(1)
استشعار ما أنت فيه
تفكر في حقارة نفسك و خساسة ذاتك وقبائح كينونتك مع صغر قدرتك و تأمل في أن أرذل الأصناف من الناس هو الكناس (من حرفته الكنس) وأرذل هذه الطائفة وأخسهم من يكنس البالوعة الممتلية من الفضلات من البول والغائط وسائر القاذورات ويجمعها ويخرجها من البيت ويرميها في المحل اللائق بها
وترى نفسك لا تحب مجالستهم ولا معاشرتهم ولا مؤاكلتهم ولا مؤانستهم ولا سائر أنحاء المعاشرات وانظر الآن في نفسك إنك وإن بلغت ما بلغت وإن ترقيت في الدنيا وصرت ملكا فلا بد أن تباشر الغائط والبول وتنظفهما عنك بيدك و صرت قرين ذلك الرجل الذي تراه أرذل الطوائف و الأصناف كل يوم ثلاث مرات أو أقل
ثم انظر في باطن جسدك و داخل جلدك هل تجد شيئا طاهرا طيبا فكل ما يخرج ما يخرج منك إما نجس العين كالبول والغائط والدم و المني وأشباه ذلك من القطعة المبانة وغيرها أو كثيف ردئ خبيث يتكره الإنسان من أن يباشره أو يتناوله كالصديد والنخامة و البصاق وأمثال تلك من الأمور الرذيلة والأشياء الخسيسة الخبيثة
وإذا تناولت الطعام الطيب اللذيذ حسن الرائحة إذا صار في فمك ومضغته انظر كيف يؤول أمره وحاله إذا اخرجته من فمك يحرم عليك بعد ذلك تناوله لأنه من الخبائث وكل ذلك لمجاورتك دقيقة واحدة وكلما يمتد من المجاورة يشتد خبثه ونجاسته إلى أن يكون دما أو منيا أو يخرج من المثانة بولا فأنصف الآن في نفسك إنه هل يحسن مع ذلك التكبر والتجبر وطلب اللذات والشهوات والافتخار على الغير
(2)
إنك إذا لاقيت الناس لا يخلو معك من إحدى حالات ثلاث
الاولى:أما أنهم أكبر سنا منك فعظمهم ووقرهم ولا تستحقرهم وقل إنهم سبقوني بطاعة الله سبحانه فهم أحسن شأنا مني عند الله سبحانه وأنا أخس منهم فيجب لي توقيرهم ضرورة تعظيم الأخس للأشرف دون العكس
الثانية: أو أنهم مساوون معك في السن فقل على قطع بمعصيتي وأشك لعلهم في معصيته ما عصوا الله سبحانه فصاروا بذلك أنجب مني وأحسن و إذا رأيتهم في معصية قل ذلك تابوا وأنابوا وتاب الله عليهم كم من معصية توجب النجاة بكثرة التأسف والندم والألم و كم من طاعة تورث الهلاك والبوار بالعجب والفخر أو غيرهما من المرديات فلعل طاعتي من هذا القبيل ومعصيته من ذلك القبيل فلا تستحقره في نفسك وتريها أنها أحسن منك وإن كان تجري عليه أحكم الظاهر بل من عدم قبول الشهادته قبل أن يتوب وعرفت منه صدق النية والتوبة و امثالها من سائر الأحكام الظاهرية
الثالثة :أو أنهم أصغر منك سنا فلا تستحقرهم أيضا وقل إني قد سبقتهم في معصية الله سبحانه وأنا أكثر منهم معصية وهم أقل مني فيها فلهم الفضل عند الله علي
وإذا نظرت ولاحظت هذه الأحوال وأجريتها في محالها ومواقعها فأنت في راحة دائمة وعافية باقية وإن قابلوك بمكروه وسوء فلا تقابلهم بذلك بل (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " ومايلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ) وقل في نفسك إن كنت تستحق هذا المكروه منه بسوء عملك وصنيعك معه فقد أخذ منك حقه ونجوت وسلمت من تبعته يوم القيامة وإن لم تستحق منه بذلك فصار كفارة لسائر ذنوبك وحصلت ثوابا من غير كد و لا تعب وإن سولت لك نفسك إنك ما عصيت مع أنه من المحالات العادية فقل لها ماهب ما عصيت ولكنه يكون رفعا للدرجات ومزيدا للحسنات لأنه لا يفوت عن بارئ السماوات ولا يعزب عن عمله مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء
وإن شتموك وسبوك في وجهك فقل لهم يا إخواني إن كنت أنا كما تقولون في وتنسبون إلي فأسأل الله أن يغفر لي ويدفع عني هذه النكبات وإن لم أكن كما تقولون فأرجوا من الله عز وجل أن يغفر لكم ولجميع المؤمنين
وإن اغتابوك فلا تغضب ولا تظهر العداوة وقل في نفسك أنهم إن قالوا فيك ما هو موجود فيك فقالوا حقا ونطقوا صدقا وإلا حصلت ثوبا وذخرا من غير كد ثم إن ربك لهم بالمرصاد وإن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم
وإن حقروك فقل في نفسك أنت أهل لذلك وإن عظموك فابتهل وتضرع إلى الله عز وجل أن ينجيك من الكبر والعجب وإن مدحك وعظمك أحد في وجهك فقل ربي لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون ولا تفرح بذلك المدح والتعظيم واذكر قوله تعالى (ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ) ولا تتكبر على أحد واذكر أولك نطفة وآخرك جيفة نتنة وأنت بين ذلك حامل العذرة
ومجمل المقال ومختصره عامل الناس كما تحب أن يعاملوك وأحبب للناس كما تحب لنفسك واكره لهم ما تكره لنفسك ولا تمكن الناس من وقتك فيذهب عليك دينك ودنياك وآخرتك وأولادك ولا تغضب عليهم إذا أضروك بشيء من حطام الدنيا واغضب عليهم إذا أضروك بشيء من دينك ليكون حبك في الله وغضبك في الله
من كتاب السلوك إلى الله
السيد كاظم الرشتي
تحياتي
شمس فدك