شاب عشريني، «لابس من غير هدوم» -على رأي عادل إمام- وشعره معلّق من الخلف ببكلة نسائية، وفي عنقه قلادة تضيء المكان، وبالكاد يحرك شفتيه، وهو يمضغ لبانةً..وفي الجهة الأخرى كان المنادي بملابسه الضيقة المخجلة وشعره الملّون لا يقل تكسراً عن رفيق دربه «مشمش»!..فخرج صاحبنا، وهو يقول: معقول أنا في السعودية!.
جذور عربية تاريخية
هذه نماذج عربية الأصل والمنشأ، وإن استفادت من تجربة الآخرين العصرية، ولسنا مع صاحبنا المندهش، فالتطرف –بطرفيه المتباينين- ليس نبتة غريبة على مجتمعنا العربي، ففي الوقت الذي كان فيه الخوارج يريقون دماء المسلمين بحجة تكفير أصحاب المعاصي، مستحلين دماء المسلمين..كان الجانب الآخر يشهد شريحة من المجتمع انغمست في اللهو والميوعة والتكسر حتى فقدت رجولتها، وأطلق مجتمعها عليها لقبا دالّا اجتماعياً،وبعد أن بلغت مبلغ التأثير في المجتمع المدني كتب الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك – وكان شديد الغيرة- إلى واليه في المدينة مانصهأحص لي من في المدينة من هؤلاء..)، فأوقع الكاتب –عامداً أو ساهياً- نقطة على حاء (أحص)، فجمعهم الوالي و-الجزار يشحذ شفرتيه- في يوم أسود، غابت عنه "حقوق الإنسان" فلم يسلم منهم أحد!.
واقعنا اليوم
وفي الآونة الأخيرة عادت هذه الظاهرة القديمة إلى السطح بشكل لافت للنظر، يؤججها المنعطف العولمي؛ بفضائياته المفتوحة التي أثّرت في بعض شبابنا تأثيراً سلبياً كشف عن هشاشة تأسيسهم إلى الدرجة التي أصبحوا-معها- غير قادرين على تمحيص الأفكار والسلوكيات، وعاجزين عن انتقاء واختيار الأنسب لعاداتنا وتقاليدنا وأعرافنا.
ولعل من أظهر السلوكيات المنبوذة التي أطلت على مجتمعنا بعد غياب- مما يسمى شعبياً ب"التقليعات"- إطالة الشعر بطريقة غريبة لم تعد معه مجرد (تقليعة) لطفرة مراهقة، وإنما تصاعدت بشكل مخيف وبتجاوزات غير متوقعة، حيث لم يقف بعض الشبان عند حد إطالة الشعر وقصاته المستهجنة، بل أوصلوه بربطات خلفية ذات أشكال غريبة، سابقوا بها النساء والفتيات، فضلا عن الأصباغ الملونة، والتنافس في لبس القلائد وأساور الساعدين، وإطالة الأظافر، واللهجات الغربية، بل إن بعضهم جاوز الفتيات المتحررات في ارتداء الملابس الضيقة الفاتنة، وزادوا بدلٍّ ودلال ملؤه الميوعة والتحلل واللين المتناهي، وبحركات تحاكي الإغراء الاستعراضي لغانيات القنوات الفضائية.
هذه الظاهرة "المشكلة" آخذة في التزايد بشكل تترهل معه بنية الرجولة، حاملة معها ما ينذر بانحرافات تقترب من مقدمات الشذوذ الجنسي.
"الرياض" ناقشت هذه القضية الاجتماعية مع بعض المتخصصين والمهتمين بمثل هذه المشكلات، فكان الطرح التالي..
مقدمات اضطراب الجنس
في البدء يرجع د.عماد عبد الرازق –أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة طيبة- أسباب هذه الظاهرة إلى ضعف الوازع الديني، والإعلام بوسائله وما ينشره ويبثه من أفلام وبرامج وصور وإعلانات وقصص تبرز هذه السلوكيات، والغياب النفسي للوالدين، إلى جانب الاعتماد على الخدم واتباع أساليب التنشئة الاجتماعية الخاطئة، وكذلك تدني المستوى الفكري والثقافي لدى عدد ليس بقليل من الشباب، يضاف إلى ذلك كثرة العمالة الأجنبية داخل المجتمع السعودي والتي تأتي بثقافات قد لا تتناسب مع الثقافة الإسلامية والسعودية خصوصاً، والتقليد الأعمى لنجوم الفن والرياضة، مؤكداً على أن الإسراف في هذه التقليعات -ودون وعي من الشباب والأطفال- قد يؤدي إلى بعض الانحرافات الخطيرة ومنها ما يسمى اضطراب الهوية الجنسية أو التحول الجنسي والتشبه بالجنس الآخر، داعياً إلى تكثيف برامج التوعية، وتعزيز القيم والعادات الإسلامية.
