عن جابر بن عبد الله الانصاري قال كنت بين يدي مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ دخل عمر بن الخطاب فلما جلس قال لجماعة ان لنا سترا فيما بيننا، تخففوا رحمكم الله، فشمرت وجوهنا وقلنا ما كذا كان يفعل بنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) لقد كان يأتمننا على سره فما لك لما رأيت فتيان المسلمين تسريت بفتيان رسول الله ؟ فقال: للناس اسرار لا يمكن اعلانها فقمنا مغضبين، وخلا بأمير المؤمنين مليا، ثم قاما من مجلسهما حتى رقيا منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) جميعا فقلنا: الله أكبر ترى ابن حنتمة رجع عن غيه وطغيانه ورقي المنبر مع أمير المؤمنين، وقد مسح يده على وجهه، ورأينا عمر يرتعد ويقول: لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، ثم صاح ملء صوته يا سارية الجأ الجبل، ثم لم يلبث ان قبل صدر أمير المؤمنين ونزلا وهو ضاحك، وأمير المؤمنين يقول له: إفعل ما زعمت يا عمر انك فاعله وأن لا عهد لك ولا وفاء، فقال له امهلني يا ابا الحسن حتى انظر ما يرد إلي من خبر سارية وهل ما رأيته صحيحا أم لا، قال له أمير المؤمنين: ويحك يا عمر فإذا صح ووردت الاخبار عليك بتصديق ما رأيت وما عاينت، وانهم قد سمعوا صوتك ولجأوا الى الجبل كما رأيت هل أنت مسلم ما ضمنت ؟ قال: لا يا ابا الحسن، ولكني أضيف هذا الى ما رأيت منك ومن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والله يفعل ما يشاء. فقال له أمير المؤمنين: ويلك يا عمر ان الذي تقول أنت وحزبك الضالون انه سحر وكهانة ليس فيك شك، فقال: ذلك قول قد مضى والامر لنا في هذا الوقت، ونحن أولى بتصديقكم في افعالكم وما نراه من عجائبكم الا ان هذا الملك عقيم. فخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) ولقيناه فقلنا: يا أمير المؤمنين ما هذه الآية العظيمة ؟ وهذا الخطاب الذي سمعناه ؟ فقال: هل علمتم أوله ؟ فقلنا ما علمناه يا أمير المؤمنين ولا نعلمه الا منك، قال: ان هذا ابن الخطاب قال لي انه حزين القلب باكي العين على جيوشه التي في فتوح الجبل في نواحي نهاوند، وأنه يحب ان يعلم صحة اخبارهم وكيف مع كثرة جيوش الجبل وان عمرا بن معدي كرب قتل ودفن بنهاوند، وقد ضعف جيشه واتصل الخبر بقتل عمر، فقلت له: ويحك يا عمر كيف تزعم أنك الخليفة في الأرض، والقائم مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنت لا تعلم ما وراء اذنك وتحت قدمك والإمام يرى الأرض ومن عليها، ولا يخفى عليه من اعمالهم شئ ؟ فقال لي: يا أبا الحسن أنت بهذه الصورة فأت خبر سارية وأين هو ؟ ومن معهم ؟ وكيف صورهم ؟ فقلت له: يا ابن الخطاب، فان قلت لك لا تصدقني ولكني أريك جيشك واصحابك وسارية قد كمن بهم جيش الجبل في واد قعيد بعيد الأقطار كثير الأشجار فإن سار به جيشك يسيرا خلصوا بها، وإلا قتل اول جيشك وآخره، فقال: يا أبا الحسن ما لهم ملجأ منهم، ولا يخرجون من ذلك الوادي، فقلت: بلى لو لحقوا الجبل الذي يلي الوادي سلموا وتملكوا جيش الجبل فقلق واخذ بيدي، وقال: الله الله يا ابا الحسن في جيوش المسلمين فأرينهم كما ذكرت أو حذرهم ان قدرت ولك ما تشاء من خلع نفسي من هذا الأمر ورده اليك فأخذت عليه عهد الله وميثاقه ان رقيت به المنبر وكشفت عن بصره وأريته جيوشه في الوادي وانه يصيح إليهم فيسمعون منه ويلجأون الى الجبل ويظفرون بجيش الجبل يخلع نفسه ويسلم الي حقي، فقلت له: قم يا شقي، والله لا وفيت بهذا العهد والميثاق كما لم تف لله ولرسوله ولي بما اخذناه عليك من العهد والميثاق والبيعة في جميع المواطن، فقال لي: بلى والله فقلت له: ستعلم أنك من الكافرين، ورقيت المنبر فدعوت بدعوات وسألت الله ان يريه ما قلت ومسحت على عينيه وكشفت عنه غطاءه فنظر الى سارية وسائر الجيش وجيش الجبل وما بقي الا الهزيمة لجيشه، فقلت له: صح يا عمر ان شئت، قال: يسمع ؟ قلت: نعم، يسمع ويبلغ صوتك إليهم، فصاح الصيحة التي سمعتموها: يا سارية إلجأ الجبل، فسمعوا صوته ولجأوا الى الجبل فسلموا وظفروا بجيش الجبل فنزل ضاحكا كما رأيتموه وخاطبته وخاطبني بما سمعتموه. قال جابر: آمنا وصدقنا وشك آخرون الى ورود البريد بحكاية ما حكاه أمير المؤمنين واراه عمر ونادى بصوته فكاد اكثر العوام المرتدين أن يعبدوا ابن الخطاب وجعلوا هذا منقبا له والله ما كان الا منقلبا. فكان هذا من دلائل مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام).