بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وال محمد الطاهرين
انك حميد مجيد
خبر الجاثليق: روى الديلمي في الارشاد عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه)
انه لما بلغ ملك الروم خبر وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخبر أمته واختلافهم - أمر العلماء الذين في مملكته أن يختاروا من بينهم رجالا يحققوا ذلك فاختاروا مائة رجل يقدمهم جاثليق لهم قد أقرت له جميع الروم بالعلم والفضل، فقدموا المدينة ولما نزلوا عن رواحلهم سألوا عن خليفة رسول الله صلى الله عليه واله
فدلوهم على أبي بكر فأتوا مسجد رسول الله ودخلوا على أبي بكر وهو في جماعة من قريش فيهم عمر بن الخطاب وأبو عبيدة ابن الجراح وخالد بن الوليد وعثمان بن عفان وباقي القوم فوقفوا عليه
وقال زعيمهم: ارشدونا الى القايم مقام نبيكم فانا قوم من الروم على دين المسيح عيسى بن مريم قدمنا لما بلغنا من وفاة نبيكم واختلافكم نسأل عن صحة نبوته ونسترشد لديننا ونتعرض دينكم فأن كان أفضل من ديننا دخلنا فيه وسلمنا وقبلنا الرشد منكم طوعا وأجبناكم الى ملة نبيكم وإن كان على خلاف ما جاءت به الرسل وجاء به عيسى عليه السلام - رجعنا الى دين المسيح فأيكم صاحب الامر بعد نبيكم ؟
فقالوا: هذا صاحب الأمر بعد نبينا وأشاروا الى أبي بكر،
قال الجاثليق: هو هذا الشيخ ؟ فقالوا: نعم، فقال أيها الشيخ أنت الوصي لمحمد وأنت العالم المستغني بعلمك القائم بعد نبيك بأمر هذه الامة
قال أبو بكر لا ما أنا بوصي
قال فما أنت
فقال عمر: هذا خليفة رسول الله،
قال النصراني: أنت خليفة رسول الله استخلفك في أمته
قال أبو بكر لا،
قال فما هذا الاسم الذي ابدعتموه بينكم فأنا قرأنا كتب الأنبياء فوجدنا الخلافة لا تصلح إلا لنبي من أنبياء الله عز وجل جعل آدم خليفة فرض طاعته على أهل السماء والأرض ونوره باسم داود فقال تعالى: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض) فكيف تسميت بهذا الاسم ومن سماك به. أنبيك سماك به
قال لا ولكن تراضوا الناس فولوني واستخلفوني
فقال النصراني: أنت خليفة قومك لا خليفة نبيك وقد قلت أن نبيك لم يوص إليك وقد وجدنا في سنن الأنبياء أن الله لم يبعث نبيا إلا وله وصي يوصي إليه ويحتاج الناس كلهم الى علمه وهو مستغن بعلمه وقد زعمت أنه لم يوصي كما أوصت الأنبياء وادعيت أشياء لست أهلها وما أراكم إلا وقد دفعتم نبوة محمد وقد أبطلتم سننن الأنبياء في قومهم قال ثم التفت الجاثليق الى أصحابه فقال أن هؤلاء يقولون: أن محمدا لم يأتهم بالنبوة وانما كان أمره بالغلبة ولو كان نبيا لأوصى كما أوصت الأنبياء وخلف فيهم كما خلفت الأنبياء من الميراث والعلم فلسنا نجد عند القوم أثر ذلك ثم التفت كالأسد وقال يا شيخ ما أنت فقد أقررت بأن محمدا لم يوصي إليك ولا استخلفك وانما تراضوا الناس ولو رضي الله عز وجل لرضاء الخلق واتباعهم لهوائهم واختيارهم لأنفسهم - ما بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأتاهم الكتاب والحكمة ليبينوا للناس فقد دفعتم النبيين عن رسالاتهم فلا بد أن نحتج عليكم حتى نعرف سبيل ما تدعون إليه ونعرف الحق فيكم بعد نبيكم أصواب ما فعلتم بايمان أم بجهل وكفر،
قال فالتفت أبو بكر الى أبي عبيدة لأن يجيب فلم يحر جوابا
