اللهم صلِّ على محمد وآل محمد
عبد المطلب الكفيل الاول
عميد البيت – رجلا ليس كالرجال
زعيم مطاع ، والرجل المهوب ، يقول فينفـذ القول ، ويحكم فلا يُردُّ حكم ، وهو الجواد المعطاء ، والسَّخيُّ الفـذُّ ، يُطعم فينال مِـنّ الطَّعام راكب البعير ، وهو على ظهر بعيره ، ويُرفـع من مائدته على قمم الجبال ، لِينال من طعامه طيور الفضاء ، ووحوش الصَّحارى ... حتى لُقّب بالفيَّاض ، ومطعم طير السَّماء .
وإنه مجاب الدَّعوة ، يدعوا الله فـتُـلـبَّـى دعـوته ... فهـو مرضيٌ عنه في السَّماء ، ومحمودٌ في الارض ، فدُعي { شيبة الحمد }.
وإنه ليرى فيه صفاتٍ ، لم تكن في غيره ، مِنْ هـذه الأكداس البشرية . وهو الذي يسـنُّ سنناً ليست سوى الدليل على رفعة النفس ، ونقاء السريرة ، وعمق الإيمان ، بحيث تنهض بالبرهان على بقاء الحنفية ، التي جاء بها أبوه إبراهيم ، فإنه لَيُحرم الخمر على نفسه ، ويُحرِّم نكاخ المحارم ، ويُحـدِّد الطواف بالبيت سبع مرَّتٍ ، بعد ان كان غير محـدودٍ ، وينهى أنْ يطوف عارٍ بالبيت ، ويقطع يـد السارق ، ويحرم الزِّنا ، وينهى عن الموؤُودة ، وأن يُستقسم بالأزلام ، وأن يُؤكل ماذُبح على النُّصب ، ويسنُّ الوفاء بالنذر (1) .
ويجيءُ الإسلام فيُقرُّ كل هذه السنن ، التي سنَّها عبد المطلب .
نادم حرب بن أُمية بن عبد شمس ،، والد أبي سفيان ،، وكان أحد اليهود في جوار عبد المطلب ، فأغلظ هذا اليهوديُّ لحربٍ في المقال ، في أحد أسواق تهامة ، وثارت حفيظة ابن أُميَّة ،، والغدر له وراثةٌ مِنَ الجد عبد شمس ، وهي ميزةٌ لهذا الفخـذ ، وإحدى طباعه المتأصِّلة الجذر ،، فلم يلبث أن أغرى على اليهوديِّ مَنْ قتلَه ! .
ولا يعرف عبد المطلب غـدرة حـربٍ ، حتى يهجـره ، فلـن ترضى نفسه بنديمٍ غـدَّارٍ . ولم يدع حرباً يذهـب كأن لم يجنِ شيئاً ، فأجبره على إعطاء مئة ناقةٍ لابن عم اليهوديِّ ،، دية الدَّم المطلول (2) .
وهو "" الى كل هـذا "" يرفض ان يخفض الهام ، ليسجد لصنمٍ ، فيعبد حجرةً صماء او خشبةً باليةً "" وهو ذو العقل الرَّجيح ، والذَّكاء الوقاد (3) .
وهو أوّل من تحنّث بغار حراء ، فكان اذا أهلَّ شهر رمضان ، صعد الجبل فتعبَّد فيه ليالي "" ذوات عددٍ ، يُمعن الفكر في جلال الله وعظمته .
