العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام

منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام المنتدى مخصص بسيرة أهل البيت عليهم السلام وصحابتهم الطيبين

 
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next

تلميذ المنبر
عضو متواجد
رقم العضوية : 77181
الإنتساب : Jan 2013
المشاركات : 78
بمعدل : 0.02 يوميا

تلميذ المنبر غير متصل

 عرض البوم صور تلميذ المنبر

  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي محاكمة تأريخية يقيمها الشهيد المجدد الثاني على عثمان ابن عفان
قديم بتاريخ : 23-02-2013 الساعة : 11:12 PM




محاكمة تأريخية يقيمها الشهيد السيد المجدد الشيرازي الثاني (رضوان الله عليه) على عثمان ابن عفان
(من فقه السلم والسلام/ السلم والسلام في الإقتصاد/ ذم التطرف في جمع الأموال والثروة)



ذكرنا فيما سبق ما جرى بين المهاجرين والأنصار من تكافل وإيثار وتعاون وتواصل في عهد النبوة حتى أصبحوا كالأسرة الواحدة، ولكن لما مات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)وحدثت من بعده الاختلافات، تغيرت سيرة بعض الصحابة فأقبلوا على حطام الدنيا وملذاتها وتنافسوا في جمع الأموال والثروة وادخارها، ومال كثير منهم إلى حياة الترف والنعيم وخاصة في عهد عثمان وقد أخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك فقد روي أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث أبا عبيدة بن الجراح فجاءه بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما صلى (صلى الله عليه وآله وسلم) انصرفوا فتعرضوا لـه، فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال: »أظنكم أنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء«، قالوا: أجل يا رسول الله، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): »فأبشروا وأملوا ما يسركم فو الله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم أن تبسط لكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم«(66).

وقد أشار الإمام علي (عليه السلام) في إحدى خطبه إلى بعض أحداث بني أمية وتصرفاتهم في عهد عثمان فقال مشيراً إلى ذلك: »فقام بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع«(67).
وقد ذكر صاحب كتاب الذخائر والتحف عدداً من ثروات جملة من الصحابة الذي ابتنوا القصور وجمعوا الأموال وقبلوا قطائع عثمان.
وكذلك أشار المسعودي في تاريخه فقال: وأحد الأسباب التي أدت بهم إلى نهج هذا السبيل هو تأثرهم باليهود بعد أن فسح لهم المجال في عهد الخلفاء.

وهناك شواهد كثيرة في هذا المجال وسنقتصر هنا في الحديث عن هذا الموضوع على بعض المقاطع من الرواية الطويلة المشهورة ومحورها الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري (رضوان الله عليه) جاء فيها:
إن عثمان بن عفان نظر إلى كعب الأحبار فقال له: يا أبا إسحاق ما تقول في رجل أدى زكاة ماله المفروضة هل يجب عليه فيما بعد ذلك فيها شيء؟
قال: لا ولو اتخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضة ما وجب عليه شيء، فرفع أبوذر عصاه فضرب به رأس كعب ثم قال لـه: يا ابن اليهودية الكافرة ما أنت والنظر في أحكام المسلمين، قول الله أصدق من قولك حيث قال: (وَالّذِينَ يَكْنِزُونَ الذّهَبَ وَالْفِضّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ( يَوْمَ يُحْمَىَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنّمَ فَتُكْوَىَ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ((68).

وفي تكملة الرواية قال عثمان للإمام علي (عليه السلام) الذي كان حاضراً: يا أبا الحسن انظر ما يقول هذا الشيخ الكذاب، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): »مه يا عثمان لا تقل كذاب فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ما أظلت الخضراء وما أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر«. فقال أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): صدق علي (عليه السلام) فقد سمعنا هذا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(69).
فهذه إحدى الروايات الكثيرة التي تتحدث عن تأثر بعض الصحابة باليهود في جمع المال والثروة وعدم الإنفاق في سبيل الله، وبما أن هذه الرواية من الروايات المهمة في تاريخ المسلمين ولابد من الوقوف عندها فيمكن استخلاص جملة من الموعظة والعبر منها:
أولاً: هناك فرق شاسع بين منهج الحكام وسيرة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فالحاكم يؤيد كلام كعب الأحبار وهو اكتناز الذهب والفضة بعد إخراج الزكاة وأن لا ضير في عدم الإنفاق في سبيل الله، بينما علي أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: »لا ادخرت من غنائمها وفراً..«(70).

