العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام

منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام المنتدى مخصص بسيرة أهل البيت عليهم السلام وصحابتهم الطيبين

 
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next

الصورة الرمزية السيد الكربلائي
السيد الكربلائي
عضو متواجد
رقم العضوية : 68721
الإنتساب : Oct 2011
المشاركات : 97
بمعدل : 0.02 يوميا

السيد الكربلائي غير متصل

 عرض البوم صور السيد الكربلائي

  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي عاشوراء و شعائره ..... بقلم الاستاذ العلامة فاضل البديري
قديم بتاريخ : 24-11-2011 الساعة : 06:57 AM


الى سماحة الشيخ فاضل البديري
مع قرب حلول ايام الحزن في شهر محرم وصفر ستنطلق ابواق الكابة ومراسيم الحزن والولاء وستخرج هناك جوقات العابثين وزفرات الرافضين والمناوئين والناصبيين في تعريف وتطبيق مافي عاشوراء من شعائر وملامح وفعاليات
فنرجوا من سماحتكم بيان رايكم حول الشعائر الحسينية ونشوئها والضابط الموضوعي لمعرفة الشعائر




الجواب: قال الله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) والشعائر جمع شعيرة، والشعيرة في اللغة والعرف هي العلامة التي يعرف بها كل قوم فتكون شعارا لهم به يعرفون ويتميزون، ومنه الشعار في الحروب، أي علامة الحرب التي يتعارفون بها، وسميت شعيرة لأنها مشعورة محسوسة للمشاهد، ومن هذا المعنى اتخذت الأعلام لتختص بها البلدان ولتعرف عن غيرها، ولذا يعتبرون تعظيمها تعظيما لبلدانهم ولإنتمائهم.
وفي الاصطلاح الشرعي هي كل علامة ودلالة على تعظيم الله وقدسيته سواء اكانت هذه العلامة ظاهرة ام باطنة، وقد وردت هذا الكلمة في آيات من القرآن الكريم، وهذا لا يعرف الا بطاعته أو بالانقياد اليه، وهذا لا يعرف الا بنشر اعلام الدين الظاهرة وتجليل الأعلام الباطنة، فكل ما جاء به الله تبارك وتعالى في كتابه العظيم وما جاء في سنة نبينا الكريم وما تعبدتنا به شريعتنا الغراء من أوامر والزامات وفرائض وتشريعات وتعليمات فهي من شعائر الله، أي أنه أشعرها واعلمها فجعلها علامة على اجلاله، فيدخل في ذلك التعريف كل الشعائر الاعتقادية والعملية، ومعنى ان المسلم مأمور بتعظيمها أي أنه يجب عليه اجلالها والقيام بها وهذا يعني أنه يمتثل لجميع اوامر الله من اركان وواجبات ومستحبات، ويجتنب عن جميع نواهي الله وزواجره، فاذن هو تعظيم كل ما هو محترم عند الله ومعظم في الدين، وهذا يعني رعاية كل ما هو علامة الدين والشريعة رعاية وجوبية أو استحبابية في مختلف مواردها، لأن العقل السليم يرى بوضوح ان كل ما يفعله العبد رجاءً لتحقيق طاعة مولاه والانقياد اليه هو حسن محبوب، ويرى ان هذا أكمل مصداق لتعظيم الله، وتعظيم الله اهم الأولويات التي يحكم بها العقل حقا للطاعة والمولوية والعبودية، والعقل خير دليل على حسن طاعة الله، ومن هنا عبر عنها القرآن الكريم بأن تعظيمها من تقوى القلوب، أي ان القيام بها صادر من تقوى القلوب، لأن تعظيمها واجلالها تابع لتعظيم الخالق واجلاله.

ولكن ربما يقال أن الشعائر وردت في الآية الشريفة المذكورة في سورة الحج وفي مورد مناسكه وشعائره، وعلى هذا يكون المراد منها خصوص الشعائر المنظورة في الحج من البدن خاصة، أو مناسك الحج وأعماله كلها، أو مواضع مناسكه ومعالمه، ولكننا نقول: ان هذا الحوار لو عرضناه على العرف العقلائي المحاوري العام لفهم منه ان هذه المصاديق والعناوين هي من باب المثال الكامل للشعائر لأنه ظاهرة للكل ولا يعرفون المصلحة منها، وما دام الملاك والحكمة موجودة وهي التعظيم والاحترام للخالق وللشريعة فان هذا يعني اننا سنجر كل ما فيه تعظيم واجلال للتعاليم الخالق الى معنى الشعيرة، لأن هذا الخطاب الإلهي وهو الأمر بتعظيم شعائر الله هو خطاب ارشادي الى حكم العقلاء بوجوب تعظيم واجلال الخالق وليس هو خطاباً مولويا تشريعياً ابداً، بل هو ارشاد واعلام وتذكرة بذلك الخطاب العقلائي الذي يفهمه العقل السليم، فالمعنى صالح ليشمل كل ما ذكرناه أعلاه، لأن المراد هو تحريك الفطرة الانسانية لكي تتصل بمولاها.

والشعائر الحسينية نسبت الى الحسين (عليه السلام) واختص بها لأنه لا تكون الا باسم الحسين ومرتبطة به ولا تكون الا في وقت استشهاده حصرا، ولهذا فان هذه الإضافة هي اختصاصية، والمراد منها هي كل علامة وشعار ظاهر ومشعور ومحسوس فيه تعظيم واجلال لمكانة الحسين (عليه السلام) ولمنزلته عند الله التي تكون بدورها تعظيما لله سبحانه وتعالى، لأن تعظيم عبد من عباده طاعة لله هو تعظيم لله، وذلك حتى يستذكر العبد كيف جاءت للحسين هذه المنزلة الرفيعة فيسعى العبد ليصل الى شيء منها لتناله رحمة الله.

فالدليل على تعظيم شعائر الحسين: هو الدليل نفسه على تعظيم شعائر الله من حيث ان احترام واجلال العمل الذي قام به الحسين (عليه السلام) لما كان عملا مرضيا عند الله سبحانه وتعالى لما فيه الخير للإسلام.

وأما أنه ما هو أصل الشعائر الحسينية، وكيف انبثقت؟
فالجواب: حتى أكون منصفا مع نفسي أولاً ومع القارئ الكريم ثانياً، لأنني أناقش جميع الأمور بتجرد تام وعقلائية متناهية، ولا انجرف وراء الإنفعالات، أقول: إن الأصل في وجود الشعائر الحسينية هو الحزن على ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) عند تذكر مقتله في يوم عاشوراء وما جرى آنذاك، ولولا الحزن لما كان هناك وجود لأكثر هذه الشعائر اطلاقاً إن لم يكن كلها، وعندما وجدت هذه الشعائر اتخذت منحى آخر عند بعض الطبقات وهو المنحى السياسي، وابتعدت كثيرا عن واقعها، وقبل ان أدخل في هذا الموضوع علي أن اتسائل نيابة عن القارئ الكريم هذا السؤال: هل الحزن على الحسين مشروع حتى تشرع جميع علاماته أم لا؟ وهل يكون موجبا لإنبثاق مثل هذه الشعائر؟


مشروعية الحزن

أما الجواب عن مشروعية الحزن، فأقول: ان الحزن أمر غريزي في جبلة الانسان ومفطور عليه، بل حتى عند غير الانسان من الحيوانات، وهو من القضايا الانفعالية، أي انها خاضعة لمدى ومساحة تفاعل الانسان مع الحدث الذي ألمّ به، وكلما كان الحدث اقوى كان الحزن اشد، واول شيء يُظهر هذا الحزن الى الخارج هو البكاء، بل هو الوسيلة الأفضل لإبرازه واظهاره، وهناك شواهد من القرآن الكريم يذكر فيه حزن بعض الأنبياء، كآدم ونوح ويعقوب ويوسف وغيرهم (سلام الله عليهم) وهؤلاء منزهون عن النقائص الأخلاقية والنفسية، فلو كان الحزن نقيصة ورذيلة لما فعله أمثال هؤلاء، وايضا هناك شواهد من سيرة الإسلام كما حصل للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما حزن وبكى على عمه حمزة، بل قال (على مثل حمزة فلتبكي البواكي) وعلى ابنه ابراهيم، وكذلك امير المؤمنين وفاطمة (عليهما السلام) عندما حزنا وبكيا على فقد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكذلك أمير المؤمنين عندما حزن وبكى على فقد فاطمة (عليها السلام) وبعض اصحابه، وهكذا أئمتنا عندما حزنوا وبكوا على الحسين (عليه السلام) وهكذا السلف الصالح من علمائنا الأبرار، فالبكاء نتيجة الحزن امر مفروغ عنه وهو ممارسة عقلائية مقبولة جدا بين العرف العام.
ولكن البكاء ليس دائما امر حسن مقبول عند الشارع الحكيم، بل هناك من البكاء ما يمقته الشارع ، فالبكاء اذن على اقسام:

الأول:
بكاء مذموم: وهو ما كان لأجل حطام الدنيا أو للمكر والكذب، أو البكاء لا لغرض عقلائي ولا عرفي مقبول، بل هذا القسم لو كان في اثناء الصلاة لأبطلها.
الثاني: بكاء مباح: وهو ما كان اضطرارياً أو لأجل التنفيس عن الهموم، أو لأجل فقد عزيز.
الثالث: بكاء راجح ممدوح: وهو البكاء لأجل الآخرة والإشتياق الى الفوز بنعيم الخالق، والخوف من عقاب الله، وما كان لأمر أخروي.

فالبكاء على الحسين في أي باب يدخل من هذه الأقسام؟

فنقول: إن البكاء على الحسين (عليه السلام) اذا كان رغبة الى ثواب الله لما ورد من الروايات الكثيرة بما مضمونها (من بكي على الحسين فاز بالثواب) فهذا بكاء راجح وممدوح ومثاب عليه عند الشارع الحكيم، واذا كان نصرة للشعائر الحسينية فأيضا هو راجح وممدوح، واذا كان كذبا وللرياء فهو مذموم مرجوح.

ومن كل هذا البيان تجلى لدينا: أن الحزن على الحسين (عليه السلام) أمر مشروع جداً لأمرين:
الأول: لما فيه من تذكرة لذلك المصاب العظيم الذي حل باهل البيت (عليهم السلام) فهو يقطع القلب، والحسين امام مفترض الطاعة ففقده بهذه العملية الاجرامية امر محزن جداً.

الثاني: لما فيه من ابقاء لشعلة الثورة الحسينية عند الأجيال التي يمكن ان تكون سببا لتحريرهم من القيود الاستعمارية.

ومن هاتين النقطتين يتبين لنا جيداً أن هذا الحزن وما يستتبعه من توابع إن كانت الغاية منه هو إظهار شعارات الإيمان بالله وتعظيم الله واجلاله فهو أمر في غاية المقبولية، بل هو واجب من باب وجوب تعظيم شعائر الله.

وان كانت الغاية هي مجرد العاطفة مع موقف كربلاء فهو امر مقبول ولكنه ليس بتلك المثابة التي لو كانت تعظيما لشعائر الله.

تنبيـه: إن الذي يظهر لنا من سيرة السلف الصالح انهم استخدموا وسيلة البكاء على الحسين (عليه السلام) لأنها الوسيلة الواحدة التي من شانها ان تحفظ تأريخ هذه الثورة في النفوس فتصل الى الأجيال بسهولة، ولذلك تراهم ركزوا كل مجهودهم لهذا الأسلوب، لأن العاطفة من أكبر الوسائل لحفظ الأشياء في قلوب الناس ونفوسهم، بعد العجز عن ايجاد الوسائل الأخرى، لأن هذه الواقعة ليست واقعة عادية، بل هي واقعة تترتب علها آثار عقائدية مهمة فكانت المحافظة عليها من اهم اولويات السلف الصالح، وفعلا نجحوا في ذلك وها هي تصل الى الأجيال غضة طرية، فالدافع الرئيسي اذن هو دافع سياسي قبل ان يكون دافعا دينياً، ولا مانع منه لأن واقعة كربلاء باصلها سياسية ودوافعها من أول الأمر سياسية، لأن الوقوف بوجه الظلم والاستبداد ليست غايته وقتية بل ممتدة الى آخر الازمان، ولكنها سياسية في ضمن واقع ديني وليس في ضمن واقع نفسي او غيره، وكل امر سياسي يبقى محفوظا اكثر من غيره لكثرة اتباعه وانصاره، ولذا راينا عندما لا يتفاعل الشيعة مع بعض المواقف تفاعلا صريحا شديدا فانه تضعف وربما تضمحل، كما في واقعة الغدير التي ربما تنسى اذا بقي الوضع على ما هو عليه من الإستكانة وعدم التفاعل مع هذه القضية كما ينبغي لها، بينما بقيت واقعة كربلاء متأججة مدوية في سماء الكون جيلا بعد جيل، لأنها اكتسبت هذا الطابع السياسي الديني، نعم: وبصراحة اقولها وان كان المنظر الخارجي هو ديني، ولكنها واقعها الداخلي سياسي، والمعروف ان الواقع السياسي هو واقع التشديد وجلب المصالح والغلبة على الطرف الآخر، وفعلا لولا واقعة كربلاء وحفظها بهذا الشكل من البرمجة لما بقي الشيعة على اصولهم قائمين، بل استغلوا هذه الواقعة ووظفوها لقوتهم وحفظهم، لأنها واقعة لا تبرر أي فعل لمخالفيهم، بل فيها تمام الإنتصار لهم.

وما هي حدود الشعائر الحسينية، ومن هو الذي يحددها؟
الجواب: لابد من تحديد متقن لحدود شعائر الحسين التي هي شعائر لله والتي يجب تعظيمها واحترامها، لأن الكثير من الناس أدخلوا في الشعائر ما هي ليست بشعائر، بل لا تمت الى الواقع الديني بأي صلة، واستطيع ان أحددها بهذه الأمور:

أولاً: أن تكون بحدود تعظيم واجلال ذلك العمل الذي قام به الحسين (عليه السلام) الذي يصب في نصرة عقائد الاسلام والذي يرجع الى الاسلام بالعز والكرامة، بحيث ان كل عمل يؤتى به على انه شعيرة وعلامة يجب ان يكون محتويا على مضمونه وسلوكه ومعناه، فاذا كان خاليا من المعنى فليس بشعار ولا علامة بل هو عبث ولغو، فهو خارج عن دائرة حدود الشعائر الحسينية، ولا يجوز تسميتها بالشعائر.

ثانياً: أن تكون نابعة من عرف اسلامي وسجية دينية ولها أصل أصيل مبني على اساس ديني متين.

ثالثاً: ان يكون معبراً عن حالة معينة فيها رفعة وتعظيم تضحية الحسين (عليه السلام).

رابعاً: أن تكون شعائر اسلامية بحيث ترجع الى الاسلام بالخير والعز.

من هو الذي يحدد الشعائر الحسينية؟

قلنا سابقاً ان الشعائر الحسينية التي فيها تعظيم لأوامر الشريعة وترسيخ لها هي جزء لا يتجزأ من شعائر الله، وتعظيمها تعظيم لشعائر الله، فكل ما فيه تعظيم لله واجلال له هو من شعائر الحسين، وما ليس كذلك فهو ليس من الشعائر، ومن هذا المنطلق نستطيع تحديد هذه الشعائر، فنقول: إن المحدد لهذه الشعائر هي ثلاثة امور:

اولاً: الطريقة الشرعية التى ورثناها من السلف المتشرعي الصالح التي ورثوها من أهل البيت (عليهم السلام) ومن أهم هذه الشعائر هي اقامة مجالس الوعظ والإرشاد والتذكير بموقف الحسين الخالد، فهذه شعيرة شرعية معتبرة ولذلك فان الناقدين للشيعة لم ينقدوا هذا العمل ابداً، مع شدة نقدهم لأفعال الشيعة.

ثانياً: الطريقة العرفية التي تتكفل بايصال فكر الحسين (عليه السلام) الى الناس على وفق المفاهيم التي يفهمها العرف والتي لا تخالف الشريعة كالبكاء مثلا، والسير على الأقدام تبجيلا للذاهبين اليه واظهار الحزن والأسى.

ثالثاً: الطريقة العقلائية القائمة والمستمرة على احترام سادة العقلاء واهل الفضل واهل الديانة المطيعين للخالق وذلك باظهار بالمواساة بحبهم لهم وحزنهم لما يتعرضون له من اذى، والمواساة من اهم الطرق العقلائية لتعظيم شخصية محترمة في نظرهم ليستمدوا منها العزيمة في طريقهم، وأهم هذه الشعائر هنا هي غلق محال عملهم في يوم الاستشهاد والتظاهر بالحزن.

فهذه هي مصادر تحديد الشعائر الحسينية الأصيلة التي يقبلها الشرع ويثاب عليها فاعلها ويتفاعل معها الوضع الصحيح وهي المؤثرة في تصحيح مسار الأمة وبناء الأجيال ، وما عدا ذلك فهي ليست شعائر مقبولة شرعاَ، وبعيدة عن الطابع الحسيني الأصيل، لأنها ليست فيها فائدة للإسلام، وان كانت فيها فائدة للشخص،
ومن الطرق غير الصحيحة لوجود بعض الشعائر منها:

أولا: تقليد الآخرين من دون وعي ومعنى، بل تقليد اعمى مذموم غير من نابع من تعاليم الإسلام والعقلاء والعرف المقبول في المجتمعات الاسلامية.

ثانياً: الجهل المطبق وهو الذي يجعلهم ياتون بأي شيء ظنا منهم انهم يحسنون صنعا.

ثالثا: الإنفعالات والأهواء والعواطف غير المشروعة التي تعصف بالشخص فنراه ياتي باشياء ما انزل بها من سلطان اشباعا لرغبته واطفاءا لحرقة قلبه ولذة له في نفسه.

رابعاً: الرياء المطبق حيث فهم الناس ان الذي يقيم الشعائر الحسينية هو انسان مقدس جدا فراح البعض يستغل هذه الظروف لإشباع هذه الغريزة.

أقسام الناس في معرفة الشعائر الحسينية

ان الشعائر الحسينية ليست كلها على نسق واحد بل اتخذت مناحي متعددة نتيجة اختلاف الأذواق والأنظار في فهم الشعيرة، فمن من فهم انها كل شيء فيه اظهار الحزن والألم، ومنهم من فهم انها كل شيء توصل الى الثواب، ومنهم من فهم انها كل شيء يصنع للاموات، وهكذا ، ولنستعرض الآن من الواقع المعاش بعض الأقسام التي تعاملت مع هذه الشعائر واستطيع ان اقسمها ثلاثة اقسام:

القسم الأول: مِنَ الناس مَن غلا في تعظيم شعائر الحسين، ووصل به الأمر الى حد الإفراط، فأدخل فيها ما ليس منها من دون أي وازع ديني وأخلاقي، فمنهم من أقام تعظيماً لبعض الأمكنة والأزمنة التي لا تمت الى تعظيم عمل الحسين بأي صلة وبالتالي لا تمت الى تعظيم الشريعة، كما نراه في تعظيم مكان لم يرد فيه شيء من اساليب التعظيم لا واجب ولا مستحب كما يفعله بعض الزوار أو العمار من تعظيم نخلة أو تعظيم مكان الطبخ وما شاكل ذلك فهذا كله لا اساس له من الصحة بل هو من المبتدعات- ، وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" متفق عليه.

القسم الثاني: من الناس من فرّط في تعظيم الشعائر الحسينية، فهم الذين لا يبالون بتعظيم حرمةٍ ولا شعيرةٍ ولا علامة حسينية، لا في أيام الإستشهاد ولا في غيرها من الأيام، ولا في هذا المكان ولا في غيره من الأماكن، فلا يعظمون عمل الحسين ولا يقيمون له وزنا لا في مسجد ولا في بيت ولا في أي مكان، وهؤلاء مقصرون مبعدون عن رحمة الله.

القسم الثالث: وهم أهل الطريقة المستقيمة وأهل الهدى والإعتدال، وهم القوم الوسط الذين عظموا عمل الحسين (عليه السلام) بما هو عمل يجني الخير للإسلام ويرفع كلمة الحق عالية خفاقة ويجعل من الحسين وسيلة للنهوض بمستوى هذه الأمة، وهم الذين جعلوا ايام الإستشهاد بل في كل ذكراه وسيلة اعلامية لنشر الفكر الصحيح وللوعظ وللإرشاد والتبليغ ومساعدة الناس وإعلاء كلمة الله، وتبيين عظمة عمل الحسين ومنزلته الرفيعة ليحسن الإقتداء به على اكمل وجه، وهذا بعينه هو ما عظمه الله عز وجل، وتركوا ما لم يعظمه الله، أي تركوا ما لم يعظم عمل الحسين (عليه السلام) لأننا أكدنا مرارا، أن الشعيرة الحسينية لا تسمى شعيرة حسينية الا اذا كانت فيها تعظيما لشعائر الشريعة المقدسة واعلاء لكلمة الإسلام.

نظرة الناس الى الشعائر وكيفية التعامل معها
إن الناس في نظرتهم الى الشعائر الحسينية وكيفية التعامل معها على ثلاثة اقسام:

القسم الأول: إنها عبادة لله لأن فيها تعظيماً لعمل الحسين (عليه السلام) واجلالاً لهذا الرجل وموقفه الخالد، وهذا العمل الجهادي هو من أهم شعائر الله لأن فيه إعلاءً لكلمة العدل التي ينادي بها الله، فيتفاعل معها ليحصل على الثواب الجزيل، بكل اشكال التفاعل الذي يعود عليه بالثواب، فيحزن مواساة مع حزن أهل البيت في ذلك الزمان، ويظهر انزعاجه من فعل الأعداء الاجرامي ويتبرأ منه لأنهم هتكوا حرمة ولي الله، والهاتك لها كالهاتك لحرمة الله، فيقيم كل شيء فيه رفعة لذلك الموقف الخالد ويشارك معهم في سبيل تحصيل الثواب وليس في نيته أي شيء آخر، وهذا القسم هو القسم المهتدي والعارف بقيمة شعائر الله المتمثلة بشعائر الحسين.

القسم الثاني: إنها عمل سياسي صرف، وهي عملية ادامة هذه الأفعال لتبقى شوكة في عيون الأعداء ولتقوية الأجيال، وفي القيام بهذه الأعمال هو إظهار البغض لبني امية ولكل من وقف بجانبهم.

القسم الثالث: انها عادة وكل ما ياتي به لأنه تعود عليه من دون ان يعلم ما هي اهداف العمل وما هي الآثار المترتبة عليه.


الآثار الحميدة لقيمة تعظيم الشعائر الحسينية

إن الآثار الحميدة لقيمة تعظيم الشعائر الحسينية هي نفسها الآثار الحميد لقيمة تعظيم شعائر الله بعد ان كانت الشعائر الحسينية الأصيلة هي جزء من شعائر الله، ومن اهم هذه الآثار هي:

أولا: هي دليل قوّة الإيمان بقضية الحسين (عليه السلام) وبعمله الصالح الصحيح، وبالتالي هو الايمان بتعاليم الله الآمرة بتعظيم العمل الصالح الذي مدحه القرآن كثيراً.

ثانياً: ترسيخ هذه العمل الصالح في تاريخ الأجيال بكافة اساليب الترسيخ والتوطيد لتبقى هذه القضية مدوية في سماء العالم ومهما مر عليه الزمن، لينهل منها الجيل مواقف التضحية العظيمة بوجه الطغاة والظالمين، ولعل هذا هو السر في تنويع مرافق الشعائر الحسينية للتنوع بحسب الرغبات يتّسع مدلوله حتّى يشمل ما للّه- عزّ وجلّ- وأنبيائه وسائر الخلق حتّى الكافر المعاهد.

ثالثاً: فيها سبب واضح لنيل الكرامات والدرجات الرفيعة والثواب الجزيل لما اعده الله تبارك وتعالى للقائمين على حماية أركان عقائد الإسلام التي تصل بالمسلمين الى العز والرفعة.

رابعاً: فيها صلاحية كاملة لأن يتباعد الانسان عن ارتكاب المعاصي واجتناب المنكرات حينما يتذكر انه يعمل لمن هو أصل الإسلام بدافع الحبّ له.

خامساً: توحيد كلمة الطائفة واجتماعهم على الخير والرحمة.

سادساً: ايصال رسالة الى العالم ان المسلمين ينهلون قوتهم ويستمدون عزيمتهم في الوقوف بوجه التحديات الإستعمارية من ثورة الحسين على الظلم والإستبداد.


أسباب الإبتعاد عن الشعائر الحسينية

من أهم الاسباب التي تؤدي الى ابتعاد الشخص عن تعظيم قيمة الشعائر الحسينية وعدم التفاعل معها بالمرة أمور منها:

اولا: ضعف الإيمان بقضية الحسين وبعمله الجهادي أو انعدامه، وعدم دراستها بشكل جيد، نتيجة لإنغماس الشخص في اعماله الدنيوية ومشاكله الاجتماعية او اختلاطه بمن يبعده عن هذه القضية واهدافها.

ثانياً: الإستهانة بقضية الحسين وبمبادئه، وعدم الحياء من قيمه وهويته (واذا لم تستح فاصنع ما شئت).

ثالثا: لا يستشعر مراقبة الله له، لأنه لو شعر ان الله ينظر الى عبيده كيف يستفيدون من افعال قادة الاسلام لتكون منهاججا لهم لما غفل عن هذه المبادئ .

رابعا: الوقوع في المعاصي والذنوب وشدة الفجور والفسق، فإنها تعمي القلوب عن تعظيم حرمات الدين والشريعة وشعائرها.

خامساً: امتلاء القلب بالشك وعدم اليقين، وامتلاء العقل بالشبهات التي يروج لها الآخرين.

ما هو الفرق بين الشعائر والطقوس؟
الجواب: الشعائر هي العلامات والشعارات التي لها واقع اسلامي ومنبع ديني، بحيث لو أشعرت وظهرت أدت الى معنى اسلامي واضح وهو تعظيم الشريعة الغراء وتجليل صاحب الشريعة مما يعود منها النفع للفرد والمجتمع، فهي عمل يحوي في داخله معنى اسلاميا واضحاً فيه، بينما الطقوس هي علامات فارغة من أي معنى ديني اسلامي، وليس فيها أي تعظيم للشريعة الاسلامية ولا لصاحبها، فهي اعمال مجردة عن المعاني الاسلامية، بل يكون منشأها دائما هو العرف الإنفعالي البعيد عن ايحاءات الشارع الحكيم.

الصور الصحيحة من تعظيم حرمات وشعائر الحسين

إن الذي لابد ان يفهمه الكل ان شعائر الحسين وحرماته التي يجب ان تحترم وتعظم هي التي تكون مبنية على اساس ديني فيه رفعة وتعظيم لشريعتنا الاسلامية المقدسة وهي التي تجسد امر اهل البيت (عليهم السلام) الذي يجب احيائه، وتعود بالنفع للمسلم فردا ومجتمعاً، وقد ضرب لنا سلفنا الصالح من علمائنا أروع الأمثلة في تعظيم شعائر الحسين وحرماته، فكان علمائنا الأبرار يعظمون شعائر الحسين (عليه السلام) بشكل لا مثيل الله ويجعلونها نورا لتضيء دروب الأجيال، فكانوا يحافظون على تعاليم الشريعة المقدسة وعلى العقائد الصحيحة، وعلى الأخلاق المتينة، ويحثون المسلمين عليها، كل ذلك لتدعيم وتمتين دعائم الإسلام ونشر الفضائل، فهذه الصور الصحيحة لتعظيم شعائر الحسين والتي تعتبر منهاجا راسخا يمكن الاعتماد عليه في مسيرة الاسلام وتقوية اركانه، فتذكر واقعة كربلاء ليس ذكرى عابرة تمر جيلا بعد جيل بل هي ذكرى تأمل وتفحص وتجديد لاعادة سياسة العبد مع خالقه وشريعته، وسياسة العبد مع مجتمعه وأقرانه، وهي وقفة مع ذلك الزمن لينظر الانسان فيه الى ما قدمه الحسين لأجل الإسلام وكيف ضحى بنفسه وبكل ما يملك من اجل احقاق الحق وانصاف الشريعة وتأدية وظيفته على اكمل وجه، فيجب ان ترتسم امامه صورة كربلاء بكل ما فيها من اشراقات وايضاءات بها تنير الطريق امامه وامام الاجيال، تلك الصورة المبهجة التي تجلب له الشعور بكيفية الشعور بالمسؤولية الحقيقية والفوز برضوان الله تبارك وتعالى، تلك الصورة المشرقة في حياة الأمة الاسلامية التي لا تعطي أي مشروعية للحاكم الظالم الجائر، تلك الصورة المضيئة في طريق الأجيال

(فاضل البديري 27ذو الحجة 1432هـ).


من مواضيع : السيد الكربلائي 0 (شهيد مظلوم، وشعب يعيش المأزق) ، في رحيل المولى المقدس
0 ما هو المستند الشرعي للسيد الخوئي في حرمة استقبال القبلة حال التخلي
0 نبذة عن حياة فضيلة الاستاذ فاضل البديري
0 بيان فضيلة الشيخ البديري حول الفلم المسيء للرسول الاعظم (ص)
0 مسألة تعويض الله تعالى للخلق ... بقلم فضيلة الاستاذ فاضل البديري
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 05:43 PM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية