جمع الملك الشاب حُكَماء بلاطه، وطلب منهم أن يكتبوا له تاريخ البشرية كي يطّلع عليه ويستفيد منه..
ذهب الحكماء وعادوا إليه بعد سنوات وهم يحملون مُجلّدات ضخمة
لكن الملك طلب منهم أن يختصروها أكثر بسبب مشاغله الكثيرة؛
كي يتسنى له قراءتها كاملة،
فرجع الحكماء مرة ثانية وعادوا إليه بعد سنوات ومعهم مجلدات أقل من سابقتها؛
لكن الملك ضَجِر من كِبَرها، وأمرهم بإعادة الاختصار
هنا اقترب منه كبير الحكماء، وقال له: سيدي، تاريخ البشر مُكرّر بشكل لا يمكن لعقل تصوّره، ولو شئت أن ألخّص لك تاريخ البشرية في عبارة واحدة؛ فإن ذلك بمقدوري!
فقال له الملك متلهفاً: هات ما عندك.
فقال الحكيم: يا مولاي تاريخ البشرية يتلخص في عبارة واحدة "يولد الناس، ثم يتألمون، ثم يموتون"!
هكذا رأى الفيلسوف الفرنسي أناتول فرانس تاريخ البشرية من خلال قصته الرمزية السابقة؛ لكننا بقليل من التأمل والتدبر، سنرى أنها رؤية عميقة لمعنى وجودنا في الحياة.
فالألم هو القاسم المشترك بين جميع البشر؛ هو الذي يُطهّرهم في كثير من الأحيان من حظوظ أنفسهم، وهو الذي يعيدهم إلى حقيقة إنسانيتهم، وقديماً قال أحد الحكماء: "قلب يتألم.. قلب يتعلم".
الألم هو الضريبة التي ندفعها نظير التعلّم، هو الشاهد على أن "مجّانية التعليم" لم تَطُل دروس الحياة وتعاليمها.
ولو كان ثمة استثناء لهذه الضريبة؛
لكان الأنبياء والرسل أوْلى الناس بهذا الإعفاء وتلك المنحة؛ لكنهم -قبل غيرهم- تألموا كثيراً، عانوا كما لم يعانِ أحد؛ لكن عَظَمَتهم تجلّت في صلابتهم وتحمّلهم في دفع ضرائب الحياة، وثمن العيش الشريف الكريم فيها، ثمن الحياة بمبدأ وكرامة وشرف.
ليؤكدوا لنا أن "الألم" الذي نتعرض له هو الدليل الوحيد على كوننا أحياء، وأننا يجب أن نستفيد من ذلك الألم في تعلّم الدرس، والعودة إلى ذواتنا، والدخول في دهاليزها، ومكاشفة النفس، والانعزال عن ضوضاء الحياة لبعض الوقت، لنعود بعدها أشدّ قوة، وأكثر وعياً وثباتاً.