|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 82198
|
الإنتساب : Aug 2015
|
المشاركات : 881
|
بمعدل : 0.26 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
دور السيدة زينب(السيدة زينب(عليها السلام) النهضة الحسينية) في النهضة الحسينية بأقلام المفكرين
بتاريخ : 10-08-2022 الساعة : 09:12 AM
انفردت السيّدة زينب(عليها السلام) بمكانة خاصّة في التاريخ، وتواضعت الأقلام لعظم مكانتها، ولم تفِ حقّها، فهي وُلدت وترعرعت في حضن الرسالة المحمدية والبيت العلوي، وبرزت بعفّتها وحيائها ولم يُرَ لها شخص، إلّا أنّه عندما اقتضت الضرورة، وبلغ الأمر حدّاً لا يُطاق، نجدها مارست دورها بشجاعة قلّ مثيلها، بحيث تولّت قيادة الركب الحسيني بعد استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) وبتوصية منه، وهذا الأمر وحده كفيل ببيان عظمة السيّدة زينب(عليها السلام).
وانطلاقاً من مبدأ أنّ تلاقح الأفكار بين المفكّرين عملية منتجة؛ لأنّ الفكر في عالم النقد يكون أقرب إلى الفاعلية والاستنتاج، حاول البحث بجهد متواضع الكشف عن رؤية كلّ مفكّر، والصورة التي رسمها عن السيّدة زينب(عليها السلام)، ودورها في النهضة الحسينية، وقد اخترنا أربعة مفكرين، اثنين من الرجال، واثنتين من النساء؛ اكتشافاً لتنوع الوعي، والمعالجة، ووجهة نظر الطرف الآخر، بما لكلّ واحد منهم من وجهة نظر أو رأي اتفاقاً، أو اختلافاً.
قُسّم البحث على مقدّمة وثلاثة محاور وخاتمة، تضمّن المحور الأول النشأة والتهيئة والإعداد الفكري والعقدي للسيدة زينب(عليها السلام)، ومعالجة كلّ مفكّر لهذا المحور، في حين تناول المحور الثاني التفاعل مع الظروف والأحداث، حيث تضمّن الأحداث التي عاصرتها السيّدة زينب بدءاً من وفاة الرسول(صلى الله عليه واله) وما شهدته من أحداث ومصائب، انتهاءً بمعركة كربلاء التي هي أشدّ الأحداث على السيّدة زينب(عليها السلام). أمّا المحور الثالث فتضمّن قيام السيّدة زينب(عليها السلام) بأداء الرسالة؛ لمواصلة ما بدأ به الإمام الحسين(عليه السلام) من ثورة ضدّ الظلم والجور، وإصلاح الأُمّة، ولفضح سياسة بني أُمية، وبعملها هذا (سلام الله عليها) مثّلت تطبيقاً حيّاً لقول الرسول الأعظم(صلى الله عليه واله): (أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر)[2].
المحور الأول: النشأة والتهيئة والإعداد الفكري
تُعدُّ السيّدة زينب(عليها السلام) إحدى شخصيات التاريخ المهمّة، ولها قدسية خاصّة، بوصفها أُنموذجاً ومثالاً بارزاً للعقيدة والثورة في سبيل الحقّ، والمتتبع آثارها يتمثّل أمام عينيه رمز العفاف والحقّ والفضيلة والشجاعة؛ لدورها في معركة كربلاء التي استُشهد فيها أخوها الإمام الحسين()، وأهل بيته(عليهم السلام)[3].
والسيّدة زينب(عليها السلام) هي ثالث أولاد السيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) من الإمام علي بن أبي طالب(). واختلف المؤرّخون في تحديد تاريخ ولادتها، والأرجح قولان: الأوّل: أنّ ولادتها في السنة الخامسة، في الخامس من شهر جمادى الأُولى، الثاني: أنّ ولادتها في السنة السادسة، في مطلع شهر شعبان، أي بين سنتي (626م) و(627م)[4].
وأخذت علمها من باب مدينة العلم والدها الإمام علي()، ووالدتها السيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)، وبقيت مع أُمّها الزهراء ستّ سنوات. ولو استأنسنا بما يذكره علماء النفس التربوي، بأنّ الطفل بعد أن يتمّ السنة الثالثة تبدأ مرحلة التوافق بينه وبين بيئته، والتمييز بين الألفاظ والمعاني، والنمو العقلي، ويتجه إلى كشف ما يحُيط به مما يُسمع ويُرى، وأنّ هذا الكشف يترك آثاراً تعمل في نفس الطفل إلى آخر يوم في حياته، فقد كانت السيّدة زينب(عليها السلام) ترى في هذه المرحلة أُمّها فاطمة الزهراء(عليها السلام) تقوم للصلاة حتّى تتورّم قدماها، وتبيت على الطّوى هي وصغارها، وتُطعم الطعام، بل تتجلّى لأولادها بحقيقتها القدسية، فهي الحوراء الإنسية بضعة سيّد الأنبياء(صلى الله عليه واله)[5]. ومن هنا؛ فقد انعكست صفات السيّدة الزهراء(عليها السلام) على ابنتها السيّدة زينب(عليها السلام)، وظهرت جلية واضحة في زهدها، وعبادتها، وصبرها.
وبعد هذا العرض الموجز جداً عن السيّدة زينب(عليها السلام) سنعرض رؤى المفكرين عنها، وكيف رسموا لنا صورةً عن حياتها وجهادها.
1ـ الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)[6]
ذكرت بنت الشاطئ بهذا الصدد، قائلة: (لم تظفر صبية من لداتها فيما نحسب بمثل ما ظفرت هي به في تلك البيئة الرفيعة من تربية عالية... قيل: إنّها كانت تتلو شيئاً من القرآن الكريم بمسمع من أبيها، فبدا لها أن تسأله عن تفسير بعض الآيات، ففعل ثمّ استطرد متأثراً بذكائها اللامع يُلمّح إلى ما ينتظرها في مستقبل أيامها، من دور ذي خطر، ولشدّ ما كانت دهشته حين قالت له زينب في جدّ رصين: أعرف ذلك يا أبي، أخبرتني به أُمي، كيما تهيّئني لغدي)[7].
ممّا تقدّم يتضح لنا أنّ هذا الاهتمام بالسيّدة مثّل إدراكاً واضحاً للقضية، وإعداداً وتهيئة نفسية وفكرية من والدها الإمام علي()، ووالدتها السيّدة فاطمة الزهراء()، ونلحظ أنّ بنت الشاطئ عرضت في كتابها ملامح واضحة من عناصر الوعي لديها()، منها دور هذا البيت العلوي وكفاءته في تربية السيّدة زينب(عليها السلام)، وإعدادها لحمل الرسالة، بما يجعل من قضية عاشوراء ونهضة الإمام الحسين(عليه السلام) حاضرة في الأذهان، فقد لمس المعصومون في زينب(عليها السلام) على صغر سنّها ملامح الكفاءة والقدرة الواضحة في شخصيتها()، وهي طفلة صغيرة لا يتجاوز عمرها الشريف بضع سنوات، فهي أهل لإدراك مدى عظمة القضية الحسينية، ولِتفهُّم الدور الذي سوف تقوم به.
وتنوّه بنت الشاطئ باليقظة الفكرية التي كانت تتمتّع بها السيّدة زينب(عليها السلام)، فقد كان لها مجلس علمي حافل، تحضره العديد من النساء اللواتي يرغبن التفقّه في الدين، وكان من بين مَن روى عنها: عبد الله بن عباس؛ إذ يقول: (حدّثتني عقيلتنا زينب بنت علي)[8].
2ـ الشهيدة آمنة الصدر (بنت الهدى)[9]
ترى العلوية بنت الهدى أن السيّدة زينب(عليها السلام) قد أُعدّت منذ اليوم الأول من ولادتها لهذه القضية، مؤكدة أنّ الأُسرة عامل أساس في إعداد أفراد أكفّاء قادرين على أداء أدوار مهمّة في التاريخ، أي: إن بنت الهدى لها رؤية بنت الشاطئ نفسها في مسألة الإعداد لحمل الرسالة، مشيرة إلى ذلك بقولها: إنّها بنت الإمام علي، وأخت الحسنين، وسليلة البيت الهاشمي العريق، وعقيلة الطالبيين، وريحانة النبوة السماوية، وقدّاحة الشجرة المباركة، هي التي دبت وترعرعت في البيت الفاطمي، والتي هُيئت منذ اليوم الأول لتُسجّل أروع صفحة في جهاد المرأة، والتي أحاطتها ظلال عاشوراء منذ الفجر الأول لولادتها[10].
ومن الجدير بالذكر أنّ بنت الهدى انفردت في الإشارة إلى دور مهمّ في إعداد السيّدة()، وهو أثر عقيدة الإسلام ودوره المهم في صنع الإنسان، وإيجاد طاقة عظيمة فيه[11].
3ـ الشيخ مرتضى مطهّري[12]
يرى الشيخ مرتضى مطهّري[13] بأنّ عظمة السيّدة زينب(عليها السلام)، وما مثّلته من شخصية بارزة يُشار لها، ويقف التاريخ لعظمتها إجلالاً، مرجعه إلى ما تلقته من تربية وتنشئة في ظل الإمام علي(عليه السلام)، والسيّدة فاطمة الزهراء()[14].
4ـ الشيخ حسن موسى الشيخ الصفّار[15]
انطلق الأستاذ الشيخ الصفّار في رسمه صورة تنشئة السيّدة زينب(عليها السلام) من منطلقات، أوّلها: أنّ البيئة والتربية والظروف المحيطة بالإنسان لها دورها في تنمية تأثيرات العامل الوراثي أو كبحها، عبر إرادة الإنسان وحرية اختياره، والآخر: التأثير الاجتماعي[16].
وأشار إلى أنّ التاريخ خلّد العديد من النساء اللواتي ارتقين سنام العظمة، وتأتي في مقدّمة ذلك السيّدة زينب(عليها السلام)، فقد مثّلت العالمة العارفة، والمعلمة المحدَّثة التي كانت تُعلّم النساء، ويروي عنها الرجال، والثائرة المجاهدة، ونراها الحاضرة الشاهدة في جميع أحداث النهضة الحسينية، ونراها الخطيبة المفوّهة[17].
ويرى كذلك أنّ دور السيّدة زينب(عليها السلام) تمثّل في التوجيه الروحي والفكري؛ إذ عملت على نشر المعرفة في أوساط المجتمع حتّى لا يحرم أحد من حقّه في الثقافة والوعي. كما أنّه يقف على عهد الإمام علي(عليه السلام) لابنته زينب(عليها السلام) أن تتصدى لتعليم النساء، وأن تبثّ المعرفة والوعي في صفوفهنّ، فكانت(عليها السلام) تفسر القرآن لهنَّ، وتروي لهنَّ أحاديث جدّها المصطفى(صلى الله عليه واله)، وأخبار أُمّها الزهراء()، ووالدها الإمام علي(عليه السلام)[18].
ويشير الشيخ الصفّار كذلك إلى أنّ السيّدة زينب(عليها السلام) تمثّل امتداداً لشخصية الإمام علي(عليه السلام)، فقد عاصرت الإمام علياً(عليه السلام) خمسة وثلاثين عاماً، وكانت القريبة إلى قلبه، والعزيزة عليه، وكان هو الأقرب إلى نفسها والأشد تأثيراً عليها؛ لذلك تقمّصت السيّدة زينب شخصية أبيها في شجاعته وإقدامه، وفصاحته وبيانه، وفي سائر الفضائل والخصال الكريمة[19]، وشهادة الإمام زين العابدين(عليه السلام) بحقّ السيّدة(عليها السلام) لم تكن جزافاً ولا مبالغاً فيها، وهو الإمام المعصوم، حيث قال(عليه السلام) لها: (أنتِ بحمد الله عالمة غير معلَّمة، فهمة غير مفهَّمة)[20].
يتبع
|
|
|
|
|