بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين المعصومين المقدسين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الفصل بين الخلق أجمعين.
وبعد: حينما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله بسد أبواب المسلمين الشارعة إلى المسجد النبوي، إلا باب علي وفاطمة عليهما السلام، أكثر المسلمون من معارضتهم للنبي صلى الله عليه وآله وقد وردت في ذلك:
رواية ابن أرقم:
عن زيد ابن أرقم قال: كان لنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أبواب شارعة في المسجد فقال يوماً: سدوا هذه الأبواب، إلا باب علي فتكلم في ذلك ناس، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أما بعد: فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب، فقال قائلكم، والله ما سددت شيئاً ولا فتحته، ولكن أمرت بشيء فأتبعه»[1].
رواية ابن عباس:
عن ابن عباس قال: لما سد رسول الله صلى الله عليه وآله الأبواب الشارعة إلى المسجد إلا باب علي، ضج أصحاب من ذلك فقالوا: يا رسول الله لم سددت أبوابنا وتركت باب هذا الغلام. فقال صلى الله عليه وآله: «إن الله تبارك وتعالى أمرني بسد أبوابكم وترك باب علي، فإنما أنا متبع لما يوحى إليَّ من ربي».
الله أدخله وأخرجكم:
عن سفيان بن عيينة بسنده قال: كان قوم عند النبي صلى الله عليه وآله فدخل علي عليه السلام فخرجوا، فلما خرجوا تلاوموا فقال النبي صلى الله عليه وآله: «ما أنا أدخلته وأخرتكم، بل الله أدخله وأخرجكم»[2].
الله فتح باب عليّ:
عن علي عليه السلام انه قال: «أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيدي وقال إن موسى عليه السلام سأل ربه أن يطهِّر مسجده بهارون، وإني سألت ربي أن يطهِّر مسجدي بك وذريتك، ثم أرسل إلى أبي بكر أن سد بابك، فأسترجع، ثم قال: سمعاً وطاعة. فسد بابه ثم أرسل إلى عمر؛ ثم أرسل إلى العباس بمثل ذلك ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «ما أنا سددت أبوابكم وفتحت باب علي، ولكن الله فتح باب علي وسد أبوابكم»[3].
مكرمة عظيمة:
هذه هي المكرمة الإلهية العظيمة للإمام علي عليه السلام وفضيلة كبرى عن سائر المسلمين فقال عمر بن الخطاب: لقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال لأن تكون لي خصلة منها أحب إلي من حمر النعم، قيل وما هنَّ. قال: تزوجه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسكناه المسجد مع رسول الله يحل له فيه ما يحل له، والراية يوم خيبر[4].
تمنّي:
وعن ابن عمر قال: ولقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال، لأن أكون أُعطيتهن، أحب إلي من حمر النعم، زوَّجه رسول الله صلى الله عليه وآله ابنته، وأعطاه الراية يوم خيبر وسدَّ الأبواب من المسجد إلا باب علي[5].
وعليه فإن هذا نذر قليل مما ورد إن حديث الباب يعتبر من المسلمات عند المسلمين.
إرادة إلهية:
عن أنس بن مالك قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يمر بباب فاطمة عليها السلام ستة أشهر، إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول: يا أهل البيت (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)[6].[7] فهذه عناية من الرسول صلى الله عليه وآله ما بعدها عناية، فهو يقف بباب علي وفاطمة دون غيرهم من المسلمين مراراً، ويذكرهم بالصلاة، فضلاً على إنها رسالة إلى الناس كافة، بأن أهله هم المعنيون بحمل أمانة الرسالة السماوية لأهليتهم وشمولهم بالعناية الإلهية الخاصة دون غيرهم وهذا متفق عليه باعتراف القوم. ومقالة أبي بكر لما بويع للخلافة قال: أقيلوني أقيلوني فلست بخيركم والحديث المشهور المتواتر في قول عمر بن الخطاب لولا علي لهلك عمر[8].
باب له قدسيته:
قد أمر الله سبحانه وتعالى في آياته الكريمة بإيتاء البيوت من أبوابها فقال تعالى: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرِّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن أَبْوَابِهِا)[9].
فكان النبي صلى الله عليه وآله يطرق باب علي وفاطمة عليهما السلام لمدة ستة أشهر مستمرة أو أكثر من أجل أن يبيّن للمسلمين أهمية هذا الباب وضرورة المحافظة عليه، وان هذه الآية الشريفة قد نزلت بحقه بصورة لا تقبل الشك، وإنها من شأن أهل بيت النبي وهم علي وفاطمة والحسن والحسين.
باب فاطمة فاصلة التسليم والحقد الدفين:
فيما تقدم استعرضنا عددا من الروايات الشريفة التي بينت طهارة بل وقدسية باب علي وفاطمة، وكان بمثابة ابتلاء واختبار للأمة منهم من سلَّم معترفاً بفضل وطهارة وعصمة أهل البيت عليهم السلام ومنهم من استكبر وكان من الضآلين الظالمين وقد انتهز اقرب الفرص لتدنيس هذا البيت الطاهر فقام بإحراق الباب المقدس والاعتداء على سيدة نساء العالمين عليها السلام بالضرب وإسقاط الجنين حقدا على أمير المؤمنين عليه السلام بما حباه الله سبحانه وفضَّله وقد أمرهم الله بطاعته كما أمر إبليس بالسجود لآدم فأبى واستكبر كذلك استكبر القوم وأبوا الطاعة.
والروايات التي نقلت واقعة الاعتداء على بيت الزهراء كثيرة منها ما رواه سماحة المحدث الشيخ عباس القمي رضوان الله عليه في كتابه بيت الأحزان ص 90، في سبب إلقاء الجنين، عن العلامة المجلسي في البحار قال:
توفي رسول الله صلى الله عليه وآله يوم توفي فلم يوضع في حفرته حتى نكث الناس وارتدوا واجتمعوا على الخلاف واشتغل علي عليه السلام برسول الله صلى الله عليه وآله حتى فرغ من غسله وتكفينه وتحنيطه ووضعه في حفرته، ثم اقبل على تأليف القرآن وشغل عنهم بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله فقال عمر لأبي بكر: إن الناس أجمعين قد بايعوك ما خلا هذا الرجل وأهل بيته فابعث إليه، فبعث إليه ابن عم لعمر يقال له قنفذ فقال له: يا قنفذ انطلق إلى علي فقل له: أجب خليفة رسول الله.
يا عمر ما لنا ولك:
... فبعثا مراراً وأبى علي عليه السلام أن يأتيهم فوثب عمر غضبان ونادى خالد بن الوليد وقنفذا فأمرهما أن يحملا حطباً ونارا، ثم اقبل حتى انتهى إلى باب علي وفاطمة قاعدة خلف الباب قد عصبت رأسها ونحل جسمها في وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله حتى ضرب الباب ثم نادى: يا ابن أبي طالب افتح الباب, فقالت فاطمة: يا عمر ما لنا ولك ألا تدعنا وما نحن فيه قال: افتحي الباب وإلا احرقنا عليكم الدار فقالت: يا عمر أما تتقي الله عز وجل تدخل بيتي وتهجم على داري؟
فأبى أن ينصرف, ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب فاحرق الباب ثم دفعه عمر فاستقبلته فاطمة عليها السلام وصاحت:
يا أبتاه يا رسول الله, فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجئ به جنبها, فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت: يا أبتاه, فوثب علي عليه السلام فأخذ بتلابيب عمر ثم هزه فصرعه ووجئ انفه ورقبته وهم بقتله, فذكر قول رسول الله صلى الله عليه وآله وما أوصاه به من الصبر والطاعة.
فقال: والذي كرم محمد صلى الله عليه وآله بالنبوة يا ابن صهاك لولا كتاب من الله سبق لعلمت انك لا تدخل بيتي, فأرسل عمر يستغيث فاقبل الناس حتى دخلوا الدار فكاثروه والقوا في عنقه حبلا وحالت بينهم وبينه فاطمة عليه السلام عند باب البيت, فضربها قنفذ (لعنه الله) بالسوط فماتت حين ماتت وان في عضدها كمثل الدملج من ضربته (لعنه الله) فالجأها إلى عضادة بيتها ودفعها فكسر ضلعها من جنبها فألقت جنينا من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت عليها السلام من ذلك شهيدة.
رواية أخرى:
عن إرشاد القلوب عنها عليها السلام قالت:
فجمعوا الحطب الجزل على بابها وأتوا بالنار ليحرقوه ويحرقونا فوقفت بعضادة الباب وناشدتهم بالله وبأبي ان يكفوا عنّا وينصرونا، فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي حتى صار كالدملج وركل الباب برجله فردّه عليّ وأنا حامل، فسقطت لوجهي والنار تسعر ويسفع وجهي ، فيضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني وجاءني المخاض فأسقطت محسناً بغير جرم.
رواية شرح النهج:
وذكر ابن ابي الحديد في شرح النهج خبر هبار بن الأسود، ان رسول الله صلى الله عليه وآله أباح دمه يوم فتح مكّة لأنه روّع زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله بالرمح وهي بالهودج وكانت حاملاً فرأت دماً وطرحت ذا بطنها قال: قرأت هذا الخبر على النقيب أبي جعفر فقال: إذا كان رسول الله أباح دم هبار لأنه روع زينب فألقت ذا بطنها فظاهر الحال انه لو كان حياً لأباح دم من روع فاطمة حتى ألقت ذا بطنها.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خيرة خلق الله محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
_________
[1] ـ المستدرك على الصحيحين ج3ص125.
[2] ـ سنن الترمذي: ج5ص641ح3732.
[3] ـ كنز العمال ج6ص408.
[4] ـ مجمع الزوائد ج9ص124.
[5] ـ أسد الغابة في معرفة الصحابة ج3ص214.
[6] ـ سورة الأحزاب:33.
[7] ـ مجمع الزوائد ج9ص191باب فضائل أهل البيت.
[8] ـ المستدرك على الصحيحين ج3ص153.
[9] ـ سورة البقرة:189.