يمكن، أن نقسم ما ورد في الشورى عن لسان أمير المؤمنين(ع) إلى ثمانية أبعاد هي:
أولاً: أهمية الشورى:
جاء في كلام أمير المؤمنين(ع) في أهمية الشورى
1) نعم المظاهرة المشاورة(1).
2) الاستشارة عين الهداية(2).
3) أفضل الناس راياً من لا يستغني عن رأي مشير(3).
4) ولا ظهير كالمشاورة(4).
5) ولا مظاهرة أوثق من المشاورة(5).
6) ما ضلّ من استشار(6).
7) لا يستغني العاقل عن المشاورة(7).
فالشورى هي من ابرز علامات الهداية والقوة والحكمة والعقل. فالإنسان الذي يعتمد المشورة في حياته هو المتميز بين الناس بالنجاح والأفضلية، فهو يتخذ من الشورى سبيلاً إلى الهداية، وهو بالتالي محصّن ضد الضلال والانحراف. هذه هي ابعاد الشورى كما يتضح من أقوال أمير المؤمنين(ع).
ثانياً: فوائد الشورى:
للشورى فوائد واضحة وإلا لما دعى إليها الإسلام، ومن فوائدها على لسان أمير المؤمنين(ع):
1) من شاور ذوي العقول استضاء بأنوار العقول(8).
2) من شاور الرجال شاركها في عقولها(9).
3) باكروا فالبركة في المباكرة، وشاوروا فالنجح في المشاورة(10).
4) من استشار العاقل ملك(11).
5) المشورة تجلب لك صواب غيرك(12).
6) المشاورة راحة لك وتعبٌ لغيرك(13).
7) من لزم المشاورة لم يعدم عند الصواب مادحاً(14).
8) ما استنبط الصواب بمثل المشاورة(15).
9) خوافي الآراء تكشفها المشاورة(16).
نستطيع أن نستخلص من النصوص المتقدمة هذه الفوائد:
1) الاستفادة من آراء وتجارب الآخرين.
2) تحقيق النجاح في العمل.
3) الوصول إلى الرأي الأصوب.
4) زيادة البركة في العمل القائم على المشورة.
5) الاطمئنان والراحة إلى نتائج العمل القائم على المشورة.
6) عدم تكرار تجارب الآخرين والاكتفاء بآرائهم.
ثالثاً: مستلزمات المستشير:
ماذا يحتاج من يريد الاستشارة؟ ما هي مستلزمات المستشير؟
يجيب أمير المؤمنين(ع) قائلاً؟
1) شاور قبل أن تعزم وفكّر قبل أن تقدم(17).
2) إذا عزمت فاستشر(18).
3) عليك بالمشاورة فإنها نتيجة الحزم(19).
4) طول التفكير يعدل رأي المشير(20).
فمن مستلزمات المستشير: أولاً وقبل كل شيء أن يفكر في أمره وأن لا يغلق على نفسه أبواب التفكير اعتماداً على المشورة فقط. لأن التفكير المستقيم قد ينفعه عند المشورة، وبعد المشورة عليه أن يتحلّى بالحزم فبدونه لا فائدة من الشورى، والحزم هو الإصرار على العمل وترك التردد والتذبذب في الرأي.
إذن قبل أن يستشير الفرد عليه أن يضع الأمور أمامه ويفكّر فيها عسى أن يصل إلى الرأي الصائب، وبعد التفكير يطرح الأمر على الآخرين، وبعد المشورة عليه أن يعمل بالرأي الذي خلص إليه بعزم وقوة.
فالتفكير =====> فالمشورة =====> فالحزم.
وهذه هي المعادلة المهمة التي يضعها أمير المؤمنين(ع) بين أيدينا.
رابعاً: شروط المشير (المشاور):
وضع الإسلام للمشير شروطاً، فليس من الصحيح أن تشاور كل إنسان وجدته في قارعة الطريق.