وحتى لو قيل إن بعض الحكام كان يحث على الإنفاق في خطبه وكلماته، لكن الكلام يختلف عن الفعل، فإن العمل شيء صعب والقول شيء سهل، فإذا نظر الإنسان إلى خطابات بعض من عاش في ذلك العهد ورأى خطابات أمير المؤمنين علي (عليه السلام) الذي كان يتورّع أشدّ الورع ولم يختلف اثنان في عدله وزهده وورعه وإعراضه عن الدنيا، ربما رأى الكلام من كليهما متساوياً في بعض الجهات لكن فرق العمل بينهما بعد المشرقين.

فروي أن علياً (عليه السلام) اجتاز بقصاب وعنده لحم سمين فقال: يا أمير المؤمنين هذا اللحم سمين اشتري منه، فقال (عليه السلام) لـه: »ليس الثمن حاضراً«، فقال: أنا أصبر يا أمير المؤمنين، فقال (عليه السلام) له: »أنا أصبر عن اللحم«(71).
بينما كانت تأتي إليه البيضاء والصفراء من مختلف بلاد الإسلام كافة والتي كانت تعدّ ذلك اليوم بحوالي خمسين دولة حسب خريطة اليوم، لكنه كان يتورّع حتى عن أكل اللحم.

وفي حديث آخر: كان يأكل اللحم في العام مرة واحدة يوم عيد الأضحى(72) حيث يقول (عليه السلام): »إني أعلم أن في هذا اليوم يأكل الجميع اللحم«. وعلى هذا بقيَ زهاء خمس سنوات من أيام خلافته لم يأكل اللحم الرخيص جداً في ذلك اليوم إلا خمس مرات.

ويقول (عليه السلام) في نهج البلاغة: »ولعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع لـه في القرص ولا عهد له بالشبع«(73).
وقبله كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أشد الزاهدين كما قال علي (عليه السلام):»محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أزهد الأنبياء« (74)، مع أنه كان يملك زمام تسع دول من دول عالمنا الحاضر حتى أن الراوي يقول: ذهبت إليه ببعض الرطب فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): »ضعه على الأرض«(75)، حيث لم يجد في داره حتى ظرفاً واحداً من الخزف ليضع الرطب فيه.

ثانيا: يتضح من الرواية أن هناك سيرة ابتدعت وهي الاحتفاظ بالأموال واكتنازها في بيت المال وذلك على حساب المسلمين واستثمارها في مصالح شخصية معينة كصرفها على الأقرباء وللقيام بأعمال خاصة لا تعم الشعب. وهذا خلاف سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنه كان يقسم الأموال ولم يدخرها، إذ من جملة هذه الرواية أن عثمان لما أمر بنفي أبي ذر (رحمه الله) إلى الربذة دخل عليه أبوذر وكان عليلاً متوكّئاً على عصاه وبين يدي عثمان مائة ألف درهم قد حملت إليه من بعض النواحي وأصحابه حوله ينظرون إليه ويطمعون أن يقسمها فيهم، فقال أبوذر لعثمان: ما هذا المال؟
فقال عثمان: مائة ألف درهم حملت إلي من بعض النواحي أريد أن أضم إليها مثلها ثم أرى فيها رأيي.
فقال أبوذر: يا عثمان أيما أكثر مائة ألف درهم أو أربعة دنانير؟
فقال عثمان: بل مائة ألف درهم.
فقال: أما تذكر أنا وأنت دخلنا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عشاء فرأيناه كئيباً حزيناً فسلمنا عليه فلم يرد علينا السلام، فلما أصبحنا أتيناه فرأيناه ضاحكاً مستبشراً فقلنا له: بآبائنا وأمهاتنا دخلنا عليك البارحة فرأيناك كئيباً حزيناً وعدنا إليك اليوم فرأيناك فرحاً مستبشراً؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): »نعم كان قد بقي عندي من فيء المسلمين أربعة دنانير لم أكن قسمتها وخفت أن يدركني الموت وهي عندي وقد قسمتها اليوم فاسترحت«(76).

وسيرة علي أمير المؤمنين (عليه السلام) هي ذاتها سيرة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيت المال، فقد روى هارون بن مسلم البجلي عن أبيه قال: أعطى علي (عليه السلام) الناس في عام واحد ثلاثة أعطيات ثم قدم عليه خراج أصفهان فقال (عليه السلام): »يا أيها الناس اغدوا فخذوا فو الله ما أنا لكم بخازن« ثم أمر ببيت المال فكنس ونضح وصلى فيه ركعتين ثم قال (عليه السلام): »يا دنيا غري غيري«، ثم خرج فإذا هو بحبال على باب المسجد فقال (عليه السلام): »ما هذه الحبال«؟ فقيل: جيء به من أرض كسرى، فقال (عليه السلام): »اقسموها بين المسلمين«(77).

ثالثاً: من هذه الرواية وغيرها تتضح صورة المجتمع الإسلامي بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أصبح طبقات مختلفة ومتفاوتة، أي أن الطبقية بدأت تنتشر منذ أن استولى البعض على الخلافة واختلفت سيرته عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في توزيع العطاء، وبدى أثر هذا التفاوت بين الناس واضحاً في تلك العهود، فترك إلى حد كبير قانون التكافل بين أفراد المجتمع بعضهم لبعض.
أما في عهد أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فلم تختلف سيرته عن نهج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا هو واقع نظرية المساواة والعدالة في الإسلام، فقد قرّر المساواة بين أفراد البشر أمام القانون، ولولاها لانهار السلم والسلام، لأن الإنسان يطلب المساواة مع غيره أمام القانون، فإذا لم يعط ذلك اتخذ أسلوب العنف لتحصيله، فالمساواة هي القاعدة العامة إلا إذا كان العدل حاكماً.
ومن هنا يقال: إن هناك اختلافا في بعض الأحكام بحسب موضوعاتها، أو هي استثناء على قانون المساواة، سواء كان الاختلاف من جهة الدين أو من جهة بعض المزايا الأخر، فمثلاً العدالة تقتضي أن يعطى لكلّ ذي حق حقّه ولو لم يكن متساوياً مع غيره، كما لو فرضنا أن هناك فردين، أحدهما عمل بمقدار دينار والآخر بمقدار أكثر، فحسب الموازين الاقتصادية العادلة يستحق الثاني أجراً يزيد على أجر الأول، ومقتضى العدالة أن يعطى دينار لهذا وديناران للآخر مثلاً، أما إذا أعطي ذو الدينار دينارين كان معنى ذلك الزيادة من غير الاستحقاق، وإذا أعطي ذو الدينارين ديناراً كان ذلك أقلّ من حقه وظلماً لـه، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَلاَ تَبْخَسُواْ النّاسَ أَشْيَآءَهُمْ((78).
والنظرية الإسلامية العامة التي يمثلها أمير المؤمنين علي (عليه السلام) هي المساواة كأصل إلا ما خرج بالدليل، وتكون المساواة حتى في العطاء الذي يصرف من بيت المال لآحاد الأمة كمسلمين، وان اختلفت منزلتهم، فلا فرق في العطاء العام بين مختلف المستويات فإنهم متساوون في إنسانيتهم، فالطبيب والمهندس والعامل وغيرهم كلهم في درجة واحدة من البشرية.
وأما إذا قيل بأن أحدهم لا يكفيه العطاء المتساوي، فهذا يتكفل بيت المال بسد حاجاته ويزيد لـه في عطائه من باب فقره مثلا، ولكن هذه الزيادة لا تحسب من أصل العطاء.

رابعاً: هناك مخالفة ابتدأت في عصر هؤلاء الحكام لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورفض لتقييمه وأوسمته التي أسبغها على بعض الصحابة الأجلاء، فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول في حق أبي ذر وبإجماع المؤرخين: »ما أظلت الخضراء وما أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر«(79)، بينما هم يرفضون هذا الوسام الرفيع ويقولون فيه: (الشيخ الكذاب)، وفي هذه القصة يتضح أن النيل من الصحابة الأجلاء أبتدأ منذ عصر الخلفاء ومنه قول عثمان في أبي ذر المتقدم(80).

خامساً: هناك مؤامرة واضحة ضد الطليعة الرشيدة من الصحابة وتتمثل في أمور منها:
1: إبعادهم ونفيهم عن الحواضر الإسلامية المعروفة كي لا ينال المنكرَ أمر بمعروف، كما نفي أبو ذر إلى الشام والربذة.
2: حرمانهم من عطائهم الذي هو من حقوقهم المشروعة والواجبة، وهذا ما حصل مع أبي ذر، وذلك لما أخرجه عثمان إلى الشام أخذ ينكر على معاوية أشياء يفعلها، فبعث إليه معاوية ثلاثمائة دينار، فقال أبوذر: إن كانت من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا قبلتها، وإن كانت صلة فلا حاجة لي فيها، وردها عليه(81).

سادساً: في أحد مقاطع هذه الرواية يتضح أمران لهما علاقة بالقرآن وهما غاية في الأهمية.

الأمر الأول: يتمثل في غياب بعض المفاهيم القرآنية عن أذهان الناس التي تتعارض مع مصالح القوم، فهناك أمر بمنع قراءة الآيات التي تدعو إلى الإنفاق وبذل المال في سبيل الله تعالى، ومنها هذه الآية: (وَالّذِينَ يَكْنِزُونَ الذّهَبَ وَالْفِضّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ((82)، لأنها لا تتفق مع ما يذهبون إليه من جمع المال وادخاره وعدم إنفاقه في سبيل الله تعالى، فلما أعطى عثمان مروان بن الحكم ما أعطاه، وأعطى الحارث بن الحكم بن أبي العاص ثلاثمائة ألف درهم، وأعطى زيد بن ثابت مائة ألف درهم، جعل أبوذر يقول: بشر الكافرين بعذاب أليم، ويتلو قول الله عزوجل: (والذين يكنـزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم(، فرفع ذلك مروان إلى عثمان، فأرسل إلى أبي ذر نائلا مولاه أن انته عما يبلغني عنك، فقال: أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله، وعيب من ترك أمر الله، فو الله لأن أرضي الله بسخط عثمان أحب إلي وخير لي من أن أرضي عثمان بسخط الله(83).

والأمر الثاني: هو محاولة تحريف القرآن عبر حذف حرف الواو من هذه الآية وهو ما قام به معاوية، فلما نفى عثمان أباذر إلى الشام ورأى من أحداث معاوية أخذ يقرأ هذه الآية: (والذين يكنـزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم( فقيل لـه: هذه الآية ليست في المسلمين وإنما في الأحبار واليهود وهي صفة لهم وقرأت لـه بحذف الواو (الذين يكنـزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله( أي يكون محل إعرابها صفة للأحبار والرهبان بينما حقيقة المراد في الآية عام فتشمل الأحبار واليهود والمسلمين وغيرهم (يَـا أيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِنّ كَثِيراً مّنَ الأحْبَارِ وَالرّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ يَكْنِزُونَ الذّهَبَ وَالْفِضّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ((84).
ولكن محاولة معاوية في هذا التحريف لم تنجح وبائت بالفشل وبقي أبو ذر يرددها دائماً، ولما بنى معاوية الخضراء بدمشق، قال لـه أبو ذر: يا معاوية إن كانت هذه من مال الله فهي الخيانة، وإن كانت من مالك فهو الإسراف، وكان أبو ذر (رحمه الله تعالى) يقول: (والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها، والله ما هي في كتاب الله ولا في سنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، والله إني لأرى حقاً يطفأ، وباطلاً يحيا، وصادقاً مكذباً، وأثرة بغير تقى، وصالحاً مستأثراً عليه)(85).
وقد كان لهذه الدعوة الصادقة التي واصل العمل فيها أبو ذر (رحمه الله) الأثر الكبير على الناس في الشام حتى وصل الأمر إلى أن حبيب بن مسلمة الفهري قال لمعاوية: إن أباذر لمفسد عليكم الشام فتدارك أهله إن كانت لكم فيه حاجة، فكتب معاوية إلى عثمان فيه، فكتب عثمان إلى معاوية: (أما بعد، فاحمل جنيدباً إليّ على أغلظ مركب وأوعره). فوجه به مع من سار به الليل والنهار، وحمله على شارف ليس عليها إلا قتب، حتى قدم به المدينة، وقد سقط لحم فخذيه من الجهد، فلما قدم أبوذر (رحمه الله) المدينة، بعث إليه عثمان: أن الحق بأي أرض شئت، فقال: بمكة. قال لا، قال: فبيت المقدس، قال: لا، قال: فبأحد المصرين، قال: لا، ولكني مسيرك إلى الربذة، فسيره إليها، فلم يزل بها حتى مات(86).

سابعاً: ومن العبر التي يمكن استخلاصها من هذه الرواية ما يتعلق بأبي ذر ومنها أن موقفه هذا يدل على شجاعته في مواجهة الانحراف والمنكر، الاقتصادي وغيره، فلايرهبه التهديد بالقتل ولا يهاب الإبعاد والتغريب، ولا يهتم لقطع عطائه وحرمانه منه، لأن ما قام به هو من أجل الحفاظ على سلامة مسيرة الرسالة الإسلامية، ومن أجل إرساء أحد المفاهيم الإسلامية الاقتصادية المهمة التي بها يستتب الأمن والاستقرار والسلام.
ولو عمل المسلمون في هذا اليوم بهذا المبدأ السامي الإسلامي الذي يمثله أبو ذر المترجم الصادق الأمين لمبادئ الإسلام ومفاهيمه قولاً وعملاً لما بقي فقير بينهم، ولعم السلم والسلام الاقتصادي المجتمع بأسره، ولكن أنى لهم الأخذ بهذا المبدأ بعد ما بدا تقصيرهم الواضح في إعطاء الواجب عليهم كالخمس والزكاة، أو في توزيعها بشكل صحيح.


:::ظلامات أبي ذر الغفاري:::
وظلامات أبي ذر (رحمه الله) التي بدأت على يد الحاكم الأموي بوصفه (الشيخ الكذاب)(87)، ونفيه وغيرها، ومروراً بما حصل له من معاوية، لن تنتهي بموته فهي لازالت حتى في عصرنا، فقد وجه له البعض من المغرضين التهم وزعم أنه كان يدعو إلى الشيوعية، وينفي المبدأ الإسلامي القائل بالملكية الفردية.

والجواب على هذه الشبهة:
1: إن أبا ذر لم ينف في دعوته الملكية الفردية فهي مبدأ إسلامي يقبل به كل مسلم، فكيف بصحابي جليل مثل أبي ذر الغفاري (رحمه الله)، ولكن الملكية الفردية هي مشروطة بشروطها المقررة شرعاً.

وإنما كان حديث أبي ذر (رحمه الله) عن الإنفاق في سبيل الله من الأموال المكدسة في بيت المال والتي كانت تعطى اعتباطا لبعض أقرباء الحاكم.

2: حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في تكريم أبي ذر (رحمه الله) هو رد على هذه التهمة وهو قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): »ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر«(88)، فهو يؤكد أنه صادق في عقيدته وسلوكه وتوجهاته وصادق فيما يلهج به لسانه، وهو ترجمة أمينة لمبادئ الإسلام.


:::أسباب دعوة أبي ذر إلى مبدأ الإنفاق في سبيل الله:::
هناك جملة من الأسباب التي دعت أبا ذر الغفاري (رضوان الله عليه) للتمسك بهذا المبدأ القرآني (الإنفاق في سبيل الله) ومنها:
1: إن جمع المال وادخاره ينسي الإنسان الآخرة ويجعله يخلد إلى الدنيا، وعمل الإنسان يجب أن لا يقتصر على الدنيا فعليه أيضاً أن يعمل لآخرته وكأنه يموت غدا.

2: إن هذه الأموال لن تجمع بهذه الكثرة عادة إلا من بخل أو حرام، فالجامع يجب أن يُأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

3: إن جمع المال والثروة من قبل بعض الصحابة والحكام أصبح ظاهرة واضحة فخشي أبو ذر (رحمه الله) من هذه الظاهرة أن تصبح سنة متبعة، ولذا كان عليه أن يقف منها موقفا حازما.

4: عمل أبي ذر (رحمه الله) هو دفاع عن حقوق الطبقة الفقيرة المسحوقة وهم الفقراء والمساكين، فلو بذلت الأغنياء المال من الحقوق التي افترضها الله تعالى عليهم لما وجد هؤلاء ولما جاعوا، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): »فما جاع فقير إلا بما منع به
غني«(89).

5: إن هذا العمل يخلق الطبقية والصراع في وسط المجتمع، فيكون هناك تفاوت غير عادل بين أفراده، وهذا يؤدي إلى عدم استقراره. فيجب أن لا تكون هناك مثل هذه الطبقية في المجتمع إذ لا صراع في الإسلام بين الطبقات، ولا عدوان من الإنسان على الإنسان.

6: إنه يطلب السلم والسلام حينما يأمرهم بالإنفاق كما أمرهم الله عزوجل، لأن أحد أسباب الحرب والقتال ومختلف النزاعات هو جمع المال عن طريق الحرام وعدم رعاية حقوق الآخرين.

وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في قصة يوم الجمل: »كأنهم لم يسمعوا قول الله تعالى: (تِلْكَ الدّارُ الاَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ((90) بلى والله سمعوها ووعوها ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها...«(91).
والخلاصة: إن المبدأ الذي عمل أبوذر (رحمه الله) لأجله وتحمل معاناة التهجير والإبعاد من مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وضحى بحياته في سبيله هو مبدأ إسلامي قرآني حثت عليه الشريعة المقدسة وأيده النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وعمل به، فهو يحرم على الحكام كنز أموال الشعب والتصرف بها كيف ما شاؤوا، ويوجد تعاونا تاما وتكافلا كاملا وعدالة اجتماعية بين جميع أفراد البشر، ويخلق السلم والأمن والاستقرار في المجتمع وخاصة في ا لمجال الاقتصادي.


توقيع : تلميذ المنبر
يالثارات حجة الحجج الصديقة الكبرى السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام


من مواضيع : تلميذ المنبر 0 زفة القاسم أصل حسيني وهوية رافضية بحرانية
0 إيران تعتقل آية الله الشيرازي والقنوات تبث الخبر
0 الشيرازي: أقيموا الشعائر الحسينية بكافّة أشكالها وإن استوجب إزهاق
0 الشيرازي: أقيموا الشعائر الحسينية بكافّة أشكالها وإن استوجب إزهاق
0 في يوم اللاعنف العالمي بيانان مهمان
التعديل الأخير تم بواسطة المسامح ; 24-02-2013 الساعة 06:47 PM.

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 08:12 PM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية