والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين .
(في البحار): جاء أعرابي إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين إني مأخوذ بثلاث علل: علة النفس وعلة الفقر وعلة الجهل.
فأجاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: يا أخا العرب: علة النفس تعرض على الطبيب وعلة الجهل تعرض على العالم وعلة الفقر تعرض على الكريم.
فقال الأعرابي أنت الكريم، وأنت العالم، وأنت الطبيب، فأمر أمير المؤمنين بأن يعطى له من بيت المال ثلاثة آلاف درهم وقال: تنفق ألفاً بعلة النفس، وألفاً بعلة الجهل، وألفاً بعلة الفقر.
وسأله أعرابي شيئاً فأمر له بألف، فقال الوكيل: من ذهب أو فضة؟ فقال (عليه السلام) كلاهما عندي حجران، فأعط الأعرابي أنفعهما له.
وقال له ابن الزبير: إني وجدت في حساب أبي: أن له على أبيك ثمانين ألف درهم، فقال له: إن أباك صادق، فقضى ذلك، ثم جاءه فقال: غلطت فيما قلت، إنما كان لوالدك على والدي ما ذكرته لك فقال: والدك في حل والذي قبضته مني هو لك!! قال الصادق (عليه السلام): إن أمير المؤمنين (عليه السلام) أعتق ألف نسمة من كد يده، جماعة لا يحصون كثرة.
وقال له رجل ـ ورأى عنده وسق نوى ـ : ما هذا يا أبا الحسن؟ قال: مائة ألف نخل إن شاء الله، فغرسه فلم يغادر منه نواة واحدة، فهو من أوقافه ووقف مالاً بخيبر وبوادي القرى، ووقف مال أبي نيرز والبغيبغة وأرباحاً وأرينة ورغد ورزيناً ورياحاً على المؤمنين وأخرج مائة عن بينبع وجعلها للحجيج، وهو باق إلى يومنا هذا وحفر آباراً في طريق مكة والكوفة، وهي مسجد الفتح في المدينة، وعند مقابل قبر حمزة (عليه السلام)، وفي الميقات وفي الكوفة وجامع البصرة وفي عبادان وغير ذلك.
عن أحمد بن أبي المقدام العجلي قال: يروى أن رجلاً جاء إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له: يا أمير المؤمنين إن لي إليك حاجة، فقال: اكتبها في الأرض فإني أرى الضر فيك بيناً، فكتب في الأرض أنا فقير محتاج، فقال علي (عليه السلام): يا قنبر اكسه حلتين، فأنشأ الرجل يقول:
كسوتنـــي حلــة تبلــى محاسنها فسوف أكسوك من حسن الثنا حللا
إن نلت حسن ثنائي نلت مكــرمة ولست تبغـــي بما قـــد نلتـــه بدلا
إن الثناء ليحيــي ذكــــر صاحبه كالغــيث يحيي نداه السهل والجبلا
لا تزهد الدهر في عرف بدأت به فكـــــل عـبـــد سيجزى بالذي فعلا
فقال (عليه السلام): أعطوه مائة دينار، فقيل له: يا أمير المؤمنين لقد أغنيته.
فقال: إني سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: أنزل الناس منازلهم، ثم قال علي (عليه السلام): إني لأعجب من أقوام يشترون المماليك بأموالهم ولا يشترون الأحرار بمعروفهم.
عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله)(12) قال: نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام).
عن أيوب بن عطية الحذاء قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قسم نبي الله الفيء فأصاب علياً أرض، فاحتفر فيها عيناً فخرج ماء ينبع في السماء كهيئة عنق البعير، فسماها ينبع، فجاء البشير يبشر فقال (عليه السلام) بشر الوارث هي صدقة بتة بتلاء في حجيج بيت الله وعابر سبيل لا تباع ولا تورث، فمن باعها أو وهبها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً.
قال ابن أبي الحديد في شرحه، وأما السخاء والجود: فحاله فيه ظاهرة كان يصوم ويطوي، ويؤثر بزاده، وفيه أنزل (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً)(13) وروى المفسرون: أنه لم يملك إلا أربعة دراهم، فتصدق بدرهم ليلاً، وبدرهم نهاراً، وبدرهم سراً، وبدرهم علانية، فأنزل فيه: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية)(14).
وروي أنه كان يسقي بيده النخل لقوم من يهود المدينة حتى مجلت يداه، ويتصدق بالأجرة، ويشد على بطنه حجراً.
قال الشعبي ـ وقد ذكره (عليه السلام): كان أسخى الناس، كان على الخلق الذي يحبه الله: السخاء والجود، ما قال: لا، لسائل قط.
وقال عدوه ومبغضه الذي يجتهد في وصمه وعيبه: معاوية بن أبي سفيان ـ لمحفن بن أبي محفن الضبي ـ (لما قال له: جئتك من عند أبخل الناس): قال ويحك! كيف تقول: إنه أبخل الناس وهو الذي لو ملك بيتاً من تبر وبيتاً من تبن، لأنفد تبره قبل تبنه؟!!
(12) سورة البقرة، الآية: 265.
(13) سورة الإنسان، الآيتان: 8 و9.
(14) سورة البقرة، الآية: 274.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : كتاب الإمام علي عليه السلام من المهد إلى اللحد