وإن أبا طالب لَيرى أباه ، يوم جاء أبرهة الى الكعبة ، فصُودرت لعـبـد المطّلب أنعامٌ ، فراح يطلبها منه . وكاد يصغر في عينه ، حيث لم يعرض لأقدس المقدَّسات لديه "" الكعبة "" وقد جاء ليهدمها ... فما كان إلاَّ أجابه بجواب المؤمن ، الوطيد الرَّجاء بالله ، العميق الثابت والإيمان :
<<< أنـا ربُّ الإبـل . وللبيت ربٌّ يحميـه ! >>>
وعـاد وأخـذ بحلقـة بـاب الكعبـة ، ونـاجى الإلـه ، مناجــاة موحِّـدٍ مؤمِـنٍ :
يــاربُّ ! لاَ أرجـــوْ لُهــمْ ســـواكَا ***** يــاربُّ ! فــامنَعْ منهُــــم حِماكَــــا
إنَّ عــــدوَّ البيــتِ مَـــنْ عاداكَـــا ***** امنعهــــمُ أنْ يخربُــــــواْ فِناكَــــــا(4)
ثم قال "" مرةُ أُخرى "" بلهجة المطمئن ، العارف بالنتيجة :
لاهُــمَّ أنّ العـبـد يمنــعُ ***** رحلَــــهُ ، فــامنعْ حلالَــكْ
لا يغـلـــبنَّ صليبُهُـــــم ***** ومحالُهُمْ ـ عـدواً ـ مِحـالَكْ
ولئـــنْ فعلـــتَ فإنّـــه ***** أمـــرٌ تتـــمُّ بــــه فعــــالكْ
الى آخر القصيدة ... ثم عقّب بقوله :
يا معشر قريش ! لايصل (5) إلى هـدم هـذا البيت ، فإنه له رباً يحميه ويحفظه ! .
ثم يدعوا الله ، وإذا بالطَّير ( الأبابيل ) تُحلق في السماء طائراتٍ صامتةً ، لتقذفهم بحجارةٍ ، هي أسرع فتكاً مـن القنابل الذريَّة ، وهي لا تتعدى المجرم في إصابتها ، ولا تنال البريءَ بسوءٍ ...
وإن أبا طالب يسمع أباه في نجواه ، وقد ضُربتِ القداح عليه ، وعلى إخوته التسعة ، لِيبرَّ عبد المطلب بنذره ، ويفي به ، وقد أجاب الله دعوته ، فرزقه عشرةً مَنْ الولد .
يـــــاربُّ أنـــــــــتَ الملــــــــــك المحمــــــــــودُ
وأنـــــــــتَ ــ ربِّــــــي ! ــ الملـــــك المعبــــــودُ
مِـــــــنْ عنـــــــدكَ الطَّـــــــارفُ و التَّليــــــــدُ (6)
وإنه لَيأْخذ مكانه ،، من بين إخوته ،، وعبد المطلب يُلقي عليهم دروسه القيّمة ، ويأمرهم بالأوامر الإلهَّـة ... فينهاهم عن دنيَّـات الأُمـور ، ويأمرهم بترك الظُّلم والبغي ، ويحثُّهم على مكارم الأخلاق ... ويحذرهم يومـاً ، يلقى فيه كلٌّ جزاءه ،
عبد المطلب يستقبل مولــوداً لابنـه عبد الله "" ذلك المولود الذي بنتظره الكون ، ويُنادي به ، لِيستقبل إشراقـة نوره الوضَّـاح "" فلم يكد الوليد يستقبل الكون ، حتى يُبشَّر بذلك الجدُّ ، فيدخل على أُمِّـه ، لِتُحدِّثه بما رأت ، حين ألقت ما في بطنها ، وكلُّه سمعٌ مرهفٌ لهـذا الحديث العذب ... ثم يأخذ الطفل ، ويمضي به للكعبة ليدعو الله ، ويشكره على هـذا الفضل الشَّامل :
الحمـــدُ للهِ الــذيْ أعطـــانِيْ ***** هَــــذا الـــــــلامَ ، الطَّيِّـــبَ الأردانِ ...
قــدْ ســـادَ فيْ المهـــدِ علَــى الغُلمـــان ***** أُعيــــذُهُ بــــــاللهِ ذيْ الأركـــــــــانِ
حتّـــى أراهُ بــــالغَ البنيــــــانِ ***** أُعيـــذهُ مِـــنْ شـــــرِّ ذِيْ شــــنْآنِ ...
مِــــنْ حاســـدِ مضطَّــربِ العنـــانِ (7)
وإنَّ عبد المطلب لَيُولي هـذا اليتيم عنايةً ، ويبذل في رعايته أقصى جهده ، وينظر إليه نظرةً عميقةً ، تخرق المستقبل ، وترى مكان هـذا اليتيم منه ، وقـد دانت له الأرض ـ من غربيها الى شرقها ـ وخضعت لعظمته الهام ، وخفقت بحبِّه القلوب ، ودانت لعظمته دعوته ، ولهجت بذكره الألسن ، وردَّدت عاطر الثناء ، وآيات الاكبار .
فعبد المطَّلب ـ وهو الزَّعيم المهيب ، والمعظَّم في قريشٍ ، والمطاع بين العرب ـ يُفرش له حول الكعبة ، فتحفُّ حوله رؤساء قريشٍ ، دون أن يستطيع واحـدٌ منهم :
أن يطأ مِنْ فراش عبد المطَّلب طرفَه ـ بله الجلوسَ وإيَّاه عليه ! .
ولكن هـذا الطِّفل اليتيم يجيءُ ـ بروحه الطّموح ، ونفسه الوثوب ـ فيتخطَّى الناس ، ليجلس بجانب جـدِّه ، ولربما سبقه محلّه ، فإذا جاء جدـذُّه وأرادوا أنْ يُبعدوه عن محله ، فعبد المطلب ذلك الزجَّار لَمِنْ شاء أن يتجرّأ ، فيُنحِّي هـذا الطّفل العظيم ! . ويقول مرَّةً :
ـ دعوه ! أنَّ له شأْناً ! .
ويُجلسه الى جانبه ، وهـو يُربِّت على ظهره ، وقد بدت على وجهه بشائر الفرح ، وعلامات الرضا والسرور ، فلت يخيب فيه الرّجاء الخميل ، والامل الخضال ! .
ومرَّةً أُخرى ، يقول لمن شاء ان يمنع محمَّداً عن فراش جـدِّه :
ـ دعوا ابني يجلس ، فإنه يُحسُّ من نفسه بشيءٍ ! ، وأرجوا أنْ يبلغ مِنَ الشَّرف مالم يبلغه عربيٌّ ، قبله ، ولا بعده ! .
ومَّرةً ثالثةً يقول :
ـ ردُّوا ابني إلى مجلسي ! ، فإنه تُحدِّثه نفسه بملـكٍ عظيــمٍ ، وسيكون له (شأْنٌ !) (8) .
وإنه ليخصُّ ـ تارةً ـ أبا طالب بالتوصية به :
ـ يا أبا طالب ! ، إنَّ لهـذا الغلام لشأْناً عظيمــاً ! فاحفظه واستمسك به ، فإنه فردٌ وحيدٌ ! وكن له كالأُمِّ ، لا يصل إليه شيءٌ يكرهه ! (9) .
وما كان عبد المطلب ، يالذي يتكلم جزافاً ! فما هـو مِمّنْ تُرسل الكلام على عواهنه ، ويهرف بما لا يعرف ! .
إنه ليعرف بأنّ لحفيده (( لشأْناً )) ـ وأيَّ شأن ! .
هؤلاء قومٌ من بنب مدلج ، وهمُ القافة (10) ظن العارفون الآثار والعلامات ـ يقولون له :
<< احتفظ بمحمَّدٍ ، فإنا لم نرَ قدماً أشبه بالقدم التي في المقام ، منه >> (11) .
وهـذا سيف بن ذي يزن الحمـيريُّ ، وقد ولي الحبشة بعدما ولد الرسول بعامين ‘ فراحت العرب تفد عليه ، تُهنئه باسـترجاعه ملك آبائه ، اذ استقذ ملك اليمن من ( الحبشة ) ... وكان في الطليعة : وفد قريش . وفي طليعة الطليعة : زعيمها (( عبد المطلب )) .
واذ وقف عبد المطلب ـ أمام سيفً ـ وألقى كلمةً ، هي آية في البلاغة والفصاحة ، مما ارغمت ( السيف ) على الانحناء ، امام هذه العظمة الفذة ، والشخصية الكبيرة ، والزعيم المبجل ... فرحّب بهم ، وحلّوا منه محل الضُّوف الكرام ...
حتى مضى شهرٌ ، وهم في ضيافته .. وإذ ذاك أدنى إليه عبد المطَّلب ، ليُلقي إليه بسرٍ خطير ـ ظَّنـاً منه بأن عبد المطَّلب ، لم يكن به ذلك الخبير ـ ويُلقي إليه بنبأٍ مشرقٍ الحواشي ، يحمل ـ بين أطرافه ـ << الحياة ، وفضيلة الوفاء >> ، للوجود بأجمعه ... وإن لعبد المطَّلب منه ، للحصَّنة الفضلى .