دور الأسرة
ويرى الأستاذ خالد الحميدي رئيس قسم التربية وعلم النفس في كلية المعلمين في عرعر أن هذه السلوكيات تشوه معالم الرجولة، مرجعاً أسبابها -وبخاصة في هذه المرحلة العمرية - إلى أزمة في الهوية الأيديولوجية والاجتماعية نتيجة للصعوبات الاجتماعية والثقافية والفكرية والاقتصادية التي تكتنف هذه الشريحة اليوم، مما يؤدي إلى فشلهم في تحقيق هويتهم، وبالتالي يتجهون لمثل هذه السلوكيات الخاطئة التي يمارسونها محاولة منهم البحث عن ذواتهم من خلال الآخرين، والحل- في رأي الحميدي- تسليط الضوء في هذه القضية على عملية التنشئة الاجتماعية، والتي تشترك فيها عدة مؤسسات،منها: الأسرة، المدرسة، الأقران، وسائل الإعلام، ودور العبادة، والتركيز بدرجة أكبر على دور الأسرة التي كانت ولازالت أقوى مؤسسة اجتماعية تأثيراً في تكوين شخصية الإنسان؛ لأنها هي النواة الأساسية
للمجتمع، والتي في أحضانها ينعم الفرد بدفء العناية والرعاية والحب والأمان، حتى يشب ويستطيع الاعتماد على نفسه والانطلاق في دروب الحياة، بينما يرى تركي بن رضيمان –رئيس نادي عرعر الرياضي- أن إنبهار شبابنا بالمشاهير من اللاعبين الغربيين وغيرهم من خلال نجاحهم العملي أو الرياضي تم تقليد هيئتهم وأشكالهم، ظنا من المقلد أن ذلك يجعله في مصاف أولئك النجوم في نجاحهم المهني..
مسايرة الموضة
أما د.عبدالعزيز بن علي الغريب -أستاذ علم الاجتماع المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- فيشير إلى أن فئة الشباب تمثل شريحة كبيرة في المجتمع السعودي، حيث وصلت إلى 10 ملايين، وبالتالي أي سلوك أو مظهر يبرز على هذه الفئة يصبح سلوكا مشاهداً بحكم نسبتها المرتفعة، ويرجع أول أسباب هذه القضية- التي لا يرى أنها وصلت حد الظاهرة- إلى نوازع شخصية مرتبطة بطبيعة مرحلة الشباب المشغوفة بالتجريب والمغامرة وتقليد الآخرين ومسايرة الموضة وحب البروز والتميّز، مؤكداً على أن من ينتقدون الشباب الآن مروا بسلوكيات تتناسب مع واقع مجتمعاتهم وتلقوا اللوم عليها من الفئات العمرية الأكبر سناً..
الظروف الاقتصادية والخروج على السلطة الأبوية:
ويعيد د.الغريب دوافع هذه السلوكيات –من جهة ثانية- إلى عوامل اجتماعية تتمثل في مجتمعنا السعودي بالذات من ناحية الظروف المادية الجيدة نسبياً.. وارتفاع مستوى التعليم، والانفتاح على العالم الخارجي.. والاستخدام الهائل للتقنية..ومتابعة ما يستجد من الموضة .. وتغير أساليب التنشئة الاجتماعية، وبروز الاعتمادية واتخاذ القرار في سن مبكرة، والخروج على السلطة الأبوية وسلطة الأسرة.. والتباعد الأسري.. وزيادة نسبة السكان.. والتحضر العالي للمجتمع، كذلك تحول المناطق التقليدية إلى مناطق حضارية واسعة، وبالتالي يمارس الشخص في المناطق الحضارية سلوكاً لا يمكن أن يمارسه في المناطق القروية أو الصغيرة التي تكون فيها العلاقات أولية.
عادوا من جديد!
وعندما سألنا الغريب عن أن القضية ليست موضة بل تجاوزت إلى مقدمات للشذوذ الجنسي أجاب: في علم الاجتماع لا يمكن أن نعتبر حالات معينة ظاهرة، فهذه السلوكيات كانت موجودة، وكانت بعض شوارع مدينة الرياض تشهد مثل هذه الحالات، ويطلق عليهم حينذاك:"خكر" أو "قوم وجدي" وكانوا يلبسون الثياب الضيقة ويطيلون الشعر.. هذا الكلام في التسعينيات الهجرية،
وعندما جاءت الصحوة الدينية -إن صح التعبير- قضي على كثير من المظاهر السلوكية ليس بالاقتناع، بقدر ما هو بسلطة وجود جهاز رسمي يحارب تلك السلوكيات، وهو جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أسس تقريبا في نهاية التسعينيات، مشدداً على أن هذه السلوكيات موجودة، وعلماء الاجتماع يقولون: إن الموضات لا تؤثر على البناء الاجتماعي، بل هي مرحلة طبيعية، ولا يمكن القضاء عليها، لأنه سيأتي موضات أخرى، وعلى المجتمع أن يكون واعياً لما يؤثر على بنائه ونسقه الاجتماعي أكثر من أنه يواجه مشكلات مؤقتة-على حد قوله-.
لا تظلموا الشباب!
ومع إلحاح د.الغريب على أن هناك سلوكيات عمرية تحتاج إلى تدخل إيجابي، فقد انتقد أسلوب بعض الأجهزة الحكومية التي تتصدى لهذه النزوات بأسلوب صارم، شاجباً التعامل مع الشباب بصرامة، مع تأكيده على أن هذه السلوكيات المنافية للطبيعة والقيم الإنسانية العامة تحتاج إلى معالجة تربوية نفسية اجتماعية متخصصة، وأكرر متخصصة وليس من نصبوا أنفسهم متخصصين ومستشارين لمجرد الظهور في الفضائيات، مؤكداً على أن الشباب ظلم كثيراً في أساليب التعامل الصارمة إلى حد الإقصاء، وآن لنا أن ننظر نظرة إيجابية لهم، فهم عماد اقتصادنا ومستقبلنا المشرق، داعياً إلى معالجة قضايا الشباب من منظور واسع جدا، فهم جزء من العالم الذي لا يمكن أن نغلق نوافذه أمامهم، أو يكونوا بمعزل عنه، وكل المجتمعات تعاني من قضايا شبابها وإن اختلفت النسب، لكن ما يميز المجتمعات الغربية انفتاحها على قضايا الشباب وحلها بأساليب حضارية، داعياً أيضاً إلى معالجة الخلل في التعليم التلقيني الذي وصل إلى أسوار الجامعات فأصبحت ثانويات كبيرة!!.
الحرية الشخصية
من جهة أخرى أكد الدكتور مفلح القحطاني نائب رئيس جمعية حقوق الإنسان أن أي حرية لا بد أن يكون لها ضابط، وأن الضابط في مثل هذه الحالات السلوكية النص الديني أو النص النظامي والعرف المجتمعي، فإذا أتينا إلى مثل هذه التصرفات قلنا:إنها حرية شخصية ما لم تتعارض مع ما سبق الإشارة إليه من ضوابط، مشيراً إلى أنه ليس من مؤيدي العقوبات، ولكنه يرى التثقيف والتوعية المجتمعية حلا ناجعاً، لأن العقوبة وإن صدرت من حين لآخر، فستتجدد هذه السلوكيات، ولكن الأفضل أن يكون هناك غرس للقيم الصحيحة وإيضاح السلوكيات الخاطئة منذ الصغر، منبهاً إلى أنه قد يكون هناك نوع من التقصير في التواصل مع هذه الفئات الشبابية التي تصدر منها هذه السلوكيات، ملقياً باللائمة على المدرسة والأسرة والمجتمع بشكل عام.
وحول سؤال "الرياض" فيما لو أقر عقاب يصاحبه برامج التثقيف والعلاج، فهل ستعارض حقوق الإنسان على ذلك؟، قال: إذا كانت عقوبات جسدية فقد يكون فيها إشكالية، وكذلك عقوبة السجن أيضاً، أما العقوبات المجتمعية التي يكون فيها إصلاح الشباب وخدمة المجتمع، كخدمة المسجد أو خدمة مرفق حكومي معين، فمثل هذه العقوبات هي التي يكون فيها فائدة للشباب في غرس آلية العمل عندهم، وفي الوقت نفسه لا تلحق بهم ضررا، لأن عقوبة الشاب بالسجن تجعله يختلط هناك ببعض المجرمين ومرتكبي الجنح والمخالفات، فيؤثر ذلك على نفسيته مستقبلاً، أو يكون ضحية داخل هذا السجن لاعتداء الآخرين!.
وفي إجابة له عن سؤال "الرياض" في قضية قبول صاحب هذه السلوكيات في الوظيفة أو الجامعة مثلاً، وهو لم يتخل عن سلوكه الخاطئ، قال القحطاني: لاشك أن من يصر على مثل هذه السلوكيات عنده مشكلة نفسية، وبالتالي يحال إلى عيادة نفسية لدراسة حالته، وما الأسباب التي تدعوه أو دعته إلى مثل هذه المظاهر؟ وأنا لست مع حرمانه من حق التعليم أو حق الوظيفة، وإنما مع علاجه أو إصلاحه، فبعضهم يحتاج إلى إصلاح سلوكي، وقد يكون بعضهم بحاجة إلى علاج عضوي. وعن قبول أصحاب هذه السلوكيات في الوظائف التي تتطلب قدوة كقبوله في كليات التربية التي تخرج معلمين قال: الإشكالية أن مثل هذه الوظائف قيادية، وفيها تربية وقدوة للآخرين، وأعتقد أن الجهات التي تعين من يشغل مثل هذه المناصب لا يمكن أن تقوم باختيار من لا يكون قدوة في نفسه كي يكون قدوة للآخرين، هذه ابتداء، أما إذا ثبت أن من يقوم بهذه الأعمال مسؤول عن آخرين، فيفترض أن يكون هناك علاج لوضعه يضمن عدم اقتداء الآخرين به.