شاع في هذه السنوات الأخيرة رأي خاطئ في أذهان كثيرٍ من المؤمنين والمؤمنات ، ومع الأسف الشديد وُجِد لهذا الرأي من يناصره ومن يروّجه في الكتب والمقالات والخطابات على المنابر ، وهو بالأصل تصوّرٌ مغلوطٌ تمامًا ؛ حيث يروّج البعض أن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» لم يكن له من البنات غير الزهراء «صلوات الله عليها» فيقول أن الزهراء هي البنت الوحيدة لرسول الله وأن سائر البنات (زينب ورقية وأم كلثوم) اللاتي يطلق عليهن بنات رسول الله إنما هن ربائبه ولسن من بناته!
تفنيد هذا التصوّر المغلوط:
يحسن التنبيه إلى أنه ليس عندنا دليلٌ قرآنيٌ أو روائيٌ واحد ينفي بنوّة تلك البنات فلا يوجد آية قرآنية تنفي أن تلك البنات من صلب رسول الله «صلى الله عليه وآله» وكذلك أيضا لا يوجد رواية واحدة منسوبة إلى الأئمة الطاهرين «عليهم السلام» تنفي ذلك ، بل العكس فالنصوص القرآنية ونصوص السنّة المطهّرة القطعية تثبت أن لرسول الله بناتـًا من صلبه والأدلة كثيرة اخترنا القرآنية منها:
1- قول الآية الكريمة: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما} (سورة الأحزاب/الآية 60)
في هذه الآية نلاحظ أن الله «تبارك وتعالى» قال {قل لأزواجك} فالرسول عنده زوجات وقال {وبناتك} فهذا دليل على أن الرسول عنده بنات.
إشكال قد يرد: قد يقول البعض أن هذا المدلول غير صحيح فقد لا يكون المقصود من البنات الجمع وإنما قد يكون المقصود هو خصوص الزهراء «صلوات الله عليها» بدلالة آية المباهلة {ونسائنا ونسائكم} التي أجمع المفسّرون أن الله لم يأخذ من النساء سوى فاطمة الزهراء «صلوات الله عليها» وورد لفظ {ونسائنا} في تلك الآية من باب التفخيم والتعظيم فكذلك الحال في هذه الآية في قوله {وبناتك} فالمقصود هو الزهراء لتعظيمها.
الرد على هذا الإشكال:
يظهر من الآية أن لرسول الله بنات متعددة فلصرف هذا الظهور نحتاج إلى قرينة صارفة وإن كانت في الروايات والأحاديث ، ففي المقام لا يوجد ما يصرف الظاهر من هذه الآية وبالتالي يجب الرجوع إلى الأصل ، ففي آية المباهلة يوجد لدينا قرينة صارفة وهي الروايات أمّا في هذه الآية ليست عندنا روايات تقول بأن المقصود من قوله تعالى {وبناتك} هو فقط الزهراء «صلوات الله عليها» فيجب التسليم أن لرسول الله «صلى الله عليه وآله» بنات متعددة.
2- قول الآية الكريمة: {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما} (سورة الأحزاب/الآية 6)
بعد نزول هذه الآية نهى رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يدعى ربيبه الذي كنّاه في زمن الجاهلية بزيد بن محمد – وهو الاسم الذي كان الناس يتداولونه ويعرفونه ويسمونه به – وأمر بأن يدعونه بزيد بن حارثة ، وذلك نسبةً إلى أبيه الأصلي الذي ولده ، فالتزم جميع المسلمين بهذا الأمر النبوي وتغيّر منذ ذلك الحين اسم "زيد بن محمد" إلى "زيد بن حارثة" ، فلو كانت تلك البنات (زينب بنت محمد ، رقية بنت محمد ، أم كلثوم بنت محمد) واقعًا لم يلدهن رسول الله وإنما كن ربائبه لوجدنا في التاريخ وفي الأحاديث وفي الآثار ما أشير به أن رسول الله بدأ يدعوهن بأسماء آبائهن أو أن المسلمين بدؤوا يدعوهن باسماء آبائهن الحقيقيين ولم يحصل شيءٌ مثل هذا فهن حتى آخر لحظةٍ من حياتهن وآخر لحظة من حياة رسول الله «صلى الله عليه وآله» وما بعد ذلك على لسان الأئمة الطاهرين وأصحابهم والمحدثين والعلماء وأرباب السير والتواريخ وكل الأمة الإسلامية كانوا يقولون (زينب بنت رسول الله، أم كلثوم بنت رسول الله ، رقية بنت رسول الله) ولم يقل أحد مثلاً (زينب بنت فلان الفلاني) ، فهذه الآية تدل على أن هؤلاء البنات لا يمكن أن يكن من غير رسول الله «صلى الله عليه وآله» وإلا فظهر فهذا أمر قرآني إلهي.