<< وإذا وُلد بتهامة غلامٌ بين كتفيه شامةٌ ، كانت له الإمامة ، ولكم به الزَّعامة ، لي يوم القيامة >> .
ثم يُعقِّب بعد قولةٍ لعبد المطَّلب :
<< اسمه محمَّدٌ . يموت أبوه وأُمُّه ، يكفله جدُّه وعمُّه >> (12) .
ولا يلبث أن يكشف السِّـتر ، ويُلقي ببقايا السِّرِّ الكمين :
<< والبيت ذو الحجب ، والعلامات على النُّقب (13) .إنك لجدُّه ـ يا عبد المطَّلب ! ـ غير كذبٍ (14) .
وإذ ذاك يخرُّ عبد المطَّلب ساجداً لربِّه ، يُناجيه بكلمات الشُّكر ، على هـذه النّعمة الفضلى ، ويرفع رأْسه مثلج الصَّدر ، باسم الثّغر ، ويقصُّ على الملك طرفاً من حياة هـذا النَّبيِّ العظيم ، حتى يقول :
<< مات أبوه وأُمُّه ، وكفلته أنا وعمُّه >> (15) .
تمر سنون << جداب >> (16) ، وقد انقطع فيها الغيث ، وضحل الماء ، فيبس مِنَ الحشيش ما كان على اخضرارٍ ، وجفَّ من الضَّـرع ما كان ذلك الدَّرور . فكانتِ الحياة لديهم تلك الخشنة الملمس ، الجافة الحواشي ، الجهمة الطلعة ،فاسودَّت منهم النظرة ، وكساهمُ الوجد والأسى ، والرعب ، والخوف ...
وليس ثم من شفيعٍ إليه يضرعون ، سوى عبد المطَّلب فبروحيَّته يدعونه ، ليتقدم الى ربهِ ، فتجود عليهم السماء بالقطر ، وتعود لهم الحياة كما كانت من قبل ... وإنه للمشفع عند ربه ...
وقد دلتهم على هـذا الوجيه عند الله ، والوسيط الذي لا ترد له وساطةٌ ... دلتهم عليه رؤنـاً في المنام ، بصفاتٍ كريمةٍ ، وأوصافٍ رقاقٍ (17) .
ها هو عبد المطلب ، ـ وقد أخذ حفيده محمداً ـ فندَّت شفتاه بدعوات ، انبعثت من قلبٍ يسيل رقَّةً ، ويطفح إِيماناً :
{ لاهُمَّ هؤلاء عبيدك وبنو عبيدك ، وإماؤُك وبنو إمائك ، وقد نزل بنا ما ترى ، وتتابعت علينا هـذه السنون ، فذهبت بالظّلف والخفِّ والحافر ، فأشفت على الإنفس ... فإذهب عنَّا الجدب ، وائتنا بالحياة والخصب } (18) .
يا للدعوة المؤمنة ، تصعد الى السماء ، فلا يحجبها شيءٌ ... و يا للدعوة المؤمنة ، يسمعها الربُّ الرحيم فيُجيب النداء ! .
فلم يبرحوا الجبل ، إلاَّ والسماء متراكمة السُّحب تحمل << الخصب >> وتُغدق << الحياة >> وتطرد << الجدب >> المقمحل وتنهمر السماء مدراراً ، وتجود السُّحب ، وتسيل الأودية ...
فهذه <<رقيقة>> بنت ابي صيفي بن هاشم ، ينطلق لسانها بشعرٍ ، يُعبِّر عن مدى الفرحة ، وتهزج بلسان حلوٍ :
بشــــيبةِ الحمــدِ أســـقى الله بلدتنـــا ***** وقــدْ عـدمنـــا الحيا ، واجلَّــوذَ المطَــرُ (19)
فجـــادَ بالمــاءِ جُونـــيٌّ لــهُ سَـــبَلٌ ***** دانٍ ، فعاشـتْ بـهِ الأنعــــامُ والشَّــــجرُ (20)
مَنَّـــاً مِـنَ الله بــالميمونِ طـــائرًهُ ***** وخـيرِ مَـنْ بشَّــرتْ ــ يومـاً ــ بـه مُضَـرُ
مبـاركُ الاسـمِ ، يُستســقى الغمـام بـهِ ***** مـافي الأنـــامِ لــهْ عـــدلٌ ، ولا خطـــرُ (21)
وكان له دعـــاء اخر لطلب التوسل بالله لنفس الموضوع ولكننا اكتفينا بهــذا ، والذي يريد ان يطلع اكثر فيراجع ( كتاب ابو طالب مؤمن قريش للشيخ الخنيزي )
وتمضي حياة عبد المطلب : خضلة الحواشي ، مشرقة السَّنى ، وهَّـاجةَ النُّـور ، مليئـة بـإرهاصات النَّبي المنتظر ، وإنه ليس ينسى هـذا الذي استأثر بقلبه ، وآثره على بضعـةٍ من ولده .... إنه لن ينساه ، حتى في آخر لحظةٍ ، تُختم به حياته المديـدة ، التي بلغـت المئـة والعشرون ـ على قولٍ ـ ونيَّف على الخمسة والثمانون ـ في قولٍ آخـر .
إنـه وهـو يعالج سكرات الموت ، لَيُدير عينيه في ولـده ، وقـد أحفُّـوا بـه ، ليختار من بينهم مَنْ يُلقي عليه مهمَّـةً شغلت منه فكره ... وليست هـذه بالمهمَّـة اللّينة ، فعليـه : أن يُحسن الاختيار ، ليُغمض عينين قريرتين .
ويمتـدُّ بصـره ، ليلتقي بأبي طالب . فليس خيراً من هـذا ، تُلقى على كاهله هـذه المهمَّة الشَّاقَّة ، وهو الذي شاركه في القيام بها ، منذ بزغ نور هـذ السِّــراح السَّـاطع :
أُوصيكَ ـ يا عبـدَ منافِ ! ـ بعــدِيْ ***** بموحَــدٍ ـ بعــدَ أبيــهِ ـ فــردِ (22)
ويُردف بقوله :
وصَّيـــتُ مَـــنْ كنَّيْتُـــــهُ بطــــالبِ ***** عـبــدِ منــافٍ ، وهــوَ ذوْ تجــاربِ (23)
بــابن الحبيــبِ أكـــرمِ الأقـــاربِ ***** بـابن الــذيْ قـدْ غـابِ ، غــيرَ آئــبِ (24)
وتقع هذه الوصية ، مِنْ نفس أبي طالبٍ ، مكانها العميق ، فيرضى بها :
لا توصِـــني بــــلازمٍ وواجــبِ ***** إنَّـــيْ سمعــــتُ أعجـــبَ العجــــائبِ
مِـــن كـــلِّ حـــبرِ عــــالمِ وكـــاتبِ ***** بَــانَ ـ بحمـــدِ اللهِ ـ قــلُ الراهــــبِ (25)
ويعـود عبد المطالب للقول :
[ انظر ـ يا أبا طالب ! ـ أن تكون حافظاً لهــذا الوحيــد ، الذي لم يشم رائحة أبيه ، ولم يذق شفقة أُمَّه ، انظر انْ يكون ـ من جسـدك ـ بمنزلة كبدك . فإني قد تركت بنيَّ كلَّهم وخصصتك به ، لأنك مِن أُم أبيـه ، واعلـم (26) ، فان اسـتطعت أن تتبعه فافعل ، وانصره بلسانك ، ويـدك ، ومالك .
فإن الله سيسودكم ، ويملك مالا يملك أحدٌ من آبائي (27) . هـل قبلت ؟ ]
فأجابه : << قـد قبلتُ . والله على ذلك شاهدٌ ! >> .
ومـدَّ يده إليه ، فضرب بها على يد ابنه ـ أبي طالب ـ وأرسل كلمته المنبثقة من عميق قلبه وقد استراح مِنْ عناء هـذه المهمَّة الثقيلة ، واستقبل الموت بطمأنينة وضميرٍ
<< الآن خُفّف عليَّ الموت ! >> .
وراح يغمره بفيضٍ من قبلات الحنان ، تحمل شفقة الوالد الحدب ، ويقول :
<< أشهد أني لم أرَ أحـداً ـ في ولدي ـ أطيب ريحاً منك ، ولا أحسن وجهاً >> (28) .
الذي يود ان يطلع على اكثر من هأذه المعلومات ، فيراجع كتاب ( اثبات الوصية للمسعودي ، و ابو طالب مؤمن قريش للشيخ الخنيزي )
ولا تنسوني ووالدي من الدعــــاء