فشروط المشير هي:
1) من شاور ذوي النهى والألباب فاز بالنجح والصواب(21).
2) افضل من شاورت ذوي التجارب(22).
3) خير من شاورت ذوي النهى والعلم وأولوا التجارب والحزم(23).
4) لا تشاور في أمرك من يجهل(24).
5) شاور ذوي العقول تأمن الزلل والندم(25).
6) شاور في أمورك الذين يخشون الله ترشد(26).
7) من استشار ذوي النهى والألباب فاز بالحزم والسداد(27).
8) استشر عدوك العاقل واحذر رأي صديقك الجاهل(28).
9) مشاورة الجاهل المشفق خطر(29).
10) مشاورة الحازم المشفق ظفر(30).
نستخلص من النصوص المتقدمة هذه الشروط التي يجب توفرها في المشاور.
1) أن يكون متقياً يخشى الله.
2) أن يكون عاقلاً من ذوي النهى والألباب.
3) أن يكون من ذوي التجارب في الحياة.
4) أن يكون عالماً وليس جاهلاً حتى لو كان صديقاً أو قريباً.
5) أن يكون موصوفاً بالحزم.
خامساً: من لا نشاوره:
ليس كل إنسان قابل للمشورة، فهناك صفات فيمن نشاوره ذكرناها في البند(4) وهناك أفراد يحرم علينا مشورتهم لحالات خاصة فيهم تؤدي بالمشورة إلى عكس المطلوب، وهؤلاء هم.
1) لا تشاور عدوك واستره خبرك(31).
2) لا تستشير الكذّاب(32).
3) ولا تدخلنّ في مشورتك بخيلاً(33).
4) لا تشركن في رأيك جباناً(34).
5) وإياك ومشاورة النساء فإن رأيهنّ إلى أفن(35).
فهؤلاء لا ينبغي مشاورتهم لأسباب لا مجال للتفصيل فيها وهم: العدو الذي يخفي عداوته، والكذاب، والبخيل، والحريص على الدنيا، والجبان والنساء وهناك تفصيل في مشورة النساء لا مجال لذكره.
سادساً: العلاقة بين المشير والمستشير(المشاور):
هناك علاقة عضوية بين هذين الركنين المشير والمستشير يجب أن نحافظ عليها. وهذه العلاقة هي:
1) جهل المشير هلاك المستشير(36).
2) على المشير الاجتهاد في الرأي وليس عليه ضمان النجح(37).
3) لا تردنّ على النصيح ولا تستغشنّ المشير(38).
4) من ضلّ مشيره بطل تدبيره(39).
5) من غش مستشيره سلب تدبيره(40).
6) من نصح مستشيره صلح تدبيره(41).
إذن تقوم العلاقة بين المشير والمستشير على قاعدة المحبة والود، وعندما تكون هذه العلاقة متينة ومبنية على قاعدة الحب تكون المشورة نابعة عن اخلاص ورغبة في المساعدة، ويحاول المشير أن يكون ناصحاً صادقاً في الرأي، جاهداً نفسه لمساعدة المستشير فمعادلة المشير والمستشير تستند على هذه الركائز.
1) يستفرغ المشير جهده،ويعطي رأيه عن علم وتجربة.
2) يكون ناصحاً للمستشير، وليس غاشاً ولا سبباً لضلاله وتيهه.
3) لا يرد المستشير على نصيحة المشير، بل يكون متواضعاً له، عاملاً بالاستشارة.
4) حصيلة هذه العلاقة التدبير عندما يكون المشاور ناصحاً، وبالعكس يسلب منه التدبير عندما يغشه.
سابعاً: عواقب ترك الشورى أو مخالفتها:
الأمة التي تترك الشورى يستبد فيها الطغاة. والإنسان الذي لا يعوّد نفسه على المشورة هو الإنسان الفاشل في الحياة.
لنستمع إلى كلام أمير المؤمنين(ع) في عواقب ترك المشورة والشورى.
1) من خالف المشورة ارتبك(42).
2) من قنع برأيه زلّ(43).
3) قد خاطر من استغنى برأيه(44).
4) من أعجب برأيه ذلّ(45).
5) من أعجب برأيه ملكه العجز(46).
6) من استبدّ برأيه خفّت وطأته على أعدائه(47).
7) من استبد برأيه خاطر وغرّر(48).
8) ما أعجب برأيه إلا جاهل(49).
9) لا تستبد برأيك فمن استبد برأيه هلك(50).
10) الاستبداد برأيك يزلك ويهوّرك في المهاوي(51).
فهذه النصوص تبين لنا خطورة اعتماد الفرد على رأيه واستغنائه عن المشورة فهو عرضة للزلل، وهو يخاطر بنفسه عندما يعتمد على رأيه وبالتالي فنتيجة الاستبداد بالرأي هو الهلاك، وعندما يكون مورد المشورة في مجال الحرب يصبح الهلاك بين العدو، أما من شاور ثمّ خالف المشورة فهو عرضة للارتباك والاضطراب.
ثامناً: ما يعترض الشورى من نواحي الضعف:
ليس كل شورى صحيحة، فهناك اقسام من الشورى مضرّة ولها تبعات ونتائج وخيمة على المستشير، فما هي الموارد التي لا تحبذ فيها الشورى؟
يجيب أمير المؤمنين(ع):
1) شر الآراء ما خالف الشريعة(52).
2) آفة المشاورة انتقاض الآراء(53).
3) خيرُ الآراء أبعدها من الهوى(54).
ثلاث قضايا تحبط الشورى وتمنع وصول الفرد أو الجماعة إلى الرأي الصائب، هذه الأمور هي: 1- مخالفة الشريعة.
2- نقض الشورى برأي مخالف والعمل خلاف ذلك.
3- اتباع الهوى، لأن الهوى والشهوات تدفع بالإنسان إلى اختيار الرأي المنسجم ورغباته.
مجالات الشورى في السيرة العملية للإمام أميرالمؤمنين(ع)
اتصف عهد الإمام أمير المؤمنين(ع) بكثرة القلاقل والاضطرابات الداخلية، فقد عاش الإمام فترة استثنائية لم يستطع فيها من تحقيق كل ما كان يطمح إليه بسبب القلاقل والاضطرابات التي نشأت في عهده.
والشورى هي إحدى الأسس لحكم البلاد التي لا تجد طريقها إلى التطبيق إلا في ظروف طبيعية، أما في الظروف الاستثنائية فإن البلاد بحاجة إلى مركزية في القرار وحزم كبيرين، وقد لاحظ بعض الكتّاب هذا الأمر، وحاولوا أن يعطوه تفاسير واهية قائلين بانصراف الإمام علي(ع) عن الشورى.
شبهة اهمال الإمام أمير المؤمنين للشورى
هناك شبهة ترى أن الإمام أمير المؤمنين(ع) أهمل الشورى في عهده بسبب وجود الاضطرابات. من الداعين إلى هذا الرأي اسماعيل البدوي في كتابه معالم الشورى في الإسلام.
وذهب فريقٌ من الباحثين إلى أن علياً كان يعوزه حزم الحاكم دهاؤه وتنقصه الحنكة السياسية مع أنه كان يمتاز بفضائل كثيرة، فقد كان ذكياً فقيهاً، فصيحاً شجاعاً نشيطاً، فلم يعتمد علي في مشورته على أولي الأمر، وأهل الحل والعقد، وذوي الآراء الراجحة وإنما اعتمد على الشيعة، وجماهير المسلمين ورؤساء القبائل والعشائر في العراق(55) وبعد التدقيق والتحقيق وجدنا أن مصدر هذه الشبهة التي كتب عنها العديد من الكتّاب هو أحد المستشرقين الذين كتبوا بحقد عن أمير المؤمنين(ع) وهو (نيكلسون) وقد تأثر به بعض الكتّاب والسياسيين الذين رددوا عبارته بأساليب مختلفة إلا أنها تحمل المعنى نفسه.
وأصل عبارة نيكلسون هي (ولم يكن له موهبة (أي أمير المؤمنين) للحقائق الصارمة لفن السياسة(56).
وعلى النقيض من هذا الرأي هناك رأيٌ معاكس يقول به جمعٌ من الكتاب منهم الاستاذ يعقوب المليجي..
يقول في هذا المضمار (وقد شهد عثمان عصر هذا النظام (نظام الشورى) وابتداء التحول إلى حكم العامة بدلاً من حكم الخاصة... ثم يستنتج قائلاً: ولذلك لم يكن غريباً أن ينهج علي في الحكم نهجاً آخر، تمثّل في طريقة الشورى على وجه الخصوص فبينما اعتمد أبو بكر وعمر على خاصة أهل الرأي في المدينة، وبينما ارتكز عثمان على حزب بني أمية من ذوي قرباه، إذا بعلي ينصرف عن هذا وذاك ويعتمد على جمهور الأمة الإسلامية كما لم يفعل خليفة ممن سبقه، وإذا به يجعل أهل المشورة في أخطر أمور الدولة هم آلاف الأفراد لا آحادهم وجنود الجيش لا قواده)(57).
وعلى رغم هذا الرأي الايجابي إلا انه ظلّ يردد عبارة ينكلسون التي قالها عن أمير المؤمنين (تنقصه الحنكة السياسية)(58) ويظهر أن هذه المقولة قد ترسخت في أذهان الكثير من المؤلفين منهم حسن إبراهيم حسن في كتاب تاريخ الإسلام السياسي، فكان لابدّ من مناقشتها بشيء من التفصيل.
1) إن مقولة (ينكلسون) وغيره من المستشرقين سببها هو تجاهل الإمام أمير المؤمنين(ع) لرأي المغيرة بن شعبة عندما أشار عليه بالابقاء على معاوية وابن عامر وغيرهما من الولاة حتى تستقيم له الأمور، وبعده يكون له الخيار إما الإبقاء عليهم أو اعفاؤهم، فلم يبال الإمام برأيه.. وكان له دواعي واسباب في اتخاذه قرار الرفض ذكرها المؤرخون بالتفصيل.
2) صحيح إن الإمام كان قليل المشورة، لا لأنه لا يعطي اعتباراً للشورى، بل لأنه يرى النص مقدماً على الشورى. وهذا ما يقول به جميع العلماء بلا اختلاف في مذاهبهم الفقهية. فلا وجود للشورى في مقابل النص.
وكان الإمام يأخذ بالنص في الكثير من المواقف ويستشير فيما لا نصّ فيه، واستشارته كاستشارة النبي(ص) هي من باب ترطيب لنفوس أصحابه.
لنستمع إلى الإمام في إحدى خطبه كيف يحتج بالكتاب أمام طلحة والزبير عندما جاءا إليه وعاتباه لأنه لم يستشرهما، فقال لهما الإمام:
(نظرتُ إلى كتاب الله، وما وضع لنا، وأمرنا بالحكم به فأتبعته ونظرتُ إلى ما استنّ النبي(ص) فأقتديته، فلم احتج في ذلك إلى رأيكما، ولا رأي غيركما، ولا وقع حكمٌ جهلته فاستشيركما وإخواني المسلمين، ولو كان ذلك لم أرغب عنكما ولا عن غيركما)(59).
يؤكد الإمام من خلال هذا النص انه مع الشورى بشرط عدم وجود نص من القرآن الكريم، فإذا ورد النص فلا معنى للمشورة لأنه يجب أن يعمل بما يمليه عليه النص وكذلك كان يفعل رسول الله(ص) فكان يستغني عن المشورة في الأمور التي نزل فيها الوحي، أما اكثاره(ص) للمشورة فيعود إلى أسباب أخرى لا دخل لها بالمشورة من قبل تعويد المسلمين على المشورة، واشعارهم بأهميتهم وأهمية آرائهم.
ومن جواب أمير المؤمنين(ع) نفهم أنه لم يكن مستغنياً تماماً عن المشورة بل كان يلجأ إليها كما يقول صلاح عبد الفتاح الخالدي: (كان يلجأ إلى الشورى كلما أعضل عليه أمر)(60).
1) هناك تعليل (للماوردي) ذكره عن قلة مشاورة أمير المؤمنين(ع) لاصحابه يقول فيه: (لأنه لم يبق في عصره عديلٌ يشاوره، وقيل لأنه كان شاهد استشارة قريبة فاكتفى بها)(61).
2) أما ما يقال انه كان ينتهج نهجاً آخر في الشورى، وهو طرح الأمور على الناس بصورة عامة، فهذا صحيح، إذ أن من ابرز أهداف الشورى هو معرفة رأي العامة وجمع كلمتهم والحفاظ على الألفة، وهو ما كان يقوم به رسول الله(ص) وقد كانت الظروف السياسية في عهد الإمام تستدعي هذا النوع من الشورى حيث كانت القلاقل والاضطرابات تسود المجتمع الإسلامي فكان أحد أساليب جمع الكلمة هو طرح الأمور على عامة الناس لابداء رأيهم فيها، كما وأن نهج الإمام أمير المؤمنين(ع) هو الرجوع إلى رأي الأمة، وليس إلى رأي النخبة، وهذا هو الفارق الكبير بين شورى أمير المؤمنين(ع) وغيره.
موارد شاور فيها أمير المؤمنين(ع)
أورد المؤرخون صوراً عديدة عن مشاورات أمير المؤمنين(ع) فيما يأتي بعضها:
1) الإبقاء على ولاية أبي موسى الاشعري:
فكان ابقائه لأنه شاور مالك الاشتر حوله فكان رأي الاشتر الإبقاء عليه فأبقاه ولربما كان رأي الإمام هو عزله لما عرف عن ضعفه وتذبذبه .
جاء في تاريخ اليعقوبي (عزل عـــمال عثمان عن الـــبلدان خلا أبي موسى الاشعري، كلـــّمه فيـــه الاشتر، فأقـــرّه)(62).
2) عزل قيس بن سعد عن ولاية مصر:
بعد أن انتشر خبر قيس بن سعد وانه يكاتب معاوية، وأن معاوية يبعث إليه بالهدايا كادت تقع الفتنة في صفوف أصحاب أمير المؤمنين(ع) مطالبين إياه بعزله فجاءه عهد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر بن أبي طالب فطالبوا بعزله، فدعى أمير المؤمنين(ع) الحسنين، وتشاوروا حول هذا الأمر فقال ابن جعفر: يا أمير المؤمنين: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، إعزل قيساً عن مصر فقال أمير المؤمنين(ع) إني والله ما أصدق بهذا عنه فقال عبد الله: أعزله فإن كان هذا حقاً لا يعزلك)(63) أي لا يتركك فعزله تجاوباً مع رأي الأكثرية بينما كان رأيه عدم عزله كما يظهر من النص المذكور.:
3) المسير إلى الشام لحرب معاوية:
ذكر نصر بن مزاحم: (لما أراد علي السير إلى أهل الشام دعا إليه من كان معه من المهاجرين والانصار، فحمد الله وأثنى عليه وقال: أما بعد فانكم ميامين الرأي مراجيح الحكم مقاويلٌ بالحق، مباركو الفعل والأمر، وقد أردنا المسير إلى عدوّنا وعدوكم فأشيروا علينا برأيكم)(64).
فقال الأصحاب واحداً بعد آخر وأبدوا رأيهم موافقين للمسير فاتخذ الإمام قرار الحرب ضد معاوية.
4) قتاله للخوارج:
لم يكن أمير المؤمنين(ع) يريد قتال الخوارج، بل كان يعدّ العدّة لمقابلة معاوية الذي كشف عن زيفه ومكره في قضية التحكيم، والذي كان يبعث بالجيوش للإغارة على المدن القريبة من الشام كالانبار، إلا أن تصاعد ارهاب الخوارج وقتلهم لعبد الله بن خباب أثار أصحاب أمير المؤمنين(ع) فجاؤوا إلى الإمام وقالوا له: علام ندع هؤلاء وراءنا يخلفوننا في عيالنا وأموالنا؟ سِرْ بنا إلى القوم فإذا فرغنا منهم سرنا إلى عدوّنا في أهل الشام. وقام إليه الاشعث بن قيس وكلمه بمثل ذلك، فأجمع علي على ذلك وخرج(65).
فكانت - معركة - النهروان التي قضى فيها على الخوارج عن بكرة أبيهم.
نلاحظ في هذه القضية كيف اختار أمير المؤمنين رأي الأكثرية من أصحابه الذين كانوا يريدون مقاتلة الخوارج ولو لم يفعل ذلك لكان قد ازداد الشقاق في جيشه.
5) مقاتلة الخريت بن راشد:
(الخريت بن راشد) من الذين خرجوا علىالامام أمير المؤمنين(ع) وتحصنوا في مدينة الأهواز فاجتمع حوله علوج من أهل الاهواز - كما يقول ابن الأثير في الكامل - (66).
فارسل إليه الإمام معقل بن قيس ووصاه: إتق الله ما استطعت ولا تبغ على أهل القبلة، ولا تظلم أهل الذمة، ولا تتكبّر فإن الله لا يحب المتكبرين(67).
فانهزم الخريت أمام معقل ثم انه هرب إلى ادغال البحر، فكتب معقل إلى أمير المؤمنين يخبره بنصر الله له ويطلب منه ماذا يصنع بالخريت؟ (فقرأ علي الكتاب على أصحابه واستشارهم، فقالوا كلهم: نرىان تأمر معقلاً أن يـــتبع آثار الفاسق حتى يقتله أو ينفيه، فكتب إلى معقل يثنـــي عليه وعلـــى من معه ويأمر باتباعه وقتله أو نفيه)(68).
فأخذ الإمام رأي الشورى وأمر معقل بتعقيبه حتى تم قتله على يد النعمان بن صهبان الراسبي.
6) نصب زياد بن ابيه والياً على فارس:
يذكر ابن الأثير: لما قتل ابن الحضرمي واختلف الناس على علي طمع أهل فارس وكرمان في كسر الخراج، فطمع أهل كل ناحية وأخرجوا عاملهم، وأخرج أهل فارس سهل بن حنيف، فاستشار علي الناس فقال له جارية بن قدامة: ألا أدلك يا أمير المؤمنين على رجل صلب الرأي عام بالسياسة كافٍ لما ولي؟ قال: من هو: قال: زياد، فأمر علي بن عباس أن يولي زياداً(69).
وهذه مشورة من قبل الإمام تمت إنسان خبير مطلّع على الأمور، ومطلع على أحوال الأمراء والقادة العسكريين، فسارع الإمام إلى الأخذ برايه لأنه نابع عن خبرة وتجربة.
النتيجة
في النماذج التي تقدمت كان الإمام أمير المؤمنين(ع) يأخذ برأي الشورى حتى لو كانت مخالفة لرأيه، وفي بعض المرات كانت المشورة مطابقة لرأيه، لكنه عندما يجد النص لا يأخذ بالشورى كما ورد في حديثه مع طلحة والزبير.
إذن لابد عند الأخذ بالشورى ملاحظة الجو السياسي العام فلربما كان للشورى فوائد غير مسألة الاستفادة من الرأي. لأن الإمام(ع) هو غني عن آراء الآخرين، لكنه لا يستغني عن الشورى عندما تكون وسيلة لجمع الصف وتربية الأصحاب ونزع فتيل الفتنة.