ثم التفت الجاثليق الى أصحابه فقال بناء القوم على غير أساس ولا أرى حجة لهم افهمه،
قالوا: بلى،
ثم قال لأبي بكر يا شيخ أسألك قال سل قال اخبرني عني وعنك ما أنت عند الله وما أنا ؟
قال أما انا فعند نفسي مؤمن وما أدري ما انا عند الله فيما بعد، وأما أنت فعندي كافر ولا أدري ما أنت عند الله،
قال الجاثليق: أما أنت فقد نسبت نفسك الكفر بعد الأيمان وجهلت مقامك في إيمانك محق أنت فيه أم مبطل وأما أنا فقد منيتني الأيمان بعد الكفر فما
أحسن حالي وأسوأ حالك عند نفسك أن تدري بما لك عند الله
ثم قال يا شيخ أين مكانك الساعة من الجنة إذا ادعيت الايمان وأين مكاني من النار ؟ قال فالتفت أبو بكر الى عمر وأبي عبيدة مرة ثانية أن يجيب عنه فلم ينطق أحد منهما فقال لا أدري اين مكاني وما حالي عند الله،
فقال الجاثليق: يا هذا اخبرني كيف اخترت لنفسك أن تجلس هذا المجلس وأنت محتاج الى علم غيرك،
قال سلمان فلما رأيت ما نزل بالقوم من البهت نهضت لا أعقل اين أضع قدمي حتى وصلت باب أمير المؤمنين فدققت عليه الباب فخرج وهو يقول: ما دهاك يا سلمان فقلت يا مولاي هلك دين الله وأخبرته بخبر النصراني
فأقبل علي معي حتى دخل على القوم وهم في أسوأ حالة من الذل
فألتفت علي الى النصراني وقال يا هذا أقبل علي بوجهك وأقصدني بحجتك فعندي ما يحتاج الناس إليه فيما يأتون ويذرون وبالله التوفيق فتحول النصراني إليه
وقال انا وجدنا في كتب الأنبياء ان الله لم يبعث نبيا قط إلا وكان له وصي يقوم مقامه وقد بلغنا اختلاف عن أمة محمد في مقام نبوته وادعاء قريش على الأنصار وادعاء الأنصار على قريش فأتينا عن ملكنا نبحث عن دين محمد ونعرف سنن الأنبياء فيه فأرشدونا الى هذا الشيخ فسألناه فوجدناه فظا غليظ القلب
فقال: عندي الشفاء لصدوركم والضياء لقلوبكم فأقبل علي بوجهك وفرغ لي مسامع قلبك واحضرني ذهنك وأعي ما أقول لك: ان الله بمنه وطوله له الحمد قد صدق وعده واعز دينه ونصر محمدا عبده ورسوله وهزم الاحزاب وحده فله الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير تبارك وتعالى اختص محمدا واصطفاه وهداه وانتجبه لرسالته الى الناس كافة برحمته والى الثقلين برأفته وفرض طاعته على أهل السماء والأرض وجعله إماما لمن قبله من الرسل وخاتما لمن بعده من الخلق وورثه مواريث الأنبياء وأعطاه مقاليد الدنيا والآخرة واتخذه نبيا ورسولا وحبيبا وإماما ورفعه وقربه عن يمين عرشه بحيث لم يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل فأوحى الله إليه في وحيه ما كذب الفؤاد ما رأى وأنزل علاماته على الأنبياء وأخذ ميثاقهم لتؤمنن به ولتنصرنه ثم قال للأنبياء: (أقررتم على ذلك إصري قالوا اقررنا قال فأشهدوا وأنا معكم من الشاهدين)، وقال: (يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم
بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعززوه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه فأولئك هم المفلحون)، فما مضى حتى اتم الله عز وجل مقامه وأعطاه وسيلته ورفع له درجته فلن يذكر الله عز وجل إلا كان معه مقرونا وفرض دينه ووصل طاعته بطاعته فقال: (ومن يطع الله ورسوله فقد أطاع الله)، وقال: (ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فأنتهوا)، فأبلغ عن الله عز وجل رسالته وأوضح برهان ولايته واحكم آياته وشرع شرايعه وأحكامه ودلهم على سبيل نجاتهم وباب هداه وحكمته وكذلك بشر به النبيون قبله وبشر به عيسى روح الله وكلمته إذ يقول في الانجيل: " أحمد العربي النبي الامي صاحب الجمل الأحمر والقضيب "، وأقام لأمته وصيه فيهم وعيبة علمه وموضع سره ومحكم آيات كتابه وتاليه حق تلاوته وباب حطته ووارث كتابه وخلفه مع كتاب الله فيهم وأخذ فيهم بالحجة فقال : قد (خلفت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وهما الثقلان كتاب الله الثقل الاكبر حبل ممدود من السماء الى الأرض سبب بأيديكم وسبب بيد الله عز وجل وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فلا تتقدموهم فتمرقوا ولا تأخذوا عن غيرهم فتعطبوا ولا تعلموهم فأنهم اعلم منكم، وأنا وصيه والقائم بتأويل كتابه والعارف بحلاله وحرامه وبمحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وأمثاله وعبره وتصاريفه وعندي علم ما تحتاج إليه أمته من بعده وعندي علم البلايا والمنايا والوصايا والانساب وفصل الخطاب ومولد الاسلام ومولد الكفر وصاحب الكرات ودولة الدول فاسألني عما يكون الى يوم القيامة وعما كان على عهد عيسى منذ بعثه الله وعن كل وصي وعن كل فئة تضل مائة وتهدي مائة وعن سائقها وقائدها وناعقها الى يوم القيامة وعما كان على عهد عيسى منذ بعثه الله تعالى وكل آية نزلت في كتاب الله في ليل أم نهار وعن التوراة والانجيل والقرآن العظيم فانه صلوات الله عليه لم يكتمني شيئا من علمه ولا شيئا يحتاج إليه الامم من أهل التوراة والانجيل واصناف الملحدين واحوال المخالفين واديان المختلفين، إذ كان خاتم النبيين بعدهم وعليهم فرضت
طاعته والايمان به والنصر له تجدون ذلك مكتوبا في التوراة والانجيل والزبور وفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى ولم يكن ليضيع عهد الله عز وجل في خلقه ويترك الامة تائهين بعده وكيف يكون ذلك وقد وصفه الله تعالى بالرأفة والرحمة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر واقامة القسطاس وان الله عز وجل اوحى إليه كما اوحى الى نوح والنبيين من بعده وكما اوحى الى موسى وعيسى وصدق الله وبلغ رسالته وانا على ذلك من الشاهدين وقد قال تبارك وتعالى: " وكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا "، وقال: (وكفى بالله شهيد بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) قد صدقه الله واعطاه الوسيلة إليه والى الله عز وجل فقال: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)، فنحن والله الصادقون وأنا اخوه في الدنيا والآخرة والشاهد عليهم بعده وانا وسيلته بينه وبين امته وانا وولدي ورثته وانا وهم كسفينة نوح في قومه من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق وانا وهم كباب حطة في بني اسرائيل وانا منه بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعده وانا الشاهد منه في الدنيا والآخرة ورسول الله على بينة من ربه وفرض طاعتي ومحبتي على أهل الأيمان وأهل الكفر وأهل النفاق فمن احبني كان مؤمنا ومن ابغضني كان كافرا والله ما كذبت ولا كذبت ولا ضللت ولا ضل بي وأني على بينة بينها ربي عز وجل لنبيه محمد فبينها لي فأسألوني عما كان وعما هو كائن الى يوم القيامة، قال فالتفت الجاثليق الى اصحابه وقال: هذا والله هو الناطق بالعلم والقدرة والفائق الرائق ونرجوا من الله ان يكون قد صادفنا حظنا ونور هدايتنا وهذه والله حجج الأوصياء من الأنبياء على قومهم، قال التفت الجاثليق الى علي فقال كيف عدل القوم بك عن قصدهم إياك وادعوا ما أنت أولى به منهم إلا وقد حق القول عليهم فضروا انفسهم وما ضر ذلك الأوصياء مع ما اغناهم الله به من العلم واستحقاق مقامات رسله
فأخبرني ايها العالم الحكيم ما أنت عند الله وما أنا ؟
قال علي : اما انا فعند الله عز وجل وعند نفسي مؤمن مستيقن بفضله ورحمته وهدايته ونعمه علي وكذلك اخذ الله عز وجل جلاله ميثاقي على الأيمان وهداني لمعرفته ولا اشك في ذلك ولا ارتاب ولم ازل على ما أخذه الله
علي من الميثاق ولم أبدل ولم اغير وذلك بمن الله ورحمته وصنعه انا في الجنة لا اشك في ذلك ولا ارتاب وأما أنت فعند الله كافر بجحودك الميثاق والاقرار الذي اخذ الله عليك بعد خروجك من بطن أمك وبلوغك العقل ومعرفة التمييز للجيد والردئ والخير والشر واقرارك بالرسل وجحودك لما انزل في الانجيل من أخبار النبيين عليهم الصلاة والسلام ما دمت على هذه الحالة كنت في النار، قال فأخبرني عن مكاني من النار ومكانك من الجنة فقال أما الآخرة فلم ادخلها فأعرف مكاني من الجنة ومكانك من النار ولكن اعرفك ذلك من كتاب الله عز وجل ان الله جل جلاله بعث محمدا بالحق وانزل عليه كتابا " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد " احكم فيه جميع علمه وأخبرني رسول الله عن الجنة بدرجاتها ومنازلها وقسم الله جل جلاله الجنان بين خلقه لكل عامل منهم ثوابا منها واجلهم على قدر فضائلهم في الأعمال والأيمان فصدقنا الله وعرفنا منازل الفجار وما أعد لهم من العذاب في النار وقال لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم فمن مات على كفره وشركه ونفاقه وظلمه وقسوته فلكل باب منهم جزء مقسوم وقد قال عز وجل: " ان في ذلك لآيات للمتوسمين " وكان رسول الله هو المتوسم وانا وذريتي المتوسمين الى يوم القيامة. فالتفت الجاثليق الى أصحابه وقال: قد اصبتم ارادتكم وأرجو أن تظفروا بالحق إلا أني نصبت له مسائل فأن أجابنا عنها نظرنا في أمرنا وقبلنا منه قال علي فأن اجبتك عنها تدخل في ديننا قال نعم فقال علي: خذ على أصحابك الوفاء فأخذ عليهم العهد ثم قال علي: سل عما احببت قال أخبرني عن الله أحمل العرش أم العرش يحمله ؟ قال عليه السلام الله حامل العرش والسماوات والأرضين وما فيهما وما بينهما وذلك قول الله (يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده أنه كان حليما غفورا)، قال أخبرني عن قول عز وجل (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) فكيف ذلك وقلت انه يحمل العرش والسماوات والأرض قال علي ان العرش خلقه الله تعالى من أنوار أربعة نور أحمر احمرت منه الحمرة ونور أخضر اخضرت منه الخضرة ونور أصفر أصفرت منه الصفرة ونور أبيض ابيض منه البياض وهو العلم
الذي حمله الله الحملة وذلك نور من عظمته فبعظمته ونوره ابيضت منه قلوب المؤمنين وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات والأرض إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة والأديان المشتتة وكل محمول يحمله الله نوره ونور عظمته وقدرته لا يستطيع لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا فكل شئ هو حياته ونوره تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا، قال فأخبرني عن الله عز وجل اين هو قال هو هاهنا وهاهنا وهاهنا وهو فوق وتحت ومحيط بنا ومعنا وهو قوله (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم)، والكرسي محيط بالسماوات والأرض فالذين يحملون العرش هم العلماء وهم الذين حملهم الله علمه وليس يخرج عن هذه الأربعة شئ، وخلق الله في ملكوته وهو الملكوت الذي أراه إبراهيم فقال (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) فكيف يحمل العرش لله وبحياته حييت قلوبهم وبنوره أهتدوا الى معرفته،
قال والتفت الجاثليق الى أصحابه فقال هذا والله الحق من عند الله عز وجل على لسان المسيح والنبيين والأوصياء عليهم السلام قال فأخبرني عن الجنة هل في الدنيا هي أم في الآخرة واين الآخرة والدنيا ؟
قال الدنيا في الآخرة والآخرة محيطة بالدنيا وذلك ان الدنيا نقلة والآخرة حياة ومقام مثل ذلك كالنائم وذلك ان الجسم ينام والروح لا تنام وان الجسم يموت والروح لا تموت قال الله عز وجل: (وان الدار الآخرة لهي الحيوان)، والدنيا رسم الآخرة والآخرة رسم الدنيا وليس الدنيا الآخرة ولا الآخرة الدنيا، إذا فارق الروح الجسم يرجع كل واحد منهما الى مأمنه بدء ومأمنه خلق وكذلك الجنة والنار في الدنيا موجودة وفي الآخرة موجودة لأن العبد إذا مات صار في دار من الأرض أما روضة من رياض الجنة وأما بقعة من بقع النار وروحه في أحد دارين أما في دار النعيم مقيم لا يموت فيها وأما في دار عذاب لا يموت فيها والرسم لمن عقل موجود واضح وقد قال الله عز وجل: (كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ثم لتسألن يومئذ عن النعيم)، وعن الكافرين فقال: (انهم كانوا في غطاء عن ذكري وكانوا
لا يستطيعون سمعا) ولو علم الانسان علم ما هو فيه مات حياة من الموت ومن نجى فبفضل اليقين، قال فأخبرني عن قوله: (يوم تبدل الأرض غير الأرض والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون) فأذا طويت السماء وقبضت الأرض فأين تكون الجنة والنار فيها ؟ قال فدعى بدوات وقرطاس ثم كتب فيه الجنة والنار ثم درج القرطاس ودفعه الى النصراني
وقال له: أليس قد طويت هذا القرطاس قال نعم قال فأفتحه ففتحه قال فهل ترى اية النار وأية الجنة أمحاها طي القرطاس ؟ قال لا، قال : فهكذا في قدرة الله إذا طويت السماء وقبضت الأرض لم تبطل الجنة والنار كما لم يبطل طي هذا الكتاب آية الجنة وآية النار، قال فأخبرني عن قوله تعالى: (كل شئ هالك إلا وجهه) فما هذا الوجه وكيف هو واين يؤتى وما دليلنا عليه ؟ فقال : يا غلام على بحطب ونار فأمر ان تضرم فلما استوقدت واشتعلت قال له يا نصراني هل تجد للنار وجها دون وجه قال لا قال فإذا كانت هذه النار المخلوقة المدبرة في ضعفها وسرعة زوالها لا تجد لها وجها فكيف من خلق هذه النار وجميع ما في ملكوته من شئ يوصف بوجه أو يحد بحد أو يدرك ببصر أو يحيط به عقل أو يضبطه وهم وقال الله تعالى: " ليس كمثله شئ وهو السميع البصير "،
قال الجاثليق: صدقت أيها الوصي العليم الحكيم الرفيق الهادي أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا وأنك وصيه وصديقه ودليله، فأسلم النصراني ومن معه وشهدوا له بالوصية، الخبر انتهى """""""""