الزواج في الاسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الروم21
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الابرار.
تمهيد:ـ
قد يظن البعض ومن كلا الجنسين ان حريته في اختيار شريك الزواج مطلقه , مبتنيا على ان الموضوع مختص به وقد كفل الشارع المقدس له هذه الحرية , متغافلا أو متجاهلا قيود الشارع المقدس لهذه الحرية بقيود عديدة منها:ـ
احترام القيم الاخلاقيه , ومراعاة الأعراف الاجتماعية السليمة .
أي إن الشارع المقدس لم يطلقها بل انه قيدها من اجل احترام الحرية الشخصية للآخرين ولم يكفل حرية فرد أو أفراد معينين على حساب أفراد اخرين بل انه كفلها للجميع وإلا لكانت الأمور فوضى فالنفس الأمارة لو تركت على هواها فأنها ترغب بالربوبية والاستحواذ ويلزم من هذه الرغبة السيئة انتهاك حرية الآخرين وبما إن الإنسان مدني الطبع ولا يعيش بمعزل عن الآخرين ولكي يكون موفق بالزواج فيجب عليه احترام القيم الأخلاقية والأعراف الاجتماعية الصالحة , فما فائدة الحرية الشخصية إذا لم تجلب لصاحبها السعادة وكيف تكون سعادة وهي مبنية على أذية الآخرين وتعاستهم بل إن الإنسان يتميز بإنسانيته ومؤانسة الآخرين به , وشكرا لله الذي من علينا بالنظام الاكمل الذي يكفل سعادة الدارين
وبإذن الله يتم التطرق في هذا المبحث لبعض الامور النافعة في هذا الموضوع بنظر الاسلام بحقل الزواج و من الله التوفيق والسداد.
وينقسم هذا المبحث الى النقاط الثلاث الآتية:ـ
اولا:ـ (الزواج في المنظومة الإسلامية)
أولى الشارع المقدس موضوع الزواج , العناية البالغة لأهمية هذا الموضوع في بناء المجتمع الصالح , فقد ورد عن المصطفى الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم ) [ما بني بناءا في الإسلام أحب إلى الله من التزويج] , فلا يمكن للمجتمع المسلم أن يرتقي لمقام العبودية الواعية لله تعالى إن لم يكن مجتمع صالح , ولايمكن أن يكون مجتمع صالح إن لم يكن مبني من الأسر الصالحة ولاتبنى الأسر الصالحة إلا من خلال الزواج الصالح ولم يترك الإسلام شاردة أو وارده في هذا الموضوع (أو في غيره)إلا وجعل له القواعد والقوانين , كمنظومه تامة سليمه , لذا ينبغي لنا معرفة تلك القواعد والحدود لكي نسير بما يرضي الله تعالى ونكسب سعادة الدارين وإلا فأن التطور التكنولوجي الحاصل الآن جعل المغريات منتشرة بصوره كبيره , وتكمن الخطورة في سيطرة الغرب الكافر واتباعه على هذه المغريات وادارة دفتها بما ينفع مصلحته هو, ولا يمكن التصدي لهذه الهجمات إلا من خلال التمسك الصحيح بالإسلام المحمدي الأصيل ومن أبواب هذا التمسك إحياء سنة المصطفى الخاتم (ص) في موضوع الزواج وغيره وفق الضوابط الشرعية الصحيحة وعدم وضع العراقيل أمام هذا الموضوع المهم
([إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير]) وإحياء هذه السنة الشريفة لا تتم إلا من خلال تضافر جهود جميع الخيرين وان حصل ذلك إنشاء الله فسوف يعود النفع على الجميع وبدون استثناء ثانيا :ـ (الحث على الزواج في المنظومة الإسلامية) :ـ
خلق الله جل جلاله الإنسان في أحسن تقويم ومنحه إمكانيات هائلة وقوى عديدة وفضله على كثير من الخلق تفضيلا بينا ومن بين هذه المنح الإلهية النفس وقواها العديدة والتي منها القوى الشهوية (شهوة الفرج , شهوة البطن ,...... ) وهذا البحث يهدف بصورة مبسطه إلى تسخير شهوة الفرج لما فيه الخير والصلاح ضمن الحدود الشرعية وتحت إشراف وإدارة سلطة العقل ,لان وجود القوى الشهوية في الإنسان فيها النفع الكثير للحياة الإنسانية إن تم إدارتها والتحكم فيها وفق مرضات الله تعالى , ويتم سد الحاجة الطبيعية لشهوة الفرج عن طريق الزواج , ولأهمية هذا الجانب ورد عن المصطفى الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم)[من تزوج فقد أحرز نصف دينه فليتق الله في النصف الباقي], وعنه (ص):ـ [يامعشر الشباب من استطاع منكم الباء فليتزوج (فانه أغض للبصر وأحصن للفرج), ومن لم يستطع فليدمن الصوم , فان له وجاء] , وعنه (ص):ـ [ياشاب تزوج وإياك والزنا , فانه ينزع الإيمان من قلبك] , وعنه(ص):ـ [من أحب فطرتي فليستن بسنتي ومن سنتي النكاح], وعنه(ص):ـ [من كان له ما يتزوج به فلم يتزوج فليس منا], وعنه (ص) :ـ [من كان موسرا ولم ينكح فليس مني], ومن المعلوم إن من أهم العراقيل التي توضع أمام الزواج , موضوع الجانب الاقتصادي , وبالرغم من إن هذا المعرقل مائل إلى جهة اهل الفتاة في الغالب ,إلا إن الإنصاف يحتم على ذكر إن الفتى واهله في بعض الأحيان هم من يضع هذا المعرقل في طريق الزواج , وقد حث الشارع المقدس على تذليل هذا المعرقل بطرق عديدة وعدم جعله مانع من إجراء سنة الخاتم (ص) , فعن الصادق(ع) قال:ـ ([من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء الظن بربه , لقوله سبحانه وتعالى:ـ [إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله]), فعلى الفتى وأهله أن يتعاونوا في حسن الاختيار فيمن سوف يرتبط معها الفتى , وان كان القرار النهائي في الاختيار يعود للفتى ويجب أن يكون الفتى على قدر من المسؤولية عندما يقدم على الزواج, فيجب أن يكون صاحب عمل يرتزق منه لكي يتمكن من إعالة نفسه وزوجته ومن ثم أبنائه , فعن الإمام الباقر(ع) قال:ـ [من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقا على الإمام أن يفرق بينهما], وقد سأل , إسحاق بن عمار أبا عبد الله (ع) عن حق المرأة على زوجها؟ قال (ع) :ـ [يشبع بطنها ويكسو جثتها........], وعن أبي عبد الله (ع) في قوله تعالى:ـ [ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله] , وقال(ع):ـ [أن انفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة والافرق بينهما] , ولذا فان الزوج الكسول العاطل عن العمل سوف يقوم بتهديم كيان أسرته بهتك سترها وتعريضها لخطر الانحراف وتكون فريسة سهله لأيدي الجريمة ,إلا إذا كانت الزوجة على قدر عالي من المسؤولية حينها سوف تتحمل أعباء هذه المسؤولية الثقيلة , لذا ينبغي للرجل أن تكون له مهنه أو حرفه أو أي عمل شريف يرتزق منه وإلا فأي رجولة تبقى للفاشل الكسول ,وأمامك المجتمع الغاص بالمشاكل بسبب تخلي الزوج عن مسؤولياته مما يؤدي إلى نشوء الكثير من الأسر المنحرفة عن خط الفضيلة والتي تنخر في جسد المجتمع المسلم .
ثالثا:ـ بيان بعض منافع الزواج في المنظومة الإسلامية :ـ
نستطيع بيان بعض منافع الزواج بعدة نقاط منها :ـ
(1):ـ فيه كسب لرضا لله تعالى , لان نية وعمل تكوين الأسرة الصالحة , إن كان خاليا من شوائب الرياء والعجب وخالصا لوجه الله تعالى , فيه السعي السليم لنيل مرضات الله تعالى , سيما وان السعي الجدي لتكوين الأسرة الصالحة ليس بالأمر الهين بل هو أمر يحتاج الى التوفيق والتسديد الإلهي من جهة , والى العمل الدؤوب , ليل ,نهار ولعدة سنوات مبتدئا من الاختيار الصحيح للزوجة الصالحة والى نهاية عمر المؤمن من جهة أخرى , والمهم في هذا الشأن أن يؤدي المؤمن رسالته الإنسانية هذه بما يرضي الله تعالى ,وان لاتعيقه بعض النتائج الابتلائيه البارزة له أثناء مسيرته في تأدية هذه الرسالة , كأن يكتشف انه عقيم وغير قابل على الإنجاب , أو انه يرزق بالبنات فقط , أو انه يرزق ببنات أصحاء وأبناء مرضى خلقيا ......, أو انه يؤدي ما عليه من تكليف شرعي ولكن يكون احد أبنائه خارجا عن جادة الشرع المقدس , فكل هذه الأمور وغيرها في قبضة الباري جل جلاله يقلبها وفق حكمته اللامتناهية وما على المؤمن الى أن يسعى سعيه وليس عليه أن يكون موفقا, فلكل فرد منا دائرة بلاء خاصة به وحسب درجة التكامل التي يطلبها , ودائرة بلاء عامة مشترك فيها مع اخوانه المؤمنين ولكي ينجح فيهما يجب أن يفوض أمره الى الله تعالى ويتوكل عليه , ويرضى بقضائه , فهو جل جلاله ارحم بنا من الوالدة الحنون بابنها البار بها.
(2):ـ فيه إحياء لسنة المصطفى الخاتم(ص) , وإحراز لنصف الدين, وهذا سبب كبير لنيل مرضاة الله جل جلاله , فشكرا لله الذي خلق لنا من أنفسنا أزواجا لنسكن إليها وجعل بيننا مودة ورحمه , وكم لهذا السكينة الروحية والهدوء النفسي من فوائد جمة , فالكثير من الأدلة العلمية والنقلية أكدت بأن كلا الزوجين مكمل بعضهم للآخر [هن لباس لكم وانتم لباس لهن](سورة البقرة (187)) والتقارير العلمية والبحوث الاجتماعية تؤكد على كثرة الأمراض التي تصيب العزاب , وكذلك كثرة إصابتهم بحالات الاضطراب النفسي حتى إن معدل الانتحار وارتكاب الجريمة عند العزاب أكثر منه عند المتزوجين .
(3):ـ في الزواج اعانه كبيرة على النجاح بالآخرة , قال المصطفى الخاتم (ص):ـ [ليتخذ أحدكم لسانا ذاكرا وقلبا شاكرا وزوجة مؤمنه صالحة تعينه على آخرته ] كما فيه بقاء للنسل الإنساني , وطلب الولد الصالح (ذكرا كان أم أنثى) وطلب الشفاعة بموت الولد الصغير إذا مات قبله , وقطع لكثير من حبائل إبليس , فالزواج يساعد على غض البصر وحفظ الفرج , وقطع الوساوس وخطرات الشهوة من القلب , وكذلك فأن الزوجة تكفي الزوج أمور تدبير المنزل من تنظيف وطبخ وتهيئه باقي أسباب المعيشة المنزلية , وكذلك في الزواج تكامل عالي للنفس من خلال السعي في حوائج الأهل والاجتهاد في إصلاحهم وتحصيل المال الحلال من المكسب الطيب والصبر على أخلاق النساء , فقد ورد عن المصطفى الخاتم(ص)[من حسنت صلاته وكثر عياله وقل ماله ولم يغتب المسلمين :ـ كان معي في الجنة كهاتين] وذلك لأن المسؤوليات الملقاة على عاتق المتزوجين أضعاف مضاعفة عما في عاتق العزاب , حتى إن شخصية الإنسان , ترتقي في الأعم الأغلب عند الانتقال من حالة العزوبة الى حالة الزواج .
أما ذكر (وجعل بينكم مودة ورحمة (الروم (21)) في الآية الشريفة فقد ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي لها الجهات التالية :ـ
(ا):ـ المودة هي الباعث على الارتباط في بداية الأمر بين الزوجين , ولكن في النهاية وحين يضعف احد الزوجين فلا يكون قادرا على الخدمة , تأخذ الرحمة مكان المودة وتحل محلها
(ب):ـ المودة تكون بين الكبار الذين يمكن تقديم الخدمة لهم , أما الأطفال والصبيان الصغار فإنهم يتربون في ظل الرحمة
(ج):ـ المودة غالبا ما يكون فيها (تقابل بين الطرفين) فهي بمثابة الفعل ورد الفعل غير إن الرحمة من جانب واحد لديه إيثار وعطف , لأنه قد لا يحتاج الى الخدمات المتقابلة أحيانا , فأساس بقاء المجتمع هو المودة ولكن قد يحتاج الى الخدمات بلا عوض فهو الإيثار والرحمة. وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.
اهم المصادر:ـ
1:ـ مكارم الاخلاق للشيخ رضى الدين بن الفضل الطبرسي
2:ـ تفسير الامثل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي